هل اختفى بريق الاستثمار في شركات التكنولوجيا؟
شركة IBM الأمريكية الوحيدة التي ارتفعت قيمتها السوقية بالربع الماضي
خالد بدر الدين _ بعد أن تعرضت شركات التكنولوجيا على مستوى العالم، ومنها فيسبوك وأبل وأمازون وجوجل، لخسائر فادحة طوال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي تجاوزت 3.3 تريليونات دولار من قيمتها السوقية، انتعشت مرة أخرى خلال يوليو لتسجل أفضل أداء شهري لها منذ أكثر من عامين.
ويتساءل المحللون: هل انطفأ بريق شركات التكنولوجيا التي انتعشت طوال عقود طويلة وحققت ارتفاعات غير مسبوقة في القيمة السوقية لها تجاوزت تريليون دولار كما حدث مع شركة أبل الأمريكية أم ستتعافى من جديد وتعود إلى مستوياتها القياسية التي ظهرت بها خلال السنوات الماضية؟
أسعار أسهم أبل تهوي 900 مليار دولار بالنصف الأول هذا العام
استطاعت صناعة التكنولوجيا خلق أكبر الشركات بالقيمة السوقية في العالم، وجعلتها أيضًا من أفضل الشركات الجاذبة للمستثمرين بفضل ابتكاراتها المتواصلة في الأجهزة الإلكترونية المتطورة، ومنها مثلًا شركة سامسونج الكورية الجنوبية للأجهزة التي تأسست عام 1969 وباتت من كبرى شركات التكنولوجيا العالمية، استحوذت على حصة تتجاوز 30% من أسواق التلفزيونات العالمية على مدار 16 سنة متواصلة حتى العام الماضى.
ولكن بعض الشركات مثل شركة أبل للإلكترونيات خسرت نحو 29% من قيمتها السوقية، وهوت شركة ألفابت مالكة المحرك البحثى جوجل بنفس النسبة تقريبًا، وشركة أمازون لتجارة التجزئة الأونلاين بنحو 54%، وشركة نفيديا الأمريكية لرقائق أشباه الموصلات هبطت أيضًا بما يقرب من 81 % خلال نفس الربع.
هبوط القيمة السوقية بسبب الحرب والتضخم وأسعار الفائدة
وجاء في تقرير شركة جلوبال داتا لاستشارات وتحليل بيانات الأسواق المالية أن تفاقم التوترات الجيوبوليتيكية بين روسيا وأوكرانيا وارتفاع الضغوط التضخمية واتجاه البنوك المركزية الكبرى مثل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك أوف إنجلند البريطاني إلى زيادة أسعار الفائدة أدى إلى هبوط القيمة السوقية لـ 24 من أكبر 25 شركة تكنولوجية في العالم.
وذكر موقع إيت واير دوت كوم أن تزايد معدل التضخم في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء وحتى في الولايات المتحدة ودول أوروبا إلى مستويات قياسية، علاوة على ارتفاع أسعار الفائدة أدى إلى استغناء بالجملة عن العاملين في شركات التكنولوجيا العالمية وانخفاض أسعار أسهمها خلال النصف الأول من العام الجاري.
خسائر أسهم 24 من أكبر 25 شركة تكنولوجية في العالم
تكبدت شركات التكنولوجيا هذا العام خسائر هائلة، وهوى مؤشر ناسداك الذي يغلب عليه شركات التكنولوجيا بنحو 25% منذ بداية يناير الماضي وحتى نهاية النصف الأول من العام الجاري، ليشبه ما حدث في عام 2000 عندما انهارت شركات التكنولوجيا، والتي عرفت باسم أزمة شركات الدوت كوم، ولكن الاختلاف هذا العام أن شركات التكنولوجيا التي خسرت مبالغ هائلة خلال النصف الأول تتصدر الأسواق العالمية في قطاعاتها المختلفة وليست مجرد شركات تتصيد الأرباح.
