الحكومة الفيدرالية الأمريكية تمنح تدابير تحفيزية بقيمة 6 تريليونات دولار في عامي كورونا

ارتفاع الاستثمارات في العقارات الطبية والعلاجية الأمريكية إلى 72% العام الماضي

خالد بدر الدين _ اجتذب قطاع العقارات الطبية والعلاجية اهتمام المستثمرين خلال عامي كورونا وحتى الآن، لترتفع نسبة الاستثمارات فيها من 54% في عام 2020 إلى 72% في العام الماضي مقارنة بعام ما قبل الجائحة.

ومن المتوقع أن تواصل الارتفاع ولا سيما في مجال عقارات مراكز بحوث علوم الحياة والوحدات الطبية العلاجية ومراكز تطعيم الأوبئة، بالرغم من أن صفقات العقارات الصحية انهارت في الربعين الثاني والثالث من عام الوباء، إلا أن قيمتها قفزت في الربع الأخير من ذلك العام إلى 4.4 مليارات دولار لتسجل أعلى مستوى رابع فصلي في تاريخها.

E-Bank

أثبتت جائحة كورونا من البداية أنها استطاعت الإطاحة بجميع التوقعات الاقتصادية تقريبًا في الولايات المتحدة ، ففي مارس 2020 أغلقت المحلات والمتاجر والمطاعم والشركات أبوابها وباتت خالية بسرعة مذهلة، وانهارت الأسواق المالية واختفت الوظائف وانهارت الرحلات الجوية والنزهات البحرية، وحتى وسائل المواصلات العادية بسبب عدم الذهاب إلى العمل والبقاء في البيوت.

ولكن مخاوف الأمريكيين من حدوث هبوط اقتصادي طويل ومدمر لم تتحقق، حيث انتعش الاقتصاد والقطاع العقاري في زمن قياسي، وصعد الناتج المحلي الإجمالي إلى أعلى من مستويات ما قبل وباء كورونا ، واستعادت فرص العمل مستوياتها المرتفعة مع بداية العام الجاري.

كما منحت الحكومة الفيدرالية وحدها تدابير تحفيزية وغيرها من أدوات الإنفاق الحكومي، بلغت جملتها 6 تريليونات دولار خلال عامي جائحة كوفيد 19، مما جعل إنفاق العائلات من خلال المرتبات والأجور والشيكات التحفيزية وإعانات البطالة ثابتًا تقريبًا على شراء العقارات أو استئجارها وغيرها من المنتجات الاستهلاكية.

تابعنا على | Linkedin | instagram

وذكرت وكالة برايس ووتر هاوس كوبرز PWC لأبحاث الأسواق الاقتصادية، أن النمو استعاد انتعاشه لدرجة أن مؤشر ستاندرد أند بورز 500 S&P صعد العام الماضي بنحو الضعف منذ المستويات الدنيا التي انحدر إليها في مارس 2020 عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا بات وباء عالميًّا، كما قفز هذا العام بنحو 33% فوق المستوى القياسي الذي وصل إليه عندما ألغت الحكومة إغلاقات العديد من أماكن العمل واستعادت الأنشطة الاقتصادية انتعاشها.

ومن النتائج المهمة التي ظهرت خلال وباء كورونا تزايد الطلب المستدام على المباني اللازمة في المستقبل للخدمات الصحية، ومنها مراكز التطعيم والتحليل الطبي والمستشفيات والوحدات العلاجية، وخصوصًا أن نسبة كبيرة من سكان الولايات المتحدة باتت مسنة، حيث من المتوقع أن يزيد الأفراد في عمر 65 سنة وأكثر بنحو مليون و720 ألف نسمة هذا العام في أكبر زيادة سنوية في تاريخ السكان الأمريكي، وبنحو 12.7 مليون نسمة بحلول 2030، ومن المعروف أن هذه الشريحة العمرية تحتاج إلى مراكز رعاية طبية وصحية أكثر من الشرائح الأقل منها في العمر، بالرغم من ارتفاع الإقبال على الرعاية الصحية عن بعد منذ عام الوباء الذي شهد أعلى معدل في تاريخه.

