أحمد رضوان: بسم الله الرحمن الرحيم.. أهلًا وسهلًا بحضراتكم في الجزء الثاني من صالون حابي السادس، والذي يناقش وثيقة سياسة ملكية الدولة ، من خلال النسخة التي تم طرحها للحوار المجتمعي، إلى جانب بعض المحاور الأخرى المرتبطة بالتحديات التي يواجهها القطاع الخاص خلال هذه الفترة.
فيديو.. حابي تناقش في صالونها الشهري وثيقة ملكية الدولة وأولويات القطاع الخاص.. الجزء الثاني
د. زياد بهاء الدين.. الوثيقة تحدثت عن تخارج الدولة من الملكية، ولكن هناك شكل آخر من التخارج أعتقد أنه هام ولا يقل أهمية، وهو دور تكتلات الأعمال في إعداد القوانين ووضع السياسات المرتبطة بالاقتصاد.
أعتقد أن هناك الكثير من الدول التي تمنح مساحة أكبر لتكتلات قطاع الأعمال في وضع القوانين والتشريعات وتحديد السياسات العامة للاقتصاد، وذلك بصورة تفوق بكثير ما هو متبع في مصر.. هل ترى أن هذا يعد أحد أشكال التخارج التي يجب النظر إليها، فيما يتعلق بقرار ودور قطاع الأعمال في وضع القوانين وتحديد السياسات؟
مسودة الوثيقة لا تتحدث عن البيع فقط كشكل وحيد للتخارج
د. زياد بهاء الدين: دعونا نبدأ من كلمة تخارج، لأن الوثيقة لا تتحدث عن البيع كوسيلة وحيدة للتخارج، فهناك نحو 5 أو 6 أفكار، وهي أفكار لم تتبلور بعد، وذلك ليس فقط لأنه ما زال أمامنا 3 أشهر من المناقشات، ولكن نظرًا لكونها وثيقة تحديد مسار أو اتجاه، وهو ما يعني أنها لن تتضمن التفاصيل المطلوبة كافة، بل هي فقط تحدد توجهات ونية الدولة.
فقد ذُكر بها أيضًا أنه من الممكن أن يكون أحد أشكال التخارج بقاء ملكية الدولة مع منح الإدارة إلى القطاع الخاص، وكذلك الدخول في أحد أنواع الشراكة مع القطاع الخاص، مما يعكس أن فكرة التخارج الكلي ليست هي الوحيدة بهذه الوثيقة.
المعيار الأهم ليس حجم وقيمة ما ستبيعه الدولة من أصول وإنما نجاح مناخ عمل القطاع الخاص
ولكن ما أود قوله تعليقًا على مسألة التخارج، أرى أنه من المهم عدم التعامل مع هذه الوثيقة أو السياسة التي تعبر عنها، من خلال معيار وحيد يتمثل في حجم ما تبيعه الدولة من أصول من عدمه.
فالأهم في هذه الوثيقة من وجهة نظري هو الجزء الثاني منها، والذي يتضمن قواعد اللعبة، لأن الدولة لن تتخارج من الأنشطة كافة، كما أن هذا أمر غير مطلوب منها، لذا فإن الأهم من ذلك هو القواعد التي تسمح للقطاع الخاص بالعمل في مناخ آمن وواضح ويحظى بتوقعات سليمة.
جزء من العلاقة الصحية مع القطاع الخاص هو مشاركته في رسم السياسة الاقتصادية
لذلك فإن نجاح السياسة التي تعبر عنها الوثيقة لا يقاس بما حققته من مبيعات على مدار عام أو اثنين أو ثلاثة، فذلك يعد معيارًا، لكن المعيار الأهم هو ما حققته في إقامة علاقة صحية بين القطاع الخاص والدولة، وبالطبع جزء من هذه العلاقة الصحية يتمثل في شراكة مجتمع القطاع الخاص في رسم السياسة بشكل عام.
مصر تزخر ببنية قوية من الجمعيات الأهلية والمنتجين والمصنعين ورجال الأعمال
فنحن لدينا في مصر بنية هامة للغاية تم تأسيسها على مدار عشرات السنين، من جمعيات أهلية تمثل مصنعين وصغار المنتجين، إضافة إلى جمعيات رجال الأعمال بالمحافظات وكذلك جمعيات سيدات الأعمال، علاوة على اتحاد الصناعات ، واتحاد الغرف التجارية، وهو ما يعكس وجود بنية مدنية كبيرة جدًّا من الممكن تفعيلها لتكون الطريقة التي تتفاهم وتتعامل من خلالها الدولة مع القطاع الخاص.
علينا عدم التعلق بقيمة تخارجات الدولة لأن صحة العلاقة مع القطاع الخاص هي الأهم
وأؤكد مرة أخرى أن التخارج أحد أدوات تطبيق الوثيقة، ولكن من المهم عدم التعلق بحجم ما سيتم بيعه خلال عام، فلا يجب أن يكون ذلك معيار النجاح أو الفشل، فالمعيار هو صحة العلاقة بين كل من القطاعين العام والخاص.
أحمد رضوان: وهو ما يعد أحد أشكاله فتح مجال للمشاركة في القرار؟
د. زياد بهاء الدين: أحد أشكاله التخارج والشراكة وفتح المجال، وكذلك إتاحة مناخ تنافسي، وأن تكون هناك ضوابط واضحة وحاكمة.
ياسمين منير: د. شريف الجبلي.. على مستوى السياسات المالية والنقدية للدولة خلال هذه المرحلة.. في تقديرك ما المطلوب من صانعي القرار حاليًا لمواكبة توجه الدولة في دعم القطاع الخاص وزيادة مشاركته في الاقتصاد خلال الفترة القادمة؟
التمويل مسألة بالغة الأهمية للقطاع الخاص.. والشهادات مرتفعة العائد جذبت مليارات غير مستغلة
د. شريف الجبلي: علاقة القطاع الخاص بالسياسات النقدية والمالية متشعبة، جزء منها خاص بالتمويل وهو ما يعد شقًّا أساسيًّا، ومن المؤكد أن الفوائد على تمويل الصناعة يجب أن لا تزيد على 8%، وذلك إن كانت هناك رغبة لإقامة صناعة ناجحة وقطاع خاص صناعي، وبالطبع نسبة 5% كافية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، فهذه أمور أساسية يجب الإبقاء عليها واستكمال التطوير على ذلك الأساس.
