د. محمد عمران في حوار مع حابي.. الرقابة المالية لا تمانع تقديم حوافز لسوق المال
يجرى إعداد مقترح يسمح لشركات تأمينات الحياة بتأسيس صناديق خاصة بين أفراد لا تربطهم علاقة
ياسمين منير ورضوى إبراهيم _ اقتنصت جريدة حابي فرصة إجراء حوار موسع مع الدكتور محمد عمران رئيس هيئة الرقابة المالية ، على هامش فاعليات الحوار المجتمعي الذي عقده مطلع الأسبوع الماضي حول استراتيجية تطوير سوق المال، بالتزامن مع نهاية فترة رئاسته للهيئة التي امتدت لخمسة أعوام، للكشف عن أهم الملفات التي أنجزتها الهيئة خلال الفترة الأخيرة، وكذلك مقترحات تطوير الأنشطة المالية غير المصرفية التي يعتزم عرضها على المجلس الجديد.
كشف عمران في حواره مع حابي عن استعداد الهيئة الدائم لتقديم حوافز لدعم وتشجيع المتعاملين بسوق المال، وأبدى ترحيبه بتخفيض مقابل خدمات الطرح وتنفيذ الصفقات إلى نصف تكلفتها الحالية لفترة محددة، مؤكدًا تنفيذ الهيئة لحزمة واسعة من التعديلات خلال الفترات السابقة بهدف توفير المرونة الكاملة لطرح الشركات الكبرى والتابعة للدولة أو للقطاع الخاص، ومستعدة لتنفيذ تعديلات جديدة إذا لزم الأمر.
وأكد عمران أن الهيئة لعبت دورًا كبيرًا في عدة ملفات جوهرية وصاغت أدوات مالية جديدة من شأنها خلق بدائل تمويلية جديدة، منها سندات توريق الحقوق المالية المستقبلية، التي رأى أنها مناسبة لطبيعة نشاط هيئة المجتمعات العمرانية التي تعد صاحبة أكبر إصدارات التوريق بالسوق المحلية حاليًا، وعرضها على وزير الإسكان مؤخرًا في إطار استكمال الرقابة المالية لدورها في تنشيط استخدام منتجاتها الجديدة.
وأشار عمران إلى مقترح يجري إعداده حاليًا يقضي بالسماح لشركات التأمين على الحياة بتأسيس صناديق تأمين خاصة للأفراد الذين لا تربطهم علاقات مباشرة على غرار تجربة دولة نيجيريا، بهدف توفير وعاء مناسب للفئات المهمشة، سعيًا لاستكمال باقة الأنشطة والخدمات التي وفرتها الهيئة طوال السنوات الماضية لهذه الشريحة، مثل التمويل متناهي الصغر والتمويل الاستهلاكي، والتأمين متناهي الصغر.
كما تطرق الحوار إلى إلقاء نظرة سريعة على وضع الاقتصاد المصري على خريطة العالم في ظل اختبار اقتصاديات الدول لعدد كبير من التحديات والأزمات المتلاحقة بدءًا من انتشار الوباء العالمي ومرورًا بتعطل سلاسل الإمداد ومعدلات التضخم الكبيرة التي دفعت البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة، ودور أسواق المال في دعم خطط التعافي من مثل هذه الأزمات.
حابي: شهدت الفترة الأخيرة متغيرات اقتصادية واسعة النطاق على المستويين العالمي والمحلي، بدءًا من انتشار فيروس كورونا ومرورًا بالنزاع الروسي الأوكراني وما نتج عنه من اضطرابات اقتصادية حادة ما زال من الصعب تحديد مداها الزمني أو حجم تبعاتها محليًّا، وبالطبع لم تكن الأنشطة المالية غير المصرفية وأسواق المال في منأى عن هذه المتغيرات، سواء على صعيد التأثر السلبي أو ظهور احتياجات تمويلية واستثمارية ورقابية جديدة.
لذلك نريد في البداية التعرف على أهم الخطط والمستهدفات التي لم يتح لك تنفيذها بسبب الاضطرابات المحيطة على صعيد مختلف الأنشطة التابعة، خاصة خلال العام الأخير لرئاستك هيئة الرقابة المالية؟
عمران: أرى أن المحدد الأهم هو توافر إطار تنظيمي واضح، من خلال وضع استراتيجية محددة تغطي عددًا معينًا من السنوات ثم العمل على تنفيذها.
