علاء الزهيري: المعيار 17 أهم ما يجب أن يشغل تفكير شركات التأمين
حتى الآن لا توجد أي مشكلة على مستوى الشركة أو السوق في تدبير الدولار
أحمد رضوان _ كغيره من القطاعات الاقتصادية عمومًا، والمالية على وجه الخصوص.. يواجه قطاع التأمين سلسلة من التحديات المرتبطة بالتضخم وسعر الصرف والطلب على خدماته، وأيضًا تقييم الأصول المؤمن عليها، لكن هذه التحديات تتوارى قليلا أمام المعيار رقم 17 الخاص بمعالجة الوثائق والتغطيات طويلة الأجل.. هذا ملخص مبسط لما يفكر به علاء الزهيري رئيس اتحاد شركات التأمين المصرية والعضو المنتدب لشركة جي آي جي للتأمين.
يرى الزهيري أن المعيار 17 وهو معيار عالمي تم إرجاء تطبيقه أكثر من مرة على شركات التأمين وبات من الملزم العمل به اعتبارا من يناير 2023، هو أهم التحديات التي يجب على شركات التأمين التفكير بها، ليس فقط بسبب قرب تطبيقه، ولكن لآثاره المتعددة على السوق والتي قد تصل إلى ظهور موجة من الدمج والاستحواذ بين الشركات.

التضخم يرفع حجم الأقساط.. والعميل صاحب قرار إعادة تقييم أصوله
وقال الزهيري إن غالبية الشركات ليست جاهزة لتطبيق المعيار الجديد، مشيرا إلى أنه يتطلب ضمن حزمة واسعة من المتطلبات، تعيين فريق اكتواري داخلي (مختصين في المعالجات المالية للاحتمالات المستقبلية)، وهو تحد ليست من السهل مواجهته في ظل النقص الكبير في عدد الخبراء الاكتواريين بالسوق المحلية، إلى جانب التعاقد مع مراجعي حسابات قانونيين من الصف الأول.
وشرح الزهيري بطريقة مبسطة منهجية المعيار الجديد الذي يتكون مما يربو على 1300 مادة، موضحا أنه يستهدف حساب معدلات الخسائر في الوثائق طويلة الأجل منذ اللحظة الأولى لسريانها، وبالتالي معالجة كل بنود القوائم المالية للشركات بما يتفق مع ذلك حتى فيما يتعلق بتكوين المخصصات، وهي مسألة يرى الزهيري أن لها من التكاليف المادية والبشرية ما يجب التجهيز له فورا، خاصة مع رفض هيئات الرقابة المالية عالميا إرجاء تطبيق المعيار لما بعد يناير 2023.
وبعيدا عن المعيار 17.. أكد علاء الزهيري أن أسواق إعادة التأمين عالميا تواجه تحديات كبيرة خاصة في أوروبا، ولهذا تأثير غير مباشر على السوق المحلية يتمثل في انخفاض الطاقة الاستيعابية مستقبلا، مشيرا إلى أن السوق الروسية على سبيل المثال أوقفت التعامل بسبب الحرب، وكانت هناك 2 إلى 3 شركات روسية تتعامل بالفعل مع السوق المصرية قبل الحرب.
أسواق الإعادة تواجه تحديات استثنائية بسبب الحرب والتقلبات الاقتصادية
في سياق متصل، قال الزهيري إن انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، يؤثر بالتبعية على اتفاقات إعادة التأمين، فعلى سبيل المثال، في حال وجود اتفاق بإسناد عمليات لمعيد التأمين بقيمة 20 مليون دولار، فهذه القيمة كان يتم تغطيتها بعمليات توازي 313 مليون جنيه مصري (على أساس سعر 15.65 جنيه للدولار)، أما الآن فالقيمة نفسها توازي عمليات بنحو 370.4 مليون جنيه مصري (على أساس سعر 18.52 جنيه للدولار)، وبالتالي في حال عدم القدرة على تحقيق هذا الاتفاق كمبالغ التأمين، قد يؤثر ذلك على نظرة شركات الإعادة للسوق المحلية، وبالتالي على الاتفاقات المستقبلية وحدود الطاقة الاستيعابية الممنوحة لها، ومن ثم قدرة الشركات المحلية على قبول اكتتابات أكبر.
الطاقة الاستيعابية قد تتأثر جراء تراجع سعر الجنيه مقابل الدولار
ومن المعروف أن نشاط إعادة التأمين يقوم على توزيع حصص من العمليات التي تحصل عليها شركات التأمين المباشر، على كيانات أكبر حجما وقدرة على المشاركة في تغطية التعويضات حال استحقاقها.
وحول التعامل مع التضخم المرتفع.. قال الزهيري إن هيئة الرقابة المالية بالتعاون مع اتحاد التأمين طالبت العملاء عبر تعميم صدر مؤخرا، بمراجعة قيم الأصول المؤمن عليها بما يتناسب مع سعرها السوقي الحالي، ولكن الأوضاع الاقتصادية الراهنة ربما تحد من قدرة بعض العملاء على دفع تكلفة أكبر في التأمين على أصولهم بالأسعار السوقية الحالية، مشيرا إلى أن قرار إعادة تقييم الأصول بسعرها السوقي الحالي يخص العملاء وليس شركات التأمين.
ويرى رئيس اتحاد شركات التأمين المصرية، أن التضخم الراهن قد يدفع أقساط التأمين للصعود على خلفية ارتفاع تكلفة التأمين على الأصول نفسها، وهذا وإن كان مكسبا ظاهريا لكنه لا يعبر عن اتساع عمليات الشركات.
