د. محمود محيي الدين يكتب.. حتى تتجاوز أفريقيا الضرر من تغيرات المناخ

بقلم د. محمود محيي الدين الخبير الاقتصادي المصري نقلا عن الشرق الأوسط.. رغم أن القارة الأفريقية هي الأقل إسهاماً في الأضرار التي لحقت بالمناخ، فإن دولها من الأكثر تضرراً من تغيراته، بما يصيبها من جفاف وتصحر وشدة حدة الفيضانات والأعاصير.

وأمست مطالبة برصد ما يفوق قدرات موازناتها على تحمله للتكيف مع تبعاته. فكل ما تتسبب فيه أفريقيا من ضرر لا يتجاوز 3 في المائة من إجمالي الانبعاثات الضارة بالمناخ، في حين تسهم روسيا وحدها بنسبة 4 في المائة، وتصل هذه النسبة في الهند إلى 7 في المائة، والولايات المتحدة مسؤولة عن 14 في المائة، أما الصين فالنسبة فيها هي الأعلى عالمياً عند 30 في المائة.

E-Bank

ووفقاً للرقم القياسي العالمي لمخاطر المناخ، فنصف الدول الأكثر تعرضاً للضرر أفريقية، وفي مقدمتها موزمبيق والنيجر وجنوب السودان وزيمبابوي ومالاوي. كما تأتي الدول الأفريقية في مراتب المخاطر العليا في شح المياه والأمن الغذائي.

ووفقاً لمؤشرات الجوع وسوء التغذية، تحتل دول أفريقية مراتب الحالات الحرجة، ومنها الصومال وبوروندي وتشاد وأفريقيا الوسطى وجزر القمر والكونغو ومدغشقر وجنوب السودان.

كما تستنزف حماية المدن الشاطئية وبنيتها الأساسية موارد ضخمة، مع ارتفاع مستوى البحر المهدد لسواحل القارة السمراء.

تابعنا على | Linkedin | instagram

وتتمثل المتطلبات الأفريقية ذات الأولوية فيما يأتي:

أولاً، التزام تعهدات اتفاق باريس لعام 2015، وما يرتبط بها من إجراءات تخفيف الانبعاثات الضارة بالمناخ، حتى لا تتجاوز حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية ارتفاعاً عن متوسطاتها قبل الثورة الصناعية الأولى، علماً بأن العالم يعاني ما يعانيه اليوم من أزمات مرتبطة بتغيرات المناخ ودرجة حرارة الأرض لم تتجاوز 1.1 درجة مئوية.

ولكن تجدر الإشارة إلى أن مناطق أفريقية، خصوصاً في شرق القارة، تجاوزت مستويات حرارة الأرض فيها المتوسطات العالمية حتى بلغت 2.2 درجة مئوية، أي ضعف المتوسط العالمي.

وتمنح أفريقيا فرصاً لاستثمارات كبرى في مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة، وبلدانها في مراكز متقدمة لإمكانية قيام مشروعات كبرى ذات جدوى في أطالس الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتشهد بلدانها استثمارات ضخمة بالفعل في هذين المجالين، بما في ذلك في مصر، الدولة المضيفة للقمة السابعة والعشرين للمناخ، والتي تضم واحداً من أكبر 4 مشروعات للطاقة الشمسية على مستوى العالم.

كما أسست دول أفريقية تحالفاً للهيدروجين الأخضر، ضم كينيا وجنوب أفريقيا وناميبيا ومصر والمغرب وموريتانيا، لتطوير قدراتها في إنتاج الهيدروجين الأخضر، والتنسيق في مجالات التعاون الفني والرقابي والتمويلي للإنتاج المحلي والتصدير.

وقد تم الإعلان عن هذا التحالف في شهر مايو في برشلونة، بدعم من رواد الأمم المتحدة للمناخ، ومنظمة الهيدروجين الأخضر، وبنك التنمية الأفريقي، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا.

وقد تزامن مع هذا الإعلان إصدار قواعد معايير اعتماد الهيدروجين الأخضر، باعتباره منتجاً من مصادر متجددة للطاقة بنسبة 100 في المائة، وبانبعاثات ضارة تقترب من الصفر.

ومع إعلان مفوضية الاتحاد الأوروبي عدم قدرتها على الاكتفاء ذاتياً من الهيدروجين الأخضر، تبرز إمكانيات تصديرية لأفريقيا تجاه أوروبا المتعطشة لتنويع مصادر الطاقة؛ خصوصاً المتجددة والنظيفة، وهو ما نجده منعكساً في عدد من الزيارات رفيعة المستوى من الاتحاد الأوروبي لأفريقيا في هذا الشأن.

والعبرة هنا بمدى تحويل مذاكرات التفاهم في مجالات الطاقة إلى تعاقدات طويلة الأجل، ممولة باستثمارات، لا قروض، لتطوير مشروعات الطاقة التصديرية، مع زيادة إمكانيات التعاون التكنولوجي والتصنيع المحلي ذي القيمة المضافة العالية في دول القارة الأفريقية.

