حوار حابي عن ملكية الدولة.. قراءة في دراسات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية
معظم الدول تضع متطلبات لنسبة العائد على رأسمال الشركات المملوكة للدولة
خالد بدر الدين _ أكدت الحكومة أن الدولة تسترشد بالمعايير والمبادئ التوجيهية الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية، وأن الإطار التنفيذي لسياسة ملكية الدولة، يتضمن الإعلان عن برنامج تنفيذى عن سياسة ملكية الدولة للأصول.
وضعت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD توصيات عن ملكية وحوكمة الشركات المملوكة للدولة ودليل استرشادي للممارسات أكدت فيها على أن ممارسة حقوق الملكية يجب تحديدها بوضوح فى إدارة الدولة وأن تكون الملكية مركزية فى كيان واحد، وإن لم يكن ذلك ممكنا، فيديرها كيان يتمتع بتنسيق مع الحكومة، كما يجب أن تحظى الشركة بالقدرات والصلاحيات التى تؤهلها لتنفيذ المهام المنوطة بها بفاعلية وكفاءة.
وزادت أهمية الشركات المملوكة للدولة لدرجة أن أصولها على مستوى العالم بلغت 45 تريليون دولار مع نهاية العام الماضى أو ما يعادل ما يقرب من نصف الناتج المحلى الإجمالى العالمى لتصبح من أكبر الشركات العالمية وباتت تلعب دورا ضخما فى معظم الاقتصادات المتقدمة والناشئة.
وأدى وباء فيروس كورونا الذي دخل عامه الثالث إلى التركيز مرة أخرى على دور الشركات المملوكة للدولة وأثار عدة تساؤلات منها: هل تساعد هذه الشركات فى دعم الاقتصادات المتعثرة أم تبتلع الموارد العامة الثمينة التى يمكن استخدامها بشكل أفضل في قطاعات أخرى؟
كما أرغم الركود العالمي الناجم عن جائحة كوفيد 19 الدول فى أنحاء العالم على إنقاذ الشركات المملوكة للدولة من خلال تدابير قوية مثل هيكلة الديون والإعفاء منها. ولكن هل هذا هو السبيل الصحيح لإنقاذها؟ هل هذه الشركات أكبر من أن تفشل؟ هل هى ليست قادرة على مساندة نفسها مثل أى كيان آخر؟
مرونة الملكية
60 % من دول الدراسة أسست كيانا واحدا يسيطر على ملكية ومسئوليات الشركات المملوكة للدولة أو كيان مركزي يشرف عليها
وجدت المنظمة أنه في 60% من 52 دولة شملتها الدراسة كانت حقوق الملكية ومسئولياتها يسيطر عليها كيان واحد أو أسست كيان مركزى منسق يشرف على هذه الشركات المملوكة للدولة لكي يجعل مهمة ملكية الدولة مركزية، كما أن 17% من هذه الدول تحتفظ بخصائص نموذج غير مركزي تحدد فيه الوزارات أو أحيانا الشركات أهدافها وتراقبها وتمارس حقوق الملكية عليها.
يتمتع كيان الملكية بدرجة من المرونة مع الوزارة المعنية التابع لها بطريقة منظمة ويتخذ القرارات المرتبطة بالإجراءات والعمليات. وتبين أن 75% من الشركات أو المؤسسات المملوكة للدولة فى الدول الـ 52 يعمل بها موظفون من الحكومة فقط بينما أعلن 8% منها أن لديها مزيج من العاملين فى الحكومة وأفراد ثانويين من القطاع الخاص.
وفى نفس الوقت قال 65% من الشركات المملوكة للدولة فى عينة البحث أنها ممولة بالكامل من ميزانية الحكومة بينما أوضحت 16% منها أنها ممولة من عوائدها أو مزيج من عوائدها مع تمويل حكومى مما يعنى درجة ضعيفة من استقلالية الميزانية فى هذه الشركات بخصوص التعيينات والمرتبات والاحتفاظ بالخبرات الضرورية من خلال عقود ثابتة أو تعاقدات مع القطاع الخاص.
وبالنسبة لسياسات الملكية وضعت حكومات 27 من البلدان في دراسة المنظمة سياسة واضحة لملكية الدولة تحدد فيها الأهداف العامة لملكية الدولة بينما كانت أهداف ملكية الشركات المملوكة للدولة ضمنية في بقية الدول.