نفذنا 90% من الاستراتيجية الأولى قبل عام من انتهائها.. لكن بعض المستهدفات تحتاج إلى وقت مثل زيادة حجم رأس المال السوقي
وبالفعل نجحنا في تنفيذ أكثر من 90% من مستهدفات الاستراتيجية الأولى لتطوير الأنشطة المالية غير المصرفية قبل عام من انتهاء مدتها، ولكن بالتأكيد هناك بعض المستهدفات التي تحتاج إلى فترة زمنية أطول لتحقيقها في ظل ارتباطها بطبيعة وحركة الأسواق، مثل زيادة حجم رأس المال السوقي ووصوله إلى المستوى الذي يعكس حجم الاقتصاد المصري.
فهذا الهدف يحتاج إلى جهود مكثفة لتحقيقه، ليس على مستوى هيئة الرقابة المالية، ولكن على مستوى متخذي القرار في إطار نظام اقتصادي متكامل.
وأعتقد أن هناك اهتمامًا كبيرًا جدًّا من الدولة في هذا الإطار، على مستوى رئاسة الجمهورية وكذلك الحكومة، من خلال وجود مساهمات من الجهات الحكومية بالتواجد في سوق رأس المال، لأن ذلك من شأنه خلق المزيد من الشفافية وبلوغ مستوى أفضل للحوكمة بهذه الكيانات، وفي الوقت نفسه سيؤثر في عملية جذب الاستثمارات سواء أجنبية أو محلية.
هناك أيضًا الجزئية المتعلقة بتفعيلات مرتبطة بالفئات المهمشة، فقانون التمويل متناهي الصغر يستفيد منه أكثر من 3.5 ملايين مستفيد، بقيمة إجمالية تصل إلى نحو 27 مليار جنيه، وهناك أيضًا التأمين متناهي الصغر، لذلك من الأمور التي نريد أن نراها مستقبلًا التأمين على جهات كثيرة، فمن ضمن الأمور التي تم الحديث عنها وتم النص عليها بالقانون التأمين على الأصول المملوكة للدولة، كما يجب العمل على توسيع نطاق التأمين على الفئات المهمشة.
لذلك ندرس حاليًا مقترحًا حديثًا، فخلال زيارتي الأخيرة لدولة موريشيوس تم الحديث عن صناديق التأمين الخاصة في إفريقيا، وإحدى التجارب الجيدة التي تم الاطلاع عليها كانت تجربة نيجيريا، والتي تتعلق بتأسيس صناديق تأمين خاصة على مستوى الفئات البسيطة.
فصناديق التأمين الخاصة طبقًا للقانون الحالي تؤسس فقط للفئات التي يجمع بينها شراكة مهنية أو عمل وظروف مهنية معنية مثل العمل في نفس المؤسسة أو المهنة، ولكن يمكننا تخيل ما سيترتب على تعديل ذلك، وهو ما يتم مناقشته حاليًا بمشروع قانون التأمين الجديد المعروض على البرلمان، والذي يستهدف السماح بوجود صناديق تأمين خاصة بين أفراد لا تربطهم أي علاقة.
كما نفكر أيضًا في السماح لشركات التأمين على الحياة -ويبلغ عددهم حاليًا نحو 14 شركة- بتأسيس صناديق تأمين خاصة على المستوى الميكرو، يشارك فيها أفراد لا تربطهم علاقة ولكن تجمعهم ظروف معينة، على غرار مستوى الدخل، أو العمالة الموسمية التي تحتل مساحة كبيرة من الاهتمام والمناقشات، بحيث يكون لهم مساهمات أو اشتراكات بهذه الصناديق على أن يحصلوا على مزايا محددة في نهاية مدة الصندوق، وقد تم تكليف الأستاذ هشام رمضان مساعد رئيس الهيئة للعمل على وضع مقترح في هذا الإطار.
الأمر الآخر المهم الذي نتمنى وجوده بالسوق المحلية هو نقل الهيئة إلى مستوى الرقابة على أساس المخاطر، وهذا الملف في غاية الأهمية لكنه يحتاج إلى مجهودات كبيرة جدًّا، بما في ذلك مستوى العمل التنظيمي بداخل الهيئة، وكذلك الموارد البشرية، وأيضًا على مستوى الشركات التي يتم الإشراف عليها.
