محمد مصطفى _ يشهد قطاع الأسمنت حراكًا واسعًا ومطالب عديدة في ظل تواصل ارتفاع أسعار الفحم عالميًّا؛ مما تسبب في ارتفاع تكاليف الإنتاج، بالتوازي مع انخفاض الطلب المحلي، تأثرًا بتبعات توقف البناء العشوائي بالمحافظات.
ودفع تواصل ارتفاع أسعار الفحم لمستويات قياسية عالميًّا، الشركات العاملة في السوق، لبحث العودة للعمل للغاز الطبيعي مجددًا، وذلك في محاولة لتقليل تكاليف الإنتاج في ظل ثبات سعر الغاز للمصانع عند 4.5 دولارات للمليون وحدة حرارية.
فى التقرير التالي تستعرض «حابي» المطالب المختلفة والمتباينة لأطراف عاملة في السوق، اتفقت جميعها على وجود تحديات جسيمة تواجه الصناعة في البلاد، وعلى رأسها الفجوة الكبيرة بين الطاقة الإنتاجية وحجم الطلب، بينما اختلفت وتنوعت في المطالب؛ للخروج من الأزمة الراهنة.
مصادر: الأسعار الحالية تحد من قدرة العودة لاستخدام الغاز الطبيعي
وكشف مصدر مطلع باتحاد الصناعات عن تقدم شركات الأسمنت بمقترح للحكومة يتضمن 4 مطالب رئيسية للخروج من أزمة الصناعة الحالية، المتمثلة بشكل أساسي في ارتفاع تكاليف الإنتاج لا سيما مع الارتفاع العالمي الكبير والمتواصل لأسعار الفحم منذ اعتماد الشركات عليه بديلًا عن الغاز الطبيعي، نافيًا نية الشركات في العودة لاستخدام الغاز وفقًا لأسعاره الحالية البالغة 4.5 دولارات للمليون وحدة حرارية.
4 مقترحات من الشركات للخروج من الأزمة ابرزها خفض الضريبة
وأوضح المصدر الذي فضل عدم كشف اسمه في تصريحات خاصة لجريدة «حابي»، أن قائمة المقترحات تضمنت خفض ضريبة القيمة المضافة، البالغة حاليًا 14%، مشددًا على أن الحكومة وعدت بدراسة الأمر في ظل التأكيد على صعوبة تنفيذ مقترح إلغاء الضريبة بالكامل.
مطالبات بإعادة النظر في أسعار الغاز والحجر الجيري والطفلة والكهرباء
وأشار المصدر إلى أن قائمة المطالب تضمن خفض سعر الغاز الطبيعي إلى 3 أو 3.5 دولارات للمليون وحدة حرارية بدلًا من السعر الحالي البالغ 4.5 دولارات، مشيرًا إلى صعوبة عودة الشركات للعمل بالغاز الطبيعي مجددًا في ظل أسعاره الحالية، وأنه يمكن الإقدام على تلك الخطوة حال خفض سعر الغاز إلى 3.5 دولارات للمليون وحدة حرارية كحد أقصى.
وأضاف المصدر إلى أن قائمة المطالب تتضمن خفض أسعار الحجر الجيري والطفلة، وكذا أسعار الكهرباء للمصانع، مشددًا على أن تلك الأسعار غير مؤثرة بشكل كبير في تكاليف الإنتاج، على عكس أسعار ضريبة القيمة المضافة، وتكلفة العودة للغاز الطبيعي.
وذكر المصدر أن الشركات تكبدت في الفترة من 2011 وحتى 2014 تكاليف باهظة لتحويل خطوط البنية التحتية للفحم بدلًا من الغاز، حيث بلغت تكلفة خط الإنتاج الواحد الذي ينتج 2 مليون طن، نحو 15 مليون دولار.
الطاقة تستحوذ على 65% من التكلفة الإجمالية لإنتاج شيكارة الأسمنت
وأشار المصدر إلى أن الطاقة تستحوذ على 65% من التكلفة الإجمالية لإنتاج شيكارة الأسمنت، و10% فقط للحجر الجيري والطفلة.
كان جهاز حماية المنافسة قد أصدر قرارًا، في يوليو الماضي، بالموافقة على طلب 23 شركة أسمنت، بخفض الطاقة الإنتاجية لمصانع الأسمنت البورتلاندي بكل أنواعه والموجهة للبيع في السوق المحلية، ودخل القرار حيز التنفيذ منتصف الشهر ذاته.
يشار إلى أن استهلاك الأسمنت العام الماضي، بلغ 44.9 مليون طن، مقابل 48.7 مليون طن في 2019.
