صندوق النقد: النمو الاقتصادي العالمي يتباطأ في ظل آفاق قاتمة وأكثر ضبابية

aiBANK

حابي – ذكر صندوق النفد الدولي أن الاقتصاد العالمي آفاقا قاتمة وضبابية، بينما لا يزال مفتقرا إلى التوازن من جراء جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكراني.

وجاء في أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي أن ارتفاع التضخم عن المستوى المتوقع، وخاصة في الولايات المتحدة والاقتصادات الأوروبية الرئيسية، يستمر في الدفع نحو تشديد الأوضاع المالية العالمية.

E-Bank

وأوضح التقرير، الذي أعده بيير أوليفييه جورينشا وهو المستشار الاقتصادي ومدير إدارة البحوث بالصندوق، أن التباطؤ الاقتصادي في الصين وصل إلى مستوى أسوأ مما كان متوقعا بسبب موجات تفشي فيروس كوفيد-19 وإجراءات الإغلاق العام، كما حدثت تداعيات سلبية أخرى من جراء الحرب في أوكرانيا؛ ونتيجة لذلك، انكمش الناتج العالمي في الربع الثاني من هذا العام.

وحسب تنبؤات صندوق النقد، يتباطأ النمو من 6,1% في العام الماضي إلى 3,2% هذا العام و2,9% في العام القادم، بانخفاض قدره 0,4 و0,7 نقطة مئوية عن تنبؤاته في أبريل؛ وذلك تأثرًا بتباطؤ النمو في أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم (الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو) مع تداعيات مهمة على الآفاق العالمية.

وأشار التقرير إلى أن انخفاض القوة الشرائية للأسر وتشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة سيؤدي إلى تخفيض النمو إلى 2,3% هذا العام و1% في العام القادم.

وفي الصين، سيؤدي اتخاذ مزيد من إجراءات الإغلاق العام، وزيادة عمق الأزمة العقارية، إلى دفع النمو نحو معدل أدنى يبلغ 3,3% هذا العام – وهو أبطأ معدل منذ أكثر من أربعة عقود، باستثناء فترة الجائحة.

وفي منطقة اليورو، خفض الصندوق توقعاته للنمو إلى 2,6% هذا العام و1,2% في 2023، على أثر تداعيات الحرب في أوكرانيا وتشديد السياسة النقدية.

ورغم تباطؤ النشاط، فقد رفع صندوق النقد توقعاته للتضخم العالمي، لأسباب منها ارتفاع أسعار الغذاء والوقود. فمن المتوقع أن يصل التضخم هذا العام إلى 6,6% في الاقتصادات المتقدمة و9,5% في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، بزيادة في التوقعات قدرها 0,9 و0,8 نقطة مئوية، على الترتيب، ومن المتوقع أن يظل مرتفعا لفترة أطول.

وأشار التقرير إلى اتساع نطاق التضخم أيضا في كثير من الاقتصادات، انعكاسا لتأثير ضغوط التكلفة الناجمة عن انقطاعات سلاسل الإمداد وضيق أسواق العمل بالمعايير التاريخية.

وتميل المخاطر التي تكتنف الآفاق المتوقعة ميلا جارفا إلى جانب التطورات المعاكسة، فوفق التقرير:

من الممكن أن تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى توقف مفاجئ لتدفقات الغاز من روسيا إلى أوروبا، ومن الممكن أن يظل التضخم على ارتفاعه المزمن إذا ظلت أسواق العمل على ضيقها المفرط أو انفلتت توقعات التضخم عن الركيزة المستهدفة، أو أسفرت مكافحة التضخم عن تكاليف أكبر مما كان متوقعا لها

وتابع: “ومن الممكن أن يحدِث تشديد الأوضاع المالية العالمية طفرة في حالات المديونية الحرجة في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، ووقد يتسبب تجدد موجات تفشي كوفيد-19 وإجراءات الإغلاق العام في مزيد من الكبح للنمو الصيني”.

وأضاف أنه من الممكن أيضًا أن يتسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة في استشراء انعدام الأمن الغذائي ووقوع الاضطرابات الاجتماعية، وقد يؤدي التشرذم الجغرافي السياسي إلى إعاقة التجارة والتعاون العالميين.

وذكر أنه في ظل سيناريو بديل معقول تتحقق فيه بعض المخاطر، بما في ذلك توقف تدفقات الغاز الروسية بالكامل إلى أوروبا، سيرتفع التضخم إلى مستويات أعلى، ويزداد تراجُع النمو العالمي ليصل إلى حوالي 2,6% هذا العام و2% في العام القادم – وهي وتيرة لم ينخفض عنها النمو إلا خمس مرات منذ عام 1970.

وطبقا لهذا السيناريو، يقترب النمو في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو من مستوى الصفر في العام القادم، مع إحداث تداعيات على بقية بلدان العالم.

وعد التقرير مستويات التضخم الحالية “مخاطرة واضحة على الاستقرار الاقتصادي الكلي حاليا وفي المستقبل”، مؤكدا أنه ينبغي أن تكون إعادته إلى مستهدفات البنوك المركزية على رأس أولويات صناع السياسات.

وذكر أنه استجابة للبيانات الواردة، بدأت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية إلغاء الدعم النقدي بوتيرة أسرع مما توقعنا في إبريل، بينما كانت اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية قد بدأت بالفعل رفع أسعار فائدتها في العام الماضي.