فهدف الانتقال إلى مستوى الرقابة على أساس المخاطر يساعد بشكل كبير في عملية تطوير الأسواق ولكنه يحتاج أيضًا إلى جهد كبير لتنفيذه.
قانون التكنولوجيا المالية سيحدث نقلة كبيرة في مجال الخدمات المالية.. واستحداث هوية رقمية للعملاء
هناك أيضًا الملف الخاص بقانون التكنولوجيا المالية، والذي أتصور أنه قادر على إحداث نقلة كبيرة في مجال الخدمات المالية، فمثلما أصبحنا نتحدث مؤخرًا عن البنوك الرقمية، سيكون متاحًا تواجد شركات تأمين رقمية وكذلك الاشتراك في خدمات مالية غير مصرفية رقمية، فلن يكون العميل مطالبًا بالتواجد الفعلي لإبرام العقود، وذلك من خلال خلق هوية رقمية للعميل بما ييسر الوصول إلى الخدمات المالية غير المصرفية.
وهذه الملفات ضمن الأمور التي نتمنى أن تركز عليها هيئة الرقابة المالية خلال الفترة المقبلة.
حابي: بالعودة إلى الأوضاع الحالية.. ذكرت خلال الحوار المجتمعي الذي عقد صباح اليوم -الأحد الماضي- أن خلال العام الأول لانتشار وباء كورونا نجحت السوق المحلية في تسجيل نمو في حجم الطروحات على مستوى كل الأسواق العالمية، على عكس السوق المحلية التي شهدت تباطؤًا في وتيرة الطروحات منذ اندلاع أزمة كورونا.. كما ذكرت أن الحكومات عليها أن تأخذ زمام المبادرة حتى تشجع القطاع الخاص.
في تقديرك ما هي الأسباب التي أعاقت اللجنة المنوط بها برنامج الطروحات الحكومية عن التنفيذ؟
عمران: لا نتحدث عن هذه الأمور، لكن ما طرح أن هناك توجهًا للدولة للمساهمة في تطوير سوق المال من خلال طرح كيانات مملوكة للدولة للقطاع الخاص، وأعتقد أن الوثيقة الأخيرة الصادرة عن مجلس الوزراء حول سياسة ملكية الدولة تتناول هذا الموضوع وكيفية تمكين القطاع الخاص حتى يكون القاطرة التي تدفع نمو الاقتصاد.
ففي فترة من الفترات تواجدت الدولة بشكل كبير في المجال الاقتصادي في إطار ظروف وأوضاع معينة كانت تستلزم وجود الدولة في بعض القطاعات والخدمات، ولكن اليوم هناك توجه جديد، حيث إن الدولة قامت بدور كبير واستثمرت بشكل هام جدًّا في البنية التحتية والمشروعات القومية وأصبح من المفترض أن تنتقل هذه الريادة للقطاع الخاص خلال هذه المرحلة.
التجارب الدولية تؤكد دور الحكومات في أخذ مبادرة تنشيط طروحات البورصة.. ونشاط السوق المحلية بين 1994 و 1996 جاء مدفوعًا بطرح 53 شركة حكومية
وعندما ننظر في تجارب الدول، نرى أن الطروحات الحكومية دائمًا ما تكون هي السباقة في نشاط أسواق المال، وهو ما حدث خلال موجة النشاط التي شهدتها سوق المال المحلية ما بين 1994 و1996، كانت مدفوعة بالشركات الحكومية التي تم بيعها للقطاع الخاص خلال هذه الفترة، وقد بلغ عددها نحو 53 شركة على ما أتذكر.
ومن الواضح أن هذا التوجه موجود حاليًا، وقد تكون الظروف غير ملائمة أو أن الأوضاع تحتاج إلى ترتيبات أخرى، ولكن أعتقد أن وضع الدولة في إدارة اقتصادها يكشف عن التوجه بشكل كبير نحو اقتصاديات السوق ونحو تدعيم دور القطاع الخاص، وأحد الملامح الهامة لهذا التوجه هو العمل على توسيع قاعدة الملكية وتنفيذ برنامج الطروحات للشركات الحكومية.