ولا يفترض الرجوع في هذا الأمر أو الاتجاه لرفع الفائدة بنحو 2%، فمن الجيد أنه لم يتم المساس بها خلال الزيادات الأخيرة التي شهدتها أسعار الفائدة، لذا من الهام استكمال هذه المبادرات، نظرًا لأن التمويل عنصر أساسي.
وقد رأينا عندما تم طرح الشهادات الادخارية ذات العائد 18%، حجم المليارات التي اتجهت للبنوك، علمًا بأن من بينهم ودائع تم تحويلها إلى هذه الشهادة، إلا أن ذلك يعني وجود الكثير من الأموال غير المستغلة في التنمية.
البنوك لم تعد متساهلة في تمويل القطاع الخاص وتركز على عدد محدود من عملائها الدائمين
فالبنوك حاليًا لا تتساهل في تمويل المشروعات، رغم أن هذا هو مهمة البنك الأساسية، والهدف الذي وجد من أجله حتى يكون عنصرًا هامًّا في التنمية، ولكن ما شهدته البنوك من مشكلات سابقة دفعها للقيام بهذا الدور في الحدود الآمنة، وذلك من خلال التركيز على العملاء الكبار الذين تم اختبار التعامل معهم من قبل والاطمئنان لهم.
في حين يجد أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومن بدأ مشروعًا حديثًا، صعوبة كبيرة جدًّا في الحصول على التمويل، وذلك رغم أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمثل عنصرًا أساسيًّا في النمو الصناعي، خاصة في دولة مثل مصر، وبالنظر إلى المصانع والشركات المحلية الكبيرة نجد أن أغلبها يُعتبر بالنسبة للتصنيف العالمي مشروعات متوسطة، وفقًا لحجم العمالة، وذلك فيما عدا عددًا قليلًا يعد على الأصابع.
المصانع الكبرى باستثناء عدد قليل جدًّا تصنف عالميًّا ضمن المشروعات المتوسطة
لذلك فإن أداة التمويل هي أساس هام يجب مراجعته، ومن الضروري أن تُمنح الصناعة نوعًا من الأفضلية، وإن كان ذلك لمرحلة معينة، حتى تتمكن الدولة من الوقوف على أقدامها صناعيًّا، ومن ثم يمكن تغيير ذلك تدريجيًّا إذا تبين وجود حاجة إلى ذلك.
ولكن من المؤكد أن هناك احتياجًا لتوفير التمويل في هذه الحدود المنخفضة للفائدة، إضافة إلى الحاجة إلى أداة تمويلية للصناعات الصغيرة والمتوسطة، لا سيما أنه لا يوجد بنك كبير يقرض في هذا الإطار بيسر، فرغم استمرار مبادرة التمويل بفائدة 5%، ولكن من الضروري أن يتم استعمالها بشكل صحيح، فهناك شركات كبيرة أسست شركات صغيرة للحصول على تمويلات بفائدة 5%، في حين أن المطلوب هو أن تستفيد الشركات الصغيرة الحديثة من هذه التمويلات، في ظل أهمية هذه الشريحة التي تسمى برواد الأعمال.
يجب منح الصناعة أفضلية في الحصول على التمويل ولو لفترة مؤقتة
فالدولة تحتاج إلى الإقدام على إقامة مثل هذه الصناعات والمشروعات الصغيرة، والتي ستوفر فرص عمل حتى وإن ترتب على المشروع الواحد تشغيل ما بين 15 إلى 50 موظفًا أو عاملًا فقط.
هذا فيما يخص عنصر التمويل، أما فيما يتعلق بالعملة والتي تعد جزءًا هامًّا جدًّا، نظرًا لأن كثيرًا من الصناعات محليًّا بنيت على خامات مستوردة، فمن الطبيعي النظر إلى التغيرات التي تحدث في هذا الإطار، لكن لا يوجد شيء محدد يمكن تنفيذه حاليًا، فمن الصعب المطالبة بتثبيت العملة.
من الصعب المطالبة بتثبيت العملة في ظل الظروف العالمية الحالية.. وهذا يؤثر في تكلفة الخامات
فوفقًا للظروف الحالية أشك أن بمقدور أحد التوجه لأي بنك مركزي لطلب تثبيت سعر العملة عند مستوى معين، فعلى العكس من ذلك أعتقد أنه ستكون هناك مفاوضات لتحرير العملة بصورة أكبر، وهو ما قد يمثل مشكلة فيما يخص الخامات التي يتم الحصول عليها من الخارج، حيث ستكون تكلفتها مرتفعة للغاية، ومن ثم سترتفع تكلفة المنتج النهائي بصورة كبيرة، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة فاتورة الاستيراد بنسبة كبيرة، وبالتالي هذا أمر حساس جدًّا.
لذلك نحن في حاجة ماسة لدخول استثمارات جديدة واستقطاب رؤوس أموال أجنبية، إلى جانب الحاجة إلى زيادة السياحة، وكذلك زيادة التصدير بمعدلات أكبر من الحالية.
نحتاج إلى تشجيع دخول استثمارات أجنبية ضخمة وتحقيق زيادة مطردة في قيمة الصادرات
فحجم التصدير حاليًا في حدود 30 مليار دولار، فقد كان يسجل نحو 28 مليار دولار، وهذا العام وصل إلى ما بين 32 و 33 مليار دولار، وذلك على صعيد السلع غير البترولية، ولكن أود أن أنوه إلى أن الأسعار العالمية شهدت ارتفاعًا على مستوى الكثير من السلع، مما أدى إلى ارتفاع قيمة الصادرات، وبالتالي هذه الزيادة تعكس ارتفاعًا في القيمة وليس في الكم.
لذلك هناك حاجة إلى زيادة الصادرات، وهو ما أكد عليه رئيس الجمهورية ووضع هدف الوصول بها إلى 100 مليار دولار، وهو أقل ما يجب تحقيقه من دولة مثل مصر، خاصة أن التصدير يمثل العنصر الأساسي لتقوية العملة المحلية.
فلا يمكن اللوم على محافظ البنك المركزي المصري بسبب انخفاض قيمة الجنيه، فإذا لم يتم جذب سيولة دولارية مقابلة للاستيراد، لا يمكن المطالبة بالحفاظ على قيمة العملة، المنطق يقول هذا، لذا يجب الاتجاه إلى التصدير بصورة أكبر.
