لماذا يعمل صندوق النقد الدولي على تحديث رؤيته لتدفقات رؤوس الأموال؟

aiBANK

بقلم: توبياس أدريان، وغيتا غوبيناث، وبيير-أوليفييه غورينشا، وجيلا بازارباشيوغلو، ورودا ويكس-براون _  هناك ظروف ينبغي معها أن يكون أمام البلدان خيار كبح تدفقات الدين الداخلة على نحو استباقي من أجل حماية الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي.

من الممكن لتدفقات رؤوس الأموال أن تساعد البلدان على النمو وعلى اقتسام المخاطر. ولكن الاقتصادات ذات الديون الخارجية الكبيرة يمكن أن تكون معرضة للأزمات المالية والركود العميق عند خروج التدفقات الرأسمالية. وتصبح مخاطر الالتزامات الخارجية في أعلى درجاتها عندما تفتقر إلى التطابق بين العملات – أي عندما يكون الدين الخارجي مقوما بعملات أجنبية ولا تقابله أصول بهذه العملات أو سبل للتحوط منها.

E-Bank

وقد جاءت تدفقات رأس المال الخارجة الكثيفة التي شهدتها بداية الجائحة العالمية والاضطرابات الأخيرة في تدفقات رؤوس الأموال الداخلة إلى بعض الأسواق الصاعدة عقب الحرب في أوكرانيا بمثابة تذكرة صارخة بمدى التقلب الذي يمكن أن تصل إليه تدفقات رؤوس الأموال – ومدى التأثير الذي يمكن أن يُحْدِثه ذلك على الاقتصادات.

ومنذ بداية الجائحة، أنفقت بلدان عديدة على دعم التعافي، مما أدى إلى تراكم دينها الخارجي. وفي بعض الحالات، لم تقابل الدين المقوم بعملات أجنبية أصول بهذه العملات أو سبل للتحوط منها. ويتسبب هذا في خلق مواطن ضعف جديدة في حالة فقدان الإقبال المفاجئ على دين الأسواق الصاعدة، مما قد يفضي إلى تعثر مالي حاد في بعض الأسواق.

وفي مراجعة أجراها الصندوق بشأن تدفقات رأس المال وتم نشرها اليوم، قال إن على البلدان أن تتسم بمرونة أكبر حتى تطبق تدابير محصورة في فئتين من الأدوات: تدابير إدارة تدفقات رأس المال (CFMs) والتدابير الاحترازية الكلية (MPMs).

وقالت المراجعة المنشورة اليوم إن هذه التدابير، المعروفة معا بالاختصار CFM/MPMs، يمكن أن تساعد البلدان على تخفيض التدفقات الرأسمالية الداخلة ومن ثم فإنها تخفف المخاطر على الاستقرار المالي – ليس حين تحدث طفرة في التدفقات الرأسمالية الداخلة وحسب، ولكن في الأوقات الأخرى أيضا.

علامة فارقة
في البداية، اعتمد الصندوق “الرؤية المؤسسية” في عام 2012 حين كان عدد كبير من الأسواق الصاعدة يتصارع مع التدفقات الرأسمالية الكبيرة والمتقلبة.

وتأثرا بالأزمات المالية في التسعينات والأزمة المالية العالمية في الفترة 2008-2009، سعى الصندوق إلى اتباع منهج متوازن ومتسق تجاه قضايا تحرير الحساب الرأسمالي وإدارة التدفقات الرأسمالية.

وعلى وجه التحديد، أقرت الرؤية المؤسسية مبدأ أساسيا مفاده أن تدفقات رأس المال مرغوبة لما يمكن أن تحققه من منافع كبيرة للبلدان المستفيدة، لكنها يمكن أن تؤدي أيضا إلى تحديات اقتصادية كلية ومخاطر على الاستقرار المالي.

وتشير الرؤية المؤسسية أيضا إلى دور بلدان المصدر في تخفيف المخاطر متعددة الأطراف المرتبطة بتدفقات رأس المال وأهمية التعاون الدولي بشأن السياسات الحاكمة لهذه التدفقات.

إدارة تدفقات رأس المال
أدمجت الرؤية المؤسسية الاستخدام المحدود لتدابير إدارة تدفقات رأس المال والتدابير الاحترازية الكلية (CFM/MPMs) ضمن مجموعة أدوات السياسة. وإذ حددت الظروف التي قد يفيد فيها استخدامها، فقد شددت أيضا على ضرورة عدم اعتبارها بديلا لأي تعديلات اقتصادية كلية لازمة.

وأشارت الرؤية المؤسسية إلى أنه قد يكون من الملائم استخدام تدابير إدارة تدفقات رأس المال لفترة محدودة بغية تقييد التدفقات الداخلة، وذلك حين تؤدي طفرة في التدفقات الرأسمالية الداخلة إلى تضييق الحيز المتاح أمام السياسات لمعالجة التقييم المفرط للعملة وفورة النشاط الاقتصادي. وقالت إنه قد يكون من المفيد استخدام تدابير إدارة تدفقات رأس المال لتقييد التدفقات الخارجة، وذلك حين تهدد تدفقات رأس المال الخارجة المربكة بخلق أزمة.

ولم تكن الرؤية المؤسسية ترى نفعا في تدابير إدارة تدفقات رأس المال/ الإدارة الاحترازية الكلية المعنية بالتدفقات الداخلة إلا أثناء طفرات التدفقات الرأسمالية، على افتراض أن مخاطر الاستقرار المالي الناشئة عن التدفقات الداخلة ستنشأ أساسا في ذلك السياق.