حابي: هل تمت استشارة الرقابة المالية في توقيت تنفيذ الطروحات أو قرار التأجيل في ضوء عدم توافر الظروف المواتية للطرح؟
عمران: قرارات تنفيذ الطرح ترتبط بوضع الأسواق ورأي بنوك الاستثمار المسؤولة عن إدارة الطرح في ضوء الدراسات التي يتم إعدادها، بينما تلعب هيئة الرقابة المالية دورًا مهمًّا في تسهيل الإجراءات وتبسيطها، ليس فقط للجهات الحكومية ولكن أيضًا للقطاع الخاص.
فعندما تحدث رئيس الجمهورية عن الرغبة في طرح العاصمة الإدارية، ونحن نعلم حجمها الكبير، تم الالتفات إلى أن طروحات مثل هذه الكيانات كبيرة الحجم قد تصطدم مع بعض قواعد القيد، لذلك قرر مجلس إدارة الهيئة تعديل بعض قواعد القيد حتى يتم استيعاب الطروحات كبيرة الحجم إن وجدت.
ففي الحقيقة هيئة الرقابة المالية منوط بها وضع القواعد المرنة التي تسمح بتنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، وتعمل على جذب استثمارات كبيرة لسوق المال المصرية والبورصة المصرية.
حابي: هل ترى أن قواعد سوق المال تحتاج إلى تعديلات إضافية أو إعادة نظر في بعضها حتى توفر درجة أكبر من المرونة لتشجيع الحكومة على طرح شركاتها؟
عمران: القواعد تسمح في المادة 8 بقيد شركات بالبورصة لم تصدر قوائم مالية وفقًا لضوابط محددة، ويمكن أيضًا بدلًا من التفكير في طرح شركة منفصلة، أن يتم طرح مجموعة شركات تحت مظلة شركة قابضة وبالتالي يتحقق التوسع في قاعدة الملكية وخلق كيان أكبر في الوقت ذاته، ولدينا المرونة في هذه الجزئية.
كما يمكن تأسيس الشركات عبر الاكتتاب العام، وبعد أن كان يشترط توافر عدد محدد من المساهمين يمثلون نسبة محددة من رأسمال الشركة، تم النص على إمكانية استخدام نظام OPR في البورصة لإجراء عملية اكتتاب أولي قبل القيد في البورصة، وحدث بالفعل تفاهم مع إدارة البورصة في هذا الإطار.
لذلك أرى أن المرونة متوافرة، وفي النهاية عندما يتم التقدم بحالة محددة تحتاج إلى قدر أعلى من المرونة، بما لا يتعارض مع القواعد العامة والنهج العام، ستشرع هيئة الرقابة المالية بتنفيذ ما يلزم من تعديلات.
حابي: كيف تفسر ضعف إقبال الجهات الحكومية على الاستفادة من التعديلات التي تجريها الهيئة سواء فيما يتعلق بالطروحات في البورصة أو التمويل عبر الأدوات الجديدة مثل سندات توريق الحقوق المالية المستقبلية، التي ذكرت عند استحداثها أن لها أهمية كبيرة في تمويل الهيئات التابعة للدولة؟
عمران: لا أراه ضعفًا في الإقبال، فقانون توريق الحقوق المالية المستقبلية صدر منذ نحو أربعة أشهر، وعقب ذلك إصدار هيئة الرقابة المالية للائحة التنفيذية الخاصة به، وهناك بالطبع ضرورة لعملية التوعية التي من المهم أن تقوم بها هيئة الرقابة المالية، ونحن بالفعل نحاول التواصل مع بعض الجهات.
القطاع الخاص الأسرع في استخدام الأدوات المالية الجديدة مقارنة بالجهات الحكومية.. والهيئة عليها مهمة التوعية والتواصل
في حين أن القطاع الخاص يكون أسرع، في ظل تنوع احتياجاته كما أن عملية اتخاذ القرار به تكون محددة في إطار مستهدفات الشركة فقط وليس على نطاق سياسة عامة للدولة، لذلك شاهدنا مؤخرًا طلبًا من إحدى الشركات بتوريق الحقوق المالية المستقبلية.