تسويق المنتجات المصرية ليس كما يجب أن يكون.. ويجب وضع سياسة لتشجيع المصدرين على دخول إفريقيا
وهنا يجب الالتفات إلى وجود مشكلة أخرى في التصدير، وذلك الشق يلام عليه القطاع الخاص، نظرًا لأن ثقافتنا كقطاع خاص لا ترتكز على كوننا مسوقين جيدين، فمن الممكن أن نقوم بإنتاج سلعة دون أن نعرف كيف نقوم ببيعها بشكل جيد خارج مصر، وهذه مشكلة حقيقية.
فنحن نواجه صعوبة في إقناع مصدر مصري بالسفر إلى إفريقيا على سبيل المثال، باعتبارها وجهة تحظى بفرص جيدة للتصدير، حيث نجد أنه لا يرغب في الذهاب أو الدخول في مخاطرة، لذا من الضروري تبني سياسة من شأنها تشجيع المصدر المصري للتوجه إلى الدول الإفريقية، لا سيما في ظل وجود الكثير من الدول التي تسبقنا في هذا السياق، مثل الصين والهند وكذلك تركيا، ذلك فضلًا عن الدول الغربية.
المستورد الإفريقي لا يشتري عبر البريد الإلكتروني ويتعامل فقط مع بضاعة حاضرة
لذلك نحن في حاجة إلى تغيير ثقافتنا التصديرية والإقدام على الخروج وتحمل المخاطرة وفتح شركات بالدول الإفريقية، وأن تتم إتاحة البضائع المصرية هناك فيما يسمى بالمراكز اللوجيستية، نظرًا لأن الطبيعة في إفريقيا تختلف عن غيرها من المناطق، فالمستورد الإفريقي لا ينفذ عمليات الشراء من خلال البريد الإلكتروني، والذي يستخدم حاليًا في التواصل لتحديد المواصفات والسعر.
ومن ثم يتم اتخاذ القرار بالموافقة أو الرفض، فهذا الأمر لا يحدث في إفريقيا، حيث إن المستورد الإفريقي يرغب في معاينة البضائع بشكل مباشر ليتمكن من اتخاذ قرار الشراء وسداد قيمتها واستلامها، وهو ما يؤكد أن فلسفتنا في إفريقيا على وجه التحديد يجب أن تكون مختلفة تمامًا.
صادراتنا لإفريقيا تبلغ نحو 4 مليارات دولار.. لكنها قابلة للوصول إلى 50 مليارًا بسهولة
فيجب التوجه إلى الدول الإفريقية واتخاذ مراكز لوجيستية ووضع البضائع المصرية بها ودراسة السوق بشكل جيد، وتحقيق مبيعاتها، لتبدأ العجلة في الدوران، خاصة أن الصادرات المصرية في إفريقيا تقدر حاليًا بنحو 4 مليارات دولار فقط، أي ما يعادل نحو 10% أو 12% من إجمالي الصادرات المصرية، على الرغم من أن الصادرات إلى إفريقيا من الممكن أن تصل إلى ما بين 40 إلى 60 مليار دولار بسهولة، فذلك ليس رقمًا يعجز الوصول إليه، بل من السهل جدًّا تحقيقه، خاصة في ظل وجود عدد كبير من الاتفاقيات الحرة الموقعة مع إفريقيا، مثل اتفاقية الكوميسا واتفاقية التجارة الإفريقية الحرة التي فعلت العام الماضي، مما يعكس وجود مجالات متعددة للنمو، لذلك يجب أن نضمن وجود كم مناسب من العملة الصعبة يكفي لعدم زيادة تكلفة الإنتاج، والتي سترتفع بالتأكيد إذا تم الاستمرار على هذا النهج، لأن التكلفة على المصانع سترتفع بكل تأكيد.
يجب تكوين حجم ضخم من العملة الصعبة لضمان الحفاظ على تكلفة الإنتاج
لذا يجب الالتفات إلى أن هذه المنظومة متكاملة، فلا يجب أن نأخذ جانبًا منها ونتجاهل الآخر، فهناك علاقة مباشرة بين الصناعة والعملة والتصدير، كما أن السياحة تلعب دورًا هامًّا للغاية كمصدر للعملة، وعليه يجب على الجميع العمل على تحسين هذه المنظومة المتكاملة.
رضوى إبراهيم: أستاذ علاء سبع.. هناك تيار كبير كان يرى خلال الفترات الماضية التي شهدت وجود شكاوى كثيرة تخص القطاع الخاص، أن ملف الاستثمار في مصر ومصالح القطاع الخاص تفرقت مسؤوليتها في ظل عدم وجود وزير للاستثمار.. وبعد أن تم إعلان مسودة وثيقة ملكية الدولة، نرى أنه ما زالت هناك مشكلات أخرى بخلاف الحياد التنافسي الذي تعالجه الوثيقة.
فهل ترى خلال هذه الفترة التي تشهد انفراجة وتوجهًا جادًّا لزيادة دور القطاع الخاص، أهمية لوجود وزير استثمار يقوم على ترتيب أولويات تشجيع القطاع الخاص؟ كما نود معرفة ما هي أولويات تشجيع القطاع الخاص من وجهة نظرك؟
نعم نحن في حاجة إلى وجود وزير متفرغ للاستثمار في ظل أهمية هذا الملف في الوقت الحالي
علاء سبع: سأجيب عن سؤالك برد بسيط، وهو نعم أعتقد أنه من المؤكد نحتاج إلى وجود وزير استثمار، لأن هذا الملف يعد أحد أهم الملفات.
فنحن نقول إن حجم الاستثمارات التي نحتاج إلى جذبها للدولة من القطاع المصري أو الأجنبي، بهدف تحقيق تشغيل وخلق فرص عمل للمواطنين، يجب أن يفوق حجم المدخرات بالاقتصاد، لذا من الضروري استيراد رأسمال للاستثمار في مصر، وحتى يتم استيراد رأسمال وجذب استثمارات نأمل أن يكون هناك وزير متفرغ لهذا الملف، فيجب القيام بذلك قطعًا.
حجم الاستثمار المطلوب لتوفير فرص العمل يفوق معدل الادخار.. وبالتالي هناك حاجة لاستيراد رؤوس أموال
ووفقًا لنفس المنطق أود التطرق إلى نقطة أخرى.. فما هو أكبر مصدر للنقد الأجنبي في مصر حاليًا؟
أحمد رضوان: تحويلات العاملين بالخارج.
