صالون حابي يبدأ جولات حوار مجتمعي عن سياسة ملكية الدولة.. الجزء الأول
المشاركون قدموا قائمة واسعة من التوصيات والرسائل المهمة
حابي _ في أول جولة من الحوار المجتمعي الذي أعلنت عنه جريدة حابي حول مسودة وثيقة ملكية الدولة ، قدم المشاركون في صالون حابي الشهري، قائمة واسعة من التوصيات والرسائل المرتبطة باتجاهات الوثيقة عمومًا، وأولويات وتحديات عمل القطاع الخاص في هذه الفترة على وجه التحديد.
فيديو.. حابي تبدأ في صالونها الشهري مناقشة وثيقة ملكية الدولة وأولويات القطاع الخاص .. الجزء الأول
شارك في الصالون كل من: الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء ووزير التعاون الدولي الأسبق، والدكتور شريف الجبلي، رئيس لجنة الشؤون الإفريقية في مجلس النواب، وعلاء سبع أحد رواد سوق المال ورئيس شركة ابتكار القابضة، ومحمد الدماطي، نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة الصناعات الغذائية العربية دومتي .
وأدار اللقاء كل من: أحمد رضوان رئيس تحرير والرئيس التنفيذي لجريدة حابي، وياسمين منير مدير التحرير والشريك المؤسس لجريدة حابي، ورضوى إبراهيم مدير التحرير والشريك المؤسس لجريدة حابي.
وشهد اللقاء تقديم نظرة أولية لمسودة وثيقة سياسة ملكية الدولة، وأهدافها الرئيسية، ومدى تناسب البيئة التشريعية للتعامل مع الوثيقة، إلى جانب جاهزية سوق المال للتخارجات الحكومية المرتقبة، وكذلك التحديات الراهنة التي يواجهها القطاع الخاص في بيئة الاستثمار عمومًا، ومدى قدرة الوثيقة والمعايير الحاكمة لها في التغلب على هذه التحديات.
يذكر أن جريدة حابي قد أعلنت بدء حوار مجتمعي حول مسودة وثيقة سياسة ملكية الدولة وأولويات القطاع الخاص، ليكون مساهمة إضافية للحوار الذي بدأته الحكومة الأسبوع الماضي مع مجتمع الأعمال، وعبر شعارها «الالتزام بالتخصص» ستعمل حابي على هذا الحوار من خلال جميع قنواتها الممثلة في: (النسخة المطبوعة – بوابة حابي جورنال – صالون حابي – نشرة حابي)، لتضمن بذلك أوسع تغطية صحفية ممكنة، تناسب أهمية الوثيقة، وتساعد في خروج صيغتها النهائية للنور في أفضل صورة ممكنة.
وإلى تفاصيل اللقاء
أحمد رضوان: بسم الله الرحمن الرحيم.. أهلًا وسهلًا بحضراتكم في لقاء جديد من صالون حابي الشهري..
نناقش في لقائنا السادس حزمة من المحاور التي ترصد تطورًا هامًّا حدث في الآونة الأخيرة وهو صدور مسودة وثيقة سياسة ملكية الدولة.. فقد بدأ رئيس الوزراء فتح حوار مجتمعي حول الوثيقة مع مجتمع الأعمال وخبراء الاقتصاد، ونحن في جريدة حابي نود الاشتباك مع هذا الحوار.
ونستضيف في لقاء حابي السادس الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء ووزير التعاون الدولي السابق، والدكتور شريف الجبلي، رئيس لجنة الشؤون الإفريقية بالبرلمان ورئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات ورئيس شركة أبو زعبل للأسمدة والكيماويات، وعلاء سبع، أحد رواد صناعة سوق المال في مصر ورئيس شركة ابتكار القابضة، ومحمد الدماطي، نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة الصناعات الغذائية العربية – دومتي.. أهلًا وسهلًا بحضراتكم، تشرفنا بوجودكم في جريدة حابي.
نبدأ النقاش مع الدكتور زياد بهاء الدين.. فقد تناولت وثيقة سياسة ملكية الدولة في مقالاتك، كما كنت أحد الحضور باللقاء الأول مع رئيس الوزراء الذي شهد مناقشة الوثيقة.
هل يمكن في البداية إعطاؤنا نظرة عامة عن الوثيقة.. وهل ترى أنها أجابت عن الأسئلة التي سبق أن طرحتها في مقالاتك.. ومنها طبيعة مفهوم الدولة فيما يتعلق بالملكية، وطبيعة وضخامة القطاعات المستهدف التخارج منها، والجدول الزمني لها.. وكذلك الشق الثالث المرتبط بمفهوم التخارج ذاته، كيف ستتم وما هي آلياتها؟
د. زياد بهاء الدين: وثيقة سياسة ملكية الدولة ما زالت مسودة وغرض طرحها هو تلقي تعليقات الخبراء عليها
د. زياد بهاء الدين: شكرًا جزيلًا.. أشكرك على الدعوة الكريمة.. وسعيد بالوجود مع الأصدقاء والزملاء الأعزاء.
وثيقة سياسة ملكية الدولة أولًا ما زالت مسودة، والغرض من طرحها في المؤتمر الذي عقده رئيس مجلس الوزراء هو إتاحتها للمناقشة، وتلقي تعليقات المهتمين عليها خلال فترة وصفها بأنها ستتراوح بين شهرين إلى ثلاثة أشهر، وأنا شخصيًّا منذ أن بدأ الحديث حول الوثيقة، وظهور مسودة مبكرة لها لم تكن رسمية، كنت في غاية السعادة بهذه الخطوة ومؤيدًا لها تمامًا، وذلك لثلاثة أسباب قبل الدخول في مضمونها.
د. زياد بهاء الدين: 3 أسباب وراء شعوري بسعادة كبيرة وتأييدي للوثيقة قبل التعرض لمضمونها
السبب الأول أنها تعد أحد التوقيتات الواضحة التي تتناول فيها الدولة هذا الموضوع، الخاص بدور الدولة في الاقتصاد، والذي بلا شك أحد أبرز العناوين التي كانت تثير الجدل والقلق من جانب المستثمرين المصريين والعرب والأجانب، وكذلك المنظمات الدولية، فهي قضية شائكة للغاية، وقد كان تناولها يبدو شائكًا، لذلك من الجيد أن تتقدم الدولة بطرح معين في هذا الصدد.
السبب الثاني يتمثل في أنها قد كُتبت وتضم أفكارًا هامة وتفكيرًا منضبطًا، أما الأمر الثالث فيتعلق بكونها متاحة للحوار لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر، وهي تعد خطوة عظيمة وغير مسبوقة، وكلما كانت هذه التجربة ناجحة، فإن ذلك يعني أنها لن تقتصر على كونها مفيدة فقط في حد ذاتها، لكن كذلك في أسلوب تناولنا للقضايا الاقتصادية بشكل مختلف ومنفتح وبه شفافية.
