أمنية إبراهيم _ تشهد السوق المحلية تطورات عدة في ظل تبعات أزمة التضخم العالمي وتباطؤ سلاسل الإمداد والتوريد بفعل تداعيات جائحة كورونا بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أثرت سلبا على حالة النشاط الاقتصادي لقطاعات عديدة وخلقت فرصا لقطاعات أخرى.
وتستعرض جريدة “حابي” في هذا الملف رؤية عدد من خبراء القطاع المصرفي حول القطاعات الأكثر جاذبية للتمويل البنكي خلال المرحلة المقبلة وفي ضوء المستجدات الأخيرة، وجاءت الصناعة وخاصة تلك التي لديها أنشطة تصديرية في مقدمة القطاعات التي تعول البنوك على نمو الائتمان فيها، بجانب قطاعات أخرى منها: مشروعات تحلية المياه والري الحديث والزراعة والطاقة الجديدة والمتجددة والتعليم والصحة والتكنولوجيا المالية والتطوير العقاري.
إحلال الواردات ودعم الصادرات شعار المرحلة
أكد الدكتور أحمد جلال نائب رئيس مجلس إدارة البنك المصري لتنمية الصادرات EBE ، أن البنوك تأخذ في حسبانها خطط وأولويات الحكومة للمرحلة الحالية عند صياغة خططها للائتمان والتمويل، بحثا عن الفرص التمويلية واقتناص النمو، مشيرا إلى أن الفترة الحالية التركيز ينصب بصورة أساسية على إحلال الواردات ودعم الصادرات واقتناص الفرص التي يمكن لمصر فيها أن تحل كبديل لروسيا وخاصة في أوروبا.
وقال جلال، إن هناك تركيز في المقام الأول على الشركات التي لديها نشاط تصديري بالفعل لمساعدتها في تنمية حجم أعمالها ومبيعاتها للأسواق الدولية والوصول لأسواق جديدة خاصة بعد أن أتاح الصراع الروسي الأوكراني مجالا أوسع لصادرات الدول الأخرى، موضحا أن الشركات المصرية العاملة بالتصدير شهدت احتياجاتها للتمويل البنكي زيادة ملحوظة في الآونة الأخيرة تزامنا مع زيادة الطلب على منتجاتها أو ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج بجانب تباطؤ حركة سلاسل الإمداد والتوريد.
اهتمام خاص بالتكنولوجيا المالية والبتروكيماويات والحاصلات الزراعية
وأوضح نائب رئيس مجلس إدارة البنك المصري لتنمية الصادرات EBE، أن الشركات الصناعية لا زالت تستفيد من مبادرة البنك المركزي لتمويل الصناعة بسعر عائد متناقص 8% ما يعني عدم تأثرها بموجة ارتفاع مؤشر أسعار الفائدة الرئيسية على خلفية أزمة التضخم العالمي.
وأشار جلال، إلى أن قطاعات الحاصلات الزراعية والكيماويات ومواد البناء والصناعات الغذائية تتمتع بفرص تمويلية كبيرة خلال الفترة المقبلة، مضيفا أن المشروعات القومية أيضا تتمتع بفرص ضخمة للتمويل والتي تعد مضمونة إذ تحصل عليها جهات حكومية.
مشروعات التنمية العمرانية والطرق توفر فرص تمويلية ضخمة للبنوك
ولفت إلى أن استكمال الدولة لخططها في مجال التنمية العمرانية على مستوى مشروعات الطرق وأيضا تطوير العاصمة الإدارية رغم تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية مطمئن إلى حد كبير على فرص نمو القطاع العقاري بمصر، مشيرا إلى أن مشروعات البنية التحتية توفر فرص تمويلية كبيرة للبنوك لتوظيف ما لديها من سيولة.
وأكد جلال، أن هناك عدة قطاعات أخرى تلقى اهتماما كبيرا في خطة الدولة وبدأت البنوك بالفعل بوضعها ضمن خططها في السنوات القليلة الماضية ومن بينها صناعة التكنولوجيا المالية والتعليم والرعاية الصحية والصناعات التي تتميز بمعدلات استهلاك عالي وعلى رأسها الصناعات الغذائية.
رهان على الصناعة ومجالات الطاقة الجديدة والمتجددة ويجب اغتنام فرص التصدير لأوروبا
قال وليد ناجي، نائب رئيس مجلس إدارة البنك العقاري المصري العربي، إن رهان البنوك في نمو التمويل في المرحلة الحالية يرتكز على الصناعة بمختلف مجالاتها وأنشطتها خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية والتضخم الذي يظهر حاجة السوق للتحول للصناعة المحلية كبديل عن الاستيراد.