معدلات إشغال العقارات السكنية تعود لمستويات ما قبل الوباء بحلول 2025

هبطت معدلات إشغال العقارات السكنية الأمريكية بصورة معتدلة خلال الفصول الخمسة الأولى من انتشار وباء كورونا، ولكن من المتوقع أن تنخفض قليلًا قبل أن تستقر، وقد ترتفع بنحو 6% إلى 7% هذا العام وخلال العام المقبل، ولكنها لن تعود إلى مستويات ما قبل الوباء إلا بحلول عام 2025.

وتحسن أداء الإشغالات في الفنادق خلال ربيع وصيف العام الماضي، بعد سماح الحكومة الفيدرالية بالاستعمال الطارئ لثلاثة أنواع من أمصال كورونا في وقت واحد، وتطعيم معظم السكان بسرعة فاقت التوقعات مما ساعد على ارتفاع الرحلات الجوية السياحية بين الولايات وقضاء إجازات التسلية والترفيه في الفنادق بعد القيود التي استمرت طوال الشتاء من العام الماضي.

وكانت جائحة 19 لها تأثير كبير في ذلك، ففي ربيع العام الماضي انتشر المتحور دلتا من فيروس كورونا ، وانتشرت العدوى بسرعة البرق في العديد من دول أوروبا والولايات المتحدة، وتأجلت الرحلات الجوية وتردد المستهلكون في الذهاب إلى المطاعم ودور السينما دون ماسكات، وتأخر الموظفون في العودة لمكاتبهم، ولكن الشركات كان عليها ابتكار مرونة وكفاءة بسرعة للتكيف مع التغيرات التي أحدثها الوباء في الأسواق.

كما ظهرت عقبات اقتصادية أخرى منها اختناقات سلاسل الإمدادات التي أوقفت الإنتاج أو جعلته بطيئًا، علاوة على تزايد المخاوف من نقص العمالة وانخفاض الإنتاج وتفاقم التضخم الذي يعد من المخاطر الاقتصادية الكبرى.

التغيرات المناخية ضربت قطاع العقارات

طالب تقرير التغيرات المناخية الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة نهاية العام الماضي الحكومات بضرورة بذل جهود مكثفة من الآن، لإنقاذ كوكب الأرض من الكوارث الطبيعية مثل الحرائق المدمرة وارتفاع درجة الحرارة والجفاف في الغرب الأمريكي والفيضانات في نيويورك ولويزيانا وغيرها من البلاد حول العالم ومنها الصين وأجزاء من أوروبا.

وجاء في المسح الذي نفذته وكالة pwc أن 82% من الممسوحين يرون أن العناصر البيئية والاجتماعية والحوكمة باتت من الاتجاهات الجديدة التي تؤثر على قرارات التشغيل أو الاستثمار، وأن 52% منهم يطالبون بمراعاة هذه العناصر في إدارة المخاطر، بينما أكد 48% منهم أنها ضرورية عند البدء في الاستثمار أو العمل.

وكالات التصنيف الائتماني تدرج ECG في تقييمها

وبدأت أيضًا وكالات التصنيف الائتماني العالمية مثل ستاندرد أند بورز S&P وموديز وفيتش وDBRS مورنينجستار تدرج العناصر البيئية والاجتماعية والحوكمة ESG في المشروعات العقارية عند تقييم الدول والشركات من خلال تكامل عناصر المخاطرة في الدرجات الإجمالية للتقييم وابتكار درجات إضافية لهذه العناصر ESG.

