صندوق النقد: مدى استمرارية البنوك في تقديم الائتمان خلال مرحلة التعافي لم يحسم بعد

انعكاسات سلبية لجودة ائتمان متضرري كورونا على ربحية البنوك وإقدامها على المخاطرة في فترة التعافي

aiBANK

حابي – رجح صندوق النقد الدولي أن يكون للشواغل المتعلقة بالجودة الائتمانية للمقترضين المتضررين بشدة من الأزمة، بالإضافة إلى الآفاق المتوقعة لمستوى الربحية، انعكاسات سلبية على إقدام البنوك على المخاطرة في فترة التعافي.

وأكد الصندوق في تقرير “الاستقرار المالي العالمي: تجنب تركة من الأوضاع الهشة” الصادر أمس الثلاثاء، على الحاجة الماسة إلى التحرك لمنع تراكم تركة من الأوضاع الهشة، مطالبا صناع السياسات التحرك مبكرا في هذا الاتجاه وتشديد بعض أدوات السياسة الاحترازية الكلية، مع تجنب تشديد الأوضاع المالية على نطاق واسع.

E-Bank

كما أكد صندوق النقد على ضرورة دعم صناع السياسات للجهود الرامية إلى معالجة خلل الميزانيات العمومية لتشجيع التعافي المستدام والاحتوائي.

ويرى الصندوق، أنه بفضل الدعم الهائل الذي قدمته السياسات، ظل النظام المالي العالمي صامدا أثناء جائحة كوفيد-19 وزاد تيسير الأوضاع المالية إلى حد كبير، مما ساعد على استمرار تدفق الائتمان إلى قطاعي الأسر والشركات، وتيسير التعافي، و البقاء بعيدا عن المخاطر المالية.

ونوه بتحسن آفاق الاقتصاد الذي أدى إلى تضييق نطاق النتائج السلبية، ولكن نمو إجمالي الناتج المحلي لا يزال معرضا لمخاطر معاكسة كبيرة في المستقبل.

دعم السياسات غير المسبوق قد يسفر عن عواقب غير مقصودة

وأشار الصندوق إلى مسألتان مهمتان في هذا الخصوص، الأولى أن دعم السياسات غير المسبوق قد يسفر عن عواقب غير مقصودة، فزيادة تحمل المخاطر في الأسواق تساهم في تشكيل تقييمات سعرية مفرطة، ومواطن الضعف المالي المتزايدة قد تتحول إلى تركة من المشكلات الهيكلية إذا تركت دون علاج.

وتشهد أسواق الأسهم انتعاشا حادا في الأسعار منذ الربع الثالث من عام 2020، تأثرا بتوقعات التعافي الاقتصادي السريع واستمرار دعم السياسات، وهي تشهد الآن حركة تداول بمستويات أعلى كثيرا مما تشير إليه النماذج التي تسترشد بأساسيات الاقتصاد، بحسب الصندوق.

وقال صندوق النقد، إنه في الوقت الذي تحسنت توقعات العائد خلاله، فإن الانخفاض التاريخي في أسعار الفائدة الحقيقية الخالية من المخاطر “رغم الارتفاعات التي سجلتها مؤخرا” لا يزال يشكل مصدر دعم أساسي للتقييمات، كما ظلت فروق العائد بالغة الضيق في سوق سندات الشركات.

ولفت الصندوق إلى الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة طويلة الأجل، لاسيما في الولايات المتحدة، مما يرجع جزئيا إلى زيادة ثقة المستثمرين في إيجابية الآفاق المتوقعة.

وأضاف أنه رغم ارتفاع أسعار الفائدة تدريجيا بفعل التحسن في أساسيات الاقتصاد قد يكون جديـرا بالتـرحيب، فإن زيـادة سـريـعة ومسـتـمرة، وخاصة في أسعـار الفائدة الحقـيقيـة، قد تتسبب في إعادة تسعير المخاطر في الأسواق وتشديد الأوضاع المالية بشكل مفاجئ.

ويمكن أن يتفاعل هذا التشديد مع مواطن الضعف المالي المرتفعة، مع إحداث تداعيات على الثقة ومخاطر تهدد الاستقرار المالي-الكلي، لاسيما في الأسواق الصاعدة.

أما المسألة الثانية فتستند إلى أنه من المتوقع أن يتسم التعافي بعدم التزامن والتفاوت بين الاقتصادات، ومن المخاطر الماثلة في هذا الخصوص احتمال ضيق الأوضاع المالية بصورة ملحوظة في اقتصادات الأسواق الصاعدة، وخاصة إذا اتخذ صناع السياسات في الاقتصادات المتقدمة خطوات نحو إعادة السياسات إلى أوضاعها العادية.

وأفاد صندوق النقد بأنه إذا أصبحت البيئة المالية أقل إيجابية، قد يتسبب ذلك في خروج قدر كبير من تدفقات الحافظة وفرض تحد كبير على بعض الاقتصادات الصاعدة والواعدة، نظرا لضخامة احتياجاتها التمويلية هذا العام.

