ماهر عشم يكتب.. أوضاع مقلوبة

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ تناقلت وكالات الأنباء العالمية الجدل الدائر في الصحف والإعلام حول قانون السايس الذي «ينظم» العلاقة بين أماكن الانتظار المتاحة ومهنة السايس وقائدي السيارات ولا أعلم إذا كان القانون سيسري على كل شوارع مصر الرئيسية والجانبية بجميع المحافظات أم البعض منها.

أتفهم وكالات الأنباء في أهمية نقل خبر عن قانون محلي قد لا يهم العالم ولا يهم غير سكان الشوارع المعنية غالبًا لأنه يقع تحت باب الطرائف والعجائب. فهذا القانون يعود بنا إلى أوائل القرن الماضي واعتقد قبل ميلاد معظم المصريين.

E-Bank

فمنذ نعومة أظافري وكنت أعيش في مدينة أسيوط وفي زيارتنا الصيفية إلى القاهرة وأنا طفل حتى قبل المرحلة الابتدائية وكانت بشوارع وسط القاهرة عدادات للانتظار تقبل العملات المعدنية وكان هناك شرطي يمر باستمرار لتحرير مخالفات للسيارات التي نفد رصيدها.

تمت إعادة تلك التجربة في شوارع قصر النيل على سبيل المثال في مطلع القرن الحالي مع وجود كارت للشحن وحاجز معدني طريف لحجز السيارة حتى لا تهرب قبل أن تدفع.

كان هذا النظام معمولًا به بمعظم المدن الرئيسية بالعالم وقد تم استبداله بعدادات رقمية يمكن شحن رصيدها من أي هاتف أو حاسب متصل بالإنترنت مع الالتزام بالحد الاقصى المتاح لانتظار كل سيارة حسب أهمية الشارع. وفي معظم بلدان العالم يكون الانتظار مجانيًّا من الليل إلى الصباح الباكر لسكان المنطقة أو يكون باشتراك شهري مع وجود ملصق يجنبه المخالفات.

أما عن مهنة السايس فهو من وجهة نظر البعض منقذ يخلق مكانًا حيث لا مكان متاح للانتظار بغض النظر عن قانونية تلك الأماكن وأثرها على سيولة حركة المرور بالشوارع. ومن رأي البعض الآخر بلطجي يفرض نفسه بخدمة قد لا تحتاج إليها ويفرض عليك أن تدفع مقابل تلك الخدمة أحيانًا مقدمًا وإلا أتلف السيارة في بعض الأحيان.

ويسارع الغالبية منهم بحجز أماكن الانتظار بحجارة أو بإطارات قديمة حفاظًا على ما يظن أنه حقه في مقابل ما يعتقد في أنها خدمة يؤديها وأنا أعتقد في التصنيف الأخير أكثر من الأول. لذلك عندي على القانون عدة ملاحظات:

أولًا: قانون رسوم الانتظار يجب تطبيقه على أماكن معينة أسوة بالنظام المعمول به في كل مدن العالم ويجب أن ينص بوضوح على محددات تلك الشوارع ولا يتركها للمحليات دون تلك المحددات.

ثانيًا: يجب تجريم مهنة السايس واستبدالها بنظام إلكتروني وشرطي يطبق القانون أيضًا كالنظام المعمول به بكل دول العالم. خاصة أن شوارع القاهرة خاصة قد امتلأت بالتقنيات الحديثة من كاميرات ورادارات ورأينا تأثيرها الإيجابي على التزام المواطنين بقوانين المرور والسرعات المقررة في شوارع القاهرة والالتزام بإشارات المرور حتى في غياب الشرطي وهذا لم يكن يحدث من قبل.

ثالثًا: يجب عند صياغة وإصدار القوانين ومرورها بالبرلمان الحفاظ على الوجه الحضاري لمصر فمن العيب سن قوانين تدفعنا إلى مظاهر انتهت من أكثر من مائة عام. فالشارع عامل مهم جدًّا في نمو الاقتصاد وحركة التجارة والسياحة .

رابعًا: عندي سؤال يطرح نفسه هو كيف سيطبق القانون؟ هل بدفاتر مطبوعة يسهل تزويرها أو الحجة بنفاذها لتعظيم دخل السايس مقابل دخل الحي؟ من سيراجع على تلك الدفاتر ويتأكد من عدد السيارات مقابل الإيراد اليومي للسايس؟ وكم سيكلف ذلك الجهاز المستحدث مقابل الإيراد.

خامسًا: أتمنى وجود لجنة للرقمنة بالبرلمان تكون مهمتها البحث عن البديل الرقمي للأفكار المطروحة لأن البديل الرقمي شفاف في الحقوق والواجبات لا يترك مجالًا للفساد ويساهم في التحول للمجتمع اللانفدي.

سادسًا: هل من العدل أن يكون مقابل انتظار السيارة بالقانون أمام البيت ثلاثمائة جنيه شهريًّا بالقانون بينما يكون إيجار البيت نفسه عشرة جنيهات شهريًّا بقانون الإيجار القديم أيضًا؟ هل من العدالة أن تسعى الدولة إلى تعظيم مواردها لارتفاع تكلفة الخدمات وأوجه الصرف والإنفاق لديها بينما تجبر أصحاب العقارات المشغولة تحت قانون الإيجار القديم بتحصيل إيجار زهيد تم تحديده من أكثر من خمسين سنة فحول تلك العقارات من ثروة لنقمة على أصحابها؟ أعتقد أنه من الأولى للبرلمان النظر في تلك الأوضاع المقلوبة نظرًا للأضرار الاقتصادية التي تنتج عنها وإيجاد حلول لها وأنا أعلم أنه قد تمت مناقشة هذا الموضوع الشائك لفترة طويلة دون جدوى.

من حق الأحياء ومن حق الدولة ولمصلحة المواطن صدور قانون ينظم انتظار السيارات ولكن يجب مراعاة الأعباء على المواطنين وتطبيقه بوسائل عصرية تتماشى مع التقنيات والعقول المتاحة ولا تفتح أبوابًا للفساد والبلطجة. لذلك نعم لقانون انتظار السيارات كالمعمول به في معظم دول العالم ولا لقانون السايس الغريب والعجيب. كما يجب على الدولة إتاحة الأراضي في الأماكن المزدحمة والمدن الجديدة كالقاهرة الجديدة والسادس من أكتوبر لتكون جراجات لانتظار السيارات فهذا غير موجود حتى الآن وإن وجد فهو غير كافٍ.

 

الرابط المختصر