ولا تقوم هذه الوكالات بتقييم المسؤولية أو الاستدامة عند حساب عوامل المخاطرة، وإنما تحسب كيف تؤثر عناصر ESG على تمويل أي صفقة أو شركة عقارية من حيث الإيرادات والتكاليف وتدفق السيولة النقدية وقيم الأصول، وتضع وكالة DBRS مورنينجستار مثلًا 17 معيارًا لهذه العناصر، ولكنها تطبق على قروض وصفقات العقارات التجارية 8 منها فقط تتعلق بالعناصر البيئية، مثل تكاليف الانبعاثات الكربونية والاحتباس الحراري والمخاطر المناخية والجوية والنفايات المختلفة، بينما تضم العوامل الاجتماعية التأثير الاجتماعي للمنتجات والخدمات ورأس المال البشري الحقوق الإنسانية وحوكمة المنتج وخصوصية البيانات وأمنها، وتقتصر عناصر الحوكمة على حوكمة الشركة أو الصفقة.

ما أهمية التغيرات المناخية لقطاع العقارات؟

يعد قطاع العقارات أكبر مساهم في زيادة غازات الاحتباس الحراري ورفع درجة حرارة الأرض، وتستخدم المباني ما يقرب من 40% من الطاقة العالمية، وينبعث منها نفس النسبة من العوادم الكربونية العالمية، ولذلك يتعين على القطاع العقاري والمستثمرين فيه أن يلعبوا دورًا حيويًّا في تخفيف أسوأ التأثيرات الناجمة عن تغيرات المناخ.

ولكن العديد منهم غير مقتنعين بذلك، حيث يتحدث المستثمرون ورؤساء الشركات العقارية عن قيم العوامل البيئية والاجتماعية الحوكمة، ولكن العديد منهم ما زالوا متشككين في جدوى هذه العوامل وأنها لا تحسن العوائد أو الأرباح.

وإذا كانت التغيرات المناخية تبدو مشكلة متداخلة ومعقدة وأكبر من أن يحلها قطاع واحد، إلا أن قطاع العقارات في موقف مثالي يجعله قادرًا على المساعدة في تقليص التأثيرات الضارة وزيادة مرونة التعامل مع المخاطر البيئية.

وحان الوقت للتوقف عن الكلام والبدء في تنفيذ تدابير قوية لمحاربة التغيرات المناخية، وذلك بهدف خلق فائدة وقيمة مستدامة وليس مجرد وضع قواعد وتعليمات، ولكن من المهم ابتكار معايير تعتمد على الأداء في إطار العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة وتطبيق قوانين عامة، ثم ترك المطورين وغيرهم من شركات العقارات ينفذون التفصيلات الدقيقة اللازمة للتوافق مع هذه المعايير في أنشطتهم.

تباين تداعيات وباء كورونا على العقارات الأمريكية

رغم أن وباء كورونا أثر على جميع الولايات والمدن الأمريكية، إلا أن تأثيره على أسواق وقطاعات العقارات الأمريكية كان مختلفًا في أن بعض القطاعات مثل العقارات الصناعية لم تتوقف تمامًا بفضل ارتفاع الطلب على الإنفاق الأونلاين على شراء جميع المنتجات، وتحقق نفس الارتفاع في مجال العقارات التي تسكنها عائلات عديدة يرتفع طلبها لتعود الإيجارات إلى مستويات قياسية في أنحاء البلاد.

ومع انتشار هذا الانتعاش في هذين القطاعين شهد قطاع عقارات التجزئة ركودًا بسبب إغلاقات المحلات والمتاجر وتزايد الوحدات الخالية باستثناء المراكز التجارية التي تعتمد على المنتجات الغذائية والمنزلية والتي انتعشت وسط الجائحة.

وشهد قطاع العقارات الإدارية الذي يمر بمرحلة تحول كبير، تباينًا واضحًا في استعادة انتعاشه مع نتائج مختلفة تبعًا لموقع مباني الوحدات الإدارية ومدى مرونة تخطيطها، وهل تتمتع بنظم تهوية جيدة أم لا، غير أن الوحدات الخالية يرتفع عددها باستمرار.