ويشير تحليل خبراء الصندوق إلى استمرار تحسن الآفاق المتوقعة لتدفقات الحافظة، الأمر الذي يرجع في الأساس إلى تيسير الأوضاع المالية العالمية.

ويرى صندوق النقد أن يظل التعرض للمخاطر قائما في البلدان ذات الأساسيات الاقتصادية الأضعف أو الفرص المحدودة للحصول على لقاحات مضادة لفيروس كوفيد-19، مشيرا إلى تفاقمت الرابطة بين الكيانات السيادية والبنوك في الأسواق الصاعدة حيث استوعبت البنوك المحلية معظم الزيادة في الدين المحلي.

وبالنسبة لكثير من اقتصادات الأسواق الواعدة، لا يزال هناك تعثر في النفاذ إلى السوق، بحسب صندوق النقد.

وكانت الصين أسرع إلى التعافي من البلدان الأخرى، ولكن ذلك كلفها تراكما أكبر لمواطن الضعف، لاسيما ديون الشركات ذات المخاطر.

ويرجح صندوق النقد أن تصبح الأوضاع المالية أقل إيجابية وسط توقعات بتشديد السياسة واتخاذ إجراءات جديدة لفرض الانضباط على البنوك والحكومات المحلية والمطورين العقاريين، علاوة على تزايد عدم اليقين بشأن الضمانات الضمنية.

وأشار إلى ضيق أوضاع التمويل لأدوات رأس المال في حالة البنوك الأضعف والأصغر ، كما تواجه السلطات الوطنية تحديا دقيقا و لكنه ملحا فيما يتعلق بإلغاء الضمانات الضمنية – وهي مهمة يتعين الحرص في تناولها تجنبا لإعادة التسعير على نحو غير منظم.

وذكر صندوق النقد أن الجائحة قد ألحقت ضررا بالغا بقطاع الشركات على مستوى العالم، فيما ساعد الدعم الاستثنائي من السياسات على تخفيف أثرها.

واغتنمت الشركات الكبيرة القادرة على النفاذ إلى السوق فرصة الأوضاع المواتية لإصدار سندات دين ومواكبة ضغوط السيولة، ولكن تراكم ديون الرفع المالي في قطاع الشركات بسبب الأوضاع المالية الميسرة يشكل مأزقا بالنسبة لصناع السياسات، إذ يجب تقدير الدفعة قصيرة الأجل للنشاط الاقتصادي في ضوء ما تنطوي عليه من زيادة في مواطن الضعف والمخاطر المعاكسة على النمو في المستقبل.

وأوضح الصندوق، أنه بإجراء تقييم أكثر تفصيلا على مستوى الشركات، يتبين وجود فروق ملحوظة في الأداء عبر القطاعات وأحجام الشركات، كما تشير تحليلات خبراءه إلى أن ضغوط السيولة مرتفعــــــة في الشـــركات الصغيرة في معظم القطاعات وعبر مختلف البلــــدان، في حين أن ضغـوط الملاءة مرتفعـة فـي الشركات الصغيـرة و ملحوظة أيضا في الشـــركات متوسطة الحجم وحتى الكبيرة في معظم القطاعات المتضررة.

واقترح صندوق النقد إطارا لتقييم ما إذا كان ينبغي للشركات أن تعتمد على التمويل السوقي، أو تسعى للحصول على دعم حكومي، أو تخضع لإعادة الهيكلة أو التصفية.

وقال صندوق النقد إنه حين وقعت الجائحة، كانت البنوك تتمتع بمستويات عالية من هوامش أمان رأس المال والسيولة، بفضل الإصلاحات التنظيمية التي أجريت بعد الأزمة المالية التي وقعت في 2007-2008، مما أكسبها صلابة في مواجهة الجائحة حتى الآن.

وأضاف، أن مدى استمرارية البنوك في تقديم الائتمان خلال مرحلة التعافي “أمر لم يحسم بعد”، فبينما شهدت بعض البلدان تباطؤا في نمو القروض، لاسيما تلك المقدمة لمؤسسات الأعمال، فمن المتوقع أن يرتفع الطلب على القروض بمجرد أن يصبح التعافي أكثر قوة، وخاصة حيثما كان في أضعف مستوياته.

وأشار الصندوق إلى أن مسؤولي القروض في معظم البلدان لا يتوقعون تخفيف معايير الإقراض، ومن الممكن أن يكون لإلغاء سياسات الدعم تدريجيا أثر ملموس على بعض البنوك، مما يرجح أن يؤثر على درجة إقبالها على الإقراض.

إضافة إلى ذلك، من المرجح، بالنسبة لمعظم البنوك، أن تؤدي أوجه عدم اليقين بشأن خسائر الائتمان وضعف آفاق الربحية إلى تقليل الحافز على إحداث خفض كبير في هوامش الأمان الرأسمالية لدعم التعافي، وقد تكون مثل هذه القيود مصدر قلق بالغ بالنسبة للشركات المحصورة في خيارات تمويلية محدودة و الأكثر اعتمادا على الائتمان المصرفي، بحسب صندوق النقد.