ثانياً، إعطاء الأولوية المستحقة لإجراءات التكيف مع تغيرات المناخ، والتي لم تحظَ بنصيب عادل من الاهتمام في السياسات العامة، أو التمويل الدولي المخصص لها الذي لا يتجاوز 20 في المائة من إجمالي التمويل، كما لا تستفيد القارة من التطورات التكنولوجية في مجال التكيف، وهو ما قطعت فيه البلدان المتقدمة أشواطاً بعيدة في تعزيز مقاومة بنيتها الأساسية، وفي إدارة موارد المياه، وما يرتبط بالزراعة والغذاء، فضلاً عن حماية السواحل وغيرها من مجالات يتضافر فيها تأثير التقدم التكنولوجي مع التمويل اللازم للاستثمارات المطلوبة، للتكيف مع تغيرات المناخ.

ثالثاً، بناء نظام متكامل للإنذار المبكر، مع تطوير القدرات المحلية للاستجابة السريعة لتغيرات المناخ. ستستفيد أفريقيا من مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة، لإنشاء نظام عالمي متكامل في خلال 5 سنوات، والتي أعلن عنها في شهر مارس الماضي، للتعامل مبكراً مع مخاطر تغيرات الطقس والمناخ الحادة.

وحتى تتحقق هذه الاستفادة في أفريقيا التي يغيب عن 60 في المائة من سكانها خدمات نظم الإنذار المبكر، يجب الاستثمار في الإمكانيات المؤسسية في كافة المجتمعات المحلية، وعدم قصرها على العواصم والمدن الكبرى، فالفيضانات والأعاصير وتقلبات الطقس الحادة لا تفرق بين ريف وحضر.

وقد أثبتت الدراسات أن الاستثمار في نظم الإنذار المبكر يحقق عائداً يتجاوز عشرة أمثال التكلفة المنفقة في إعدادها، فضلاً عن إنقاذها لحياة البشر التي لا تخضع بحال لحساب التكلفة والعائد. وستجرى في قمة شرم الشيخ متابعة التعهدات في هذا الشأن، بما فيها استكمال الإعلان عن خطة متكاملة للإنذار المبكر التي تقوم بها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.

رابعاً، من الممكن لأفريقيا أن تلعب دوراً محورياً في تطوير سوق متكاملة للكربون، بما تمنحه أراضيها الشاسعة وغاباتها ومواردها الطبيعية من فرص؛ خصوصاً فيما يمكن أن يمزج بتوازن بين متطلبات التخفيف والتكيف في إطار العمل المناخي.

ولكن هذا يتطلب تعاوناً دولياً ومشاركة مع القطاع الخاص، لكي تكتسب سوق الكربون عمقاً وسيولة. وقد عرض الاقتصادي راجورام راجان، الأستاذ بجامعة شيكاغو، ومحافظ البنك المركزي الهندي الأسبق، مقترحاً جديراً بأن يكون محل تطبيق لتقليل الانبعاثات، من خلال ضرائب ونظم للتحفيز لخفض الكربون، وذلك بإلزام كل دولة تتجاوز المتوسط العالمي -البالغ حوالي 5 أطنان للفرد- بأن تسهم في صندوق حوافز عالمي بمقدار فائضها من الانبعاثات الذي يزيد عن المتوسط العالمي للفرد مضروباً في عدد الأفراد، وفي القيمة الاسمية للحافز، فلتكن مثلاً دولاراً للطن.

وفي هذه الحالة ستدفع الولايات المتحدة التي يبلغ متوسط نصيب الفرد فيها 3 أمثال المتوسط العالمي حوالي 3.6 مليار دولار سنوياً، وتحصل الدول التي يقل فيها نصيب الفرد عن المتوسط العالمي تعويضاً، ووفقاً لهذا المثال ستحصل دولة مثل أوغندا على حوالي 200 مليون، باعتبار سعر الطن -وفقاً للمثال- دولاراً واحداً، وستحصل على مضاعفات هذا الرقم مع تعديل السعر المتفق عليه لطن الكربون.

وهذا سيعين الدول الأفريقية على التعامل مع تحديات المناخ والتكيف معها. ويمكن البدء في هذا الصندوق، وربطه بسوق الكربون، وتطويره في أفريقيا، ثم التوسع فيه عالمياً.

أفريقيا حقاً هي الأكثر تضرراً، وهي الأقل إضراراً بالمناخ، ولكن فرصها واعدة في أن تستفيد من استثمارات المناخ، مع جهود الإعداد لاستضافة مصر لقمة الأمم المتحدة السابعة العشرين للمناخ في نوفمبر المقبل، هذا على أن تضع الأولويات محل التنفيذ، متجاوزة لعهود من وعود لم تلبَّى، وتعهدات بتمويلات سخية طال انتظارها.

ما قد يغير هذا المسار المعوج، أن دول القارة باتت أكثر إدراكاً أنها تملك حلولاً عملية، بإمكاناتها البشرية المتنامية، وأراضيها الشاسعة، وثرواتها المعدنية الداخلة في مكونات صناعات الاستدامة والطاقة المتجددة والتحول الرقمي.

وقد تكون في أزمات العالم الجيوسياسية وعواصفه الاقتصادية المتلاحقة، وتحديات المناخ العالمية، فرص سانحة لمن يحسن توجيه القلاع بدلاً من لوم الرياح على ما لا تشتهيه السفن.

وقديماً قالوا:

إذا هبَّت رياحُكَ فاغتنمْهَا
فعقبَى كلِّ خافقة سكونُ

الرابط المختصر