علاء سبع: بالفعل هم العاملون بالخارج، فقناة السويس تحقق نحو 6 مليارات دولار، بينما يدور حجم الصادرات المصرية غير البترولية حول 30 مليار دولار كما ذكر د. شريف الجبلي، في حين أن العاملين في الخارج يقومون بإدخال نحو 32 مليار دولار، وهو ما يعادل قيمة جميع الصادرات المصرية غير البترولية، ويوازي قيمة ما تحققه قناة السويس بنحو 6 مرات.
تحويلات المصريين بالخارج المصدر الأكبر للنقد الأجنبي.. فلماذا لا نواكب الطلب على العمالة المصرية بتهيئة الكفاءات والكوادر؟
ففي هذا الملف هناك طلب على نوعية معينة من الكوادر والكفاءات بالدول التي تستقطب عمالة كبيرة وتؤثر في حجم التحويلات من الخارج.. ولكن هل تنظر السياسات المتبعة في كيفية خلق هذه الكوادر؟
فمهنة التمريض على سبيل المثال تعد أحد الكوادر المطلوبة بصورة كبيرة على مستوى العالم، سواء في الشرق أو الغرب، فهل تم الالتفات إلى أهمية التوسع في جامعات وكليات التمريض؟ ونفس الأمر بالنسبة إلى الأطباء كمثال على الكوادر المطلوبة بكثرة خلال هذه المرحلة، علمًا بأن من لن يسافر للعمل في الخارج من شأنه أن يفيد الدولة على المستوى الداخلي، وعليه إذا تم زيادة التعليم وتدريب الكوادر المطلوبة، ففي هذه الحالة من سيسافر سيجلب عائدًا لمصر، ومن سيبقى سيحقق عوائد لنا أيضًا.
تصدير العمالة المحترفة لا يلقي الاهتمام اللازم رغم أهميته كمصدر جوهري للعملة الصعبة
ولكني أرى أننا لا ننظر إلى هذا الملف من وجهة النظر تلك، ولا يتم التعامل مع الأمر كونه تصدير خدمة، رغم أن خدمات المصريين بالخارج تعد أكبر عنصر يتم تصديره حاليًا، فالأمر يشبه من يملك مصنعًا يضم إنتاجًا معينًا مسؤولًا عن 60% من مبيعاته، ولكن هذا المالك قام بتعيين مديري مبيعات لكل المنتجات الأخرى، في حين لم يشترِ ماكينات جديدة للمنتج الذي يستحوذ على 60% من المبيعات، كما لم يطور من صناعته.
فإذا كنا ننظر إلى وضع الدولار وسعر الصرف، فإنني أرى أن هذا الملف يحتاج إلى دراسة أكبر، خاصة أن فترة الدراسة والتخرج من الجامعة تتراوح ما بين 4 أو 5 سنوات، وهو ما يعكس عدم وجود فرق زمني كبير بين إنتاج كوادر وإنشاء مصنع جديد، فالأمر لن يحتاج إلى أعوام كثيرة حتى تتم إتاحة الكوادر المطلوبة، لذا أعتقد أنه من الضروري النظر إلى هذا الملف بطريقة مختلفة.
أحمد رضوان: أستاذ محمد الدماطي .. سواء فيما يتعلق بالوثيقة أو بعيدًا عنها.. إذا تحدثنا عن وجود عدد من المطالب أو المشكلات التي تواجه قطاع الصناعة ويجب حلها في أسرع وقت ممكن.. كيف سترتب هذه المطالب؟ وما هي؟
الاقتصاد غير الرسمي أحد المشاكل المؤثرة في مناخ الاستثمار والدولة لم تنجح في مواجهته
محمد الدماطي: أولًا.. من ضمن المشكلات الكبيرة التي تواجه مصر بشكل عام هي القطاع أو الاقتصاد غير الرسمي، لا سيما أنه أصبح مستفحلًا بصورة كبيرة للغاية في مصر.
وأعتقد أن جميع محاولات الدولة لضم القطاع غير الرسمي على مدار سنوات طويلة لم تنجح بالشكل الكافي، وأرى أن ذلك يخلق مناخًا من المنافسة غير العادلة، والتي لا تقل أهمية عن منافسة الدولة للقطاع الخاص، مما يعكس ضرورة العمل على هذين الشقين، فكما قررت الدولة التخارج من بعض القطاعات، وهو أمر جيد ومحمود جدًّا، أصبح من اللازم التفكير في كيفية ضم الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي.
المنافسة مع القطاع غير الرسمي لا تقل حدة عن المنافسة مع الدولة
فمصر تفقد عشرات المليارات من ضرائب ورسوم نتيجة التهرب الضريبي، علمًا بأن القطاع الرسمي هو من يدفع هذا الثمن، خاصة أنه عند انخفاض الحصيلة الضريبية أو عدم زيادتها بالقدر الكافي تضطر الدولة للرجوع على القطاع الرسمي برسوم جديدة وزيادة الأعباء، وهو أمر غير مشجع، لذا فإن أول المطالب هو ضرورة إيجاد سبل لضم القطاع غير الرسمي، وقراءته بشكل جيد.
القطاع الرسمي يدفع ثمن عدم تحمل الاقتصاد غير الرسمي أي أعباء
المطلب الثاني يتمثل في أهمية إتاحة تخطيط جيد في مصر، حيث تكمن المشكلة في عدم وجود تخطيط سليم لمختلف المجالات، فلا نعرف أين نستثمر.. وليست لدينا جهة تكشف عن القطاعات المتشبعة وتلك التي تحتوي فرص.
ففي مجال الصناعات الغذائية على سبيل المثال، لا توجد جهة يمكنها القول إن سوق الجبن متشبع ولا يحتاج إلى استثمارات إضافية، في حين أن سوق العصائر تحتوي على فرص، وذلك على عكس الكثير من الدول المتقدمة صناعيًّا، والتي تكون لديها جهة ما توضح للمستثمرين الفرص المتاحة، وتنوه إلى أنه سيتم إصدار رخص وفقًا لحجم هذه الفرصة.
لا توجد خريطة استثمارية واضحة في مصر تحدد الصناعات التي تواجه نقصًا والأخرى المتشبعة
فإذا توافرت فرصة في صناعة المكرونة على سبيل المثال لن يترتب على ذلك التوجه لافتتاح 100 مصنع مكرونة، الأمر الذي يسفر عن منافسة غير إيجابية تؤثر على مستويات الربحية، بل يتم تحديد عدد المصانع المناسب لحجم الفرصة المتاحة بالسوق، وعليه يتم منح رخص لهذا العدد فقط من المصانع.