ونصح الصندوق قائلا: “ينبغي للسلطات أن تواصل تشجيع البنوك على استخدام هوامش الأمان لدعم التعافي، حيثما كان ذلك في حدود الحذر”.

ولا يزال استمرار دعم السياسات ضروريا إلى أن تترسخ جذور تعاف مستدام واحتوائي بغية الحفاظ على تدفق الائتمان إلى الاقتصاد ومنع الجائحة من تهديد النظام المالي العالمي، وفقا لتقرير صندوق النقد.

صندوق النقد: يتعين أن تظل السياسة النقدية تيسيرية إلى أن تتحقق أهداف السياسات المقرر

وأضاف الصندوق أنه يتعين أن تظل السياسة النقدية تيسيرية إلى أن تتحقق أهداف السياسات المقررة، كما ينبغي أن يتحرك صناع السياسات بسرعة للحيلولة دون ترُّسخ مواطن الضعف المالي وتحولها إلى مشكلات موروثة.

وعلى صناع السياسات التحرك مبكرا في هذا المسار، بالنظر إلى إمكانية وجود فواصل زمنية بين تفعيل الأدوات الاحترازية الكلية وتحقُّق تأثيرها، كما أنهم مطالبون بتشديد بعض أدوات السياسة الاحترازية الكلية لمعالجة جيوب التعرض المرتفع للمخاطر مع تجنب تشديد الأوضاع المالية على نطاق واسع، حسبما ذكر صندوق النقد في تقريره.

وأوضح أنه إذا لم تتوافر مثل هذه الأدوات (كما هو الحال في بعض شرائح قطاع الوساطة المالية غير المصرفية)، ينبغي أن يتحرك صناع السياسات بسرعة لاستحداثها.

وقال صندوق النقد إنه ينبغي لصناع السياسات أيضا أن ينظروا في بناء هوامش أمان في مواضع أخرى لحماية النظام المالي، نظرا للتحديات التي ينطوي عليها تصميم الأدوات الاحترازية الكلية وتفعيلها ضمن الأطر القائمة.

وأضاف أنه في الأسواق الصاعدة والواعدة، ينبغي للبلدان القادرة على النفاذ إلى السوق أن تغتنم فرصة أوضاع التمويل المواتية لتحسين تركيبة هيكل ديونها، أما في حالة البلدان ذات القدرة المحدودة على النفاذ إلى السوق، من المرجح أن تكون هناك حاجة لمساعدات إضافية من المجتمع الدولي.

وبالنسبة للبلدان الأخرى التي تواجه مصاعب كبيرة في تحمل أعباء ديونها، فيمكن أن تستفيد من إجراء إعادة هيكلة أعمق لهذه الديون، بحسب صندوق النقد.
وأضاف أنه من شأن “الإطار المشترك لمعالجات الديون” الذي وضعته مجموعة العشرين أن يساعد في معالجة مواطن التعرض لمخاطر الديون، كما ينبغي أن تكون إعادة بناء هوامش الأمان، حيثما أمكن، من أهم الأولويات في الاستعداد لأي تعديلات سعرية مفاجئة وأي انعكاس في مسار التدفقات الرأسمالية.
معالجة الخلل في الميزانيات العمومية بقطاع الشركات “أولوية”لتحقيق تعاف مستدام واحتوائي

ونصح الصندوق بإعطاء أولوية لمعالجة الخلل في الميزانيات العمومية في قطاع الشركات حتى يتسنى تحقيق تعاف مستدام واحتوائي، وقد يتطلب الأمر دعما لصالح موجها من السياسات لصالح الشركات التي تتمتع بمقومات البقاء ولكنها محدودة القدرة على النفاذ إلى السوق ومعرضة لمخاطر مؤقتة من ناحية السيولة أو الملاءة.

وأضاف أنه نظرا لموارد المالية العامة المحدودة للغاية في بعض البلدان، ينبغي أن يعجل صناع السياسات بإجراء إصالحات تعزز أطر التسوية أو التصفية للشركات، بما في ذلك إنشاء أسواق للديون الحرجة والقروض المتعثرة.

ينبغي الاحتفاظ بقيود توزيعات عوائد رأس المال أو تخفيفها بالتدريج في القطاع المالي

أما في القطاع المالي، فلا يزال من المهم إصدار إرشادات تنظيمية عن رصد المخصصات لمواجهة خسائر القروض المتوقعة على نحو يتجنب المسايرة المفرطة للتقلبات الدورية، على أن يخضع رصد هذه المخصصات للتدقيق الرقابي، بحسب الصندوق.

ولفت صندوق النقد في تقريره إلى أنه ينبغي الاحتفاظ بالقيود على توزيعات عوائد رأس المال أو تخفيفها بالتدريج فحسب في البلدان التي تتغلب على الجائحة، على أن يخضع ذلك لاختبارات رقابية تقيس القدرة على تحمل الضغوط للتأكد من احتفاظ البنوك بمستويات رسملة جيدة.

الرابط المختصر