وأشار إلى أنه نتيج عن ذلك تشديد السياسة النقدية عبر البلدان بصورة متزامنة غير مسبوقة تاريخيا، ومن المتوقع أن يكون تأثير هذا التشديد قاسيا، حيث تتراجع معدلات النمو العالمي في العام القادم وتتباطأ معدلات التضخم.

ويتوقع أن يكون لتشديد السياسة النقدية تكاليف اقتصادية حقيقية لا مفر منها، ولكن التأخر في هذا الإجراء لن يؤدي إلا إلى تفاقم المصاعب.

وأكد أن البنوك المركزية التي بدأت تشديد سياستها النقدية ينبغي لها أن تستمر على هذا المسار إلى أن يتم ترويض التضخم.

ولفت تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن تقديم الدعم الموجه من المالية العامة يمكن أن يساعد على تخفيف الأثر الواقع على أشد الفئات ضعفا. غير أنه في ظل استنزاف الميزانيات الحكومية بسبب الجائحة والحاجة إلى موقف عام مضاد للتضخم على صعيد السياسات الاقتصادية الكلية، فسيكون تعويض الدعم الموجه من المالية العامة بإجراء زيادة ضريبية أو خفض الإنفاق الحكومي حائلا دون أن تتسبب سياسة المالية العامة في جعل مهمة السياسة النقدية أكثر صعوبة.

وذكر أنه في ظل رفع البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، سيتواصل تشديد الأوضاع المالية، وخاصة بالنسبة لنظرائها من الأسواق الصاعدة.

وأكد أنه يتعين على البلدان أن تستخدم أدوات السلامة الاحترازية الكلية على النحو الملائم لحماية الاستقرار المالي، وحيثما يتعذر استيعاب الصدمات الخارجية من خلال أسعار الصرف المرنة وحدها، ينبغي أن يكون صناع السياسات متأهبين للقيام بتدخلات في سوق الصرف الأجنبي أو تطبيق تدابير لإدارة تدفقات رأس المال في سيناريو الأزمة.

وأوضح أن مثل هذه التحديات تأتي في وقت يفتقر فيه الكثير من البلدان إلى الحيز المالي الكافي، حيث أصبح 60% من البلدان منخفضة الدخل في حالة مديونية حرجة بالفعل أو معرضا لمخاطر كبيرة تهدد ببلوغها، مقابل حوالي 20% من هذه البلدان في الماضي. وسيدفع مزيد من البلدان إلى المستوى الحرج بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض، وتقلص تدفقات الائتمان، وارتفاع سعر الدولار، وتراجع النمو.

وذكر التقرير أنه لا تزال آليات تسوية المديونيات الحرجة بطيئة ولا يمكن التنبؤ بها، حيث تعوقها مصاعب الحصول على اتفاقات منسقة من مختلف الدائنين بشأن مطالباتهم المتنافسة. ومن المشجع أن تقدما قد تحقق مؤخرا في تنفيذ “الإطار المشترك” الذي وضعته مجموعة العشرين، لكن لا تزال هناك حاجة عاجلة لمزيد من التحسينات.

وعلى مستوى السياسات المحلية الرامية إلى معالجة آثار ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، ينبغي التركيز على الفئات الأشد تأثرا دون تشويه الأسعار. وينبغي أن تتجنب الحكومات اكتناز الغذاء والطاقة، بل إن عليها العمل على إزالة الحواجز أمام حركة التجارة من قَبيل إجراءات حظر تصدير المواد الغذائية التي تدفع الأسعار العالمية إلى الارتفاع، وفق التقرير.

وفي ظل استمرار الجائحة، يجب تكثيف حملات التطعيم، وحل مشكلة الاختناقات في عملية توزيع اللقاحات، وضمان المساواة في الحصول على العلاج.

وأخيرا، لا يزال تخفيف وطأة تغير المناخ يتطلب تحركا عاجلا على أساس متعدد الأطراف للحد من الانبعاثات وزيادة الاستثمار للتعجيل بالتحول الأخضر.

وأشار التقرير إلى أن الحرب في أوكرانيا والارتفاع الكبير في أسعار الطاقة فرضتا ضغوطا على الحكومات تدفعها إلى الاستعانة بالوقود الأحفوري مثل الفحم على سبيل التدبير المؤقت. وينبغي أن يتأكد صناع السياسات والأجهزة التنظيمية من أن أي تدابير من هذا القبيل هي تدابير مؤقتة ولا تغطي إلا النقص في موارد الطاقة – ولا تزيد من الانبعاثات الكلية.

وتابع: “وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي المبادرة على الفور بتسريع اعتماد سياسات موثوقة وشاملة للمناخ من أجل زيادة إمدادات الطاقة الخضراء. وتوضح أزمة الطاقة الحالية أيضا كيف يمكن أن تكون السياسات القائمة على استقلالية الطاقة الخضراء النظيفة متوافقة مع أهداف الأمن القومي”.

وأضاف: “لقد تكثفت الغيوم التي تخيم على الآفاق بدرجة كبيرة منذ إبريل الماضي. وقد يتأرجح العالم في وقت قريب على شفا ركود عالمي، بعد عامين فقط من آخر ركود. وسيكون التعاون على أساس متعدد الأطراف عاملا أساسيا في كثير من المجالات، من التحول المناخي والتأهب للجائحة إلى الأمن الغذائي والمديونية الحرجة”.

واختتم التقرير بالإشارة إلى أنه في خضم هذا التحدي الجسيم والكفاح الدؤوب لمواجهته، يظل تعزيز التعاون أفضل وسيلة لتحسين الآفاق الاقتصادية وتخفيف مخاطر التشتت الجغرافي-الاقتصادي.

الرابط المختصر