ولكن نحن نفتقر في مصر إلى هذه الخرائط السوقية، كما نحتاج إلى وجود خريطة استثمارية تكشف عن الفرص الاستثمارية المتاحة، حتى لا يكون الأمر مقتصرًا على السمع فقط، والانسياق وراء الاتجاهات مثل ما نشهده من زيادة في عدد متاجر الهواتف في أحد الشوارع عقب افتتاح أول متجر.
ضرورة وجود جهة مسؤولة عن حصر حجم الإنتاج الحقيقي.. ولن يتم ذلك دون ضم الاقتصاد غير الرسمي
فالصناعة والتجارة في مصر تسير بالطريقة ذاتها، لذا يجب توفير تخطيط سليم وإتاحة جهة تخطر المواطنين بالمجالات التي يمكن الاستثمار بها، والقطاعات الأخرى التي لا يجب الاستثمار بها، وحتى يتم الوصول إلى تخطيط سليم، يجب أن يكون هناك حصر بالاقتصاد غير الرسمي، ومعرفة حجم الاقتصاد الحقيقي لنتمكن من القيام بذلك.
ياسمين منير: د. زياد، نحن سمعنا في هذا اللقاء عن مجموعة كبيرة من مشكلات تفصيلية مرتبطة بقطاعات بعينها، وأمور مرتبطة بقطاعات صناعية أو على مستوى الاقتصاد ككل، فما هي الإجراءات أو الحلول السريعة التي تحتاج إليها مصر في هذا التوقيت، لحين صدور الوثيقة في صورتها النهائية أو اتخاذ إجراءات تنفيذية في إطار دعم تواجد القطاع الخاص بشكل أكبر في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة؟
أحمد رضوان: نظرًا لأن هذه الجولة الأخيرة من الأسئلة، أريد إضافة سؤال، ما هي التوصيات التي تراها يمكن توجيهها للحكومة في هذا الوقت في التعامل مع ملف القطاع الخاص بشكل عام؟
د.زياد بهاء الدين: نظرًا لعدم إمكانية التطرق لجميع الأمور تفصيليًّا فدعنا نضع عناوين واسعة ربما تكون تحتها تفاصيل، الوثيقة التي لدينا كما قال جميع الزملاء الأعزاء في هذا اللقاء، هي جزء مهم من القضية ولكنها ليست القضية بالكامل، إلا أنه لا بد أن نعترف أيضًا بأهميتها، فأحد أضلع الأزمة الاستثمارية في مصر هو عدم وضوح دور الدولة وتوغلها في جميع الأمور، فإذا تم حل هذا الأمر ولو جزئيًّا من خلال تلك الوثيقة فسنكون حققنا تقدمًا في هذا الأمر.
وثيقة سياسة ملكية الدولة جزء مهم من قضية القطاع الخاص لكنها ليست كل الموضوع
بالنسبة لي سأختار 3 أو 4 أمور، وقد يكون أجدر مني من يضعون أيديهم في العمل بشكل مباشر، ولكن أعتقد أن مسألة الوضوح الضريبي هامة للغاية، فكما قلت إن سعر الضريبة أيًّا كان ما يتفق عليه المجتمع وأيًّا كان ما يعلن منه يكون بمثابة عقد ضريبي، أي إن المستثمر وصاحب العمل يسدد ما هو متواجد في القانون، ويكون على علم بذلك من بداية العام ولا يكون هناك مبلغ آخر إضافي مستحق عليه يظهر بشكل مفاجئ طوال العام.
الوضوح الضريبي مهم جدًّا.. ويجب التعامل مع السعر المنصوص عليه في القانون كالعقد الضريبي دون إضافة أعباء مفاجئة
أحمد رضوان: هل نحن نتحدث هنا عن الأعباء وليست الضريبة، فالمسميات تختلف، وهناك على سبيل المثال رسم تنمية ومساهمة تكافلية؟
د. زياد بهاء الدين: وهناك أيضًا مبالغ يتم سدادها عندما تقوم بنقل بضاعة على الطن، وعندما تقوم بتعلية مبنى فيكون هناك مبلغ مالي يسدد على كل دور جديد تتم إضافته.
أحمد رضوان: نعم، نحن نتحدث عن أعباء.
د. زياد بهاء الدين: كل تلك الأمور ليس لها أساس بالقانون من الأصل، وأنا لا أتحدث هنا عن رشوة، ولكن أتحدث عن مدفوعات رسمية بإيصال رسمي ليس لها أساس في القانون، فكل ذلك يجعل من رأيي أن مسألة العقد الضريبي هي مسألة هامة للغاية.
يجب إعادة وزارة الاستثمار أو تمكين هيئة الاستثمار وجعلها هيئة مستقلة ومنح رئيسها صلاحيات وزير
الأمر الآخر الذي أشرتم إليه خلال اللقاء، لأنني مقتنع تمامًا أن مصر يجب أن يكون فيها أمر من اثنين وهذا كان مجال عملي في الماضي، إما إعادة وزارة استثمار وتقود هذه المسألة أو أن هيئة الاستثمار يتم تصعيد دورها وتكون هيئة مستقلة كما كانت يومًا ما، ويكون من يترأس الهيئة لديه صلاحيات وسلطات وزير، فليس من الضروري خلق وزارة استثمار ولكن إما وزارة استثمار أو هيئة استثمار ممكّنة بالكامل كما كانت في وقت ما.
إذا عالجت الوثيقة ولو جزئيًّا مشكلة عدم وضوح دور الدولة في الاقتصاد سيتم حل أحد أضلاع الأزمة الاستثمارية
كما أنه هناك أمرًا آخر غير ملموس إلى حد كبير، لكن مسألة البيروقراطية نحن نثقل على أنفسنا فيها زيادة عن اللازم، وقبل أن نفكر في الوقت الذي تحدث فيه الخبراء المتواجدون معنا عن وجود نقص استثمار في العالم بأكمله، ونحن ننافس على مبالغ أقل مما كانت، دعونا نترك ذلك بالكامل أو لا نتركه، ولكن نبدأ بالمتاح أمامنا.
