ماهر عشم يكتب.. الاستثمار المُزَعزِع

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ هناك نوعان من العائد على أي استثمار إما أرباح تحققت من النشاط الذي تم الاستثمار به أو الأرباح الرأسمالية التي نتجت عن الفارق بين سعر الأداة المالية وقت المساهمة والسعر الحالي في السوق المتاح فيه تداول تلك الأوراق المالية.

فمن يشتري سهمًا أو سندًا قد يحصل على نصيب السهم من توزيعات الارباح التي حققها الكيان المصدر أو قد يحصل على إمكانية تحقيق أرباح نتيجة زيادة سعر السهم أو السند عن سعر الشراء مما يسمى بالأرباح الرأسمالية.

E-Bank

تتحرك أسعار الشركات سواء كانت مقيدة في سوق ما أو يتم تداولها خارج الأسواق طبقًا لقوى العرض والطلب المبنية على توقعات المستثمرين والخبراء لأداء تلك الشركات. قد تبنى تلك التوقعات على أساس أداء الشركة وربحيتها طبقًا لتحليلات مالية دقيقة لنتائج أعمالها وتقاريرها المالية أو على أساس أخبار الشركة ووعود القائمين على إدارتها وعرضهم لنشاطها المستقبلي.

انتشر الإنترنت في أوائل تسعينيات القرن الماضي فظهرت ما سميت بشركات الدوت كوم وهي شركات بنيت أنشتطها على أساس ابتكارات تقنية تستخدم الاتصالات المبنية على شبكة الإنترنت.

بهرت تلك الأنشطة والابتكارات الخاصة بتلك الشركات المستثمرين في العالم أجمع مما أدى إلى المبالغة الشديدة في توقعاتهم المستقبلية لأرباح تلك الشركات.

تابعنا على | Linkedin | instagram

أدى ذلك إلى تهافت المستثمرين على الاكتتاب بطروحات تلك الشركات مما أدى أحيانًا إلى مضاعفة أسعارها عدة مرات في اليوم الواحد.

حقق الكثير أرباحًا طائلة من الأرباح الرأسمالية التي نتجت عن ارتفاع تلك الشركات. مرت سنوات ولم تحقق كثير من تلك الشركات تطلعات المستثمرين ولم تحقق أرباحًا حقيقية من أنشطتها. أ

دى ذلك إلى احتياج الشركات لمزيد من التمويل ولأنها لم تكن شركات رابحة استمرت في تعليق الجزرة وزيادة رأس المال عن طريق مزيد من الاكتتابات والطروحات.

استمر ذلك إلى نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة حين أدرك المستثمرون أنهم يلهثون وراء السراب وانهارت الأسواق وخاصة سوق ناسداك الشهير بأسهم الشركات العاملة بمجال التكنولوجيا وخسر المستثمرون مبالغ طائلة من تلك الابتكارات.

تكرر انهيار الأسواق في عام 2008 ولكن تلك المرة بسبب الائتمان والتمويل العقاري دون المستوى.

أدت تلك الموجة إلى انهيار العديد من الكيانات المالية والمصرفية مما أدى إلى خروج الكثير من الموظفين ذوي الخبرة الواسعة في المجالات المالية والمصرفية ومن لهم دراية تامة بمستجدات التكنولوجيا والاتصالات.

تلهفت شركات الاتصالات العديد منهم وشرعت في منافسة المصارف في تقديم خدمات مالية مبنية على التقنيات والاتصالات الحديثة بينما اختار البعض الآخر طريق ريادة الأعمال وشرعوا في ابتكار خدمات جديدة مبنية على استخدام التكنولوجيا في تقديمها.

قدمت تلك الحقبة كثيرًا من الشركات الناشئة التي قدمت خدمات استخدمها الملايين في العالم وسهلت وقصرت الطريق على متلقيها سواء في المجالات المالية كشركات المدفوعات أو المواصلات العامة أو التجارة الإلكترونية.

انفتحت شهية المستثمر المؤسسي لتلك الشركات خاصة صناديق رأس المال المخاطر المتخصصة في تمويل الشركات الناشئة.

تشابه فلسفة تلك الشركات فلسفة المنقبين عن البترول والمعادن النفيثة. فعملية التنقيب غير مضمون نتائجها لكن بين كل عدة محاولات فاشلة محاولة تنجح وتعوض الصندوق عن تلك الخسائر وتؤدي إلى أرباح مقبولة لهم.

نتج عن ذلك سعي الشركات الناشئة لتقديم وعود أكثر تفاؤلًا من مقدرة تلك الشركات والأسواق للمبالغة في الحصول على تقييمات جنونية والحصول على تمويل خيالي من تلك الصناديق المغامرة.

أدى ذلك إلى توفر رؤوس أموال رهيبة من المستحيل أن تحقق عائدًا مقبولًا على الاستثمار ولكن تضمن استمرار نشاط الشركة ورواتب مؤسسيها والعاملين بها مدة أطول مما يعود على مؤسسيها بالربح.

تلك الراحة المالية تدفع الشركات إلى مزاحمة الشركات الصغيرة العاملة بنفس المجال والمحققة للاستدامة المالية الذاتية وتنافسها منافسة مالية غير شريفة مستقطبة لكوادرها ومبالغة في تقديم العروض المغرية وسحب عملائها مستندةً إلى الراحة المالية المبنية على التمويل الذي تم الحصول عليه على أساس المغامرة والتقييم المبالغ فيه. يؤدي ذلك إلى زعزعة نشاط الكيانات الأصيلة حتى تخرج من السوق أو حتى ينفد تمويل الشركات الناشئة وترجع هي من الأسواق بعد زعزعتها.

تمويل الكيانات غير القادرة على الاستدامة المالية الذاتية –من وجهة نظري- عمل مدمر يخلق فرص عمل وهمية لفترة قصيرة ويضر الكيانات الأصيلة وعلى المدى الطويل يضر بمصلحة العملاء.

مصير أي شركة لا تحقق تلك الاستدامة المالية المبنية على تحقيق أرباح حقيقية ناتجة عن النشاط سيلاقي حتمًا مصير انهيار الدوت كومز.

لذا وجب على صناديق المال المخاطر والرقابة المالية الانتباه إلى تلك الظاهرة الخطيرة حرصًا على توفير بيئة اقتصادية مساندة للكيانات الناجحة.

 

الرابط المختصر