تقسيم أصول الدولة إلى 3 مجموعات.. الأولى تخارج خلال 3 سنوات
وفيما يخص مضمون الوثيقة ذاتها، سأكتفي بوصف أمرين فقط حتى لا أطيل الحديث، أولهما أن الوثيقة تحدد مجموعة من القطاعات الاقتصادية أو الأنشطة، تم تقسيمهم إلى 3 مجموعات، المجموعة الأولى تستهدف الدولة التخارج منها خلال 3 سنوات، والمجموعة الثانية من المقرر أن تبقى الدولة فيها ولكن مع تقليل أو تخفيض حجم تواجدها، والمجموعة الثالثة تعتزم الاستمرار بها مع زيادة حجم الاسثمار أو عدم تخفيضه على الأقل.. وهذه المجموعات الثلاث تم تسمية قطاعات مختلفة كثيرة بها.
د. زياد بهاء الدين: الشق الثاني من الوثيقة قدم وصفًا للضوابط الحاكمة لبقاء الدولة في الأنشطة المحددة
الشق الثاني في الوثيقة والذي يتسم بأهميته الكبيرة، هو أن بها نوعًا من الوصف للضوابط التي تحكم استمرار الدولة في بعض هذه الأنشطة، مثل جوانب خاصة بالحوكمة وحقوق الأقلية وضمان وجود بيئة تنافسية، لذلك فإن الأمر لا يقتصر على قرار البيع أو التخارج من عدمه، لكن الأهم من ذلك أنها تحدد ضوابط ومعايير وشروط بقاء الدولة في أي استثمار.
فكما ذكرت هي وثيقة مهمة وتعبر عن سياسة حقيقية وليس مجرد برنامج محدد، وبالطبع ما زال المجال مفتوحًا للمناقشة، وهناك مجالات كثيرة للاتفاق والاختلاف يمكن الرجوع لها بعد قليل، لكني أرى أنها تعد بداية طيبة جدًّا، ويجب على الجميع التفاعل معها، والحكم عليها بالنجاح أو الفشل يجب أن يكون على ما تأتي به من نتائج وليس من الآن.
ضوابط بقاء الدولة تشمل الحوكمة وحقوق الأقلية ومعايير ضمان البيئة التنافسية
هذا هو الوصف البسيط الذي أقدمه، وأتمنى أن يكون لقاؤنا اليوم جزءًا من المساهمة في هذا المشروع الهام.
أحمد رضوان: سنعود لمناقشة التفاصيل بصورة أكبر، خاصة فيما يتعلق بالأسئلة التي طرحت في مقالك، وكذلك فكرة الحياد التنافسي الذي تحدثت عنه الوثيقة، ومحاولة الوقوف على كيفية تطبيقه على أرض الواقع.. لكن الآن أفتح المجال لزميلتي ياسمين منير للتوسع في دائرة الحوار.
ياسمين منير: أود أن أنتقل إلى الدكتور شريف الجبلي.. وفي البداية نريد التعرف على وجهة نظرك الأولية لمسودة وثيقة ملكية الدولة وما تناولته من بنود وقطاعات، وكذلك التعرف على ترتيب الوثيقة في جدول أولويات القطاع الخاص خلال هذه الفترة الاستثنائية التي تشهد متغيرات اقتصادية على نطاق واسع محليًّا وعالميًّا؟
د. شريف الجبلي: ملكية الدولة تمثل نحو نصف الاقتصاد بينما يتولى القطاع الخاص تشغيل 70 % من العمالة
د. شريف الجبلي: كما ذكر الدكتور زياد بهاء الدين، هذه الوثيقة هامة للغاية، وهذا هو وقتها، بل يمكن القول إنها تأخرت نوعًا ما وفقًا لتقديري، فحسب ما أتذكر فإن ملكية الدولة تمثل نحو 50% من اقتصاد الدولة نفسها، في حين أن القطاع الخاص يقوم بتشغيل نحو 70% من العمالة، وهو ما يعكس وجود أمر غير متوازن بين الجانبين.
قطاعات مثل تجارة التجزئة وبعض مجالات الزراعة يجب أن تتخارج منها الدولة بصورة تامة
وفي الوقت ذاته، فإن استمرار الدولة في بعض القطاعات أثبت على مدى 60 عامًا وأكثر أنها خاسرة، مثل تجارة التجزئة والتي أرى أنها ليست أمرًا منوطًا بالدولة القيام به حاليًا، كما توجد مجالات بالزراعة يجب على الدولة الخروج منها، وهناك جوانب كثيرة في الحقيقة يجب النظر إليها، وذلك لمصلحة البلد، لأن الدولة كمدير لا تتسم بكونها مديرًا جيدًا.
فكرة الوثيقة جيدة جدًّا.. ولكن علينا الحذر من البيروقراطية عند تفعيلها والتعامل بجرأة
وقد شاركت لعدة سنوات في مجالس إدارات شركات قابضة ورأيت عن قرب ما يحدث في الإدارة، لذا أعتقد أنه من الضروري إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في المرحلة القادمة، وهو أمر كنا نطالب به منذ وقت طويل، ولكن من المهم الوقوف على كيفية تطبيقه، وآلية تنفيذ ذلك على أرض الواقع.
يقال إن فترة مناقشة الوثيقة ستتراوح بين شهرين و3 أشهر، لا أعلم إذا كان ذلك الوقت سيكون كافيًا أم لا، لا سيما في ظل وجود تعقيدات كثيرة داخل الجهاز الحكومي والملكية الحكومية، يجب العمل على تجاوزها، ومن المؤكد أن هناك مبادئ سيتم العمل عليها في هذا الإطار، وتمت الإشارة إلى وجود 7 مبادئ، ولكني لم أتطرق للوثيقة بالعمق الكافي بعد.
منح دور أكبر للقطاع الخاص أحد المطالب المهمة.. ويجب الحديث باستفاضة عن آليات التنفيذ
والفكرة الأساسية للوثيقة جيدة للغاية، وهي أمر طالما طالب به القطاع الخاص، ولكن المشكلة تكمن في آلية تنفيذها، فهناك أمور كثيرة قد تظهر في المنتصف وتعكس وجود مشكلات، لذا من الضروري إتاحة الشفافية والوضوح بالكامل عن الشركات والكيانات التي سيتم طرحها، خاصة على صعيد المجموعة الأولى التي حددتها الوثيقة وتضم الأنشطة المستهدف التخارج منها على مدار ثلاث سنوات، ومنها مجالات النقل والزراعة والتجارة، وجوانب كثيرة سيتم التخارج منها خلال الفترة المحددة، علمًا أن ثلاث سنوات لا تعد مدة طويلة، وذلك لفك الاشتباكات الموجودة، والتي تعد الجزء الأهم في هذا الأمر.