هناك استثمار مؤكد يمكن دفعه عبر حسم الطلبات الحقيقية المعلقة مثل الحصول على أراضٍ وشراء مستشفيات والاستثمار في التعليم وزيادة خطوط إنتاج
والمتاح أمامنا حاليًا متمثل في كمية الطلبات المقدمة في كل شيء سواء طلبات الحصول على أراضٍ، وطلبات شراء مستشفيات كانت متوقفة وبدأت تنفرج، وطلبات استثمار في مجال التعليم، وطلبات تعلية مبانٍ متوقفة، وطلبات زيادة خطوط إنتاج وغيرها من الطلبات المعلقة، وبالتالي لماذا أذهب للبعيد طالما أمامي كمية من الطلبات الحقيقية التي من خلفها أموال حقيقية تم إيداعها في البنوك وتنتظر فقط صدور الموافقة ليتم الإفراج عنها، دعونا نتخفف قليلًا في هذه الجزئية حتى لو ببعض المخاطر، فلن يحدث شيء، وهذه هي الأمور الأساسية.
بالطبع هناك أمور بعيدة المدى وتحدثنا عنها كثيرًا، يمكن أن تكون ليست حلولًا عاجلة، مثل الإسراع في حل القضايا المتواجدة بالمحاكم، وتطوير التعليم الفني كما قال الأستاذ علاء، ولكن الأمور الأربعة التي ذكرتها أعتقد أنها يمكن تنفيذها الآن وأكتفي بها.
رضوى إبراهيم: د. شريف، ما هي المطالب التي نحتاج إلى تنفيذها بشكل سريع حتى نكون بالفعل قد شجعنا القطاع الخاص على التوسع بشكل عام وليس فقط على مستوى ملف الصناعة؟
د. شريف الجبلي: الأمور التي ذكرها د. زياد، أساسية بالطبع فمسألة الوضوح الضريبي أو الأعباء التي تفرض بشكل عام يجب أن تكون واضحة ومعروفة، ولا يأتي أمر جديد لا أحد يعمله وهذا أمر هام للغاية وأريد التأكيد عليه.
وضوح الأعباء واستقرارها مسألة مهمة للقطاع الخاص
وأهم نقطة في رأيي وأكررها كثيرًا، أن الحكومة لا تعمل وحدها دون القطاع الخاص، بمعنى أنها لا تتخذ قرارات في أمور مصيرية خاصة بالاقتصاد دون الرجوع للقطاع الخاص، خاصة أنه من المفترض نظريًّا أن يمثل القطاع الخاص جزءًا أكبر من الاقتصاد خلال المرحلة القادمة، فلا يمكن أن يتخذ أحد قرارات بالنيابة عنه دون علمه وهو لا يعلم بالأساس تفاصيل عمله والظروف المحيطة به، فلا يمكن أن يعمل القطاع الخاص بهذه الطريقة، فليس هناك تناغم ما بين الجهتين.
يجب ألا تعمل الحكومة في قضايا الاقتصاد بمعزل عن القطاع الخاص
فالحكومة تعتبر أنها من تتخذ القرار، وهي من تبحث وتدرس ثم تصدر القرار ليتم الاعتراض عليه من جانب مجتمع الأعمال، فهذه الجزئية إن لم يتم حلها ستكون الأمور صعبة للغاية.
ياسمين منير: هل هناك ورقة عمل يتم إعدادها أو مطالب محددة سيتم تقديمها للحكومة الفترة المقبلة في هذا الإطار؟
د. شريف الجبلي: لا، نحن طرحنا أمورًا عديدة طوال الوقت، والمشكلة أننا نسير بسياسة رد الفعل، ودائمًا حيث يتم إصدار شيء ما يتم الاعتراض عليه ونبدأ في عقد اجتماعات وندون مذكرة حول الأخطاء الموجودة في القوانين، سواء قانون العمل أو غيره من القوانين.
مجتمع الأعمال يتقدم دوريًّا بمطالبه للحكومة.. ولكن المسألة برمتها رد فعل على القوانين والقرارات
فعلى سبيل المثال، قانون الثروة المعدنية تم العمل عليه دون الرجوع إلى خبراء القطاع الخاص الذين يعملون في هذا المجال وهو قانون هام للغاية، ولذلك الثروة المعدنية حاليًا لولا جهود وزير البترول في دفعها لأنها معقدة للغاية والوزير نفسه يواجه حاليًا تلك التحديات.
فالثروة المعدنية المتواجدة في مصر غير مستغلة كما يجب، أولًا بسبب تعقيدات بيروقراطية للحصول على منجم أو محجر، فالعملية ليست سهلة وفي الوقت نفسه أين الصناعة التي تقوم على ذلك؟ ليست هناك صناعة مبنية على الخامات المصرية حاليًا، ولدينا في مصر خامات عديدة.
قانون الثروة المعدنية على سبيل المثال تم وضعه دون الرجوع لخبراء المجال
فمصر غنية بأمور كثيرة ولكن غير مستغلة ولا توجد قيمة مضافة لأنه من الصعب الحصول عليها، وهذا نتاج عدم التواصل بالشكل المطلوب، ولا يوجد من يستمع للقطاع الخاص، وملف الاعتمادات ومستندات التحصيل دليل على ذلك، فهل هذا الأمر تم الحصول فيه على رأي القطاع الخاص قبل إقراره؟ رغم أن الأمر يمسه، ولكن ما حدث هو استثناء الخامات من القرار بعد أن استغرقت المطالبات والمناشدات لمدة 4 أشهر، وهو وقت ليس بقليل في عمر الإنتاج، وكان ذلك بعد تدخل من وزيرة الصناعة.
رغم توافر الخامات في مصر إلا أنه لا توجد صناعات قائمة عليها بسبب صعوبة الاستثمار في عمليات الاستخراج
فالأشهر الأربعة وقت طويل ويمثل ثلث عام، وبالتالي فهذا أهم أمر أريد التركيز عليه، وأي شيء يأتي بعد ذلك سيكون أمره سهلًا طالما يتم الاستماع لرأي القطاع الخاص فيما يمسه من أعمال، ولن يحتاج إلى أن يكون له مطالب عديدة، لأن المطالب جميعها واضحة، فالصناعة لها مطالب معينة ومعروفة وذكرناها في بداية الحديث وذكرها غيري من قبل، والسياحة لها مطالب معينة، وكل قطاع أو مجال له مطالب معروفة، والمطالب تم تكرار الكثير منها لأنه ليس هناك تواصل وهذا أهم أمر بالنسبة لي.
