بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ يختلف الأداء الاقتصادي لبلدان العالم باختلاف سياساتها المالية والاقتصادية والسياسية، كما تختلف درجة تأثرها بالمتغيرات العالمية باختلاف قدرة القائمين عليها على التحوط من أي أخطار متوقعة
. وليس بخافٍ على أحد معاناة الاقتصاد العالمي الذي لم تسنح له الفرصة لالتقاط أنفاسه من آثار وباء كورونا حتى لطمته حرب روسيا وأوكرانيا بتهديدات جسام وموجة تضخمية غير مسبوقة أثر ارتفاع أسعار الطاقة وتغير خارطة العرض والطلب العالمية لسلع أساسية كانت تلك الدولتان رائدتين في إمداد العالم بها.
مصر ليست بمعزل عن العالم وبالتالي تأثر الاقتصاد بها وإن كانت الحكومة تبذل جهدًا خارقًا في تخفيف آثار تلك التداعيات على حياة المواطن البسيط.
كما اتخذت مصر عدة إجراءات سريعة متعلقة بسياساتها النقدية والضريبية للحفاظ على قدرة الدولة على الاستدامة والصمود أمام تلك التحديات الرهيبة. قد نتفق مع الكثير منها ونختلف مع بعضها.
كما رأينا أيضًا تصحيحًا قديرًا بقيادة رئيس الجمهورية يهدف لدعم الصناعة الوطنية وتوفير مستلزمات الإنتاج لها. وفي كل الأحول نحن إن اختلفنا نتمتع برفاهية إبداء الرأي فقط دون عبء المسؤولية الرهيبة ولهيب الأعباء الناتجة عن متغيرات عالمية نابعة من قرارات لم نتخذها ولا دور لنا فيها كحرب روسيا وأوكرانيا.
لكن أحيانًا يرى من له رفاهية التفكير دون مكافحة النيران مخارج وإن بدت بديهية إلا أنها قد تحمل في طياتها مخارج للأزمة وهذا موضوع المقال:
أولًا: لا غنى عن تشجيع القطاع الخاص في التوسع في الاستثمار والإنتاج. وليس بخافٍ على أحد أن مناخ الاستثمار في مصر يمكن أن يستوعب كثيرًا من الإصلاحات الإجرائية التي لا تكلف الدولة ولا المستثمر ولكن تسهل من مهمته وتسانده في التركيز على مهمته ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1.تبسيط الإجراءات المتعلقة بالشركات والتعديلات والإشهار وغلق النشاط وهي ما زالت معقدة وتستغرق وقتًا طويلًا دون داع. فما زالت هيئة الاستثمار تطلب بيانات على أقراص مدمجة -رغم انقراضها- لإصدار صحيفة الشركات أو النشر لتعديل قد يتطلب أسابيع وشهورًا وهذا عن تجارب شخصية.
2.الربط الرقمي للبنوك بهيئة الاستثمار والرقابة المالية والغرفة التجارية والسجل التجاري للاستعلام على ملكيات الشركات وأوراق تأسيسها. كما يتحتم على تلك الجهات التي تبالغ في متطلباتها من رسوم وأوراق لإصدار أوراق بديهية من حق تلك الشركات الحصول عليها. فالبنك يمكنه الدخول على بوابة للسجل التجاري والاستعلام على من له حق التوقيع عن الشركات إلكترونيًّا دون إضاقة أعباء على الشركات. كما أنه يتحتم على البنك المركزي تخفيف الأوراق والإجراءات المطلوبة من البنوك والتي تحمل تكرارًا لا يفيد ولا يحمل أي معلومة تقي البنوك من أي مخاطر.
3.هذا بالإضاقة إلى تخفيف التعقيدات الموجودة بالتأمينات الاجتماعية والضرائب التي ما زالت مستمرة في تقديراتها الجزافية التي تؤدي إلى منازعات لا داعي لها والتي نتمنى اختفاءها بالفاتورة الإلكترونية.
4. تسريع إجراءات التقاضي وتقليل زمن بقاء النزاعات القضائية في المحاكم.
5.الحد من فرض رسوم لا داعي لها والتي انتشرت بكثرة في الآونة الأخيرة من جهات عديدة من المفترض أنها جهات خدمية وليست اسثمارية هدفها العمل على تنشيط الاستثمار وليس تحقيق الربح.
ثانيًا: تشجيع التصدير بكل صوره وما زال موقع مصر الجغرافي الفريد يهدي لمصر ميزة نسبية عن دول كثيرة في التصدير لدول أوروبا مثلًا لانخفاض تكلفة الشحن لقرب المسافة.
ثالثًا: تشجيع الاستثمار في القطاعات التي تحمل ميزة نسبية وسريعة الدوران كالصناعات القائمة على المنتجات الزراعية وتقليل الاستثمار في القطاع العقاري خصوصًا الذي لن يستخدم في الفترة القصيرة المقبلة.
رابعًا: العمل على جذب استثمارات دول الجوار التي استفادت من الارتفاع الرهيب لأسعار النفط فتوفرت لديها رؤس الأموال التي تبحث عن فرص جيدة للاستثمار ورأينا مؤشرات لذلك بالفعل لشراء مشروعات قائمة ولكن نتمنى رؤيتها في مشروعات جديدة. طبعًا هذه النقاط مرتبطة ومبنية على الإصلاحات المطلوبة في النقطة الأولى.
خامسًا: تطوير البورصة المصرية وتحويلها إلى شركة أسوة ببورصات العالم والبورصات العربية والتغيير من فكرها ومن البيئة المحيطة بها فهي أثبتت في الماضي قدرة رهيبة على جذب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في الشركات المقيدة بها ولها سنوات في أداء لا يليق بتاريخها ولا بمكانة مصر الاقتصادية. في 2009 كان معدل التداول اليومي نحو 500 مليون دولار ونسبة استثمار الأجانب كانت من 30-40% من هذا الرقم.
سادسًا: الشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا المالية قادرة على جذب مليارات الدولارات من الاستثمارات ومنها على سبيل المثال سويفل في مجال النقل وباي موب قي مجال المدفوعات وفيزيتا في الخدمات الطبية. ويجب أن نتعلم من تجربة سويفل التي هربت إلى بورصة ناسداك ولم تستفد دولة المنشأ من وجودها. بلغت الاستثمارات في الشركات الناشئة 621 مليار دولار العام الماضي.
سابعًا: صناعة مراكز البيانات والتي يمكن أن تقوم على ميزة نسبية رهيبة هي موقعنا الجغرافي والذي تمر به كابلات الاتصالات الرئيسية التي تربط أوروبا وأمريكا بشرق إفريقيا وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط. تلك الصناعة حققت 220 مليار دولار العام الماضي ومن المتوقع أن تصل إلى 345 مليار دولار بحلول عام 2030.
أخيرًا وليس آخرًا صناعة البرمجيات وتصديرها والتعهيد فلدينا كوادر شابة خصوصًا في الأقاليم لا فرص مناسبة لديها وإن أحسن استغلالها لتمكنا من تصدير المزيد من البرمجيات في العالم. فصادرات الهند من البرمجيات في عام 2020 بلغت 150 مليار دولار.
مصر دولة قوية ما زالت تملك الكثير من الموارد التي إن أتحنا استغلالها تحصننا من مخاطر التقلبات العالمية وتقودنا إلى الرفاهية الاقتصادية.