وفي رأيي، هذه الفكرة جيدة للغاية كغيرها من الأفكار الجيدة، ولكن من المهم ألا نقع في مشاكل بعد ذلك، كالبيروقراطية ومشاكل الدولة العميقة وغيرها من الجوانب التي يجب عدم إهمالها، والتفكير جيدًا في حلها.
أتمنى أن تتمتع مناقشات الوثيقة بأعلى درجات الشفافية والالتزام بما يتم الاتفاق عليه
فإذا كانت هناك نية حقيقية لتفعيل هذه الوثيقة، يجب أن تتوافر الجرأة في التنفيذ، فهذا الأمر بالتأكيد يتطلب نوعًا من الجرأة لأنه يمثل تغيير نظام متبع منذ سنوات طويلة، فدخول الدولة بقوة في الاقتصاد بدأ في الستينيات، واستمر منذ ذلك، ومن المؤكد أن له جذورًا وهو أمر لا يمكن إهماله.
لذا يجب النظر إلى ما ستسفر عنه المناقشات خلال الأشهر الثلاثة القادمة، وأتمنى أن يتسم هذا الأمر بشفافية كاملة وأن تكون هناك نية حقيقية لدى الحكومة للتخارج من الأنشطة التي تم الإعلان عنها، لأن ذلك يعد مطلبًا عامًّا ودوليًّا، فكل مؤسسات التمويل الدولية تطالب بهذا الشأن.
وأظن أن رئيس الوزراء ذكر أن العمل على إعداد الوثيقة تم منذ نوفمبر الماضي، أي قبل حدوث المشكلات الاقتصادية التي نشهدها حاليًا، مما يؤكد أن هذا الأمر لم يأتِ نتيجة لتداعيات حرب أوكرانيا، أو الوضع الاقتصادي الراهن، بل هو أمر تم التفكير فيه منذ فترة، وهذا شيء جيد، ولنرى ما سيحدث بعد ذلك في هذا الإطار.
رضوى إبراهيم: أنتقل إلى رئيس شركة ابتكار القابضة للحديث عن التطور الذي بدأ يحدث في الفترة الأخيرة، والذي ظهر في البداية من خلال تصريحات تعد بدور أكبر للقطاع الخاص، ثم بدأنا نشهد خطوات فعلية في هذا الإطار.
فطوال الوقت هناك مشكلات مشتركة تواجه المستثمر المحلي والأجنبي، لكن لكل منهما أيضًا مشكلات ذات طبيعة مختلفة عن الآخر.. نود أن نتعرف منك بصفتك أحد أهم رواد سوق المال في مصر، وعلى تواصل مستمر مع عدد كبير من المستثمرين الأجانب، ومطلع على الشكاوى والمشكلات التي تواجههم.. كيف انعكس الاتجاه الذي تسير فيه الدولة حاليًا على انطباعات المستثمرين؟
علاء سبع: أكثر من مطلب للمستثمرين المحليين والأجانب لرفع استثماراتهم في مصر
علاء سبع: أود التحدث في البداية عن الوثيقة التي نتناقش حولها، حيث توجد عدة مشكلات أو مطالب لدى المستثمرين، سواء مصريين أو أجانب، حتى يتمكنوا من الاستثمار بمعدلات أكبر في مصر، وكان واحد من أهم هذه المطالب يتمثل في الوقوف على ما إذا كانت ساحة المنافسة مستوية أم تميل في اتجاه طرف معين.
أحد التساؤلات المهمة من المستثمرين هو «شروط اللعبة وعدالة المنافسة».. والوثيقة تسعى للإجابة عن ذلك
وهذه الوثيقة تحاول أن توضح للمستثمرين طريقة دخول الدولة في القطاعات الاقتصادية، الأمر الذي من شأنه منح الطمأنينة للمستثمر، لأنه على الأقل سيكون على علم بشروط اللعبة.
«مصر للمصريين» مصطلح سائد في الخليج.. ويعنى أن المصري أكثر قدرة على التعامل مع التعقيدات الداخلية
ولكن في الوقت ذاته، بعيدًا عن هذه الوثيقة، كان هناك مصطلح سائد وبالأخص في منطقة الخليج هو أن «مصر للمصريين»، ويقصد بذلك أن المستثمر الخليجي عندما يقدم على الاستثمار في مصر لا يستطيع التعامل مع الظروف المحيطة بالاستثمار في مصر، نظرًا للتعقيدات الموجودة، وبالتالي المستثمرون المصريون هم الأقدر على التعامل في هذا الوضع.
مطلوب صياغة مبادرة تسير بالتوازي مع الوثيقة تؤكد وجود سياسة لفك التعقيدات وفتح مصر لكل المستثمرين
لذلك أرى أنه على نفس قدر أهمية تلك الوثيقة، يجب أن يتم إطلاق مبادرة بالتوزاي، تؤكد للجميع وجود سياسة للتعامل مع التعقيدات، تأكيدًا على كون الاستثمار في مصر مفتوحًا أمام المستثمرين كافة، وليس فقط الذين لديهم القدرة والصبر على التعامل مع هذه التعقيدات.
يجب تحديد السياسة والتوجه الاقتصادي الرئيسي ثم تتفرع منه الخطط والآليات
لذلك من وجهة نظري يفترض أن يكون ذلك اتجاهًا موازيًا للاتجاه الخاص بهذه الوثيقة، على أن ينطلق كل ذلك تحت مظلة واحدة، وهي الوقوف على طبيعة سياستنا الاقتصادية وما إذا كنا نتبنى اقتصادًا حرًّا كاملًا أم لدينا أراء مختلفة.. فمن الضروري البدء بالتوجه الأساسي، ومن ثم يتم الخروج بأكثر من وثيقة، كل منها يتمحور حول موضوع معين.
المجهود المبذول في الوثيقة جبار ونتمنى خلال الأشهر الثلاثة المقبلة وضع وثيقة أكمل وأفضل للجميع
وهذا لا يقلل من الجهد المبذول في هذا الإطار، والذي من المؤكد أنه جهد كبير، وكما أشار زملائي فهو بداية جيدة، ونتمنى أن يتم الخروج بوثيقة أكمل وأفضل للعامة خلال الأشهر الثلاثة القادمة، ولكن هذه ليست المسألة الوحيدة الهامة، فهناك مجالات أخرى يجب النظر إليها، حتى نتمكن من تشجيع الاستثمار الأجنبي للدخول إلى مصر.
ففي منطقتنا، بدأنا نشهد توجهًا لافتًا للاستثمارات الأجنبية نحو الخليج، رغم أنه يتمتع بوجود فائض من الاستثمارات المحلية، في حين لا تستقطب مصر القدر الكافي من هذه الاستثمارات.
الخليج جاذب للغاية للاستثمار الخارجي رغم الفوائض.. لسهولة التعاملات والإجراءات
والسبب في ذلك يرجع إلى أن بعض المستثمرين الدوليين يرون أن التعامل في الأسواق الخليجية أسهل بالنسبة لهم من التعامل في مصر، رغم أن مصر من المفترض أن تكون جاذبة لهذه الاستثمارات بصورة أكبر من بعض البلدان الأخرى في المنطقة.