ولكن أريد الإشارة إلى أن الحكومة عبر هيئة المجتمعات العمرانية أصبحت أكبر كيان يصدر سندات توريق آجلة، ويمكن أيضًا لهيئة المجتمعات العمرانية حاليًا أن تصدر سندات توريق مستقبلية، فهذه واحدة من الآليات المناسبة.
حابي: هل تحدث مسؤولو المجتمعات العمرانية مع الرقابة المالية بخصوص إصدارات سندات توريق للحقوق المالية المستقبلية؟
عمران: بالفعل تحدثت مع وزير الإسكان عن هذه الإصدارات، لأنهم في نهاية الأمر يكون لديهم تصور لحجم المبيعات السنوية، وبالتالي فهي إيرادات مستقبلية لم تتحقق بعد، ومن الممكن أن تعول المجتمعات العمرانية على الأدوات المالية في توفير جزء من السيولة مقدمًا، مما يمكنهم من توظيفها بعد ذلك في بناء المزيد من الوحدات.
عرضت فكرة إصدارات توريق الحقوق المستقبلية على وزير الإسكان.. والمجتمعات العمرانية تدرس
وانتهى الحديث بأنهم سيقومون بدراسة إصدار سندات التوريق للحقوق المالية والمستقبلية.
وهناك تواصل مستمر مع الجهات التي من الممكن أن تستفيد من الأدوات المالية التي تتيحها هيئة الرقابة المالية، ودائمًا ما أقول إن دور الرقابة المالية هو خلق الأداة المالية القادرة على تحويل هذه الحقوق من أصول جامدة إلى ورقة مالية يمكن تداولها، مما ييسر بصورة كبيرة في عمليات التمويل وتوفير السيولة.
حابي: هل خاطبت الرقابة المالية جهات أخرى بخلاف وزارة الإسكان فيما يخص إصدارات سندات توريق الحقوق المالية والمستقبلية خلال الفترة الماضية؟
عمران: أرى دائمًا في مثل هذه الأمور وخاصة في بدايتها أن الجهات المستهدفة من الضرورى أن ترى تجارب ونماذج للمنتج الجديد بهدف استيعابه وتقييمه وفقًا لاحتياجاتها.
وأعتقد أننا عند الانتهاء من النموذج الحالي للشركة التي تقدمت لإصدار سندات توريق للحقوق المالية المستقبلية، سنتلقى طلبات جديدة لأن السوق ستكون قد رأت بالفعل نموذجًا مطبقًا وواضحًا للمنتج الجديد، وبالتالي سيفتح هذا الإصدار بابًا جديدًا للمزيد من الإصدارات سواء للشركات الخاصة أو الكيانات الحكومية.
تعديلات قانون التمويل العقاري والضوابط التنفيذية للتكنولوجيا المالية.. ملفات مهمة على مائدة المجلس الجديد
فعندما كنا نتحدث عن نشاط التمويل العقاري وكيفية تنشيطه في عدة لقاءات مع مجلس الوزراء واللجنة الاستشارية، كان توريق الحقوق المالية المستقبلية أحد أهم محاور المناقشات، لأن هذه الكيانات بما فيها الكيانات الحكومية تستطيع الاستفادة من تلك الأداة المالية الجديدة، وتقوم بتحويل جزء لا بأس به من محفظة العقارات أو الأراضي لديها إلى أداة مالية سواء في شكل صندوق استثمار أو سندات توريق للحقوق المالية المستقبلية.
حابي: ما تقييمك كاقتصادي لوضع الاقتصاد المصري على خريطة الاقتصاد العالمي التي تواجه حالة من الاضطراب خلال الوقت الحالي، خاصة أن الاقتصاد المحلي كان ضمن الاقتصادات الأكثر تماسكًا أمام تداعيات انتشار وباء كورونا عالميًّا، وهل لا يزال قادرًا على التماسك أمام الاضطرابات الاقتصادية العالمية؟
عمران: بالفعل الاقتصاد المصري استطاع امتصاص القدر الأكبر من تداعيات الوباء على الاقتصاد العالمي، وفي الحقيقة لدي دائمًا إيمان كبير بالاقتصاد المصري.
فالاقتصاد المصري متنوع بصورة كبيرة، والسوق تتضمن 100 مليون مستهلك، كما أننا ليس لدينا تركز للصناعة في قطاعات محددة، وبالتالي هذا ساعدنا بالفعل على أن يكون الاقتصاد المحلي ضمن أفضل الاقتصادات التي تنمو على مستوى العالم خلال السنوات الماضية على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي اختبرها العالم خلال هذه الفترة.
