ماهر عشم يكتب.. بين الدعم السلعي والنقدي

aiBANK

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ أعلن الرئيس الأسبوع الماضي عن ضرورة تغيير سعر رغيف الخبز المدعم والذي يباع بخمسة قروش بينما تبلغ تكلفته خمسة وستين قرشًا.

تقول الأرقام الرسمية إن عدد المستفيدين من تلك المنظومة يتجاوز 66 مليون مواطن وإن دعم الخبز يكلف الدولة قرابة الـ 45 مليار جنيه سنويًّا ويشكل هذا الرقم 51.5% من إجمالي دعم السلع الذي تتحمله الحكومة نيابة عن المواطن.

E-Bank

لم يختلف عاقل مع إعلان سيادة الرئيس لأن الرغيف المدعم صار رديئًا لدرجة أنه صار علفًا للدواجن والحيوانات ووصل الكيلو منه إلى ثلاثة جنيهات بحسب تصريح نقيب الفلاحين. ولأنه من غير المنطقي تثبيت سعر سلعة لسنوات طويلة في سياق التضخم المستمر وزيادة أسعار مكوناتها.

وعلى صعيد آخر يعتبر ضمان الحد الأدنى المقبول من مستوى المعيشة أحد مسؤوليات الدولة الأساسية. لذلك وجد نظام الدعم وهو إما سلعي أو نقدي موجه لتمكين محدودي الدخل من شراء الاحتياجات الأساسية وتحقيق الاستقرار الاجتماعي.

ويرجع تاريخ الدعم السلعي في مصر إلى الحرب العالمية الثانية عندما تعرضت مصر لنقص شديد في السلع الأساسية للمواطنين، وسارعت الحكومة بتشكيل «اللجنة العليا للتموين» ومع تفاقم أزمة نقص الغذاء اتجهت الدول حينئذ إلى إنشاء وزارة للتموين عام 1941، تهدف إلى توفير السلع والاحتياجات الأساسية،

وفي عام 1945 صدر المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 والذي ينظم حركة التجارة وتوزيع السلع التموينية في مصر ومنذ ذلك التاريخ لم يطرأ أي تغيير أو تعديل على هذه القوانين رغم تغير الظروف والعصور وتطور الأحداث.

بدأ العمل بالبطاقات التموينية في مصر عام 1945 وشملت في السنوات الأولى السكر والزيت والشاي والكيروسين وبعض الأقمشة، وفي عام 1976 تم إنشاء الهيئة العامة للسلع التموينية بهدف توفير جميع السلع الأساسية التي يعجز السوق المحلي على توفيرها للمواطنين، ولسد الفجوة الاستيرادية الناتجة عن الفرق بين الإنتاج والاستهلاك،

ومنذ ذلك الوقت تم إدراج رغيف الخبز ضمن مقررات الدعم التمويني وإضافة المسلى الصناعي والمنظفات وبعض البقوليات من الفول والعدس والأرز وقطن التنجيد وزاد الدعم فشمل الأسمدة والمبيدات والكيماويات للأراضي الزراعية وكذلك الطاقة سواء للأفراد أو الشركات أو المصانع.

والدعم السلعي هو مباشر يثبت أسعارها بغض النظر عن تكلفتها أو غير مباشر وهو توفير السلع الضرورية أو مستلزمات الإنتاج كالطاقة مثلًا بأسعار أقل من التكلفة حتى يتمكن المواطن من شرائها.

أما الدعم النقدي فهو صرف مبالغ محددة للمستحقين حتى تمكنهم من شراء احتياجاتهم ولو لم تتوفر لديهم القدرة المالية لذلك. وقد يوجه الدعم أيضًا للمؤسسات لزيادة قدرتها على الإنتاج إن لزم الأمر.

كان الدعم السلعي مناسبًا حين نشأته ولكن ظهرت له عيوب كثيرة مع الزمن ومن أبرزها الآتي:

أولًا: توجيه الدعم لغير مستحقية وإهدار الأموال دون تحقيق الهدف. فدعم الوقود مثلًا كان يوجه للقادر وغير القادر وحتى الأجنبي الموجود بالبلد أيضًا.

ثانيًا: لما زاد الفرق بين سعر السلع المدعمة وتكلفتها زاد العبء على موازنة الحكومة فإن لم يصل الدعم إلى مستحقيه فقط صارت تلك التكلفة هدرًا.

ثالثًا: كلما زادت تكلفة السلع المدعومة زاد الهدر من قبل المواطن وتجسد ذلك في منظومة الخبز والكهرباء والمياه إلى آخره.

رابعًا: الدعم السلعي يفتح أبوابًا خلفية للفساد لا حصر لها للاستفادة من فرق سعر السلعة المدعمة وقيمتها العادلة.

أخيرًا: تتدهور جودة السلع المدعمة مع زيادة الفارق بين سعرها وسعر التكلفة لضعف القدرة المالية للدولة على تقديم الخدمات بنفس الجودة مع تثبيت أسعارها. ومن منا لا يذكر الانقطاع اليومي للكهرباء وطوابير الوقود التي كانت قبل 2014

لتلك الأسباب صار من اللازم استبدال الدعم السلعي بالدعم النقدي الموجه إلى مستحقيه خصوصًا مع التطور التكنولوجي الذي وفر لنا آليات لتحقيق الهدف مع أقل هدر وأضعف فرص للفساد.

يشكل الدعم النقدي أيضًا عبئًا أقل على موازنة الدولة نتيجة تقليل الهدر مع تأثير أكبر. لذلك يعتبر إعلان سيادة الرئيس منطقيًّا جدًّا خاصة مع تزامنه بزيادة المعاشات بنسبة 13 بالمائة. كما سبق ذلك القرار كثير من المشروعات الهامة التي من شأنها رفع مستوى معيشة المواطن البسيط والفقير إلى الحد الأدنى المقبول مثل تطوير البنية التحتية للقرى الأكثر احتياجًا.

أتمنى أن تتبنى الدولة رفع جودة خدماتها مع رفع الدعم السلعي التدريجي إذ إنه من الواجب عليها مع غياب حجة قلة الموارد بعد رفع ذلك الدعم تقديم خدمات وسلع ذات جودة مقبولة وتوفير آليات مناسبة للتعامل مع الأعطال والإشكاليات غير الأدوات الشكلية وغير الفعالة الموجودة حاليًا خاصة فيما يتعلق بخدمات المياه والكهرباء والصرف والتي تتذبذب كثيرًا في أجدد وأرقى المدن كالقاهرة الجديدة حيث خبرتي الشخصية.

كما أتمنى أن تراعي الدولة في صرف الدعم النقدي البعد الاجتماعي للمرأة إذ إنها تكون في الكثير من الأحيان هي المسؤولة عن عائلتها والأكثر حرصًا على الاستفادة من الدعم النقدي في رفع كفاءة الأسرة.

وأخيرًا في رأيي أن التحول التام من الدعم السلعي إلى الدعم النقدي يساهم في وصول الدعم إلى مستحقيه مع تعظيم الفائدة منه ويعطي الفرصة للدولة لتقديم خدمات أفضل ويقضي على الفساد لذلك وجبت الإشادة بإعلانات الرئيس.

 

الرابط المختصر