محمد فرج _ أودعت الدائرة المدنية والتجارية بمحكمة النقض، برئاسة المستشار نبيل أحمد صادق، أسباب حكمها الصادر بتاريخ 8 يوليو، ببطلان حكم التحكيم ضد ميناء دمياط من الشركة الكويتية ديبكو، بشأن عدم الالتزام بنصوص تعاقد إنشاء وتشغيل محطة حاويات بالميناء؛ وهو الحكم الذي وقى الحكومة المصرية من دفع تعويضات تقدر بقيمة 8 مليار جنيه.
واستندت النقض فى حكمها بالبطلان على أكثر من سبب، لاسيما فيما يتعلق بمخالفة حكم الاستئناف للقانون والخطأ فى تطبيقه، وذلك لتأييد أسباب حكم التحكيم فيما قضي به من عدم نفاذ عقد التسوية فى 5 مايو 2009 وملحقيه رقم 1 و 2، لعدم استيفاء موافقة مجلس الوزراء على اتفاق التسوية وملحقيه، للإطار الشكلي المطلوب مقارنة بقرارات مماثلة فى الدعوى.
وترتب على ذلك إهدار كل أثر لموافقة مجلس الوزراء رقم 97 الصادرة فى 13 مارس 2020 على اتفاق التسوية وملحقيه رغم كون الموافقة قرار إداري تختص ولائيا محاكم مجلس الدولة وحدها بالرقابة على مشروعيته.
كما تضمنت الأسباب، بطلان حكم الاستئناف لاستبعاده أحكام القانون الإداري المصري وأحكام المحاكم الإدارية من التطبيق على المنازعة والمتعلقة بعقد إداري لإنشاء ومنح امتياز تشغيل مرفق عام هي محطة حاويات ميناء دمياط.
وشددت النقض على أنه لزاما على الجهات القضائية الاعتداد بتحديد ولاية الجهات القضائية وانضباط عملها بما ينعكس حتما على المصالح الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وعدم مخالفة فيما تصدره من أحكام، قائلة إن ذلك من القواعد الأساسية والجوهرية المتعلقة بالنظام العام، وأن محكمة الاستئناف لم تفعل ذلك في حكمها؛ وبات حكمها صادرا فيما لا ولاية لها بنظره، ويجئ وقد اعتراه البطلان الذي يعدم حجيته وكل أثر له.
وأوضحت النقض أن ذلك يمتد على الاحكام الصادرة من هيئات التحكيم باعتبار أنها -بموجب أحكام القانون المصري- مثله فى ذلك مثل الأنظمة القانونية فى غالبية الدول الأخرى -تعد من الجهات القضائية التي يعتد بأحكامها وتنزل منه منزلة الأحكام الصادة من المحاكم المصري.
وشددت النقض على أنه وجب على هيئات التحكيم فيما تصدره من أحكام فى مصر أن يكون مآلها التنفيذ بها، والالتزام بتلك القواعد الأساسية والجوهرية المتعلقة بالنظام العام المصري من تلقاء نفسها.
وأشارت النقض إلى أن الرقابة القضائية على مشروعية القرارات الإدارية تدخل فى الاختصاص الولائي المصري لمحاكم مجلس الدولة، مشددة على أن تطبيق القانون على وجه صحيح وكذا الإجراءات المتصلة بمسائل التقاضي المتعلقة بالنظام العام الواجبة التطبيق على واقع الدعوى من الأمور التي يتعين على قاضي محكمة الموضوع إعمالها من تلقاء نفسه دون طلب أو دفع أو دفاع من الخصوم، ويوجب على محكمة النقض أن تعرض له وتزنه بميزان القانون لاستظهار مدى انطباقه على الدعوى كمسألة قانونية صرفه.
ولفتت النقض إلى أن اعتبار حكم محكمة الاستئناف عقد النزاع، عقد من عقود القانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 المعدل، وحجب الحكم مراقبة حكم التحكيم فيما قد يتضمنه من مخالفة لما تقدم من المبادئ المتعلقة بالنظام العام، يعيبه بالقصور والتسيب الذي جرى إلى الخطا فى تطبيق القانون؛ ما يوجب أيضا نقض الحكم فى هذا الشق.
وأوضحت النقض أن عقد النزاع هو عقد أحد طرفيه جهة الإدارة بأسلوب القانون العام، فمنحت الشركة الكويتية ترخيصا لإنشاء وتشغيل محطة الحاويات على الأرض المملوكة للدولة، وبذلك يعد هذا العقد عقد التزام الأشغال العامة والتزام المرافق العامة، وهو عقد إداري بطبيعته يمنح جهة الإدارة سلطات وصلاحيات تتعلق بالنظام العام.
ولفتت النقض إلى أن هيئة التحكيم لم تضع فى اعتبارها أن منح حق التدخل للمقرضين ضمانا لحقوقهم ينصب على محطة الحاويات، والتي هي مشروع لمرفق عام يمثل أمرا حيويا وجوهريا يمس مصالح متعددة منها الاقتصادية ومنها ما يتصل بالأمن القومي يستوجب الدراسة واتباع القواعد والنظم القانونية التي تحكم منح هذه الحقوق والتي تفيد جهة الإدارة فى إصدار قرارها.
ويعود النزاع إلى دعوى تحكيم من الشركة الدولية ديبكو تطالب فيها هيئة ميناء دمياط بالتعويض عما لحقها من خسائر جراء إخلالها بالتزاماتها التعاقدية المنصوص عليها في عقد إنشاء وتشغيل محطة الحاويات الموقع في مايو 2006 وببطلان اتفاق التسوية الودية المؤرخ في مايو 2009.
وفي المقابل أقامت الهيئة دعوى ضد الشركة تطالبها أيضًا بالتعويض عمل لحقها من خسائر جراء الإخلال بالتعاقد وعدم قدرة الشركة على تمويل المشروع وتنفيذ أعمال الحفر والتجهيز وتشغيل وإدارة المحطة.
وفي فبراير 2020، قضى أغلبية المحكمين بعدم نفاذ اتفاق التسوية وملحقيه وإلزام هيئة ميناء دمياط بالتعويضات والمصاريف مع رفض دعواها، فأقامت الهيئة دعوى أمام محكمة استئناف القاهرة طعنًا بالبطلان على حكم التحكيم الصادر لصالح الشركة الدولية، إلا أن المحكمة رفضت الدعوى وأيدت الحكم، لتطعن الهيئة أمام محكمة النقض.