منى بدير: خلل هيكلي بين العرض والطلب في قطاع البترول
عدم اليقين يجعل استجابة السوق بهذا العنف.. ومؤشرات لانخفاض الطلب العالمي
باره عريان _ أكدت منى بدير، كبير المحللين الاقتصاديين في بنك الاستثمار برايم أن التقلبات الشديدة التي تشهدها هذه الفترة لها دلالة هامة، خاصة في ظل الضغوط التصاعدية، لافتة إلى أن أسواق السلع حاليًا تشهد حالة من عدم الاستقرار، نظرًا لوجود صدمة التوترات الجيوسياسية التي تؤثر بشكل كبير على سوق السلع الأساسية، سواء الطاقة أو السلع الغذائية أو غيرها.
وأشارت إلى أن سوق الطاقة، وتحديدًا البترول، شهدت اضطرابات على غرار أزمة كورونا، والتي انعكست على الاستثمار بقطاع البترول، كما أنها أدت إلى تراجع القدرة الإنتاجية لعدة دول منتجة، منوهة إلى أن أوبك لم تتردد في رفع الإنتاج بمجرد ملاحظة عدم وجود مشكلات بالطلب، إلا أنها ترى أيضًا أن قدرتها على الإنتاج تأثرت بالتراجعات التي حدثت خلال تداعيات جائحة كورونا، نتيجة انخفاض الاستثمارات خلال الأزمة.
وكشفت عن وجود خلل هيكلي بين العرض والطلب بقطاع البترول، لافتة إلى وجود مشكلات لا تزال تحوم حول العرض، نظرًا للمفاوضات الجارية مع إيران، حيث إن دخولها إلى السوق قد يسفر عن ضخ 2 مليون برميل، وهو ما يمثل جزءًا كبيرًا من الإنتاج، الأمر الذي من شأنه التأثير على المعروض، وهو ما ينعكس على الأسعار.
نوهت إلى تحركات وكالة الطاقة الدولية أو الدول المتقدمة في تحريك المخزون الاستراتيجي، إضافة إلى المناورة التي تقوم بها أمريكا فيما يتعلق بإنتاج البترول الصخري، مؤكدة أن جميع هذه العوامل من شأنها التأثير على العرض من جانب، في حين أن الطلب لا يزال متأثرًا، حيث إن صدور أنباء من الصين خاصة بموجة إغلاقات جديدة، أسفر عن انخفاض الأسعار بشكل كبير، نظرًا لوجود قلق من عدم عودة الطلب بصورة كبيرة.
وأوضحت أنه في حال بدأت هذه الأزمة في التأثير على الاقتصاد العالمي بصورة تدفعه إلى الدخول في مرحلة ركود، فمن المؤكد أن ذلك التأثير سيمتد إلى الطلب على البترول، خاصة أنه سيؤدي إلى تراجعات كبيرة على الطلب في دول مهمة مثل الدول المتقدمة والصين.
المستويات السعرية للسلع العالمية ترتبط بالتوترات الجيوسياسية
ولفتت إلى أن الشكوك لا تزال موجودة حول معدلات النمو في الصين، خاصة في ظل موجة الإغلاقات المترتبة على تداعيات جائحة كورونا، وهو ما يتزامن مع التباطؤ الاقتصادي ومخاطر انهيار القطاع العقاري في الصين، فجميعها عوامل تشير إلى وجود انخفاض على الطلب العالمي من البترول، وهو ما يعكس أن الصورة لا تزال غير واضحة، نتيجة لظروف عدم التأكد التي جعلت رد فعل السوق عنيفًا، حيث إنها تشهد ارتفاعات سريعة في حال وجود أخبار سلبية، كما أنها تشهد هبوطًا سريعًا.
وأكدت أن رد الفعل العنيف يعد مردودًا لحالة عدم اليقين التي تشهدها السوق، وهو ما سيستمر في الأغلب خلال عام 2022، منوهة إلى وجود عوامل مؤثرة على المدى الطويل مثل فكرة سرعة التحول لاستراتيجية zero carbon أو التحول لانخفاض الانبعاثات، تماشيًا مع التحول للطاقة النظيفة في ضوء الاقتصاد الأخضر، لذا فإن جميع هذه العوامل من شأنها التأثير على المدى الطويل، ذلك فضلًا عن المشاكل التي تشهدها الآجال القصيرة.
أضافت أن جميع هذه العوامل كانت السبب وراء الارتفاع الكبير الذي شهده البترول، لافتة إلى وجود أسباب هيكلية في الخلل بين العرض والطلب، فضلًا عن السبب المحوري والأساسي الذي يكمن في عدم اليقين، والتي تجعل استجابة السوق بهذا العنف، حيث إنها انخفضت بمعدل كبير وقت الإعلان عن بدء المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا حول وقف إطلاق النار، وهو ما يذكرنا بالارتفاع السريع الذي شهدته حين اندلاع الحرب.
ونوهت إلى التقييمات المرتبطة بمصير العقوبات على روسيا، والتي قد تتأثر أو تتزايد، نظرًا لحالة عدم اليقين سواء المتعلقة بالوقت المتوقع لانتهاء الصراع، ومصير العقوبات، وكذا مصير سوق البترول سواء تم الوصول لاتفاق مع إيران أم لا، أو في حالة زيادة استخدام المخزونات الاستراتيجية، مؤكدة أن جميع هذه المعطيات ستظل عوامل ضاغطة على معدل التقلبات في سعر البترول.