وقف مستندات التحصيل تم دون حوار مع مجتمع الأعمال.. والمشكلة لم تحل إلا بعد مرور 4 أشهر وهي فترة مؤثرة في عمر الإنتاج
أحمد رضوان: أستاذ علاء سبع، اسمح لي أن أفترض سيناريو تخيليًّا بعض الشيء، بناء على مقترح عودة وزارة الاستثمار، دعنا نفترض صدور قرار بعودتها مرة أخرى، وطلب منك تولي هذه الحقيبة، ووافقت، ما هي الاختصاصات التي ترى أنها يجب أن تكون في حامل هذه الحقيبة وما هي أولويات عملك؟
علاء سبع: الحقيقة أنك وضعت افتراضات كثيرة للغاية، وتصوراتي لا تصل لهذه الدرجة من الافتراضات، كما أن معنا د. زياد، والذي كان قائدًا لهذه المسيرة، وسأتطرق لأكثر من شيء، من بين الأمور التي تشجع الاستثمار سواء الداخلي أو الخارجي، يجب أن يكون هناك من يدافع عنك أمام الجهات المختلفة.
لتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي يجب أن يكون هناك من يدافع عن المستثمر أمام الجهات المختلفة
وسأعطي مثالًا في الضرائب، فهي لا تتبع وزارة الاستثمار أو هيئة الاستثمار، ولكن عندما تهدر الضرائب دفاتر لشركة من الشركات المحترمة، ودائمًا ما كانت ملتزمة بدفع الضرائب دون مشكلات، فكيف تعطي الحق للمحصل أن يهدر الدفاتر، ثم يتم تقدير ضرائب 100 جنيه على سبيل المثال، وبعد دخول لجنة وعدة أمور أخرى، نجد أن الشركة مطلوب منها دفع 4 جنيهات فقط، ويأتي في العام الذي يليه ويقوم بنفس الأمر.
فهذا يعرقل الاستثمار، ويجب أن يحاسب من وضع 100 والحقيقة كانت 4، ويعود في العام الذي يليه يضع 100 مرة أخرى والحقيقة تكون 4 مجددًا، فمن فعل ذلك يجب أن يحاسب على الضرر الذي تسبب فيه لهذه الشركة ولكل الشركات التي علمت بالواقعة، وبالتالي الاستثمار يحجم عن الدخول.
إهدار الدفاتر والتقديرات الضريبية الجزافية أحد عراقيل الاستثمار.. وتجب المحاسبة على الأضرار الناتجة عنها
وفي رأيي أن ضمن أهم الأمور لهيئة الاستثمار أو وزارة استثمار أيًّا كان الاسم الذي سيتولى المهمة، إنها تتبنى وجهة نظر المستثمرين أمام الجهات المختلفة بالدولة، والأمر الآخر الذي أراه هامًّا للغاية، هو أن كثيرًا من كبار المسؤولين، ورؤساء الهيئات أو الوزراء، يرون الاتجاه المطلوب بالفعل، ولكنها تنزل للتنفيذ وتصل إلى مجموعة من الموظفين الذين لا يشاركون رئيس الهيئة أو الوزير نفس وجهة النظر، فهم ينظرون إليها من وجهة نظر مختلفة، وبالتالي يقومون بتطبيق الأنظمة بهذه الطريقة المختلفة.
أقترح معاقبة من يضع تقديرات غير واقعية للضرائب والرسوم على الشركات.. والمسألة يجب أن ترتبط بمدى تناسب الحصيلة مع القانون
ونحن بحاجة لتدريب الموظفين ورفع مستوى الكفاءات التي تتعامل مع المستثمرين، والتي تنظر للمستثمر على أنه إضافة للاقتصاد، وليس على أساس أنه مستغل أو لص، وبالتالي فلن يتم إصلاح الوضع الحالي إلا عندما يكون الاعتقاد أن المستثمرين جزء مهم من الاقتصاد، ويجب أن يتم تشجيعهم لأنهم من يقومون بالتعيين ويوفرون فرص عمل ويدفعون الاقتصاد ويجذبون دولارات للدولة سواء في صورة استثمارات أو تصدير، وحتى تتغير وجهة النظر هذه لن نستطيع تحقيق تقدم قوي.
أحمد رضوان: هل المسألة مرتبطة بالتدريب فقط؟ بمعنى إذا كان العاملون في الضرائب عند مستويات وظيفية ما، مطالبين بتحقيق هدف محدد من الحصيلة، ودخولهم مرتبطة بنمو معين في الإيرادات، فهذه أمور ليس لها علاقة بالتدريب فسواء مدرب أو غير مدرب، هناك هدف محدد يجب تحقيقه.
أحد مشاكل الاستثمار هو ترك الاقتصاد غير الرسمي دون أعباء وزيادتها على الاقتصاد الرسمي
محمد الدماطي: هذه هي مشكلة الاقتصاد غير الرسمي الذي أتحدث عنها، أنه يتم ترك الشركات التي تستحق هذا ويركز على الشركات الملتزمة فقط.
علاء سبع: ولكن من الممكن أن أضع عقوبة تطبق في حال أنه طلب 100 جنيه كل عام ثم وافقت اللجان بعد ذلك على 4 جنيهات فقط، على غرار ما هو متواجد في مجال سوق المال، فالشركة لها الحق في أن تمنح السوق والمحللين المعلومات التي تجعلهم يضعون تقييماتهم لأداء الشركة أقرب ما يكون للحقيقة، ونفس الأمر يجب أن ينطبق على من يحصلون على أموال من المستثمرين إن كانت رسومًا أو ضرائب أو غيرها.
فالهدف ليس زيادة الرسوم فقط، لأن الجميع يعلم أنه لو تمت زيادة الرسوم إلى 100% فالجميع سيغلق، ولن يقوم أحد بشيء، ومنحنى لافر معلوم منذ سنوات، فيجب أن يكونوا على علم أن وظيفتهم ليست الحصول على أعلى عائد ممكن، ولكن يجب أن يكون أكثر عائد متقارب لما ينص عليه القانون.