يجب أن تراقب التشريعات عناصر الحياد التنافسي بعدة طرق منها الملكية والتعيين الحكومي والضرائب والسياسات التنظيمية
وكانت سياسات ملكية الدولة فى هذه الدول موضوعة بعدة طرق منها سياسات صدرت بتشريعات خاصة أو قرارات حكومية أو فرمانات من الرؤساء أو بيانات لسياسات الدولة أو مزيج من كل هذه العناصر.
منافسة عادلة
الإطار القانوني والتنظيمي يجب أن يضمن ممارسة الأنشطة بصورة متساوية وفى ظل منافسة عادلة مع القطاع الخاص
تنص توصيات منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية على أن الإطار القانونى والتنظيمى للشركات المملوكة للدولة يجب أن يضمن ممارسة الأنشطة بصورة متساوية وفى ظل منافسة عادلة فى السوق عند أدائها أنشطة اقتصادية لضمان تنفيذ الأعمال بدون مميزات أو أضرار لبقية الشركات سواء من القطاع العام أو الخاص.
ويجب أن تراقب التشريعات عناصر الحياد التنافسى بعدة طرق منها الملكية والمنافسة والتعيين الحكومى والضرائب والسياسات التنظيمية أو توليفة من كل هذه السياسات. ومن المهم أيضا توفير الشفافية والإفصاح بخصوص توزيع التكاليف وتحقيق أهداف السياسة العامة.
ولكن عدد قليل من الدول هو الذي وضع سياسة شاملة تضمن منافسة حيادية ومنها أدوات مناسبة لتقديم الشكاوى وآليات إرغام وتنفيذ حلول هذه الشكاوى وفقا للالتزامات الدولية.
ومن المهم وجود إجراءات لضمان توافق تمويل الديون والاستثمارات مع آليات عمل السوق لتحقيق الحياد التنافسى ولذلك فإن معظم الدول تعتمد فى قرارات تمويل الشركات المملوكة للدولة على إرشادات مجلس الإدارة بخصوص كفاءة هيكل رأس المال أو وضع أهداف الأداء المالي على الأقل لبعض عمليات الشركات ومقارنتها مع الكفاءة أو الأهداف فى شركات القطاع الخاص المماثلة لها.
تمويل ديون الشركات
يأتى تمويل الديون اللازمة للشركات الملوكة للدولة فى معظم البلاد من الأسواق المالية غير أن عدد قليل من البلاد وضع آليات لضمان توافق السوق مع شروط التمويل أو لتحييد أى شروط تفضيلية محتملة أو فعلية على تمويل ديون هذه الشركات. وإذا كانت إعادة الرسملة من ميزانية الدولة هى الشكل الشائع لتمويل الشركات المملوكة للدولة إلا أن عدد قليل جدا من البلدان وضع ميكانيزمات لضمان أن التكاليف المتعلقة بالتمويل تتفق مع السوق.
حددت معظم البلاد متطلبات نسبة العائد على رأس المال للشركات المملوكة للدولة ولكن من العسير مقارنتها بالمتطلبات المفروضة على شركات القطاع الخاص ولاسيما إذا لم يوجد فروق هيكلية بين أنشطة الشركات المملوكة للدولة التجارية وغير التجارية ولذلك وضعت بعض الدول آليات لجعل العوائد المستهدفة متوافقة مع مثيلتها التى حققتها شركات القطاع الخاص المنافسة لها.
ويتم التفاوض فى حوالى 50% من البلاد بين مجالس إدارة الشركات المملوكة للدولة وبين الدولة المساهمة فيها على تحديد العوائد التى ستدفعها الشركات للمساهمين ولاتخضع للإرشادات التى توصى بها المنظمة وإن كان هذا الإجراء يعوق تحقيق الشكل الأمثل لهيكل رأس المال.
الشفافية مطلوبة
تعد الشفافية بخصوص الأداء المالى وغير المالى للشركات المملوكة للدولة من العوامل الهامة لتقوية محاسبة أعضاء مجالس إدارتها ومدرائها ولتمكين الدولة من العمل باعتبارها مالك على علم بكل ما يجرى في هذه الشركات.
يتعين الالتزام أمام الرأي العام بنفس الشفافية التي تتمتع بها الشركات المدرجة بالبورصة
وتعتمد الإرشادات اللازمة للشركات المملوكة للدولة على مبدأ أنه يتعين عليها أن تتسم أمام الرأى العام بنفس الشفافية التى تتمتع بها الشركات المدرجة فى البورصة تجاه المساهمين لضمان أن الدولة يمكنها ممارسة سلطاتها وفقا للصالح العام وهذا يتضمن جعل الحسابات تتفق مع معايير المحاسبة الدولية وتجعل البيانات المالية تخضع لمكتب مراجعة خارجى مستقل وتحدد إجراءات مراجعة داخلية شاملة.