الوثيقة مهمة.. ولكن هناك ضرورة للنظر إلى مسائل أخرى لتشجيع الاستثمار الأجنبي
لذا يجب دراسة هذا الوضع، ومعرفة كيفية حدوث ذلك.. فهناك دول لديها فائض تحظى باستثمارات أجنبية أكثر من دولة مثل مصر رغم أننا نتسم بوجود أكبر سوق وفرص نمو كبيرة، مما يؤكد ضرورة الالتفات إلى ذلك بالتوازي مع الوثيقة.
أحمد رضوان: محمد الدماطي.. نود معرفة نظرتك لفلسفة صدور هذه الوثيقة وتوقيتها.. وإلى أي مدى ترى كأحد رجال الصناعة أنها تمثل لك فرصة سواء من خلال العمل في وضع تنافسي ربما يكون أفضل، أو النظر في المجالات التي تستهدف الحكومة التخارج منها؟
محمد الدماطي: الوثيقة في حد ذاتها مطلوبة في إطار وضع استراتيجية عامة لاستثمارات الدولة والقطاع الخاص
محمد الدماطي: حتى لا أكرر ما تم الحديث عنه، أؤكد أن الوثيقة أمر كان مطلوبًا منذ فترة، فيما يتعلق بفكرة وضع استراتيجية عامة للمجالات التي تستثمر بها الدولة، وما يستثمر فيه القطاع الخاص، ولكن هناك نقطة هامة للغاية أود الاستباق بها وهي آلية التخارج.
آلية التخارج مهمة جدًّا ولن تتم بضغطة زر.. والكثير من الاستثمارات القائمة ستحتاج إلى وقت كبير للتخارج منها
فمن الضروري أن تكون الدولة على وعي كبير بأن التخارج ليس زرًّا سيتم الضغط عليه لتنفيذ الخروج، وأن هناك استثمارات كثيرة تم القيام بها على مدار الفترة الماضية قد تتطلب وقتًا أطول للتخارج منها أو بيعها.
ففي مجال الصناعات الغذائية على سبيل المثال، يمكن إنشاء مصنع ينتج طاقات زائدة عن حجم الطلب بالسوق، لذلك عند عرضه للبيع قد لا تجد من يشتريه، فماذا ستكون سياسة الدولة في هذه الحالة؟ هل ستستمر حتى تجد المشتري المناسب أم ستتوقف وبذلك يكون الاستثمار الذي تم ضخه في هذا السياق ذهب بأكمله؟ لذلك يجب أن نفهم جيدًا أن الأمور في التخارج ليست مجرد زر يتم الضغط عليه.
طاقات زائدة جدًّا في قطاع الصناعات الغذائية على سبيل المثال.. وبالتالي من الصعب إيجاد مشترٍ في وقت سريع
كما أن هناك قطاعات تم الإعلان عن الرغبة في التخارج منها بشكل كامل، أو ترك إدارتها للقطاع الخاص، وبالتالي فإن فكرة الطروحات في البورصة قد تكون غير واردة بشكل كبير، لأن الطرح في البورصة يعني التخلي عن حصة أقلية ويظل التحكم في يد المالك، مما يعكس الحاجة للبيع إلى مستثمر استراتيجي حتى يتولى المسؤولية.
وهذا الأمر يجعلنا نتساءل هل ستفكر الدولة في عائد مناسب من المجالات التي تمت الإشارة إلى الرغبة في التخارج منها مثل الأغذية وتجارة التجزئة وغيرها، أم ستتخارج الدولة من هذه الأنشطة أيًّا كان المقابل الذي ستحصل عليه.
الحكومة تسعى للتخارج الكامل من بعض القطاعات.. ما يجعل البورصة أداة غير مناسبة نظرًا لكونها أكثر ملاءمة لحصص الأقلية
فهذه النقطة يجب أن تكون واضحة على طاولة القرار من الآن، ليكون الاتجاه معروفًا، حتى لا نجد بعد الانتهاء من الوثيقة والمناقشة الخاصة بها، تعذرًا في التنفيذ نتيجة لعدم استقبال استثمارات، لأن الوضع في العالم بأكمله حاليًا ليس مشجعًا للاستثمار.
دعونا نكون واضحين في هذا الشأن، فالظروف الاقتصادية في العالم كله سيئة للغاية، لذلك لا يجب أن نتوقع أنه بمجرد الانتهاء من الوثيقة سنحظى بإقبال استثماري من الجميع، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها مختلف الدول، ومن المتوقع أن تستمر هذه الظروف الصعبة لفترة لن تقل عن عام أو عامين.
هل ستفكر الدولة في عائد عند التخارج من قطاعات مثل الأغذية وتجارة التجزئة أم بأي مقابل؟
فالتخارج فكرة جيدة واتجاه صحيح مئة بالمئة، لكن آلية التخارج ليست سهلة، كما أن القطاعات المطروحة على الطاولة حاليًا، منها استثمارات بمجالات تتسم بوجود طاقات زائدة بالسوق، وهو ما يجعلها غير مغرية للمستثمرين.
ياسمين منير: دكتور زياد بهاء الدين.. أود التوقف معك عند البنية التشريعية في مصر.. إلى أي مدى نحن بحاجة إلى إجراء تعديلات على القوانين الحالية وكذلك إعداد تشريعات جديدة بناء على ما رصدته في الوثيقة؟
د. زياد بهاء الدين: أولًا دعونا نتحدث عن الوثيقة ذاتها، فقد تمت مناقشة ذلك خلال الاجتماع مع رئيس الوزراء، وتم بحث ما إذا كانت هذه الوثيقة ستكون بمثابة مستند أم سيتم رفعها إلى البرلمان لتصدر كقانون، كما ذكر أحد المشاركين أنه من الضروري أن يتم تعديل الدستور وفقًا لها.
التعامل التشريعي مع الوثيقة وهل ستكون مستندًا أم تصدر بقانون من البرلمان؟.. أحد المحاور التي طُرحت للنقاش
أنا شخصيًّا لست من أنصار تعديل القوانين بشكل عام، كما أن بعض الوثائق من الممكن أن تكون في لحظة تاريخية معينة لا تقل قيمتها عن القانون، فرغم أنه في حال صدور الوثيقة بالشكل الذي أمامنا حاليًا، لن يكون لها قوة إلزام قانونية، ولكن هذا لا ينفي أنها وثيقة ذات وزن معنوي وسياسي وارتباط رسمي أمام العالم والمجتمع بأسره، لا يقل عن ذلك.
لست من أنصار تعديل القوانين.. وأعتقد أن قيمة هذه الوثيقة لا تقل عن التشريعات
لذا أرى أن الوثيقة في حد ذاتها لا تحتاج إلى أن يتم التعبير عنها بقوانين، فعلى العكس من ذلك أرى أنه من الممكن أن تضيع الكثير من قيمتها لو تم النص عليها في صورة مواد.