وانتعشت شركات التكنولوجيا الأمريكية خلال شهر يوليو بعد أن أعلنت كبرى الشركات عن ارتفاع إيراداتها خلال الربع الماضي، ومنها شركة أمازون التي قفز سعر سهمها بأكثر من 10% لصعود إيراداتها عن المتوقع، وأبل بنحو 3% والتي توقفت مبيعاتها من موبايلات آيفون توقعات المحللين.
وتكبدت شركات التكنولوجيا على مستوى العالم، ومنها ميتا صاحبة فيسبوك لمواقع التواصل الاجتماعي وأبل للكمبيوتر والموبايل وأمازون لمبيعات التجزئة الأونلاين وجوجل محرك البحث الإلكتروني، خسائر فادحة في قيمتها السوقية منذ بداية يناير وحتى نهاية الربع الثاني من العام الجاري.
وذكرت وكالة بلومبرج أن المؤشرات الأمريكية الثلاثة الرئيسية ناسداك وداوجونز الصناعي و500 S&P لكبرى الشركات الأمريكية انتعشت خلال يوليو بقيادة قطاع التكنولوجيا الذي حققت شركاته إيرادات مرتفعة لتنحسر مخاوف المستثمرين من خطط الشركات التي تعتزم تسريح نسبة من العاملين وعدم تعيين موظفين جدد بعد أن تكبدت خسائر فادحة طوال النصف الأول من هذا العام.
قفز مؤشر ناسداك الأمريكي لشركات التكنولوجيا بأكثر من 12 % خلال شهر يوليو الذي ينتهي اليوم، ليسجل أكبر مكسب شهري منذ أبريل 2020 بفضل إعلان بعض شركات التكنولوجيا عن إيرادات فاقت التوقعات عن الربع الثاني من العام الجاري ومنها أمازون وأبل.
وتعد شركة IBM الأمريكية الوحيدة في قطاع التكنولوجيا بين أكبر 25 شركة عالمية التي ارتفعت قيمتها السوقية مع بداية شهر يوليو بنحو 3% وذلك بفضل تحسين تكنولوجيا الحوسبة السحابية وبرامج الذكاء الصناعي مقارنة مع انخفاض بأكثر من 20% لمؤشر ستاندرد أند بورز 500 S&P لكبرى الشركات الأمريكية.
وأكد راجوباثي جايارامان خبير تحليل أساسيات البيزنس في شركة جلوبال دلتا أن القيمة السوقية لأكبر سبع شركات تكنولوجيا في العالم هبطت بأكثر من 100 مليار دولار لكل منها خلال الربع الماضي مع موجات البيع الضخمة التي تعرضت لها أسهمها.
أبل تتصدر خسائر قطاع التكنولوجيا في القيمة السوقية
وتصدرت شركة أبل الأمريكية خسائر قطاع التكنولوجيا مع انهيار قيمتها السوقية بما يقرب من 900 مليار دولار خلال الربعين الماضيين، لتنزل قيمتها السوقية من 3.1 تريليونات دولار إلى 2.2 تريليون دولار حتى نهاية الأسبوع الماضي مع ضعف ثقة المستهلك واضطرابات سلاسل إمدادات المكونات الصناعية ولا سيما رقائق أشباه الموصلات.
وتراجعت القيمة السوقية لشركة ميكروسوفت الأمريكية بأكثر من 390 مليار دولار خلال الربع الثاني من العام الجاري ولكن المحللين في الشركة يتوقعون العودة إلى مستويات العام الماضي المرتفعة.
وتأثرت أسعار أسهم شركة ميتا بجانب تزايد الضغوط التضخمية وأسعار الفائدة لتفقد أكثر من 50% من قيمتها السوقية خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري وخصوصًا يوم 3 فبراير عندما خسرت الأسهم ما يزيد على 25% في أكبر خسارة يومية في القيمة سوقية لأي شركة أمريكية بعد أن أعلنت فيسبوك عن توقعات ضئيلة لإيراداتها بسبب تزايد المنافسة من منصات مواقع التواصل الاجتماعي ومنها سناب وتويتر وبينتريست والتعديلات في حماية الخصوصية.
