ماجد شوقي يكتب.. مصر على مشارف أن تكون مركزا إقليميا للشركات الناشئة وريادة الأعمال

بقلم ماجد شوقي خبير أسواق مال واستثمار _ في الآونة الاخيرة أظهر عدد من التقارير الإقليمية والعالمية أن مصر أصبحت منطقة جذب للاستثمار في الشركات الناشئة وأن صناديق الاستثمار رأس مال المخاطر الإقليمية والعالمية نشطة جدًّا في اصطياد الفرص بالسوق المصرية.

فتحتل مصر المركز الثاني بعد دولة الإمارات من حيث عدد الصفقات التي تمت في الشرق الأوسط خلال عام 2020 مسجلة %200 من إجمالي 496 صفقة أي بما يعادل ما يزيد على 100 صفقة، وذلك طبقًا للتقرير الأخير الصادر عن مؤسسة MAGNiTT بالتعاون مع هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات «ايتيدا».

E-Bank

وعلى المستوى الإفريقي، فإن مصر ضمن المجموعة ما يطلق عليها «الأربعة الكبار» مشاركة لكل من نيجيريا وكينيا وجنوب إفريقيا.

وتحتل مصر المركز الأول من حيث عدد الصفقات المنفذة عام 2020 طبقًا لتقرير AfricaArena، كما تحتل مصر المركز الثالث على المستوى الإفريقي والشرق الأوسطي من حيث قيمة الصفقات والتي تقدر فيما بين 200 إلى 270 مليون دولار أمريكي.

وتأتي هذه الاستثمارات من مستثمرين أفراد ومؤسسات محلية وإقليمية وعالمية، مقتحمة سوق الشركات الناشئة الواعدة بمصر والتي أسسها شباب وشابات مصريون.

تابعنا على | Linkedin | instagram

وكان نصيب الاستثمارات العالمية من إجمالي قيمة الاستثمارات في الشركات الناشئة تقدر بنحو %32 من إجمالي الاستثمارات الموجه للشركات الناشئة بمصر ممثلة قطاعات الصحة والنقل والمدفوعات والأغذية واللوجيستيات.

كما أصبحت مصر منطقة جذب لشركات ناشئة إقليمية وعالمية لتعمل في السوق المصرية مثل شركات اقتصاد المشاركة Sharing-Economy في قطاعات مختلفة مثل قطاع نقل الأفراد ممثلة في شركة أوبر الأمريكية وكريم الإماراتية ومؤخرًا تم الإعلان عن نية شركة ناشئة بريطانية UVA دخول السوق المصرية للمنافسة، وعلى مستوى نقل وشحن البضائع شركة Trukker الإماراتية وفي قطاع العقارات والسياحة Airbnb الأمريكية، وعلى مستوى التجارة الإلكترونية شركة سوق Souq.com التابعة شركة أمازون العالمية وشركة نوون Noon.com الإماراتية.

ولا شك أن هذه الطفرات التي شهدتها مصر بالأساس بسبب ما لديها من قاعدة شبابية كبيرة، تتسم بالموهبة والطموح وروح الإبداع والابتكار.

وأيضًا، قيام الدولة بعدد من المبادرات التي دعمت هذا المجتمع الاقتصادي الناشئ، على سبيل المثال وليس الحصر مبادرات البنك المركزي المصري بدعم الابتكارات والشركات الناشئة في مجال التقنية المالية FinTech دعما معنويًّا وماليًّا وتشريعيًّا. ومبادرة وزارة الاستثمار بمساهمتها في صناديق الاستثمار رأس المال المخاطر والتي استثمرت ودعمت شركات ناشئة أصبحت على مشارف قصص نجاح مصرية.

ولا شك أن مستقبل الدول ودورها في المجتمع الدولي وقدرة تأثيرها سيكون مرتبطًا بمدى عمق وسرعة دخول كل دولة ومجتمعها إلى عصر الرقمنة “Digital Era”، هكذا وصف ماثيو سلوتر وديفيد ماكورميك في مقال بمجلة الفورين بولوسي بعنوان «البيانات قوة» “Data is Power” والتي ستشكل العلاقات الدولية وسياسة التجارة العالمية مستقبليًّا وتقدم الدول اقتصاديًّا.

وتتسارع وتتنافس الدول في بناء وخلق نظام بيئي ecosystem بما يشمله من بنية تكنولوجية تحتية متقدمة وتشريعات متقدمة وخلق سبل وآليات جديدة لتمويل هذا النوع من المبادرات والابتكارات كي تتماشى مع هذا التطور، وذلك لتفرض سيطرتها دوليًّا، وأكبر دليل هو الصراع بين أمريكا والصين على الريادة التكنولوجيا وحرب تكسير العظام على مستوى الشركات التكنولوجية والاتصالات من البلدين والصراع على الريادة في الجيل الجديد من تكنولوجيا نقل البيانات والاتصالات الـ 5G.