البيئة التشريعية ليست القضية.. والدليل تعديلات قانون الاستثمار التي لم تكن مثمرة وأضعفت الهيئة
أما عن البيئة التشريعية، فمن المؤكد أنها من الممكن أن تتحسن عن الوضع الحالي، ولكن الحقيقة أن هذه ليست القضية، فقد تم تعديل قانون الاستثمار 3 أو 4 مرات على الأقل، خلال السنوات العشر الأخيرة، في حين لم يكن أي تعديل منهم مطلوب أو مفيد، بل بالعكس، وبعض تداعيات ذلك كانت إضعاف هيئة الاستثمار، والتي لم تعد هيئة مستقلة، وكذلك إضافة حوافز وضمانات من الصعب للغاية الحصول عليها، فنحن نجد صعوبة في شرحها من الأساس، ناهيك عن الاستفادة بها، كما أنها اعتُبرت تعديلات، وهو أمر سيئ للغاية في التشريع، فالتعديل الذي لا يسفر عن نتيجة جيدة يبشر باحتمالات إجراء تعديلات أخرى في السنوات القادمة.
بالتأكيد الوثيقة بوضعها الحالي ليس لها قوة الإلزام القانونية.. لكن لها وزن سياسي ومعنوي وارتباط أمام العالم
ولكن هذا ليس الأمر هنا، فهي نوع مختلف لأنها وثيقة سياسية للإعلان عن نوايا الدولة، وقد شبهها أحد المشاركين في الاجتماع مع رئيس الوزراء بورقة أكتوبر التي أطلقها الرئيس محمد أنور السادات في أعقاب حرب 1973، واعتُبرت الإعلان عن بدء سياسة الانفتاح الاقتصادي في مصر، دون أن تكون ضمن القوانين، فالقضية ليست في القوانين، بل في السياسة التي وراءها.
أحد الحاضرين لحوار الوثيقة شبهها بورقة أكتوبر التي أطلقها الرئيس السادات وكانت بداية للانفتاح
أحمد رضوان: هل من الممكن أن أطرح نموذجًا لفكرة أهمية تعديل القوانين، هناك على سبيل المثال الكثير من التشريعات منصوص في بنودها على معاملة تفضيلية لبعض الشركات المملوكة لجهات بعينها، سواء هذه المعاملة في صورة الحصول على واردات بجمارك مخفضة أو التعامل بمزايا معينة فيما يتعلق بضريبة القيمة المضافة أو الرسوم أو الضرائب المرتبطة بالدخل.
فكل هذه التشريعات ونحن نتحدث عن وثيقة أساسها بناء نظام يضمن الحياد التنافسي يفترض أن تتم مراجعتها، فعندما يتقدم أحد المستثمرين لشراء شركة كانت مملوكة لجهة ما، أعتقد أنه سيحتاج إلى رؤية الشركة وهي تعمل في وضع تنافسي طبيعي، ولا يحصل عليها ومعها المزايا المنصوص عليها في القوانين التي تمنحها وضعًا مميزًا للغاية عن أي شركة أخرى عاملة في السوق.
د. زياد بهاء الدين: تعليقي على هذا الأمر كما ذكرت سلفًا، بالتأكيد من الممكن أن نجتمع ونتفق على 20 أو 30 أو 40 تعديلًا يمكن تنفيذه، ولكنني لا أرى أن هذه هي الأولوية، فنحن إذا قمنا بتطبيق القوانين المتواجدة حاليًا بشيء من الدقة سنستفيد بشكل أكبر.
من الممكن الاتفاق على عشرات التعديلات التشريعية المطلوبة ولكن ليس ذلك هو الأولوية
وسأذكر مثالًا ذكرته في حديثك وهو الضرائب، وسواء كان رأيك أنها في مصر كنسبة أو كسعر ضريبة منخفضة أو مرتفعة، فضريبة الدخل في حد ذاتها تبلغ 22.5% ولا تعتبر ضريبة مرتفعة للأفراد أو للشركات، ولكن مشكلتنا في أمرين فبجانب ضريبة الدخل هناك ضرائب أخرى عديدة يتم فرضها على الشركات وهو ما يجعل سعر الضريبة الحقيقي أعلى بكثير.
ضريبة الدخل كمثال ليست مرتفعة.. المشكلة هي الضرائب والرسوم والغرامات الأخرى التي تجعل سعر الضريبة الحقيقي أعلى بكثير
أحمد رضوان: أعلى من 40%.
د. زياد بهاء الدين: ومع ذلك ضع هذا الأمر جانبًا، فلتنظر أيضًا إلى نزيف الرسوم والغرامات والإضافات والتحسينات التي تجعل صاحب العمل اليوم ليس فقط أمام سعر ضريبي مرتفع أو منخفض ولكنه غير معروف بالأساس، فما أقوله إذا اتفقنا على عدم فرض أي رسم أو تحصيل من أي نوع إلا الذي صدر بالقانون، فلن نحتاج إلى تعديل القوانين، بل سنطبق القانون الذي أمامنا تطبيقًا دقيقًا بعض الشيء.
صاحب العمل ليس أمام مشكلة سعر ضريبة مرتفع أو منخفض.. وإنما أمام ضرائب قد تكون غير معروفة
فالأمور الاستثنائية هي التي تجعل المناخ التشريعي مضطربًا بصورة أكبر من كوننا بحاجة إلى التدخل لتعديل قوانين مرة أخرى.
رضوى إبراهيم: سأتوجه بسؤالي للدكتور شريف الجبلي، كشفت مسودة سياسة ملكية الدولة، عن استحواذ الصناعات بمختلف أنواعها على نصيب الأسد من التخارجات التي ستقوم بها الدولة خلال الفترة المقبلة، فهل ترى أن القطاع الخاص الذي يعمل بمجالات الصناعة كانت مشكلته الحقيقية التي أدت إلى تباطؤ توسعاته كما يوجد بينهم من لم يتوسع على الإطلاق الفترة الماضية، كانت ناتجة عن وضع المنافسة التي تشهدها بشكل أو بآخر مع الدولة أم أن الصناعة كانت لديها طبيعة مشكلات أخرى، وما هي؟
د.شريف الجبلي: ماذا تقصدين بالدولة تحديدًا؟
رضوى إبراهيم: أقصد كل ما يمثل الدولة، والجهات التابعة لها.
د.شريف الجبلي: سأتحدث عن الجزء الذي أعلمه والمتعلق بقطاع الأعمال العام، فهو يمثل جزءًا كبيرًا وهو ليس المتسبب في المشكلة لدى القطاع الخاص، فهي شركات متواجدة وقائمة وتحقق خسائر ومكاسب والأمور تسير، وتاريخيًّا هناك محاولات تمت للإصلاح، وفي بعض الأحيان يتم إغلاق الشركات كما حدث الآن في عدة شركات، مثل الأسمنت والحديد والصلب لأنها حققت خسائر على مدار سنوات، وكانت تقوم بالسحب على المكشوف من الموازنة العامة للدولة أمام أنظار الجميع، وبالتأكيد كانت تؤثر بالسلب على الاقتصاد.