وتظهر إحصائيات شعبة منتجي الأسمنت، أن الطاقات الإنتاجية للصناعة زادت تدريجيًّا من 53 مليون طن في 2010، إلى 82.5 مليون طن سنويًّا في 2020، بينما لم تشهد الزيادة الإنتاجية أي نمو مماثل في الطلب؛ وهو ما تسبب في حدوث فجوة بين الطاقة الإنتاجية والطلب.
الأسعار الحالية للغاز مناسبة.. وقرار خفض الإنتاج سيقلل الفجوة بنحو 30% وتأثيره يظهر في نتائج الربع الأخير
من جانبه، قال مدحت إسطفانوس، رئيس شعبة الأسمنت بغرفة مواد البناء باتحاد الصناعات، العضو المنتدب لمجموعة تيتان للأسمنت، إن عودة الشركات للعمل بالغاز الطبيعي تتوقف على مدى إتاحة توفير الغاز لمختلف المصانع، مشددًا على أن السعر الحالي للغاز بقيمة 4.5 دولارات للمليون وحدة حرارية، يعد مناسبًا.
37.6 مليون طن زيادة في الطاقة الإنتاجية العام الماضي بسبب زيادة المعروض
أضاف إسطفانوس في تصريحات لـ«حابي» أن إجمالي الطاقة الإنتاجية لشركات الأسمنت بلغت العام الماضي 82.5 مليون طن، مقابل حجم طلب بلغ 44.9 مليون طن، بفارق نحو 37.6 مليون طن زيادة في الطاقة الإنتاجية؛ نتيجة زيادة المعروض.
الشركات تتحمل العبء الأكبر للوصول لأفضل معدلات الربحية في ظل المنافسة الشرسة بين 23 شركة منتجة
وأشار رئيس شعبة الأسمنت بغرفة مواد البناء باتحاد الصناعات، إلى أن قرار جهاز حماية المنافسة الصادر في يوليو الماضي، بالموافقة على طلب 23 شركة أسمنت، بخفض الطاقة الإنتاجية لمصانع الأسمنت البورتلاندي بكل أنواعه والموجهة للبيع في السوق المحلية، والذي دخل حيز التنفيذ منتصف الشهر ذاته، ستظهر نتائجه على الشركات المختلفة بدءًا من نتائج الربع الأخير من العام الجاري، لافتًا إلى أنه من المتوقع أن يساهم هذا القرار في تقليص فارق الزيادة في الطاقة الإنتاجية، بنحو 30%.
ارتفاع مرتقب للطلب مع عودة البناء بالمحافظات وتواصل المشروعات القومية الكبرى
ويرى إسطفانوس أن الدولة قامت بدورها على أكمل وجه في دعم صناعة الأسمنت، لا سيما القرار الأخير بخفض الإنتاج، قائلًا إن حجم المنافسة في القطاع كبير، ويقع على عاتق الشركات عبء كبير للوصول لأفضل معدلات ربحية في ظل المنافسة الشرسة لنحو 23 شركة.
ويبلغ إجمالي عدد شركات الأسمنت في مصر 23 شركة، حيث تبلغ القدرة الإنتاجية المملوكة للدولة 18.5 مليون طن مع 10 خطوط إنتاج، و64 مليون طن مع 37 خط إنتاج للقطاع الخاص.
وشدد رئيس شعبة الأسمنت بغرفة مواد البناء باتحاد الصناعات على أن تراكم المخزون مع ضعف الطلب، تعد من أبرز التحديات التي تواجه القطاع؛ لأنها بمثابة استثمارات معطلة، متوقعًا ارتفاع الطلب في الفترة القادمة، خاصة مع عودة البناء بالمحافظات تزامنًا مع تواصل المشروعات القومية الكبرى لا سيما بالمدن الجديدة.
يشار إلى أن حجم مخزون الكلنكر المتراكم في مصر يبلغ نحو 9 ملايين طن طبقًا لتقديرات سي كابيتال.
ارتفاع أسعار الفحم عالميًّا وشحنه واستيراده جعله أكثر تكلفة
من جانبه، أكد أحمد عبده، رئيس القطاع التجاري التسويق بشركة لافارج مصر للأسمنت، عضو مجموعة هولسيم العالمية، أن قرار خفض الإنتاج الصادر من جهاز حماية المنافسة، لم يحقق جدواه حتى الآن، حيث لا تزال الفجوة بين العرض والطلب كبيرة، ولا يوجد توازن، وما زال القطاع يعاني، مشددًا على أنه لا يمكن تقييم الوضع حاليًا بدقة؛ لصدور القرار في منتصف شهر يوليو، تلاه فترة من العطلة امتدت لأسبوع.