فإن وضع مصر الجغرافي وبما فيها من مقومات في هذا المجال لديها فرصة كبيرة لأن تلعب دورًا جوهريًّا في المنطقة وأن يكون لها دور الريادة. ولتحقيق هذا الهدف والذي ليس ببعيد، عليها أن تضع سياسات ومستهدفات لكي تكتمل عناصر النظام البيئي للابتكار والشراكات الناشئة، على سبيل المثال:

أولًا: قناة السويس الرقمية:

إن موقع مصر الجغرافي المتميز الذي أتاح لها فرصة أن تكون الممر الملاحي الرئيسي للتجارة العالمية والربط بين الشرق والغرب عبر قناة السويس، أن تكون أيضًا الممر الرئيسي للبيانات ما بين قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا حيث يمر ما يقرب من 17 كابلًا بحريًّا عبر الأراضي المصرية بما يمثل نحو %17 من إجمالي عدد الكابلات عالميًّا، وتنقل أكثر من 80% من البيانات ما بين القارات الثلاث.

ولا شك أن هذه الأهمية تتزايد بصورة مطردة مع التزايد العالمي على الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية وإنترنت الأشياء (Internet Of Things – IOT) والذي أدى بصوره إلى تزايد حجم تدفق البيانات عالميًّا إلى 112 مرة فيما بين الفترة من 2008 إلى 2020، كما تضاعف عدد مستخدمي شبكات المعلومات الإنترنت بنحو 13 ضعفًا خلال فترة من 200 إلى 2020،

ولا شك أن هذه المعدلات ستتضاعف على المدى القصير بمعدلات أكبر بسبب تداعيات فيروس كورونا، مما جعل شركات التكنولوجيا العالمية وعلى رأسها Facebook وGoogle تتسارع في الاستثمار في إنشاء كابلات بحرية للاتصالات ومراكز للبيانات في بلدان مختلفة.

وعليه، فان مصر لديها فرصة جوهرية لتكون أحد مراكز البيانات الهامة الإقليمية وأن توضع على خريطة مراكز البيانات العالمية. وذلك عن طريق المزيد من الاستثمار في البنية التحتية للاتصالات لزيادة القدرة الاستيعابية وسرعة تناقل البيانات وتأمينها.

والمشاركة مع القطاع الخاص والمؤسسات الدولية يدعم هذا الهدف عن طريق نقل الخبرات والمساهمة في الاستثمار وإيجاد مصالح دولية مشتركة تدعم مصر كأحد الممرات للبيانات الهامة عالميًّا.

ولا تأتي هذه الخطوة منفردة ولكن مصطحبة بتقديم الخدمات اللوجستية المصاحبة لمرور الكابلات لربط الكابلات البحرية المختلفة لنقل البيانات، وتخزينها، وذلك عن طريق وضع خطة استراتيجية واستثمارية لإنشاء مراكز البيانات Data Centers واستضافة مراكز وخدمات البينات Cloud Computing للشركات العالمية، مستغلين مركز مرور البيانات عن طريق مصر وانخفاض تكلفة الطاقة مقارنة بالدول التي بها مراكز بيانات أخرى خاصة على مستوى الشرق الأوسط وإفريقيا، ووجود مساحات كبيرة من الأراضي غير مستغلة وبقيمة منخفضة مقارنة بالدول المستضيفة لمراكز البيانات يمكن استغلالها في بناء مراكز بيانات ضخمة، وذلك فضلًا عن وجود الخبرات الشبابية لسد احتياجات خدمات العملاء من مختلف دول العالم عن طريق مراكز خدمات العملاء والتي تعتبر مصر أحد رواد هذه الصناعة والتي يلجأ إليها عدد كبير من الشركات العالمية للتعاقد معها.

ثانيًا: بلد التأسيس مقابل بلد التشغيل:

وعلى الرغم من زيادة عدد الشركات الناشئة في مصر بصورة ملحوظة مما جعلها في مقدمة دول الشرق الأوسط وإفريقيا من حيث عدد الصفقات، ولكن توجد فجوة فيما بين البلد الذي يتم فيه تأسيس تلك الشركات والبلد الذي تمارس الشركة نشاطها.

وإن كانت هذه الحالة لا تخص مصر وحدها بل دول أخرى نشطة في هذا القطاع الاقتصادي الناشئ، ولكن لدى مصر الإمكانية والخبرات التشريعية والمهنية لتقليص هذه الفجوة، حيث يوجد بالسوق المصرية تراكم خبرات في مجال الشركات الناشئة واستثمار رأس المال المخاطر من مكاتب محاماة ومحاسبين وخبراء استثمار ومديري استثمار رأس مال مخاطر لديهم القدرة على وضع القواعد والإجراءات المحفزة لخلق نظام بيئي متكامل لسد تلك الفجوة وذلك من واقع خبرتهم العملية المحلية والإقليمية والدولية.

وعليه، لا يضطر منشئ تلك الشركات ومعظمهم من الشباب التحمل بأعباء مالية إضافية لإنشاء الشركة تحت مظلة تشريعية محفزة ومرحبة بهذا النوع من الشركات في دولة أخرى، والتي تسمح بسهولة الاستثمار فيها دون عراقيل واستهلاك وقت في إجراءات.