ميتا مالكة فيسبوك تفقد أكثر من 50% من قيمتها
ورغم أن شركة جوجل الأمريكية صاحبة أكبر محرك بحثي في العالم حافظت باستمرار على قيمتها السوقية عند 1.5 تريليون دولار طوال الفصول القليلة الماضية إلا أنها فقدت نحو 400 مليار دولار من قيمتها خلال الربع الماضي وخصوصًا مع تزايد التوقعات بوقوع الاقتصاد الأمريكي في هاوية الركود هذا العام مما أدى لانعدام ثقة المستثمرين في أسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية.
وأشار جايارامان إلى أن شركات إنتاج رقائق أشباه الموصلات مثل نفيديا الأمريكية وتايوان سيميكونداكتور خسرت أيضًا كل منها أكثر من 100 مليون دولار خلال الربع الثاني من العام الماضي، ويرجع ذلك لأزمة نقص هذه الرقائق على مستوى العالم وتفاقم قيود الإمدادات ونقص الطلب بسبب الركود العالمي.
وإذا كانت القيمة السوقية لشركة تايوان لأشباه الموصلات هبطت بنحو 100 مليار دولار خلال الربع الحالي إلا أنه من المتوقع أن تقفز قيمتها السوقية بما يقرب من 50% على الأجل الطويل.
وكانت شركات التكنولوجيا سجلت نموًّا هائلًا خلال العقود الأخيرة لأن منتجاتها المبتكرة ونماذج أنشطتها ساعدت على تحسين أساليب حياة سكان كوكب الأرض بشكل غير مسبوق لدرجة أن الاستثمار فيها كان أفضل وسيلة لتحقيق أرباح وفعلًا تحول العديد منها إلى أكبر الشركات في العالم وأكثرها في القيمة السوقية لتتفوق على جميع القطاعات الصناعية الأخرى.
ومع تحول الاقتصاد نحو العولمة توسعت أسواق هذه الشركات التي تؤثر بأي قرار تصدره على معظم الصناعات وفي جميع أنحاء العالم لتقود أكبر 10 شركات تكنولوجية الأسواق العالمية غير أن سبعة منها شركات أمريكية وواحدة فقط من الصين وأخرى من تايوان والأخيرة من كوريا الجنوبية.
شركات التكنولوجيا العالمية تخسر 3.3 تريليونات دولار من قيمتها السوقية
وتصدرت قائمة أقوى 10 شركات تكنولوجية عالمية أبل الأمريكية التي بلغت قيمتها السوقية في يوليو الحالي 2.5 تريليون دولار واقتربت مبيعاتها من 366 مليار دولار وبعدها مايكرو سوفت بقيمة سوقية تريليون دولار ومبيعات تجاوزت 168 مليار دولار لتعادل القيمة السوقية لاقتصاد فرنسا ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين وقبل إيطاليا وكندا وفقًا لبيانات البنك الدولي.
واحتلت شركة ألفابت المركز الثالث وهي أيضًا مالكة جوجل أكبر موقع بحثي في العالم بأكثر من 1.5 تريليون دولار لقيمتها السوقية ونحو 258 مليار دولار لمبيعاتها.
وجاء في المركز الرابع أمازون أكبر شركة مبيعات أونلاين في العالم والتي تصل قيمتها السوقية إلى 1.3 تريليون دولار ومبيعاتها نحو 470 مليار دولار، وتتوقع أمازون امتلاك أسطول من مركبات الفان الكهربائية لتوصيل الطلبات للعملاء بحلول 2039 بعد أن نقل رئيسها التنفيذي إيلون ماسك مقره العالمي إلى مدينة أوستن بولاية تكساس من ولاية كاليفورنيا بسبب قيود جائحة كوفيد 19 والضرائب المرتفعة.