رضوى إبراهيم: أريد طرح سؤال آخر في سياق افتراض كونك وزير الاستثمار إذا سمحت لي، الجميع يعلم أن بنوك الاستثمار تلعب دورًا كبيرًا للغاية في تسويق وترويج الاستثمار طوال الوقت، ولكننا شاهدنا تراجعًا كبيرًا في هذا الدور خلال الفترة الماضية، في تقديرك ماذا يحتاج هذا النشاط لاستعادة دوره مرة أخرى؟
علاء سبع: بالنسبة لصناعة بنوك الاستثمار في مصر، للأسف أن أهمية مصر وأهمية حجم الصفقات التي تتم في مصر بالنسبة لبنوك الاستثمار العالمية تراجعت للغاية، فحاليًا أن أذهب لأي بنك استثمار عالمي وأدعوه لتسويق شركة أو محفظة معينة أصبح أمرًا صعبًا، لأنه سيأتي وسيستغرق 9 أشهر في العمل الذي يمكنه إنجازه في شهرين أو ثلاثة أشهر فقط في أي منطقة أخرى.
للأسف.. أهمية الصفقات المصرية بالنسبة لبنوك الاستثمار العالمية تراجعت بشدة
كما أن حجم أو قيمة الاتفاق الذي تمنحه إياها أصغر كثيرًا مما يحققه في أي منطقة أخرى، فأصبح من الصعب للغاية استقطاب بنوك الاستثمار العالمية.
وفي الوقت نفسه، نجد أنه تم الاستحواذ على كثير من بنوك الاستثمار المصرية من جانب جهات حكومية تتبع الدولة خلال الفترة الماضية، وبنوك الاستثمار مبنية على نوع من الإبداع، وهذا لا يتماشى مع توجهات الإدارات الحكومية، وبالتالي فنحن في الحقيقة نقوم بتحجيم هذه الصناعة بشكل كبير، وهذا آخر شيء مطلوب أن نقوم به في الوقت الذي نريد أن نستقطب فيه استثمارات، لأن بنوك الاستثمار الكبرى بالخارج لن تأتي إلينا حاليًا، ونحن نصغر من حجم بنوك الاستثمار المحلية، والقطاع مستمر في التقلص بشكل كبير.
الكثير من الصفقات تمت مؤخرًا دون بنوك استثمار بدلًا من تشجيعها وتقويتها
ونحن نرى اليوم صفقات كبيرة تحدث من دون بنوك استثمار، وأرى أننا في حاجة لتشجيعهم حتى يستطيعوا أن ينموا، وبالتالي يستطيعون أن يتناصفوا المسؤولية مع بنوك الاستثمار العالمية، فالبنك العالمي الذي نطلب منه تنفيذ صفقة يرى أنها صغيرة للغاية على حجم أعماله، من الممكن أن يقبلها إذا كان هناك بنك مصري يمكنه مساعدته فيها، وبالتالي يكون حجم المجهود الذي سيبذله أقل، ولكن أن يظل هؤلاء في سكة وهؤلاء في سكة أخرى مع استمرار تقلص النشاط بهذه الصورة، فلن نستطيع تشجيع هذه الاستثمارات.
استحواذ كيانات حكومية على عدد من بنوك الاستثمار المحلية يؤثر في قدرتها على الإبداع
ياسمين منير: سأوجه سؤالي الأخير إلى الأستاذ محمد الدماطي، كونك تمثل شركة في قطاع الصناعات الغذائية وفي الوقت نفسه هي شركة مدرجة بالبورصة، فما هي التوصيات التي تراها من وجهة نظرك تعتبر بمثابة عاجلة، ويجب اتخاذ خطوات بشأنها حاليًا على مستويي سوق المال أو المناخ الاقتصادي؟
محمد الدماطي: ليس هناك شيء أضيفه عما قاله الزملاء في اللقاء، ولكن أنا أرى مسألة الفائدة البنكية مهمة، وأعلم أنه ستكون هناك زيادات في سعر الفائدة، وأتمنى فقط ألا يكون هناك تقييد، وبالطبع عندما يكون هناك تضخم يتم رفع الفائدة، لكن أعتقد أنه سيكون مضرًّا وخانقًا للنشاط الاقتصادي خلال الفترة المقبلة، خاصة أن حجم السيولة في السوق منخفض لأن جزءًا من رأس مال التجار تآكل بفعل التضخم.
وعلى الرغم من توقعات زيادة أسعار الفائدة البنكية خلال الفترة المقبلة، لكنني لا أرى أن هذا حل لأي شيء، فالتضخم في مصر نتج عن زيادة الأسعار العالمية وليس نتيجة زيادة الاستهلاك في السوق حتى نحاول منعه عن طريق أسعار الفائدة، وأي زيادات في الفائدة تؤدي إلى سحب سيولة من السوق بشكل أكثر، وبالتالي تخلق حالة ركود أكبر، وتزيد من أعداد المصانع المتوقفة، ويسبب مشكلات في التشغيل، ولذلك أعتقد أن هذا آخر ما نحتاج إليه في الوقت الحالي.
أحمد رضوان: أتوجه بالشكر لحضراتكم على وقتكم الثمين، وبإذن الله تكون هذه بداية لسلسلة من اللقاءات الأخرى حول مطالب القطاع الخاص، ووثيقة سياسة ملكية الدولة، وغيرها من الأمور المرتبطة بما قالت عنه الحكومة إنه أولوية في هذه المرحلة.
وأود أن أشكر الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء ووزير التعاون الدولي سابقًا، والدكتور شريف الجبلي، رئيس لجنة الشؤون الإفريقية بالبرلمان ورئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات ورئيس شركة أبو زعبل للأسمدة والكيماويات، والأستاذ علاء سبع، خبير أسواق المال ورئيس شركة ابتكار القابضة، والأستاذ محمد الدماطي نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة الصناعات الغذائية العربية – دومتي.
وأشكر زميلتي ياسمين منير ورضوى إبراهيم، وزملائي في التصوير، وإن شاء الله نلتقي مرة أخرى في لقاء جديد من صالون حابي.
أدار اللقاء:
أحمد رضوان رئيس التحرير والرئيس التنفيذي لجريدة حابي
ياسمين منير مدير التحرير والشريك المؤسس لجريدة حابي
رضوى إبراهيم مدير التحرير والشريك المؤسس لجريدة حابي
تصوير فيديو: عمار علاء
مساعد مصور: نورهان أسامة
فيديو جرافيك: محمد صلاح الدين
مونتاج ورؤية إخراجية: إيهاب عبد المقصود
إعداد للنشر: إسلام سالم وباره عريان
فوتوغرافيا: محمد عبده