وقد أكد التقرير الأخير الذي نشرته مؤسسة Crunchbase عن «النظام البيئي العالمي للشركات الناشئة GSER 2020»، على وجود هذه الفجوة. فعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تمكنت من أن تكون ضمن أفضل 20 نظامًا بيئيًّا ناشئًا على مستوى العالم حيث احتلت دبي المركز ال18، بينما القاهرة وكيب تاون جنوب الإفريقية احتلا المركز بين 51-60 في القائمة العالمية.

واحتلت لاغوس النيجيرية ونيروبي كينية المركز بين 61-70 وذلك من بين مائة دولة.

ثالثًا: طروحات الشركات الناشئة وسوق المال المصرية:

مع النمو الهائل لعدد الشركات الناشئة على مدى السنوات الخمس الماضية وحجم الاستثمارات التي ضخت من المستثمرين الأفراد Angel Investors ومن صناديق رأس المال المخاطر، فهذا يبشر بأن سوق رأس المال ستشهد في المستقبل القريب بموجة من قيد هذه الشركات وطرح أسهمها، وذلك نتيجة بدء تخارج المستثمرين المؤسسين وذلك وفقًا لسياستهم الاستثمارية.

علاوة على ذلك، مع تزايد المنافسة بين الشركات الناشئة، لا سيما في مجال التكنولوجيا المالية ، والتجارة الإلكترونية ، والخدمات اللوجستية ، قد تتم عمليات دمج واستحواذ بين تلك الشركة.

ومن الأمثلة الجيدة على ذلك ، استحواذ شركة Uber الأمريكية الناشئة في مجال مشاركة الرحلات على Careem الإماراتية، وبالمثل استحواذ Amazon.com ، منصة التجارة الإلكترونية الأمريكية التي ذات يوم كانت شركة ناشئة، على سوق دوت كوم الإماراتية لتقتحم سوق الشرق الأوسط بما لديه من قوة شرائية ضخمة.

ستبحث هذه الموجة عن أسواق المال ذات بيئة صديقة لهذه الشركات الناشئة والصفقات المنفذة عليها. وعليه، يجب على صانعي سياسات سوق المال العمل على إعداد منصات متخصصة بسوق المال لاستقبال مثل هذا النوع من الشركات التي تعد شركة ناشئة،

ولتحديث البيئة التنظيمية باستمرار لمواكبة التطور المستمر لهذا النظام البيئي الجديد ولإتاحة فرص التمويل المختلفة وآليات مبتكرة لتنفيذ الصفقات، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية نموذج أعمالهم وتقييماتهم ومؤشرات الأداء ومصدر محرك النمو والذي يختلف اختلافًا كليًّا عن الشركات المعتاد قيدها وطرحها في السوق الرئيسية أو في سوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة Nilex.

وتأتي التجربة الامريكية بنموذج جديد مبتكر لحل هذه المعضلة، فابتكرت بورصة نيويورك (NYSE) نوعًا جديدًا من الشركات متخصصة للاستحواذ على الشركات الناشئة معروفة باسم Special Purpose Acquisition Company (SPAC) هي شركة ليس لديها نشاط تجاري تم تأسيسها لزيادة رأس المال من خلال طرح عام أولي (IPO) لغرض الاستحواذ على الشركات الناشئة.

وعلى الرغم من الجدل المسار حول هذا النوع من الشركات، فإنه لا يزال ابتكارًا يوفر مسارًا سريعًا للشركات الناشئة بمستوى نضج معين للوصول إلى السوق للحصول على تمويل أرخص وأسرع. وانتشر هذا النوع من الشركات في بورصة لندن وأمستردام.

وهناك ابتكار آخر استحدثته بورصة NASDAQ وهي شركات الاكتتابات العامة الأولية التي لا تحتوي على منتج (Product-less IPOs – PLIPOs) وذلك لإفساح المجال أمام الشركات الناشئة في مجال الصحة وعلوم الهندسة الوراثية لزيادة رأس المال ففي فترة البحوث العلمية والتطوير دون إنتاج أي منتج فعلي أو حتى في مرحلة تطوير منتج جديد.

واخيرًا، إن هذه الموجة الجديدة في مصر تعد أحد المصادر المستحدثة والهامة لجذب الاستثمار المباشر والتي تتيح الفرصة للشباب للابتكار وحرية الإبداع، وزيادة فرص العمل لهم في مجالات جديدة تتواءم مع طموحاتهم. وأيضًا، تعد المصدر الرئيسي الجديد لطرح منتجات جديدة بسوق المال المصرية لجذب مزيد من الاستثمارات وتعميق السوق الثانوية.

ولذلك على الدولة أن تلعب دور الحليف بقدر أكثر ما تلعب دور الرقيب، فيجب على صانعي السياسات العمل جنبًا إلى جنب مع هذا المجتمع الاقتصادي الجديد، برؤية واضحة بأنهم المستقبل المشرق ومصدر النمو الاقتصادي المستدام.

الرابط المختصر