الاقتصاد المصري مرشح لتحقيق معدلات نمو جيدة.. وسيكون ضمن المستفيدين بعد زوال الضغوط العالمية
واعتقد أن الاقتصاد المصري من المتوقع أن يحقق معدلات نمو جيدة خلال الفترة المقبلة، وبالطبع الدولة تتخذ سياسات اقتصادية مهمة خلال هذه الفترة، خاصة فيما يتعلق بإجراءات الحماية الاجتماعية لضمان حماية الفئات المهمشة والطبقات الأكثر تأثرًا بالظروف الاقتصادية وبهدف تحييد هذه الشريحة من التأثر بالتداعيات بأكبر قدر ممكن.
فالعالم يشهد اضطرابات وظروفًا اقتصادية صعبة سواء فيما يخص تعطل سلاسل الإمداد، ومعدلات التضخم، وتوجه البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة، وكل ذلك بالتأكيد يلقي بعض الضغوط على اقتصاديات الدول ومن بينها الاقتصاد المصري.
وأتصور أنه مع زوال هذه الحلقة المؤلمة من السياسات الدولية المضطربة والتي تؤثر على الأوضاع الاقتصادية المحلية نظرًا للضغوط التضخمية المترتبة عليها، أن يكون الاقتصاد المصري ضمن اللاعبين الأساسيين والمستفيدين من هذه الانفراجة في وقت قصير.
حابي: في ظل الظروف الاقتصادية المحلية والعالمية، رصدت جريدة حابي في الملف الذي أعدته لاستطلاع آراء قيادات سوق المال حول استراتيجية التطوير، عدة مطالب تتعلق بحوافز حتى وإن كانت استثنائية أو مؤقتة لمواجهة الظروف الحالية المسيطرة على السوق، خاصة أن تنشيط سوق المال سيلعب دورًا كبيرًا في توفير التمويلات والسيولة اللازمة لتوسعات الكيانات إلى جانب جذب استثمارات أجنبية جديدة.. هل تستطيع الرقابة المالية توفير مثل هذه الحوافز؟ وكذلك مخاطبة الحكومة في هذا الشأن؟
عمران: كل ما يتعلق بالحوافز التي يحتاج إليها المتعاملون في سوق المال، تقوم الهيئة بتوفيره في إطار المنظومة التي تعمل بها، ونحن باستمرار نقوم بمراجعة مقابل الخدمات الذي تتقضاه هيئة الرقابة المالية، إلى جانب مراجعة مقابل الخدمات الخاص بالبورصة المصرية نظير الطروحات أو القيد، أو الرسوم الخاصة بخدمات شركة مصر للمقاصة.
وهذه هي المنظومة الخاصة بهيئة الرقابة المالية، والتي تستطيع من خلالها مراجعة بعض الرسوم والعمل على تخفيضها لتشجيع المتعاملين، فهناك جهات مختلفة في الدولة، ولكل جهة الإطار التنظيمي الخاص بها، ولها حدود لنطاق مسؤوليتها ولا بد من التصرف في إطار هذه الحدود.
وفي الحقيقة مراعاة لهذه الظروف، وجهت مسؤولي الهيئة للنظر في مقابل الخدمات الذي ستتقاضاه الهيئة من الشركات العاملة تحت رقابتها ومراجعته.
مستعدون لخفض مقابل خدمات الطرح والصفقات إلى النصف
وليس لدي أي مشكلة في أن تقوم الهيئة بمنح الشركات التي تسعى لطرح أسهمها في البورصة خلال الفترة القادمة، تخفيضًا بنسبة 50% على مقابل هذه الخدمة في الظروف الطبيعية وحتى تستقيم الأوضاع وتعود لما كانت عليه قبل هذه الظروف الاستثنائية، بالإضافة إلى تكلفة تنفيذ الصفقات، خاصة أن أحد أهم معايير تقييم أسواق المال بصفة عامة هي تكلفة التعاملات، فكلما قلت تكلفة التعاملات كان وضع السوق أفضل.