وأوضح ناجي، أن الاستثمار في القطاع الصناعي متوقع أن يشهد نموا ملموسا الفترة القادمة، إذ أن في ظل الأزمة العالمية الناتجة عن تداعيات جائحة كورونا وارتفاع أسعار السلع عالميا وضغوط التضخم، لا بد أن يشجع ذلك المستثمرين على توطين الصناعات والبحث عن الفرص الاستثمارية لصناعة بدائل محلية لما يتم استيراده وهي فرصة يجب اقتناصها.
فرص واعدة في مشروعات تحلية المياه وطرق الري الحديث
وتابع ناجي، أن الاقتصاد المصري يواجه أزمة منذ عقود في اختلال الميزان التجاري وزيادة الواردات عن حجم الصادرات، ولا بد أن يتم وضع نقطة النهاية لهذه المشكلة في الوقت الراهن، خاصة وأن العديد من السلع التي يتم استيرادها يمكن بسهولة توطين صناعتها في مصر ولا تحتاج لتكنولوجيا عالية، كما أنه حان الوقت لبدء بناء الخبرات في الصناعات عالية التكنولوجيا والتدرج فيها.
وأكد نائب رئيس مجلس إدارة البنك العقاري المصري العربي، أن قطاع السياحة أيضا ورغم حساسيته الشديدة للأزمات التي تعرضه لتذبذبات عالية في الإيرادات والأرباح إلا أنه سيظل جاذب للتمويل من البنوك ويتمتع بفرص نمو كبيرة في تدفق القروض والتسهيلات الائتمانية إلى شركاته، لافتا إلى أن أحد أهم المميزات التي يتمتع بها النشاط السياحي هي ارتفاع العائد على الاستثمار فيه.
وقال ناجي، إن الفترة الحالية قد تكون درجة مخاطر تمويل القطاع السياحي عالية إلى حد ما وإيراداته معرضة للتذبذب بسبب الركود التضخمي واستمرار تداعيات جائحة كورونا على مستوى العالم، إلا أن هذا لا يحد من فرص تمويل القطاع.
جاذبية القطاع العقاري مدعومة بمعدل النمو السكاني ومتوسط الأعمار
وأضاف ناجي، أن المخاوف حاليا يرتكز أغلبها في حدوث وتفجر أزمة ديون عالمية ما قد يزيد من الآثار والانعكاسات السلبية على الاقتصاد المصري، معبرا عن آماله في انحسار أزمة التضخم العالمي التي ألقت بظلالها على عدد واسع من الأسواق وأن يكون التضخم قد وصل لذروته في أمريكا ليبدأ بالانحسار والتراجع خلال الفترة المقبلة.
وأشار نائب رئيس مجلس إدارة البنك العقاري المصري العربي، إلى أنه بالعودة للقطاع الصناعي فإن هناك العديد من الفرص التي تتمتع بها السوق المحلية في المرحلة الراهنة ولا بد أن تلقى اهتماما أكبر من قبل المستثمرين سواء محليين أو أجانب خلال الفترة المقبلة وأهمها مجالات إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة وأيضا الطاقة البديلة.
وأكد ناجي، أن مصر لديها فرصة ذهبية لأن تكون بمثابة لوحة الطاقة الشمسية لأوروبا في ظل ما تعانيه بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، مشددا على أهمية التركيز على مشروعات الطاقة الشمسية واستغلال المساحات الواسعة في صحراء مصر.
وتابع ناجي، أن العالم يشهد تحولا كبيرا تجاه الطاقة النظيفة خاصة مع ارتفاع أسعار البترول لمستويات غير مسبوقة، ما سيدفع بصورة أكبر وأسرع للتحول لمصادر أخرى للطاقة، مؤكدا أن مصر لابد أن يكون لديها تصور متكامل حول تلك الفرص التي يمكن اغتنامها ضمن خطة النهوض بالصادرات.
وقال نائب رئيس مجلس إدارة البنك العقاري المصري العربي، إن مشروعات المياه أيضا بمختلف مجالاتها تتمتع بجاذبية عالية للتمويل وخاصة تلك المتعلقة بمشروعات الري الحديث والعميق وتحلية وتدوير المياه.