ووقت اعتماد الرؤية المؤسسية، أقر الصندوق أنها ستتطور بناءً على الأبحاث والتجربة.

وتتضمن مراجعة اليوم تحديثا للرؤية المؤسسية مع الحفاظ على المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها. وتحافظ المراجعة أيضا على المشورة الحالية بشأن تحرير رؤوس الأموال، واستخدام تدابير إدارة تدفقات رأس المال/ الإدارة الاحترازية الكلية في فترات التدفقات الخارجة المربكة.

التدابير الوقائية
يتمثل التحديث الرئيسي في إضافة تدابير إدارة تدفقات رأس المال/الإدارة الاحترازية الكلية القابلة للتطبيق على أساس وقائي إلى مجموعة أدوات السياسات، حتى في حالة عدم وجود طفرة في التدفقات الرأسمالية الداخلة.

وينبني هذا التغيير على إطار السياسات المتكامل (IPF)، وهو جهد بحثي من جانب الصندوق لبناء إطار منهجي يتم على أساسه تحليل خيارات السياسات والمفاضلات المتاحة في مواجهة الصدمات، في ظل خصوصيات كل بلد.

وقد أضفى إطار السياسات المتكامل والأعمال البحثية الأخرى المتعلقة بالأزمات الخارجية أبعادا جديدة على إدارة مخاطر الاستقرار المالي النابعة من تدفقات رأس المال. وسلطت الضوء على أن المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي يمكن أن تنشأ من التراكم التدريجي للدين الخارجي المقوم بعملات أجنبية، حتى دون طفرة في التدفقات الداخلة. وفي حالات محدودة واستثنائية، سلطت هذه الأبحاث الضوء أيضا على المخاطر الناشئة عن الدين الخارجي المقوم بالعملة المحلية.

وبالإضافة إلى ذلك، قد تكون هناك صعوبة في معالجة هذه المخاطر بسبب الطبيعة المتغيرة للوساطة المالية العالمية فيما يتجاوز النظام المصرفي. فقد لا تستطيع التدابير الاحترازية الكلية وحدها في كل الأحوال احتواء مخاطر كالتي تنشأ عن الاقتراض بالعملة الأجنبية من جانب الشركات غير المالية وبنوك الظل.

ويمكن لتدابير إدارة تدفقات رأس المال/ الإدارة الاحترازية الكلية الرامية إلى تقييد التدفقات الخارجة أن تخفف المخاطر الناشئة عن الدين الخارجي. غير أنها لا ينبغي أن تُستخدم على نحو يقود إلى تشوهات مفرطة. ولا ينبغي أيضا اعتبارها بديلا للسياسات الاقتصادية الكلية والهيكلية الضرورية أو استخدامها للحفاظ على العملات شديدة الضعف.

تحديثات أخرى للرؤية المؤسسية
هناك تحديث مهم للرؤية المؤسسية يتمثل في معاملة بعض فئات تدابير إدارة تدفقات رأس المال معاملة خاصة. فلن تسترشد هذه التدابير بالمشورة المعنية بالسياسات الواردة في الرؤية المؤسسية لأنها خاضعة لأطر دولية منفصلة لتنسيق السياسات العالمية أو لأنها تطبق لاعتبارات محددة غير اقتصادية.

وتتضمن فئات تدابير إدارة تدفقات رأس المال المشمولة بالمعاملة الخاصة تدابير احترازية كلية محددة تتوافق مع إطار بازل، والتدابير الضريبية القائمة على معايير محددة للتعاون الدولي في مجال مكافحة التحايل أو التهرب الضريبي، والتدابير المطبقة تماشيا مع المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتدابير المطبقة لأسباب متعلقة بالأمن القومي والدولي.

وبالإضافة إلى ذلك، توضح المراجعة كيفية استخدام إطار السياسات المتكامل بحيث يكون مرشدا للأحكام الأساسية اللازمة في ظل الرؤية المؤسسية، كالتي تتعلق بطبيعة الصدمات وما يتصل بها من نواقص سوقية تشوب التعديلات الاقتصادية الكلية اللازمة.

وتتيح المراجعة أيضا إرشادات عملية للمشورة بشأن السياسات فيما يخص تدابير إدارة تدفقات رأس المال، بما في ذلك كيفية تحديد طفرات التدفقات الرأسمالية الداخلة، وكيفية تحديد ما إذا كان من السابق لأوانه تحرير تدفقات رأس المال، وأي من تدابير إدارة تدفقات رأس المال يتسم بدرجة من الأهمية تجعله جديرا بالتركيز في أعمال الرقابة.

إطار حي
يسعى الصندوق لمعرفة المزيد والتكيف مع المستجدات بشكل متواصل حتى يقدم أفضل خدمة لبلدانه الأعضاء. وعلى غرار سياسات الصندوق الأخرى، ستظل الرؤية المؤسسية تسترشد بالإنجازات البحثية وكذلك بالتطورات في الاقتصاد العالمي وتجارب البلدان الأعضاء. وقد وسعت المراجعة مجموعة أدوات السياسات المتاحة لصناع السياسات، ولا سيما في البلدان الصاعدة والنامية، مع الحفاظ على المبادئ الرئيسية للرؤية المؤسسية الأصلية.

وهدفنا هو أن تتمكن البلدان من استخدام هذه الأدوات المحدثة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي مع الاستمرار في جني المنافع التي تحققها تدفقات رأس المال.

 

الرابط المختصر