وشدد عبده على ضرورة التزام جميع الشركات العاملة في السوق بتنفيذ القرار؛ حتى يكون مجديًا، ويقلل الفجوة بين الطاقة الإنتاجية وحجم الطلب، مشيرًا إلى أن صناعة الأسمنت والعاملين بها عانوا على مدى 5 سنوات وتكبدت الشركات خسائر كثيرة، واضطرت لضغط العمالة، كما شهدت تلك السنوات تعثر مصنعين عن سداد ديونهم، وتوقف بعض المصانع عن العمل.
العودة لاستخدام الغاز توفر مليار جنيه سنويًّا من فاتورة استيراد الفحم
وعن حجم التحديات، أوضح رئيس القطاع التجاري بشركة لافارج مصر، أن حجم القدرات الإنتاجية في مصر يفوق حجم الطلب، حتى إن الزيادة وصلت العام الماضي إلى نحو 30 مليون طن سنويًّا، معتبرًا إياه رقمًا ضخمًا للغاية.
ولفت عبده إلى أن قرار وقف تراخيص البناء، وجائحة فيروس كورونا المستجد، ساهما في الصعاب التي تواجه صناعة الأسمنت، حيث انخفض حجم الطلب في السوق العام الماضي إلى 44.9 مليون طن، موضحًا أن المستثمرين أصبحوا يعزفون عن الدخول في الصناعة في الفترة الحالية، نظرًا لما تتكبده من خسائر، لا سيما أن المستثمر يستهدف الربحية من أي فرصة استثمارية.
وقف تراخيص البناء بالمحافظات أثر سلبيًّا بشكل كبير على الشركة والقطاع كاملًا
ولفت عبده إلى أنه على الرغم من أن شركة لافارج مصر شريك رئيسي في المشروعات القومية التي تقوم بتنفيذها الحكومة، وذلك بمختلف أنواع الأسمنت بدءًا من الأسمنت البورتلاندي العادي، والمقاوم للكبريتات، وسقارة الخاص للتشطيبات، ومنتجاتEcoLabe الصديقة للبيئة، إلا أن قرار وقف تراخيص البناء بالمحافظات أثر سلبيًّا بشكل كبير على الشركة والقطاع ككل لا سيما العام الماضي؛ كون المستهلك الأكبر للأسمنت في البلاد، هم الأفراد، مشددًا في الوقت نفسه على انعكاس المشروعات القومية بشكل إيجابي وملحوظ على حجم مبيعات الشركة.
وعن إمكانية عودة الشركة للعمل بالغاز، أشار عبده إلى أن لافارج مصر تفكر في العودة للعمل بوقود الغاز الطبيعي مرة أخرى بدلًا من الفحم؛ وذلك بسبب الجدوى الاقتصادية في ظل ارتفاع أسعار الفحم عالميًّا لمستويات قياسية، بجانب ارتفاع تكلفة الشحن والاستيراد، في مقابل وفرة الغاز الطبيعي المحلي، مشددًا على أن مصنع الشركة في مصر مهيأ للعمل بالغاز مجددًا؛ مما يجعل تكلفة العودة لاستخدامه محدودة.
انخفاض طلب الأفراد أضر بالصناعة.. والمشروعات القومية ساهمت في زيادة المبيعات
وذكر رئيس القطاع التجاري بشركة لافارج مصر، أن الاعتماد على الغاز الطبيعي والتوقف تدريجيًّا عن استخدام الفحم يوفر نحو مليار دولار من فاتورة استيراد الفحم سنويًّا للصناعة طبقًا لتقرير المجلس التصديري لمواد البناء؛ مما يساعد في خفض تكلفة الإنتاج وتوفير الفاتورة الاستيرادية، والاستعاضة بالغاز الطبيعي المحلي، وتوسيع فرص الأسمنت المصري في التصدير إقليميًّا ودوليًّا.
وعن مدى اعتماد الشركة على الوقود البديل، قال عبده إن لافارج مصر تعتمد على الوقود البديل بشكل مميز لتحسن أصول إنتاج الطاقة، مشددًا على دور شركة جيو سايكل في تحويل المخلفات لطاقة، وإدارة النفايات؛ لتحجيم أثرها السلبي على البيئة.
وعن أحجام التصدير، قال عبده إن سوق الأسمنت التصديري في عام 2020 وصل إلى 1.432.857 طن، وأن نصيب شركة لافارج مصر 109.742 طن منهم، مشيرًا إلى أن الشركة صدرت كلنكر إسمنتي، العام الماضي بنحو 293.231 طن، من حجم تصدير لإجمالي الشركات العاملة في السوق المصرية بلغ 1.093.231 طن.