وذكر ناجي، أن قطاع التنمية والتطوير العقاري أيضا ورغم الاختلال النسبي الذي شهده مؤخرا نتيجة زيادة المعروض من الوحدات وضعف القوة الشرائية بفعل ضغوط التضخم، إلا أنه سيظل يتمتع بجاذبية عالية للتمويل وفرص واعدة للنمو في حجم الائتمان الممنوح له في ظل معدل النمو السكاني للبلاد ومتوسط الأعمار.
التعليم والصحة والمشروعات المرتبطة بالزراعة تستحوذ على اهتمام البنوك
ومن جانبه قال محمد بدرة الخبير المصرفي، إن قطاعات التعليم والصحة والمشروعات المرتبطة بالأنشطة الزراعية بمختلف مجالاتها تستحوذ على اهتمام كبير من البنوك لضخ المزيد من التمويلات إليها خلال الفترة الحالية.
وأوضح بدرة، أن الاستثمار في التعليم سواء المدرسي أو الجامعي شهد نموا ملحوظا في السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي خلق فرص تمويلية كبيرة أمام البنوك ولا زال يتمتع بفرص عالية للنمو وزيادة حجم القروض والتسهيلات المتدفقة إليه خلال الفترة المقبلة.
وأضاف بدرة، أن قطاع الرعاية الصحية أيضا ومجالاته التابعة والمختلفة شهدت طفرة بعد أزمة الجائحة الوبائية الأمر الذي حفز شهية البنوك على زيادة حجم التمويل الموجه له، لافتا إلى أن الحراك الإيجابي القطاع متوقع استمراره لسنوات عدة ما يزيده جاذبية للتمويل البنكي.
زيادة الاحتياجات التمويلية للأنشطة التصديرية يعزز فرص التمويل
وأشار بدرة، إلى أن الصناعات المرتبطة بالتصدير كافة ارتفعت الاحتياجات التمويلية لها بصورة كبيرة مع ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وارتباطها بتعاقدات وأسواق بذلت جهد للوصول إليها ولا يمكن خسارتها، الأمر الذي يخلق فرصا كبيرة لنمو الائتمان والتمويل البنكي الذي لا غنى عنه في أي استثمار.
وأوضح بدرة، أن البنوك تضع الشركات الصناعية وخاصة تلك التي لديها نشاط تصديري على قمة اهتماماتها وأولوياتها في تلبية الاحتياجات التمويلية وتتعامل مع هذا الأمر على وجه التحديد كمسألة حياة أوموت -بحسب وصفه- ، متابعا أن وحدات القطاع المصرفي تأخذ في حسبانها عن صياغة استراتيجية وخطة عمل الائتمان أهمية تعزيز وصول المنتج المصري لأكبر عدد من الأسواق الخارجية والمساهمة في تحقيق خطة ومستهدفات الدولة للصادرات المصرية والتي لابد أن تصبح أهم موارد الدولة للنقد الأجنبي وتعالج خلل الميزان التجاري.
وعن ارتفاع أسعار الفائدة قال بدرة، إنه لا شك أن ارتفاع أسعار الفائدة تؤثر على شهية المستثمرين وتدفع الكثير للعزوف عن أي خطط استثمارية توسعية لعدم تحمل أعباء ارتفاع التكاليف، موضحا أن لجوء صانع السياسة النقدية لرفع مستوى الفائدة في أوقات زيادة التضخم والكساد غرضه الأول إحداث صدمة للأسواق كنوع من التصحيح لكبح جماح الضغوط التضخمية، وذلك جانب إيجابي في رفع مؤشر العائد.
رفع الفائدة تأثيره سلبي على شهية الاستثمار ولكن صدمة الأسواق لكبح التضخم ضرورة
ولفت بدرة، إلى أن في أوقات اتخاذ منحنى العائد اتجاها صعوديا يلجأ العديد من المستثمرين إلى الاستثمار في الودائع والشهادات البنكية إذا كان لديهم فوائض سيولة ويفضلون ذلك عن الدخول في استثمارات جديدة، وهذا أمرا طبيعيا والصدمة التي تشهدها الأسواق هي التي تصحح الأوضاع بشكل تدريجي.
وأشار إلى أن سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي لكبح التضخم وتوقعاته برفع الفائدة 100 نقطة أساس جديدة لتصل فائدة الدولار لحوالي 3.7% وهو أعلى مستوى منذ أكثر من 20 عاما سيلقى بظلاله وتبعاته على الأسواق الناشئة والمبتدئة خلال الفترة المقبلة وسيدفع لرفع الفائدة فيها مجددا وبنسب عالية وجريئة.