بقلم أحمد رضوان رئيس تحرير جريدة حابي
ثقلت كلمات الرثاء على القلب، وأرهقت الذاكرة أطياف الراحلين.
هكذا ينقضي العمر. ينتهي جزء من وجداننا يومًا بعد يوم إلى أن نتلاشى.
الأيام صورة كونتها وجوه الأحبة وظللتها الذكريات.
أو فيلم قصير، بطيء الأحداث موجع التفاصيل، صامت. صامت كالقبور، لا صوت فيه إلا لدقات بندول ساعة عتيقة، ضخمة كالسماء، تخطف حركته إلى اليمين بعضًا منا، وتغرس حركته لليسار حزن الغياب.
لا، ليست صورة ولا فيلمًا، إنها أغنية. كورال كبير، لا يمتد بصرك إلى نهايته، يصدح في تناغم بديع بلا عازفين، يخفت الصوت شيئًا فشيئًا، إلى أن تصرخ بها وحدك. وحدك.
هي كل ذلك أو معظمه أو بعضه، لكنها لم تكن أبدًا أبدًا، ما صنعناه بخيالنا أو صنعه بنا الخيال في البدء، ما قبل الصورة والفيلم والأغنية.
محمد وصفوت وصلاح عبد المقصود، أحمد وسلامة رضوان، فريد عبد اللطيف، محسن عادل، أسامة الشناوي، محمد فوزي، إبراهيم سمير، وآخرون وآخرون من أهلي ورفاقي ومن تعاقبوا على حياتي وزرعوا فيها وأخذوا منها.
يعيش في داخلي 10 أضعاف هذا العدد من الراحلين، مروا على ذاكرتي جميعًا حينما علمت برحيل الصديق الأستاذ حافظ هريدي، الذي منحه الله ضدَّيْن قلما يجتمعان في شخص واحد، قلب طفل بريء ضحوك لا يعرف للهو سبيلًا إلا وطرقه بكل شغف وإرادة، وعقل شيخ حكيم مثقل بالتجارب والحظوظ والمرارات.
ربما هزمه المرض وأوجاع الحياة، وربما انتصر لنفسه فذهب لمن رحلوا عن صورته وفيلمه وأغنيته، وربما هزيمة ونصر معًا، ولم لا؟ ضدان آخران يجتمعان لينسجا معًا ثوب الرحيل.
الرثاء ثقيل لأننا في الحقيقة نرثي أنفسنا ونبكيها. وداعًا حافظ هريدي ومن سبقوه، وداعًا بعضي.