القطاع الخاص لا يواجه مشاكل في المنافسة مع شركات قطاع الأعمال العام
إنما عند الحديث عن القطاع الخاص والصناعة فهناك مشكلة أخرى تمامًا ولها أبعاد كثيرة، فالقطاع الخاص المصري فيما يخص الصناعة يعاني للغاية من أمور كثيرة.
فهناك أمور إدارية وموافقات ليست سهلة كما يتوقع الجميع، وإجراءات أحيانًا ما تكون معقدة للغاية، وهو ما يواجهه المصنع الذي يريد الحصول على موافقة جديدة أو تنفيذ عمليات توسعية، وهذه المشكلات تمثل تعقيدات يترتب عليها تأخير المشروع لمدة عام أو عامين أو ثلاثة أعوام، فمشكلة تأخر تنفيذ المشروعات والتوسعات نتيجة للتعقيدات الإدارية ليس سهلًا أو بسيطًا.
الحكومة بدأت في معالجة مشكلة وفرة الأراضي الصناعية المرفقة.. ولكن التكلفة عالية
وبالطبع كانت هناك أيضًا مشكلة الأراضي وبدأت تنفرج حاليًا بتوفر الأراضي اللازمة والمرفقة فأهم شيء أن تكون مرفقة، وبعدما كان قد تم وقف المطور الصناعي عاد مرة أخرى وهو ما سيفيد بالطبع، ولكن التكلفة مرتفعة.
وأعتقد أن تكلفة الأراضي الصناعية في مصر تعد أعلى من مناطق عديدة على مستوى العالم، فالصناعة لها طبيعة خاصة، وعندما يصل سعر متر الأراضي الصناعية إلى 3 و4 و5 و6 آلاف جنيه، فهي تكلفة كبيرة على الصناعة، فعندما يضخ استثمار في الأرض فقط بهذا المبلغ، فلن يكون هذا هو الاتجاه الداعم لتحقيق تنمية صناعية كما يجب.
أبعاد كثيرة لمشاكل القطاع الخاص الصناعي.. منها المعاناة من التعقيدات الإدارية وبطء الموافقات
كما أن هناك مشكلة أخرى خاصة بالتمويل، وهو أمر هام للغاية، ولكن من الأمور الجيدة التي حدثت في هذا الملف، مبادرة التمويل التي أطلقها البنك المركزي بفائدة 8%، وبالفعل ساهمت تلك المبادرة بصورة كبيرة في حل هذه المشكلة، لأنه لا يمكن للصناعة أن تعمل وفقًا لسعر فائدة يصل إلى 14 أو 15%، فهو أمر صعب، ولا يمكن أن يقام مشروع صناعي دون تمويل مصرفي في حدود 50 أو 60 أو 70% من قيمة المشروع بحسب كل مشروع.
مشكلة التمويل أيضًا مؤثرة في عمل القطاع الخاص الصناعي.. ولكن مبادرة المركزي قللت منها
وبالطبع عندما تكون تكلفة الأرض والتمويل مرتفعة، سنجد أن عدد المصانع الجديدة التي تم إنشاؤها مؤخرًا من القطاع الخاص ليست بالقدر المتوقع أوالمنتظر.
كما أن إحدى المشكلات التي تواجه القطاع الخاص والصناعة على وجه التحديد، هي أسعار الطاقة التي ارتفعت للغاية، فهناك صناعات تم إغلاقها بسبب الطاقة، وأعلم مشروعًا معينًا كان يعد مشروعًا استراتيجيًّا لمصر في الصناعات الكيماوية، يعمل على تصنيع مادة تسمى صودا آش، وهي مادة أساسية تستخدم في صناعة الزجاج ومنتجات أخرى عديدة.
أسعار الطاقة المرتفعة تسببت في غلق مشروعات ومنها مصنع لإنتاج مادة الصودا آش الاستراتيجية
وكان لدينا مصنع في الإسكندرية وتديره أكبر شركة منتجة للصودا آش في العالم، وعندما تمت زيادة سعر الغاز حينها من 5 إلى 8 دولارات تحدث المستثمرون الأجانب حينها أن المشروع لن يسير بهذا الوضع ولم يستمع إليهم أحد ليقوموا ببيع المصنع وغادروا، واليوم مصر تستورد صودا آش بنحو 600 أو 700 مليون دولار سنويًّا وقد يكون بأكثر من ذلك بحسب الأسعار الجديدة.
فعندما نكون أمام مشروع بهذه الأهمية وفي ظل احتياجنا له، يجب أن يكون هناك توازن، فهل يمكن أن يسير المشروع وسعر الغاز 8 دولارات وقتها؟ قبل أن تعاود أسعار الطاقة الانخفاض مرة أخرى لتصل إلى نحو 5.75 دولارات للمليون وحدة حرارية.
أي صناعة يقل المكون المحلي بها عن 60% لا تمتلك مقومات نجاح كبيرة
ولذلك يجب عندما أجد مشروعًا مثل هذا أن أقوم بدراسته جيدًا وبحث مدى احتياجي له من البداية، فصناعة الزجاج في مصر صناعة كبيرة واحتياجاتنا لهذه المادة كبيرة للغاية وهي صناعة استراتيجية في مصر، خاصة أننا نمتلك الخامات الأساسية لها مثل الرمال البيضاء، وأعتقد أن أي صناعة يقل المكون المصري الخاص بها عن 60%، أنها ليس لديها مقومات النجاح الكبيرة.
وأفضل دائمًا المنتج الصناعي الذي يكون المكون الخاص به بالجنيه المصري، وهو ما تظهر أهميته على مدار الوقت، فكلما ارتفع سعر الدولار واجهت الصناعات التي تعتمد على خامات من الخارج صعوبات أكثر مع فتح الاعتمادات وهو ما يؤثر عليها بصورة كبيرة.
فعلى سبيل المثال مسألة فتح الاعتماد، استغرق صدور قرار السماح باستيراد الخامات بمستندات تحصيل 3 أو 4 أشهر ما تسبب في توقف المصانع، وهذه أمور يجب النظر إليها جيدًا.
مصطلح «الصناعة قاطرة التنمية» يحتاج إلى سياسات وإجراءات مختلفة تمامًا.. فلا نمو إلا بالصناعة
فنحن نتحدث عن أن الصناعة قاطرة التنمية، وتحقيق ذلك يتطلب مراعاة أمور عديدة، والصناعة تحتاج إلى رؤية أخرى تمامًا عما يحدث خلال الفترة الحالية ولا بد أن تكون وفقًا لنظرة شاملة بدلًا من التعامل مع كل جزء على حدة، فهي الآن تعمل وفقًا لسياسة رد الفعل.