وحلت تيسلا الأمريكية للسيارات الكهربائية في المركز الخامس بنحو 845 لقيمتها السوقية، ولكن مبيعاتها توقفت عند ما يقرب من 54 مليار دولار، وفى المركز السادس ميتا صاحبة فيسبوك والتي تصل قيمتها السوقية إلى نحو 496 مليار دولار ومبيعاتها تقترب من 118 مليار دولار وتملك فيسبوك أكثر من 2.94 مليار مستخدم نشط كل شهر على مستوى العالم.
وظهر في المركز السابع شركة TSM التايوانية لأشباه الموصلات بقيمة سوقية تزيد على 455 مليار دولار ومبيعات 54 مليار دولار ثم شركة نفيدا الأمريكية لأشباه الموصلات وتكنولوجيا الذكاء الصناعي والتي لديها نحو 22 ألف موظف يعملون في أكثر من 50 دولة بنحو 450 مليار دولار ومبيعات 27 مليار دولار.
وبعدها تينسينت هولدينج الصينية المتخصصة في الإنترنت والألعاب بنحو 416 مليار دولار وتجاوزت مبيعاتها 87.9 مليار دولارر وأخيرًا شركة SMSN الكورية الجنوبية للإلكترونيات بقيمة سوقية 318 مليار دولار ومبيعاتها تقترب من 233 مليار دولار.
ولكن شركة سامسونج الكورية الجنوبية حققت زيادة 21% في الإيرادات و 11% في أرباحها لتسجل أعلى مستوى منذ عام 2018 بفضل ارتفاع مبيعاتها من الموبايلات السمارت التي بلغ عددها ما يزيد على 74 مليون وحدة خلال الربع الأول من العام الحالي وصعود مبيعات رقائق أشباه الموصلات.
تسريح العاملين لتقليص الإنفاق
ومن شركات التكنولوجيا الأخرى التي تعرضت لخسائر هذا العام كوين بيز للعملات المشفرة التي أعلنت أن إيراداتها خلال الربع الأول من العام الحالي هبطت بنسبة 27% لتنزل أسعار أسهمها في مايو الماضي بما يزيد على 25% لتسجل أدنى مستوى في تاريخها وتهوي قيمتها السوقية بأكثر من النصف من 130 مليار دولار بالمقارنة مع 53.7 مليار دولار في مايو من عام 2021 بينما هبطت قيمتها السوقية حتى نهاية يونيو بنحو 72% وبنسبة انخفاض 81% عن أعلى مستوى في تاريخها عندما بلغت ما يقرب من 369 مليار دولار في نوفمبر الماضي.
وأعلنت شركة تويتر في بداية يوليو الحالي عن تسريح نحو 30% من العاملين لديها لتقليل التكاليف كما أكد باراج أجراوال رئيسها التنفيذي على تجميد تعيين موظفين جدد وتقليص الإنفاق حتى تتمكن من تحقيق نموها المستهدف هذا العام للإيرادات وعدد المستخدمين لها وسط المتاعب التي تواجهها من إيلون ماسك الذي يريد الاستحواذ عليها في صفقة تبلغ 44 مليار دولار ولكنه تراجع بزعم أنها لم تحقق الشروط التي طلبها في بداية صفقة الشراء.
وأدت أيضًا الحرب الروسية في أوكرانيا إلى توقف خدمات شركات التكنولوجيا الأمريكية في روسيا مثل خدمات أبل وتويتر ثاني المنصات التي تقوم روسيا بحظرها وفرض قيود عليها بعد فيسبوك، وإن كانت الشركة الأمريكية تويتر أكدت أنها ستبذل كل التدابير اللازمة لاستعادة خدماتها في روسيا.