التغطيات «شبه الإجبارية» والتأمين البنكي حافظت على وضع الطلب
لكن الزهيري أكد في الوقت نفسه أن الطلب على خدمات التأمين ما زال في وضعه الطبيعي ولم يتأثر بالسلب بالتقلبات الاقتصادية الراهنة، مشيرا إلى وجود الكثير من التغطيات شبه الإجبارية كتلك التي يتم فرضها مع عمليات تقسيط السيارات على سبيل المثال، بجانب وثائق التأمين البنكي، وهذه التغطيات تضمن الحفاظ على استمرارية طلب خدمات التأمين. أما التأمينات الاختيارية بصورة تامة كالحياة والمعاشات والتعليم، فمن الممكن أن تواجه بعض الضغوط.
وأكد الزهيري أن الشغل الشاغل له على مستوى شركته هي الجاهزية لتطبيق المعيار 17، بجانب تحقيق أكبر قدر من التوازن بين المصروفات والإيرادات، موضحا أنه من المستحيل أن يكون الترشيد على حساب الكوادر في ظل الحاجة الشديدة لتنمية الأعمال وضم خبرات جديدة تناسب الخطط المستهدفة والتحولات المطلوبة سواء على مستوى تطبيق الاشتراطات الجديدة وكذلك على مستوى التحول الرقمي وتلبية متطلباته وتكاليفه.
وحول تلبية احتياجات قطاع التأمين من النقد الأجنبي، أكد علاء الزهيري أنه حتى الآن لم تواجه شركته أي صعوبات في تدبير الدولار اللازم لعملياتها، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه بحكم تعامل شركته مع كيانات متعددة الجنسيات، فإن لها مصادر دخل بالنقد الأجنبي تساعدها في تغطية التزاماتها.
وأكد الزهيري أنه على مستوى سوق التأمين لم يتم إبلاغ الاتحاد بأي مشاكل تخص الشركات في تدبير النقد الأجنبي، وفي حال حدوث ذلك سيتم بالتأكيد التواصل والتنسيق مع هيئة الرقابة المالية.
على الكيانات التفكير «مبكرا» في التكتل عبر الدمج والاستحواذ
ونصح الزهيري شركات التأمين بتبني نظرة مستقبلية واسعة وأن تفكر بجدية في بناء تكتلات أكثر قوة عبر الدمج والاستحواذ، مشيرا إلى أن الفكرة الأساسية للمعيار 17 هي بناء كيانات تأمين قوية على مستوى العالم.
وأكد الزهيري أن سوق التأمين المحلية ما زالت جاذبة للاستثمار الخارجي بدعم العمليات الكبيرة والمتعددة المتاحة بها في ظل انخفاض حجمها قياسا بحجم الاقتصاد والناتج المحلي الإجمالي وارتفاع ربحيتها، ووجود فرص نمو مرتقبة مع صدور قانون التأمين الجديد الذي سيفرض نحو 8 أنواع جديدة من التأمينات الإجبارية.
وتوقع الزهيري أن تشهد البورصة المصرية صعودا وصفه بالطبيعي على خلفية توقعات التضخم، لكنه في الوقت نفسه رأى صعوبة في إعادة توظيف أموال التأمين بما يتناسب مع طبيعة الفرص المتاحة في السوق، مشيرا إلى أن كوادر التأمين تتسم بالحرص نظرا لحساسية الأموال التي تديرها، وبالتالي من الصعب حدوث تغير ملموس في نسب وقنوات توظيف الأموال، وحتى لو ظهرت أوعية استثمارية بعوائد أكبر من الأذون والسندات والودائع، فإنه ليس من المقبول المخاطرة بأموال حملة الوثائق.
خفض المصروفات لن يكون على حساب الكوادر.. والدعاية والتسويق قد تتأثر
ونصح الزهيري رواد الأعمال بالتفكير جيدا في الصناعات المرتبطة بمدخلات الإنتاج لتكون بديلا عن تلك التي يتم استيرادها من الخارج، مشيرا إلى أنه على المستوى الخدمي والتحول الرقمي ظهرت بالفعل مبادرات كثيرة من رواد الأعمال منذ فترة جائحة كورونا وكثير من هذه المبادرات لاقى نجاحا كبيرا بالفعل. ولكن الوقت الراهن يتطلب التأثير بصورة أكبر في إحلال الواردات لتوفير النقد الأجنبي، وكذلك العمل على صناعات مرتبطة بالتصدير، واعتبر الزهيري العمل على تغطية هذا التحول بمثابة فرصة كبيرة ظهرت من رحم الأزمات التي شهدها العالم في الفترات الأخيرة.
وحول ما يجب على الحكومة تقديمه للقطاع الخاص بمختلف مجالات عمله، قال الزهيري إنه من الصعب التفكير في حوافز مالية في ظل ارتفاع الانفاق الحكومي وكذلك الصعود المرتقب في تكلفة الاقتراض، وبالتالي يرى أن أفضل ما تقدمه الحكومة للمستثمرين هو تهيئة البيئة والمناخ الملائم لتسهيل ممارسة الأعمال وتسريع دخول المستثمر الأجنبي سواء فيما يتعلق بإجراءات تأسيس الشركات أو التراخيص وما يرتبط بالإجراءات الحكومية في هذا الشأن.
وأكد وجود خطوات تم الإعلان عنها ستكون مؤثرة بصورة كبيرة في تنشيط الاستثمار الأجنبي، وأهمها الإعلان عن طرح حصص من الشركات المملوكة للدولة في البورصة المصرية، واصفا هذه الخطوة بالمهمة جدا.