بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ كان لي شرف المشاركة الأسبوع الماضي في إجراء مقابلات مع عدد كبير من الشباب الذين يتسابقون على منحة لبعثة دراسية للحصول على درجة الماجستير في علوم الحاسب الآلي.
وبالرغم من تعدد فروع التكنولوجيا إلا أن اختيار جميع المتقدمين تقريبًا قد وقع على دراسة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته.
والذكاء الاصطناعي هو عبارة عن برامج وأجهزة تحاول محاكاة ذكاء الإنسان، كما تحاول أيضًا أن تحسن من أدائها استنادًا إلى المعلومات التي تجمعها.
ومن أشهر تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي نستخدمها يوميًّا تلك التطبيقات التي تدلنا على الطريق الأقصر أو الأقل زحامًا أو الأسرع، تلك التطبيقات تجمع معلومات من جميع المشتركين على الطرقات وتتعلم من مسارهم وتخبرنا بالخلاصة.
للذكاء الصناعي فروع عديدية ومن أشهرها على سبيل المثال لا الحصر:
• علم الروبوتات (Robotics) والروبوت هو الإنسان الآلي وهو دمج للهندسة الميكانيكية مع علوم الحاسب الآلي لإنتاج روبوت ذكي يساعد البشر في إنجاز المهام بصورة أدق وأسرع.
من أقرب الخبرات التي هي خبرة أخي أستاذ الجراحة بجامعات عديدة بالولايات المتحدة الذي يقوم باستخدام الروبوت في العمليات الجراحية الدقيقة. خبرته تتلخص في أن استخدام الروبوت يساعد في إنهاء العمليات في وقت أقل من خلال فتحات أصغر في الجسم مما يساعد على تعافي المرضي على نحو أسرع. في هذا التطبيق دمج للطب مع الهندسة الميكانيكية والإلكترونية وعلوم الحاسب الآلي لخدمة البشرية.
والجدير بالذكر أن الروبوت لا يمكنه القيام بالعملية الجراحية دون الجراح والفريق المساعد له وإن كنت لا أستبعد ذلك في المستقبل.
• تحليل البيانات والتعلم الآلي (Data Analysis and Machine Learning) وهو تحليل ومعالجة كميات كبيرة جدًّا من البيانات بهدف الوصول إلى حلول معينة لتحديات الحياة الواقعية، ما يمكن لتلك الأنظمة التعلم من الخبرات السابقة لتحسين النتائح. تحتاج تلك البرامج إلى كميات كبيرة من البيانات وكلما زادت البيانات زادت خبرة البرامج وبالتالي دقة النتائج.
تطبيقات تلك الفروع كثيرة أشهرها في المجال الطبي فلو توفرت لدينا المعلومات لأمكن استخدامها في الطب الوقائي ومحاربة المرض قبل حدوثة.
ومن أشهر المجالات أيضًا الجدارة الائتمانية فلو توفرت البيانات لأمكن التوقع بدقة لأي عميل يريد الاقتراض أو يرغب في الحصول على التمويل إن كان سيقوم بسداد تلك الأموال في موعدها أم سيتخلف عن سدادها بناء على تعلم الآلة من مئات الآلاف أو الملايين من البيانات للحالات المختلفة.
• الذكاء الاجتماعي والعاطفي (Social and Emotional intelligence) والتي تساعد الآلة على قراءة وفهم المشاعر الإنسانية والتجاوب معها بنفس الطريقة أيضًا وهناك أبحاث كثيرة لا تزال مبشرة في هذا المجال تطابق صورة الإنسان بآلام من صور البشر بملامح مختلفة ومن عرقيات مختلفة لترجمة وفهم المشاعر البسيطة ومعرفة إن كان فرحًا أو حزينًا أو مهمومًا والتعامل معه من نفس المنطلق. وإن نجحت تلك الأبحاث فلا نهاية للتطبيقات التي يمكن بناؤها عليها.
• معالجة اللغات الطبيعية (Natural Language processing) وهذا الفرع مختص بتحليل وفهم ومحاكاة اللغات الطبيعية واحتواء اللكنات المختلفة والمرادفات المتعددة لنفس الكلمة بنفس اللغة حتى يمكن للحاسب الآلي التفاعل مع البشر بلغاتهم.
من أشهر التطبيقات الناتجة عن تلك العلوم تلك الموجودة بالهواتف الذكية والحواسب الشخصية والمتمكنة من فهم الأوامر البسيطة وتنفيذها كألكسيا وسيري وغيرها.
هناك تخوفات عديدة من علوم الذكاء الاصطناعي منها تلك المتعلقة بالخطر الوجودي للبشر بسبب الذكاء الاصطناعي والتي تفترض بأن الإنسان هو المسيطر والمتحكم في البشرية بسسب الذكاء الذي منحه إياه الخالق والذي يتفوق به عن باقي المخلوقات، فإن منحنا تلك الأداة (الذكاء) للآلة لمكناها من السيطرة على البشر.
وطدت تلك الأفكار صناعة الأدب الروائي والسينما بصورة كبيرة. أعتقد أن الخطر المباشر هو تقلص فرص العمل وإسنادها إلى الآلة لأنها أسرع وأرخص وأدق من البشر.
أما عن الخطر الوجودي فقناعتي الشخصية بإيماني بأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من روح ونفس وجسد تستمد الروح وجودهما من خالقها ولا يمكن محاكاتها بأي صورة من الصور. وأعتقد أن الروح وتلك العلاقة الرابطة بالله هي الميزة الحقيقية للإنسان والتي تمكنه من أن يستمد القيمة والسلطان من الخالق ويستخدمهما.
أما عن الذكاء الاصطناعي فهو مجرد علم حديث يستمد وجوده من الإنسان وعلم هام جدًّا لا يمكن لنا إغفاله وإغفال تطبيقاته وهو في تعريفه مجرد محاكاة لذكاء الإنسان وله نسبة خطأ لا يمكن إغفالها. يجب علينا تبني تلك العلوم الحديثة في جامعاتنا ومعاملنا ومصانعنا حتى يكون لنا قسم من العلماء والمبتكرين في تلك المجالات الحديثة وحتى يجدوا ما يشجعهم للبقاء بالوطن مقابل الهجرة.