وقامت حوالي ثلثي البلاد في دراسة المنظمة بتقديم أو تعزيز متطلبات الإفصاح والشفافية فى قطاع الشركات المملوكة للدولة خلال الخمس سنوات الماضية ومن أهم التطورات الإيجابية فيها ابتكار متطلبات جديدة بخصوص دور لجان المراجعة فى هذه الشركات وتوضيح دور الدولة فى اختيار شركات المراجعة كما ظهر فى عدد قليل من البلاد تقارير مجمعة عن كل محفظة الشركات المملوكة للدولة.
وتنص توصيات المنظمة أن تلعب مجالس إدارات الشركات المملوكة للدولة دورا مركزيا فى حوكمة هذه الشركات حيث أن هذه المجالس تتحمل أول وأخيرا المسئولية عن مهمتها المالية وأداء الشركة وكما أن هذه المجالس تعمل كوسيط بين الدولة كمساهم والشركة والإدارة التنفيذية.
ومع تزايد الأنشطة التجارية لهذه الشركات فى العقود الأخيرة بذل العديد من الحكومات جهودا لجعل أعضاء مجالس الإدارة من المتخصصين مع منح المجالس مستوى أوسع من الاستقلالية ورغم أن هناك اتجاه مستمر نحو المركزية أو التنسيق فى أداء وظيفة ملكية الدولة والتى تتفق مع توصيات المنظمة إلا أنه يوجد هياكل ملكية مختلفة وأشكال حوكمة متباينة.
تعظيم قيمة المجتمع
من المهم أن تركز ملكية الشركات المملوكة للدولة على تعظيم قيمة المجتمع من خلال التوزيع الفعال للموارد وإدراج الشركات المملوكة للدولة فى البورصة كوسيلة لزيادة رأس المال وجمع الأموال بكفاءة وهذا يتطلب رفع مستوى المحاسبة والشفافية وإخضاع الشركات وإداراتها لفحص المساهمين لها ولفحص نظام السوق لها أو أحدهما على الأجل المتوسط.
جاء فى تقرير حديث للبنك الدولى نشره مؤخرا أن وباء كورونا أثار حوارا جديدا عن ضرورة تعديل وإصلاح الشركات المملوكة للدولة بأسرع ما يمكن رغم أن هذه الشركات كانت من بين أكبر الشركات متعددة الجنسيات و أسرعها نموا خلال العشرين سنة الماضية.
وتعتمد دول عديدة على الشركات المملوكة لها فى الحفاظ على معدل التوظيف وعلى دفع نمو اقتصاداتها ولذلك لا تستطيع الحكومات ترك هذه الشركات تتعثر أو تفشل ولكنها تسارع لمساندتها وخصوصا شركات الطيران التى تلقت فى السنوات القليلة الماضية دعم مالى ضخم لتتمكن من مواصلة تشغيل رحلاتها الجوية ولتظل قادرة ماليا على دفع المرتبات والأجور والتكاليف الثابتة الأخرى.
الشركات المملوكة للدولة ساعدت فى مكافحة كورونا
شاركت هذه الشركات المملوكة للدولة بطريق مباشر أو غير مباشر فى مكافحة فيروس كورونا وأنتجت ماسكات وأجهزة تنفس وأمصال وأدوية وغيرها وغيرت شركات مثل بوينج الأمريكية وايرباص الأوروبية المتخصصة فى صناعة الفضاء والطيران والأسلحة بعض أنشطتها لتصنع منتجات طبية وصحية لمنع انتشار الجائحة.
خلال كورونا… ألبانيا والبوسنة وشمال مقدونيا والصرب أمرت شركات المرافق المملوكة لها أن تتحمل فواتير الفقراء
ومنحت شركة توليد الكهرباء المملوكة للدولة فى إندونيسيا طاقة مدعمة لحوالى 30 مليون مستهلك بناء على طلب الحكومة كما أن دول مثل ألبانيا والبوسنة والهيرسك وشمال مقدونيا والصرب أمرت شركات المرافق المملوكة لها أن تتحمل فواتير المستهلكين الفقراء غير القادرين على سدادها.
شركات الكهرباء تدعم المواطنين فى أفريقيا
فى أفريقيا تفاوضت حكومات نيجيريا وأنجولا مع شركات المرافق المملوكة للدولة حتى لا تقطيع إمدادات الطاقة عن المستهلكين الذين لم يتمكنوا من دفع فواتير استهلاكهم.