وساعد الوباء على زيادة التحول نحو الأسواق الصغيرة الرخيصة والابتعاد عن أسواق وسط المدن المكلفة وباهظة الثمن، والنتيجة أن الشركات تترقب ما سيحدث وتكون حذرة في اتخاذ قراراتها لأن عدم اليقين قد يصبح لعنة وقد يتحول إلى فرصة ذهبية.

انتعاش سياحة رجال الأعمال

بدأت سياحة الإجازات تزدهر من جديد مع امتلاء الفنادق القريبة من المراكز السكنية بالزوار، وبذلك حققت بعض أفضل أرباحها، ولكن سياحة رجال الأعمال والرحلات الجوية الدولية لم ترجع حتى الآن إلى مستويات ما قبل الوباء، مما أدى إلى ضعف إيرادات الفنادق والمطاعم العالمية ومبيعات المنتجات الفاخرة وتزايد تكاليف شركاتها.

وفي المسح الذي جرى على عودة سياحة رجال الأعمال والسفر لحضور اجتماعات مديري ورؤساء كبرى الشركات والمصانع العالمية إلى مستويات ما قبل كورونا، أجاب 8% من الذين جرى عليهم المسح أنهم يوافقون بقوة على عودتها سريعًا، و29% يوافقون ونحو 16% غير متأكدين و42% لا يوافقون، بينما 5% يرفضون بقوة عودتها بسرعة.

أفضل الأسواق العقارية في الولايات المتحدة هذا العام

أدت جائحة كوفيد 19 إلى توقف أعمال العديد من الأشخاص، ولكنها حافظت أيضًا على تحركات العديد من العاملين، فقد بات العديد من الموظفين قادرين على العمل عن بعد، واستطاعوا حضور اجتماعاتهم أونلاين من مسافة 1000 ميل مثلما كانوا يحضرونها في الحجرة المجاورة.

وتبين من المسح الذي جرى على اختيار أفضل الأسواق العقارية في الولايات المتحدة أنها تتركز في المناطق الجنوبية والغربية سريعة النمو، وتبتعد عن السواحل المكتظة بالسكان، واحتلت مدينتا ناشفيل ودورهام المركزين الأول والثاني، حيث لا يزيد عدد سكان كل منهما على 2.5 مليون نسمة، ولكنهما تحققان معدلات نمو مرتفعة في عدد السكان وفي الأنشطة الاقتصادية حتى أثناء الوباء، واستعاد العاملون وظائفهم المفقودة بسبب الوباء بمعدل أسرع من أي مدينة أخرى.

ولكن مع نهاية العام الماضي استعاد معظم الموظفين أعمالهم المفقودة في مدن مثل فينيكس وشارلوت وناشفيل، بينما ما زال 2% من العاملين الأمريكيين على مستوى جميع الولايات لم يستعيدوا وظائفهم.

وفي الوقت نفسه تراجع حاليًا ترتيب المدن الأمريكية التي تفوقت طوال سنوات عديدة باعتبارها من أفضل الأسواق العقارية، ومنها لوس أنحلوس وسان فرانسيسكو وواشنطن العاصمة، والتي فشلت في دخول قائمة أفضل 10 أسواق عقارية العام الجاري، وهبط تقييم المدن المفضلة لدى المستثمرين التقليديين، ومنها نيويورك وسان فرانسيسكو مع ارتفاع تكاليف المعيشة فيهما، وخصوصًا أسعار العقارات والإيجارات واتجاه الباحثين عن عمل إلى المدن الأرخص.

وظهرت بعد الوباء قائمة جديدة بالمدن التي تحظى بأفضل 10 أسواق عقارية في الولايات المتحدة خلال العام الجاري، وشملت ناشفيل ودورهام ومعها في نفس المركز الثاني مدينة رالي، ثم فينيكس وأوستين وتامبا ومعها بيترسبورج في المركز الخامس، وبعد ذلك شارلوت ودالاس ومعها فورت ورث في المركز السابع، ثم أتلانتا وسياتل وأخيرًا بوسطن في المركز العاشر.

الرابط المختصر