بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ نجحت مصر في السنوات الثلاث الأخيرة في مضاعفة إنتاجها من الطاقة المتجددة وصارت الأولى عربيًّا متفوقة بذلك بالضعف على المغرب التي تليها في الإنتاج إذ يبلغ إنتاج مصر نحو 6 ميجاوات تقريبًا مقابل المغرب نحو 3.2 ميجاوات.
الطاقة المتجددة والنظيفة هي طموح لدول العالم المتقدم لأنها أقل تكلفة على المدى البعيد وتقلل العبء على استيراد المحروقات اللازمة لتوليد الطاقة وتعطي الدولة الاستقلالية في مكون استراتيجي هام وعماد لاقتصادياتها.
مصادر الطاقة المتجددة هي ثلاثة: الشمس والرياح والطاقة المولدة كهرومائيًّا. وفي مصر تساهم كل من الطاقة الشمسية وتلك المولدة من الرياح بنسبة خمسة وعشرين بالمئة تقريبًا ثم الكهرومائية بنسبة خمسين بالمئة. تضاعف إنتاج الطاقة الشمسية نحو خمسين ضعفًا والرياح ثلاثة أضعاف وثبتت الكهرومائية منذ 2017 إلى الآن.
إذًا فمن الواضح اهتمام ونجاح الدولة في زيادة توليد الطاقة الشمسية. لم يأت هذا من فراغ بل بإصلاح القوانين والسياسات والتعريفة مقابل استهلاك الكهرباء ورفع الدعم عنها وبجهد كبير ساهم فيه إلى جانب الحكومة الشعب كله بتحمله أعباء رفع الدعم التدريجي عن الكهرباء. ولا ينكر أحد فضل وزارة الكهرباء التي تسلمت عبئًا ثقيلًا لا ننساه خاصة ونحن نحتفل بذكرى 30 يونيو.
تراهن الدولة في اقتصادها أيضًا على الصناعات الصغيرة والمتوسطة رهانًا كبيرًا وهناك اقتصاديات دول كبرى تشكل فيها تلك الكيانات مكونًا رئيسيًّا من نشاطها الاقتصادي لأسباب عديدة منها سهولة المنشأ. فمن الأسهل والأسرع إقامة مشروع صغير عن المشروعات الكبرى.
ولا أتناول في مقالي هذا تلك المشروعات ولكن أردت أن أوضح وأبرز دور الكيانات الصغيرة في تكوين أحجام كبيرة لاقتصاديات دول وأستخدم هذا المثال الحي في إبراز دور الكيانات الصغيرة والمتوسطة في توليد واستخدامات الطاقة المتجددة.
أعتقد أنه لو تبنت الدولة مزيدًا من السياسات المحفزة لتوليد الطاقة النظيفة والمتجددة لأمكن مضاعفة إنتاجنا من الطاقة الشمسية دون تحمل عبء الاستثمارات الضخمة اللازمة لإنتاج تلك الطاقة وأسرد قي مقالي هذا بعض الأمثلة القليلة:
1- تشكل السخانات الكهربائية والمكيفات البند الأكبر لفاتورة كهرباء المنازل. ولو أمكن للدولة تشجيع وتحفير تركيب السخانات الشمسية بدلًا من الكهرباء والغاز لأنتجنا طاقة شمسية ووفرنا المصادر الأخرى للطاقة. فمنذ نحو تسع سنوات وأنا أعتمد تمامًا على السخانات الشمسية ولا أحتاج إلى الكهرباء إلا شهرًا واحدًا في السنة وهذه شهادة مني بجودتها وهي قلما تحتاج إلى صيانة وتعمل بكفاءة شديدة.
2- التشييد والبناء احتل المركز الثاني بعد الاتصالات في معدلات النمو لمكونات إجمالي الناتج المحلي المصري. لو تم وضع قوانين تلزم المطورين العقاريين باستخدام الطاقة المتجددة على الأقل في السخانات والأسطح لتمكنا أيضًا من زيادة معدلات النمو بدرجة كبيرة إذ يحتاج المنزل إلى تجهيزات تكون أسهل أثناء الإنشاء خصوصًا إذا أخذها المصمم في الاعتبار مما يحفز سكان البيت لاحقًا في استخدام الطاقة الشمسية.
3- الريف المصري يمكن أن يكون هدفًا مهمًّا لا يقل عن المجتمعات العمرانية المتطورة. وأذكر تجربة شخصية مع مجموعة من الأصدقاء في 2008 وكنا نهتم وقتها بمنازل بسيطة بمنطقة أقل حظًّا ولا توجد بها مصادر للمياه والكهرباء واستخدمنا الطاقة الشمسية في إنارة منازلهم وكانت تجربة ناجحة وغير مكلفة إذ إن احتياجات الكهرباء تقتصر على الإنارة وثلاجة وجهاز تلفزيون وقد تكون الجدوى الاقتصادية عالية في تلك الأماكن إن أمكن توفيرها لهم.
4- توفير التمويل والخبرات اللازمة لتركيب وصيانة الأجهزة المتعلقة بالطاقة النظيفة وتحفيز الشركات العاملة في هذا المجال وتسهيل مهمتها. فلو توفرت النية يلزم توفير التمويل للاستثمار المبدئي المطلوب والذي قد يشكل عبئًا في البداية. كما يجب توافر الشركات والخبرات التي تعمل في تلك المجالات وانتشارها بجميع أنحاء الجمهورية بدلًا من مركزيتها بالعاصمة ومدن قليلة أخرى من المدن الرئيسية.
الطاقة المتجددة حققت نجاحات غير مسبوقة ومن الممكن مضاعفتها بوضع خطة قومية لتحفيز توليدها والاعتماد عليها في الكيانات الصغيرة والمنازل. بزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة نزيد من استقلالية اقتصادنا ونشكل بيئة صحية ومستقبل أكثر إشراقًا وتكلفة أقل على المدى البعيد.