كما ابتكرت بعض دول أفريقية تدابير تدخلية لضمان استمرار توصيل الطاقة للناس ومنها تحمل التكاليف بالكامل أو سداد فواتير الكهرباء كما فى غانا وليبيريا ومالى والنيجر ونيجيريا أو دعم تكلفة الكهرباء أو تخفيضها كما فى أوغندا وغانا وبوركينا فاسو أو منح حوافز مالية للطاقة المتجددة كما في نيجيريا وكينيا وبوركينا فاسو.
وتلعب الشركات المملوكة للدولة دورا حيويا فى الاقتصاد من خلال تخفيف الأعباء على المواطنين والحفاظ على مرونتها أمام الصدمات المفاجئة وتوفير فرص العمل للعاطلين ومساندة الاقتصاد المتعثر لتصبح هذه الشركات جزءا من أدوات المواجهة السريعة والمستهدفة لأى أزمة طارئة كما تدعم فترة استعادة الاقتصاد لانتعاشه بعد التغلب على الأزمة.
وتؤكد الشركات المملوكة أنه فى وقت الأزمات تكون الأولوية للمواطنين ولاسيما الطبقات المهمشة والتى يجب توصيل الخدمات الأساسية لها باستمرار وتعديل برامج الدعم من أجلها ودراسة تأثير تداعيات الأزمة على إجمالى محفظة الشركات المملوكة للدولة وتطوير الخطط المالية اللازمة لها وتفعيل الأدوات التى تراقب وتكافح الفساد.
وتكشف الأزمات بصفة عامة عن السياسات التى حققت نجاحا أو لم تحقق ولذلك يجب تقوية نظم تقييم أداء الشركات المملوكة للدولة وتعزيز متطلبات المحاسبة والشفافية لها ومنها نشر تقرير سنوى على أداء جميع هذه الشركات.
وأثناء تعافى الاقتصاد من الأزمة يتعين تجهيز استجابات فورية للمشاكل العميقة وهذا يتطلب مشاركة القطاع الخاص إذا أمكن لتقليل ملكية الحكومة للأصول وتعزيز الحوكمة وتوضيح أسباب اللجوء للحكومة لتملك الشركات.
سيناريوهات الشركات أثناء الأزمات
يتعين على الشركات المملوكة للدولة أن تواصل أثناء الأزمات ابتكار السيناريوهات المالية لمواجهة أى موقف طارئ والحفاظ على استمرارية الخدمات وبذل الجهود اللازمة لمواصلة سلاسل الإمدادات والحفاظ على مرونة سوق العمل وتوفير الاستثمارات ووزيادة الشفافية بخصوص استخدام الموارد وتوصيل الخدمات.
ويتباين ردود أفعال الشركات المملوكة للدولة من بلد لآخر ففى السويد مثلا تسعى الشركات المملوكة للدولة وراء مخصصات منفصلة فى احتياجات السياسة العامة على الأجل القصير لتحدد بوضوح النشاط التجارى المعتاد لها والذى يختلف عن الأنشطة الأخرى فى السياسة العامة للحكومة .
وتقوم الشركات المملوكة للدولة بعد أى أزمة بتجهيز وتحديث خططها المالية وبرامج قروضها لضمان توفير سيولة كافية فى الطروف المعتادة وأثناء أى أزمة وتوفر التدابير والموارد اللازمة لتمويل احتياجات الأزمات الطارئة.
وعندما تأتى فترة التعافي من أى أزمة يجب على الشركات المملوكة للدولة أن تستعد بشكل أفضل لأي أزمة أخرى في المستقبل بحيث تضع الخطط اللازمة لاستمرار أنشطتها أثناء الطوارئ وبالتنسيق مع فرق إدارة الطوارئ من كبار العاملين فى الحكومة لتنفيذ العمل بأسرع ما يمكن.
أزمة الوباء أثبتت ضرورة أن تظل الدول مالكة للشركات الحيوية لتحقيق أهداف السياسة العامة
وأثبتت أزمة وباء كورونا أنه من المهم جدا أن تظل الدول مالكة للشركات الحيوية لتحقيق أهداف السياسة العامة والتي أظهرتها جائحة كوفيد 19 التى انتشرت فى العالم كله والتى أوضحت أن الوقت قد حان لمواجهة التحديات طويلة المدى بتحقيق أفضل استفادة من أنشطة الشركات المملوكة للدولة ومن تشغيل أصولها.