ماهر عشم يكتب.. البورصة بين أمس واليوم وغدا

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ هناك مصدران للتمويل لأي مشروع الأول عن طريق الاستدانة والثاني خلال البحث عن الشراكة. كلا المصدرين يمكن أن يكون بطريق مباشر أو غير مباشر.

الطريق المباشر هو الاستدانة أو الشراكة من خلال شخص أو بنك أو مؤسسة معروفة لدى الشركة التي تحتاج إلى التمويل.

E-Bank

أما غير المباشر عن طريق بنوك الاستثمار التي تقوم بإصدار أسهم للشركاء أو سندات للدائنين ثم طرحها للجمهور الباحث عن فرص استثمارية جيدة أو المؤسسسات والكيانات المالية الأخرى.

يتم ذلك من خلال اكتتابات عامة بشروط مفصلة يتم الإعلان عنها وتحكم تلك العلاقة. البنوك الاستثمارية تتحمل أيضًا مسؤولية الترويج للاكتتابات لضمان الحصول على التمويل المطلوب وكل ذلك يخضع لموافقات ورقابة هيئة الرقابة المالية.

عادة ما يبحث المستثمر عن وسيلة لضمان وسهولة الخروج من أي استثمار قبل الدخول بها فالطبيعة البشرية ترتاح إلى وضوح الرؤية المستقبلية وإمكانية الهروب عند الحاجة أو الإحساس بالخطر. لهذا السبب أوجدت البورصات حتى توفر سوقًا ثانويًّا تقيد به الأوراق المالية وتوفر للمستثمر آلية للخروج عند الرغبة أو الحاجة إلى ذلك. بذلك تكون قد سهلت ونظمت للباحثين عن التمويل وزيادة رؤس الأموال العلاقة بينهم وبين المستثمرين.

تابعنا على | Linkedin | instagram

المستثمر بالبورصة نوعان إما مؤسسات أو أفراد. تتحرك المؤسسات في قرارات الشراء والبيع الخاصة بهم طبقًا لدراسات مالية مستفيضة وخبراء ماليين ومحللين فنيين.

أما غالبية الأفراد فتتخذ القرارات متأثرة بالشائعات وحركة الأخبار قبل التحقق من صحتها وسياسة القطيع. والنوعان مهمان لأي بورصة لأن وجود هذا المزيج يكون التذبذبات بالأسعار التي تخلق فرصًا للشراء في نظر البعض والبيع في نظر الآخر.

تشكل البورصات آلية مهمة لجذب الاستثمار الأجنبي من خلال صناديق الاستثمار العالمية التي تساهم في رؤس أموال أو تمويل الشركات الوطنية عن طريق شراء الأسهم والسندات.

وكأي سوق كلما تنوعت البضاعة الجيدة وكانت السوق منظمة وتخضع لرقابة تحمي الشركات والمستثمرين كانت جاذبة للمستثمر.

وكلما سهلت القوانين الموجودة بالبلد المضيف للبورصة عمليات الدخول والخروج ووفرت الاستقرار للمناخ الاقتصادي، أقبلت رؤوس الأموال الأجنبية على الاستثمار بتلك الأسواق.

وللبورصة المصرية تاريخ غني وعريق فقد تأسست بورصة الإسكندرية أولًا عام 1883 تلتها بورصة القاهرة عام 1903 قبل تأسيس الكثير من بورصات العالم الكبرى والمعروفة لدينا اليوم وقد يكون ترتيبها الزمني من حيث الإنشاء الحادية عشرة بعد بورصة بومباي.

بعد أربع سنوات في 1907 احتلت بورصتا القاهرة والإسكندرية المرتبة الخامسة عالميًّا من حيث المعاملات وقيمة التداول، حيث بلغ عدد الشركات المتداولة في بورصة القاهرة 228 شركة، بإجمالي رأس مال قيمته 91 مليون جنيه مصري في ذلك الوقت.

وفي الأربعينيات احتفظت البورصتان مجتمعتين بالمركز الرابع عالميًّا. في الخمسينيات ونتيجة السياسات الاشتراكية التي أعقبت ثورة يوليو تجمد نشاط البورصة حتى دبت فيها الحياة مرة أخرى في التسعينيات مع بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي المصحوب ببرنامج الخصخصة.

وصلت البورصة لأوج النشاط في 2008 ثم بدأت في المعاناة متأثرة بأزمة دبي المالية ثم الأزمة العالمية. تلت تلك الأحداث ثورة يناير التي توقفت بسببها البورصة تمامًا قرابة شهرين كاملين.

استأنفت البورصة نشاطها ولكن تأثرت بالأحداث بخروج شركات مهمة وانعدام حركة السندات تقريبًا كما قلت شهية المستثمر الأجنبي للبورصة المصرية نتيجة لتلك الأحداث.

ساهم التذبذب في القوانين المنظمة للبورصة مثل الضريبة على التعاملات والأرباح الرأسمالية وغيرها في استمرار أفول نجم البورصة المصرية.

ونحن نقبل على انتخابات لمجلس إدارة جديد تحتاج البورصة المصرية إلى إنعاش عاجل وتغيير شامل ومراجعات أهمها من وجهة نظري الآتي:

1. تحويل البورصة إلى شركة كما كانت عند تأسيسها أسوة ببورصات العالم والمنطقة حتى تتمكن من الحركة بسرعة وحرية تتيح لها أن تواكب متغيرات العصر والاستعانة بأبناء المهنة وخبرائها في صناعة القرار.

2. الإسراع بالطروحات الحكومية التي كثر الحديث عنها والوعد بها ولم تنفذ حتى الآن وتأخرت كثيرًا.

3. الاهتمام بالبورصة من قبل الحكومة ورسم استراتيجية واضحة بعيدة المدى لوقف التذبذب بالقرارات والقوانين التي تؤثر عليها وتحقيق مناخ أكثر استقرارًا لها.

4. التركيز على السوق الأساسي للأسهم وتطبيق آليات التداول المعمول بها في العالم بنفس الطريقة ودون تغيير لزيادة السيولة بالسوق. فتغيير طرق تطبيق تلك الآليات طارد للمستثمر العالمي المعتاد على الطرق العالمية والتي تعرفها أنظمته الرقمية. ومن العبث الكلام عن سوق للمشتقات وبذل الجهد وإنفاق الأموال بخصوصه قبل وجود سوق تتوفر به السيولة بدرجة كبيرة.

5. عودة السندات الحكومية للتداول بالسوق فلا أجد أي سبب منطقي لانعدام سوق ثانوي منظم لتداولها.

كانت البورصة المصرية من أعرق البورصات في العالم وكانت تحتل مكانة عالية بينها وبالخبرات المتوافرة لديها بنيت معظم البورصات بالمنطقة.

فقدت البورصة الكثير من بريقها اليوم كما أنه لديها الإمكانيات لاستعادة دورها المهم جدًّا في توفير رؤوس الأموال وحان الوقت للاهتمام بها وإصلاح أحوالها وإرجاعها للريادة في المستقبل القريب.

 

الرابط المختصر