وأوضح أن حجم تصدير مجمل الشركات للأسمنت حتى يوليو الماضي بلغ 1.157.434 طن، وأن نصيب شركة لافارج مصر منها بلغ 53233 طن، منوهًا إلى أن حجم تصدير الكلنكر في السوق حتى يوليو الماضي بلغ 2689997 طن، وأن نصيب الشركة منه 441.293 طن.
وعن خطط التطوير، قال رئيس القطاع التجاري بشركة لافارج مصر، إن الشركة تستهدف التوسع في إنتاج الأسمنت الصديق للبيئة المعروف باسم EcoLabel، قائلًا إن الشركة استخدمته مؤخرًا في عدد من المشروعات القومية المهمة مثل أنفاق قناة السويس، ومترو الأنفاق، والبرج الأيقوني في العاصمة الإدارية الجديدة.
وأوضح عبده أن الشركة تستهدف أيضًا التوسع في إنتاج الأسمنت البوزولاني، الذي بدأت في إنتاجه بداية العام الجاري، لافتًا إلى أنه يستخدم في الأعمال الخرسانية في نفس تطبيقات الأسمنت البورتلاندي العادي، ويتميز بأنه يحد ويخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 10%؛ نتيجة لاستخدام مواد صديقة للبيئة في تصنيعه.
وذكر عبده أن الشركة تعمل على تحسين شبكة النقل اللوجيستي لزيادة كفاءتها عن طريق مركز تحليلات النقل «TAC «، الذي يجمع عن طريق أجهزة التتبع جميع البيانات الخاصة بالشاحنات والطرق وسلوك السائقين؛ لمعالجتها من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، ونظم التحليلات المتقدمة بهدف التوجيه بمسار الطريق الأمثل، مما يزيد القدرة على التنبؤ بتوقيتات توصيل الأسمنت، والارتقاء بخدمة العملاء واستخدام أفضل الطرق وسلامة أفضل للسائقين، وبالتالي تقليل انبعاثات الكربون للنقل أيضًا.
وتعد صناعة الأسمنت في مصر من الصناعات كثيفة العمالة، وهي إحدى المحركات الرئيسية لصناعة التشييد ومواد البناء؛ حيث تسهم صناعة الأسمنت وحدها بنحو 1% من إجمالي الناتج المحلي، ونحو 10% من الإنتاج القومي الإجمالي للصناعة المصرية، بحسب بيانات الشعبة.
من جانبه، قال رئيس شركة أسمنت، رافضًا ذكر اسمه، إن صناعة الأسمنت تعاني بشدة نتيجة تواصل ارتفاع أسعار الفحم عالميًّا، موضحًا أن الشركات عندما تحولت للعمل الفحم بدءًا من 2011 كانت أسعاره حينذاك جيدة، لكنها زادت بعدها بشكل قياسي ومتتالٍ لأكثر من 250%؛ مما حدا بالشركات للتفكير في العودة لاستخدام الغاز الطبيعي مجددًا.
وأوضح أن العودة للغاز في ظل الأسعار الحالية لن تكون مجدية، لا سيما مع حساب تكاليف تحويل الخطوط في المرتين، إلا لو تم تخفيض أسعار الغاز للمصانع أو تخفيض قيمة ضريبة القيمة المضافة، منوهًا إلى أنه تكلَف نحو 250 مليون جنيه لتحويل خطوط مصنعه للعمل للفحم، وأنه حال العودة للغاز مجددًا سيتكلف نحو 50 مليون جنيه فقط؛ نظرًا لأن خطوط البنية التحتية موجودة ومهيأة، عكس السابق.
الشركة تستهدف التوسع في إنتاج الأسمنت صديق البيئة EcoLabel والبوزولاني
وأشار إلى أن الشركة توقفت مؤخرًا عن التصدير؛ نظرًا لارتفاع تكاليف الإنتاج مما يجعل أسعار الأسمنت المصرية مقارنة بالأسعار العالمية، غير تنافسية، لا سيما في ظل المنافسة الشرسة لدول عديدة في المنطقة أبرزها تركيا، مشددًا على أن الأسمنت المصري بحاجة ماسة لتدخل الدولة؛ وذلك لخفض مدخلات الإنتاج في ظل تواصل انخفاض الطلب المحلي وارتفاع حجم التنافسية لنحو 23 شركة.
يشار إلى أن صادرات الأسمنت سجلت في 2020 نموًّا بنسبة 13% مقارنة بعام 2019، حيث بلغت قيمة الصادرات 175 مليون دولار، مقارنة بقيمة 156 مليون دولار فقط في 2019، وذلك وفقًا لبيانات المجلس التصديري لمواد البناء والسلع المعدنية.