وأشارت إلى أن أسعار الطاقة، خاصة البترول، عادة ما تكون تأثيراتها أكبر على الاقتصاد العالمي ومعدلات النمو، في حين أن أسعار السلع مثل الغذاء ترتبط بصورة كبيرة بالحرب، والتي لو لم تكن اندلعت لكان من المتوقع رؤية انخفاضات معقولة، حيث كان من المتوقع استقرار أسعار السلع الغذائية، مرجعة هذا الارتفاع إلى حجم روسيا وأوكرانيا في هذا القطاع، نظرًا لكونهما أهم منتجي الحبوب، لذا فإن أسعار السلع الغذائية لم تتأثر بارتفاع سعر البترول، بل جاء التأثير نتيجة التوترات في الاقتصاديات الكبيرة.
تقلبات حادة بالأسعار خلال الفترة القادمة.. ونرجح أن تتجاوز 150 دولارًا للبرميل
وأضافت بدير أن أسعار المحروقات ستتحدد وفقًا لتقييمات أسعار البترول، والتي لا يتوقع لها الانخفاض بشكل كبير عن المعدلات المئوية الموجودة حاليًا، وبالعكس فإن التوقعات تشير إلى أنها ستظل في مسار تصاعدي، حيث من المرجح أن تتجاوز 150 دولارًا للبرميل، مع احتمالية الزيادة عن هذا السعر، وهو ما سيتوقف على مدى التطورات السياسية.
وأشارت إلى أن أسعار البترول ستشهد تقلبات حادة خلال الفترة القادمة، مستبعدة حدوث انخفاض بشكل كبير، والعودة إلى مستويات الـ 60 و70 دولارًا للبرميل خلال هذه المرحلة، نظرًا لوجود ضغوط كبيرة على العرض والطلب في سوق البترول.
وترى أن أسعار السلع العالمية ترتبط بالتوترات الجيوسياسية بشكل كبير، لافتة إلى احتمالية تأثر أسعار المعادن في حالة قلت حدة الصراع، أو تم الوصول لاتفاق، فذلك ينبئ باستقرار المعادن أو انخفاضها، منوهة إلى أن أسعار الغذاء ستواصل تأثرها خلال الأزمة، لا سيما في ظل وجود عامل آخر مؤثر بها وهو التقلبات المناخية، والذي يسفر عن مخاطر تدفع التوقعات نحو ارتفاع أسعار الغذاء، أو البقاء عند المستويات المرتفعة الحالية في حال تراجع الصراع، وهو ما يعكس وجود ضغوط أخرى تنعكس على أسعار المنتجات بخلاف الضغوط الخاصة بأسعار البترول.
السلع الغذائية تتأثر بالتوترات في الاقتصاديات الكبيرة وليس بصعود البترول
وتوقعت أن الدول المصدرة للغذاء قد تتجه لتقليل الصادرات من السلع الأساسية، في ضوء رغبتها في تأمين احتياجاتها الغذائية، وذلك تخوفًا من تداعيات الحرب، الأمر الذي من شأنه التأثير على المستويات السعرية.
وأكدت أن الحكومة بدأت في التحرك سواء من خلال تسعير المواد الغذائية مثل الخبز، أو توفير المواد الغذائية في المجمعات الاستهلاكية، منوهة إلى أن التحركات التي من المتوقع أن يتم ملاحظتها بصورة أسرع، وأكثر فاعلية، هي التحركات التي تستهدف المدى الطويل، والمتمثلة في زيادة سعة التخزين للمواد الغذائية، خاصة الحبوب، وكذلك المضي قدمًا في إجراءات الاكتفاء الذاتي، وذلك مع التحوط.
وأشارت كبير المحللين الاقتصاديين ببنك الاستثمار برايم، إلى أنه بالنظر إلى المدى القصير قد نجد الحكومة تتحوط في الموازنة الجديدة، على أسعار الحبوب، وهو ما سيكون جزءًا من استراتيجية الدولة الخاصة بتعظيم الطاقة الاستيعابية، أو طاقة التخزين للسلع الأساسية، حتى يتم تغطية المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية، وهو ما يتزامن مع السعي لزيادة الاكتفاء الذاتي، من خلال زيادة الرقعة المزروعة، والتوسع في الري الأفقي، إضافة إلى خطط التوسع في زراعة المحصولات الاستراتيجية، وذلك بالأجل الطويل، في حين أن التحركات في الأجل القصير يجب أن تكون فورية، وهو ما قامت الحكومة به.
ولفتت إلى أن الزيادة التي شهدها فبراير لم تكن مبررة، وجزء منها جاء نتيجة الخوف من عدم توفر سلعة معينة، الأمر الذي دفعهم للتحرك السريع والضغط على الأسعار، وعليه فإن تحرك الحكومة كان مطلوبًا آنذاك.
ونوهت إلى أن هذا التحرك قد يكون مطلوبًا، نظرًا لأن الفترة القادمة ستشهد ظهور تأثير ما يحدث عالميًّا، فمن المفترض أننا لم نتأثر بعد، نتيجة لاعتمادنا على المخزون، كما ستشهد الشهور القادمة زيادة في المحصول المحلي، لافتة إلى أنه من المفترض أن يتم الشعور بهذه الأزمة بعد شهرين أو ثلاثة، ولكن اقتراب موسم رمضان، بالتزامن مع حالة الخوف، أسفر عن زيادة الأسعار.