فنحن نخلق المشكلة ثم نحاول حلها مرة أخرى، وهو ما يؤخر الصناعة ولا يأتي في صالحنا، فلن ننمو إلا بالصناعة وما أقصده هنا هو النمو السريع، فبالطبع الزراعة هامة للغاية، ولكن لدينا إمكانيات محدودة بسبب عوامل عديدة أهمها حاليًا المياه.
يجب تكوين مجموعة عمل من كبار الصناعيين في مصر للتشاور مع الدولة حول كيفية تحقيق تنمية صناعية
أرى أن القطاع الخاص المصري يحتاج حاليا إلى تشكيل مجموعة عمل من كبار المصنعين ويجتمعون مع الدولة ويبحثون بشكل جدي إن كانوا يرغبون في عمل تنمية صناعية كما يجب في مصر وإن كانت هناك النية لذلك، فهناك مصانع عديدة أغلقت يتحدث البعض عن وصولها لآلاف المصانع ولا أحد يستطيع حصرها حتى الآن.
فالبعض يقول 3 آلاف وآخرون يقولون 8 آلاف، نعم هناك مصانع أغلقت بسبب سوء إدارة وأخرى بسبب خسارة التمويل وأخرى بسبب عدم دراسة السوق بشكل جيد، فهناك عوامل عديدة أدت إلى التوقف، فلم تغلق جميع المصانع بسبب قرارات أو إجراءات تتعلق بالدولة، وبالفعل هناك مصانع توقفت بسبب صاحب المشروع نفسه عندما يكون لديه أخطاء ولكن في النهاية هناك مصانع أغلقت.
وهذا استثمار يمكن إعادة تشغيله مرة أخرى ولكن بسبب أن إعادة تشغيله ليست سهلة، فيجب أن تجتمع الدولة بالقطاع الخاص، فالدولة لا تستطيع وحدها أن تبحث أمور القطاع الخاص فإن لم يجتمعا ببعضهما البعض، وتكون هناك مجموعة عمل بشرط أن تضم صناعًا يفهمون الصناعة جيدًا، كما يجب أن تشمل الصناعات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، فالصناعات المتوسطة والصغيرة هامة للغاية في مصر، فليس هناك صناعة كبيرة دون صناعة صغيرة ومتوسطة، ودول عديدة قامت على هذا الأمر، ففي رأيي منظومة الصناعة بأكملها يجب أن تتم مراجعتها باحترافية.
رضوى إبراهيم: سنتطرق إلى المطالب في الجزء الثاني من اللقاء.
أحمد رضوان: الحكومة أعلنت أنها تستهدف 10 مليارات دولار سنويًّا من التخارجات لمدة أربع سنوات، من الخطة الموضوعة في هذه الوثيقة، إلى أي مدى يمكن أن تكون البورصة المصرية أداة فعالة في تحقيق جزء من هذا الهدف في الوقت الذي نرى فيه وضع البورصة يتضمن مشكلات، رغم أن الأسواق العربية منذ بداية العام وحتى الآن شهدت عددًا لا بأس به من الطروحات، وتحديدًا في السعودية و الإمارات؟
علاء سبع: البورصة هي مرآة لما يحدث في الاقتصاد، فنحن اليوم عندما ننظر إلى أن البورصة حجم التعاملات الخاص بها أقل بكثير مما كانت عليه، خاصة إذا قمت بحسابها بالدولار منذ 10 سنوات حتى الآن كيف أصبح حجم التعامل؟ أو بالنظر إلى حجم الطروحات، فمن مؤشرات عدة ستقول إن البورصة ليست في أحسن حال كانت عليه، وذلك ليس بسبب خاص بالبورصة، فالأسباب الرئيسية في رأيي خاصة بالبيئة الاقتصادية ككل.
أسباب ضعف البورصة لا تخصها بقدر ما تخص البيئة الاقتصادية عمومًا
وأحيانًا ما أمثل البورصة بالدفاية التي تعمل بالأخشاب، فكلما وضعت فيها خشب أكثر اشتعلت أكثر، فكلما تجذب شركات جديدة لتنفيذ طروحات في البورصة انتعشت البورصة، فهي تنتعش بكثرة الشركات المتداولة بها، فتخارج الدولة بأرقام كبيرة كما يقال، لا أستطيع النظر إلى البورصة والقول بأنها لا تستطيع تحملها، ففي حال وضع تلك الأرقام في البورصة ستنمو وتتحملها، فالبورصة ستنمو مع نمو المعروض، فليست المسألة عرضًا وطلبًا والطلب محدود.
البورصة في حاجة لزيادة الطروحات.. ويمكن تشبيهها بالمدفأة التي تشتعل كلما زاد الوقود
فالطلب على بورصة في حجم البورصة المصرية لانهائي، وهناك استثمارات عالمية كبيرة الحجم لا نجذب منها إلا فتاتًا صغيرًا حاليًا، ومن الممكن جذب ضعفين وثلاثة وعشرة أضعاف ما يتم جذبه، وبالتالي ليست هناك مشكلة في حجم الطلب ولكن المشكلة في العرض.
لا نجذب من الاستثمارات العالمية إلا أرقامًا ضعيفة.. وهذا يؤكد أن المشكلة ليست في الطلب بقدر ما هي في العرض
وسأتطرق إلى أن المشكلة ليست في النظم الخاصة بالبورصة فهي قوية وتستطيع تحمل أحجام تداول أعلى، وأوافق د. زياد في أنني لا أرى أن القوانين والقواعد التي تحكم البورصة تتضمن شيئًا كبيرًا يعيبها وتجعل الأمور لا تسير على ما يرام، فنحن لسنا بحاجة إلى تغير في البيئة الأساسية أو البيئة التحتية للبورصة فالمشكلة ليست هنا.
المشكلة عندما تقرر أن تتخارج، هي كيفية التخارج، حيث أتذكر عندما جاء سيناتور أمريكي لمقابلتنا في حقبة التسعينيات وكان لديهم مشكلة saving than loan وقاموا بضم كل الأصول الخاصة بهم ووضعوها تحت مظلة شركة واحدة ومنحوه مسؤولية بيعها والتخارج منها، وكان يقول إنه عندما يبيع أي أصل ومن قام بشرائه حقق مكاسب بعد تحسينه سيجد الكونجرس يستدعيه للمساءلة في أنه قام ببيع أصول الدولة بسعر منخفض، أما في حال خسارة من قام بشراء الأصل سيتهمه بعدم منحه المعلومات الكافية وبالتالي سيرفع ضده قضية أنه قام بشراء الأصل بسعر مرتفع.
المشكلة تكمن في كيفية التخارج وأداء الشركات في مرحلة ما بعد البيع وضوابط المساءلة
فإن لم يكن هناك توجه سياسي قوي يحمي القائمين على هذا التخارج من المبالغة في المساءلة، وأن يكون هناك تقدير للظروف التي يعملون فيها، وألا يقال لهم بعد مرور 5 سنوات إنهم فعلوا هذا الأمر أو ذاك لأنه بالطبع ستكون الظروف تغيرت بعد مرور هذه السنوات.
