بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ منذ سنوات ومع نشأة مصطلح التكنولوجيا المالية كنت قد جمعت ودرست لأول مرة مادة تحت هذا العنوان لطلبة الماجستير بالجامعة التي شرفت بالانتماء إليها طالبًا ثم عضوًا بهيئة التدريس.
بعدها بشهور طلب مني القسم الذي أنتمي إليه الإشراف على رسالة ماجستير لأحد الطلاب يرغب في البحث في أحد الموضوعات ذات الصلة بالتكنولوجيا المالية.
وقتها كنت مؤسسًا وعضوًا منتدبًا لشركة تعمل في مجال المعلومات الخاصة بالشركات المقيدة بالبورصة وقبلها كنت مؤسسًا لمعلومات أسواق المال التي كانت ناشئة في ذلك الوقت في منطقة الشرق الأوسط على أنظمة وكالة رويترز الدولية وكانت سباقة لنشر معلومات تلك الشركات حينئذ.
تحتاج المعلومات المنشورة من تقارير مالية مصحوبة بتقارير مجالس الإدارة إلى تلك الشركات إن وجدت إلى محللين ماليين لحساب النسب المالية ومقارنتها بالأعوام السابقة من ناحية والشركات المنافسة ومتوسطات الشركات التي تعمل بذات المجال من ناحية أخرى لتقييم أداء تلك الشركات ثم الوصول إلى القيمة العادلة لها.
تتطلب تلك التحليلات وفرة البيانات اللازمة ووجود محلل مالي ذي كفاءة يقوم بتطبيق البيانات على المعادلات والنماذج المالية المعروفة للوصول إلى قيمة الشركة.
تلك العملية هي غاية في الأهمية لأي شركة ترغب في الحصول على تمويل سواء كان عن طريق الاقتراض من البنوك أو عن طريق الاستثمار المباشر بواسطة أفراد أو صناديق تبحث عن فرص لاستثمار فائض الأموال المتوفرة لديها في نفس المجال. وكلنا على علم أنه دون إتاحة التمويل اللازم لا مجال للاستثمار والنمو لأي شركة.
تكمن الإشكاية هنا في وفرة البيانات اللازمة وفي ارتفاع التكلفة اللازمة للتحليل المالي. لذلك لا توجد لدينا أي تحليلات مالية لأي من الشركات متناهية الصغر الصغيرة أو المتوسطة والتي تشكل 98% من إجمالي مشروعات القطاع الخاص بمصر وتساهم بـ 43 بالمئة في إجمالي الناتج المحلي بمصر بحسب تصريحات السيد نائب الرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في شهر فبراير الماضي.
لهذين السببين انعدمت التحليلات المالية إلا لشركتين كانتا مقيدتين في بورصة النيل وكان إجراء لازمًا لزيادة رأس المال وصعودهما للقيد في بورصة الشركات الكبيرة.
لذا فكرت في موضوع للرسالة وهو البحث في وإنشاء أداة رقمية يمكن لها أن تستوعب بيانات الشركات الصغيرة والمتوسطة وإخراج تقرير مالي أولي وقيمة عادلة لتلك الشركات بهدف تسهيل عملية الحصول على التمويل اللازم لنموها ونمو الاقتصاد عمومًا.
توافر تلك الأداة سيمكننا باستيعاض العامل البشري مرتفع التكلفة ويساهم في وفرة تلك التحليلات المالية بتكلفة تقدر عليها تلك الشركات. بعد محاولات من الاقناع لاقت الفكرة استحسان الطالب وتزامن مع نهاية العام الدراسي مناقشة الرسالة واختبار تلك الأداة التي أثبتت قدرتها بكفاءة ودقة وبقي أن تخرج إلى الاستخدام العملي.
لا أخفي عليكم أنه كان من الصعب أيضًا إقناع بعض الأكادميين بحاجة السوق إلى تلك الأداة وقيمتها العظيمة وإضافتها لما سبق لبعدهم عن المجال العملي.
تجربة أخرى مررت بها بشركة كانت ترغب في الاستثمار بمجال إنتاج البلاستيك القابل للتحلل بسرعة من المخلفات الزراعية وبنيت جسرًا بين تلك الشركة وأستاذين بإحدى الجامعات المصرية بمجال الميكروبيولوجي وعلى مدار عامين توصلوا إلى نتائج جيدة جدًّا نتمنى أن تخرج إلى طور الصناعة قريبًا.
أخيرًا كان لي حديث شيق بالأمس مع أحد أفراد عائلتي والتي ترأس قسم البحوث بإحدى شركات الأدوية الكبرى حول كيفية البحث في وتجربة الأدوية المستحدثة وأهم الصعوبات التي يواجهونها حتى تخرج تلك الأدوية إلى النور.
أردت بسرد تلك التجارب إبراز أهمية وضرورة بناء جسور بين البحث العلمي بالجامعات والاحتياج الموجود لدى شركات كثيرة يمكن لها تحقيق النماء وسد احتياجات السوق المحلية من تلك الابتكارات سواء كانت نظرية خدمية كالمثال الأول أو عملية كالمثالين الآخرين.
البحث العلمي ليس بالضرورة مكلفًا ومصر بها علماء كثيرون أثبتوا وجودهم في جميع المجالات في كل أنحاء العالم وأتمنى من وزارتي البحث العلمي والتعليم العالي بناء قاعدة بيانات بهؤلاء العلماء ومجالات تخصصاتهم وإتاحتها للشركات الراغبة في التعاون معهم وإنشاء آليات لصور التعاون الممكنة حتى يمكن للطرفين تطبيقات تلك البحوث والارتقاء ببلدنا واقتصادها وتصدير تلك الابتكارات إلى دول العالم أيضًا.