ضرورة وجود توجه سياسي قوي لحماية المسؤولين القائمين على عمليات التخارج ضد المبالغة في مساءلتهم
البورصة ممكن أن تقبل وتتحمل التخارج، ولكن طرق التخارج وكيفية حماية المسؤولين بالدولة الذين سيقومون على هذا النوع من الأعمال حتى لا يقول كل منهم سأتركها لمن يخلفني ولا نجد شيئًا يتم تنفيذه.
أحمد رضوان: كيف تفسر التصريحات التي يتم ترديدها خلال الأيام الأخيرة من أكثر من مسؤول حول أن الوقت ليس مناسبًا لاستعادة برنامج الطروحات الحكومية أو التوجه للبورصة في هذه الفترة؟
علاء سبع: تفسير ذلك أن أحوال البورصة حاليًا ليست جيدة، ولكن هذا لا يعني أن الوقت غير مناسب، وبالعودة لمثال الدفاية الخشبية، لو كنت ترى أن الأخشاب بالكامل بدأت تحترق، ولم تعد هناك أخشاب متبقية وبالتالي بدأت النار في الهدوء ستقول إن الدفاية أصبحت لا تعمل، ولكن إذا منحتها وقودًا مجددًا ستعود للعمل مرة أخرى، وبالتالي لا أعتقد أننا نستطيع الإقرار بأن الوقت مناسب أو غير مناسب، والحقيقة أن كل وقت وله أهميته.
الأحوال غير الجيدة للبورصة حاليًا لا تعني أن الوقت غير مناسب لطروحات جديدة
فالهدف الأساسي من التخارج ليس أن أحصل على أموال، ولكن الهدف الأساسي هو أن أتخارج من مجالات معينة لفتح المجال أمام القطاع الخاص للعمل، فعندما أتخارج وأحقق 10 قروش أو 12 أو 15 قرشًا فهذه ليست القضية.
فالقضية أني تخارجت وسمحت للقطاع الخاص أن يعمل في هذا المجال، مما يزيد من العائد للبلد بصورة أكبر من الفرق ما بين 10 أو 12 أو 15، وفي الحقيقة لا يمكن القول بأن هذا الوقت هو المناسب أو غير مناسب، فهناك هدف أهم بكثير يجب أن نحققه في أقرب وقت ممكن.
رضوى إبراهيم: ولكن هناك حصيلة معلنة تستهدف الدولة تحقيقها من تلك التخارجات، فهل أزمة التسعير التي كشفت عنها عدة صفقات تمت خلال الفترة الماضية داخل نفس القطاع قد تكون ساهمت في تكوين هذا الرأي أو تلك النظرة للبورصة؟
فهناك أكثر من شركة مقيدة في البورصة تم بيعها بأسعار أقل كثيرًا من شركات أخرى منتمية لنفس القطاع غير متداولة بالبورصة، وعلى سبيل المثال سنجد الصفقات التي تم تنفيذها على شركتي «سوديك» أو «بالم هيلز» جاءت وفقًا لتقييمات مختلفة تمامًا عن التقييم الذي حصلت عليه شركة «أورا».
علاء سبع: أوافقك الرأي تمامًا، ولكن ما سبب هذا الأمر؟ السبب هو أن حجم التعاملات في البورصة قليل حاليًا، وعندما أقوم بطرح شركات أكثر في البورصة وأستقطب مستثمرين أكثر للبورصة وحجم التعاملات يتزايد، سنجد الأسعار في البورصة بدأت تتماشى مع التقييمات الحقيقية للشركات.
سبب انخفاض التقييمات في البورصة هو تراجع حجم التعاملات.. وحل هذه المشكلة بزيادة المعروض
لكن اليوم يتم الحديث عن أنه يتم الشراء بسعر منخفض للغاية وبعد فترة يتم البيع بسعر منخفض للغاية أيضًا، فالأمر محاط بنوع من التشاؤم، ولن يحل هذه المشكلة سوى فتح الأبواب بشكل أكبر.
ياسمين منير: سأنتقل بالحديث إلى العضو المنتدب لشركة دومتي، نريد أن نعلم كيف من الممكن أن تؤثر الوثيقة على خططكم المستقبلية، سواء في القطاع الذي تعمل به أو إمكانية اختراق قطاعات جديدة ترى أن الوثيقة قد تكون فتحت مجالًا أكبر للاستثمار بها؟
محمد الدماطي: القطاع الصناعي كما قال د.شريف مشكلته ليست في الوثيقة فقط، فالوثيقة تمنحك طمأنينة بشأن حجم المنافسة وألا تكون هناك منافسة من خارج القطاع الخاص، وهذا ما يوفر جزءًا من الاطمئنان على المستقبل، ولكن ليس ذلك حل مشكلات الصناعة.
الوثيقة تمنح طمأنينة للمستقبل.. ولكن مشاكل القطاع الصناعي الحالية ومنها الأعباء ونقص الأراضي يجب حلها بسرعة
فالصناعة تتحمل أعباء عديدة للغاية بخلاف التصاريح والأراضي، فهي مشكلة متواجدة منذ بداية الصناعة، ولكن الأعباء الكثيرة التي تمت إضافتها على الصناعة خلال الفترة الأخيرة هي ما تحتاج إلى وقفة، الضرائب وتنوعها فإن كانت 22% ولكن يضاف علينا أكثر من نوع ضريبة أخرى ويعود عليك بأثر رجعي وأمور من هذا القبيل، وهذه هي الأمور التي نحتاج إلى إيجاد حلول لها، فالوثيقة نعم جزء من الاطمئنان على المستقبل ولكنها ليست الحل الوحيد.
ياسمين منير: هل هناك توصيات معينة، ترى أننا كنا بحاجة لإضافتها على الوثيقة لحل المشكلات المرتبطة بالصناعة؟
محمد الدماطي: هذه المشكلات لا تتعلق بالوثيقة، فهذه الوثيقة تسمى سياسة ملكية الدولة ولها علاقة بالدولة وتخارجها من الأعمال، وليست لها أي علاقة بحلول مشكلات الصناعة، فهذه لها أمور وتشريعات أخرى من الممكن الحديث عنها.
جهد كبير منفصل عن الوثيقة يجب القيام به لحل مشاكل الاستثمار الصناعي
ياسمين منير: هل ترى أننا بحاجة إلى وثائق أخرى منفصلة لتنظيم هذه الأمور كما قال رئيس شركة ابتكار القابضة؟
محمد الدماطي: نحتاج إلى أمور أخرى، وجلسات عمل منفصلة حتى نستطيع النهوض بالصناعة التي تعد الحل الرئيسي لأي مشكلات في أي دولة على مستوى العالم.
أحمد رضوان: استراحة قصيرة، ونعود لاستكمال الجزء الثاني من اللقاء.