وليس لدي مشكلة في تطبيق خفض مقابل خدمات الطرح والصفقات للنصف لفترة محددة بهدف دعم المتعاملين في مواجهة تلك الظروف، وأرحب جدًّا بالمشاركة المجتمعية في مواجهة الظروف الاستثنائية، ولكن عندما أتحدث عن ذلك لا بد أن يكون التصرف في حدود المنظمة التي أعمل داخلها وفي إطار حدود وصلاحيات الهيئة العامة للرقابة المالية والجهات التي تتعامل معها.
حابي: اعتاد المتعاملون في سوق المال المصرية على أن يكون مسؤولو الهيئة والبورصة المصرية منوطين بتوصيل مطالبهم للحكومة، سواء بمخاطبة رئيس الوزراء أو بعض الوزراء المسؤولين عن الملفات ذات الصلة بالسوق مثل وزير المالية، فهل هناك محادثات جارية فيما يخص الحوافز مع تلك الأطراف؟
عمران: هناك مقابلات عديدة مع هذه الأطراف ومشاورات مستمرة فيما يخص أوضاع السوق وما تحتاج إليه من تنسيق مع الجهات المعنية، والهيئة لا تعمل بمعزل عن كل ما يرتبط بأنشطتها، كما أن الرقابة المالية تستشير أيضًا الجهات التنظيمية التي تعمل في هذا القطاع حرصًا على الوصول إلى الأكثر فائدة للسوق.
المرونة متوافرة في قواعد القيد بالبورصة.. والهيئة ترحب بإجراء تعديلات جديدة عليها إذا ظهرت الحاجة لذلك
حابي: هل توجد مبادرات اتخذتها الهيئة مؤخرًا في هذا الإطار؟
عمران: نقوم بهذه التشاورات بشكل دائم، وتكون هذه المحادثات مرتبطة بتطورات الأسواق وأوضاعها، وعندما يتطلب الأمر اتخاذ قرارات محددة لا نتردد في ذلك، وهو ما فعلناه منذ فترة حين قررنا خفض العمولات التي تتقضاها الهيئة والبورصة وشركة مصر للمقاصة، بالإضافة إلى الخفض الذي أقررناه على تكلفة الخدمات المقدمة للشركات المقيدة في بورصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة «بورصة النيل».
كما قمنا بتخفيض إضافي للجهات المانحة لتمويلات للمرأة، وغيرها من التخفيضات والحوافز مثل إصدارات سندات الاستدامة والسندات الخضراء، وكل ذلك يؤكد أننا حريصون على تشجيع المتعاملين ومساعدتهم على تحمل ضغوط هذه الفترة الاستثنائية نتيجة للاضطرابات الاقتصادية العالمية والتي ألقت بظلالها على الأسواق المالية.
وأود التأكيد على أن الهيئة العامة للرقابة المالية ليست لديها أي تحفظ على اتخاذ أي قرارات من شأنها التأثير إيجابيًّا على السوق والمتعاملين به.
حابي: هل ترى أن سوق المال المصرية بحاجة لحوافز ضريبية سواء على مستوى القيد أو التداول؟
عمران: أرى أن السوق تحتاج إلى تنشيط حركة طروحات وضخ بضاعة جديدة للمتعاملين، وأن تستقبل طروحات كيانات كبيرة.
ظاهرة Under Pricing أثبتت نجاحها عالميًّا في جذب المستثمرين للطروحات.. ولا بد أن نراعي تطبيقها في الطروحات المقبلة
فالكثير من التجارب الدولية التي نظرت إليها كأكاديمي في هذا الإطار، أوضحت أن نشاط حركة الطروحات، وإجراء طروحات كبيرة الحجم مفيد جدًّا للأسواق، مع ضرورة اتباع سياسة تسعير منضبطة وجذابة، فهناك ظاهرة عالمية في الطروحات تسمى Under Pricing، ووفقًا لهذه السياسة تراعي الجهات التي تسعى للطرح أن تتبع تسعيرًا جاذبًا للمستثمرين، بما يساعدهم على تحقيق عوائد جيدة من هذا الطرح.
وأعتقد أن اتباع سياسة التسعير الجاذب للمستثمرين، إلى جانب طرح عدد من الكيانات كبيرة الحجم سواء التابعة للقطاع الخاص أو الجهات التابعة للدولة، عنصران أساسيان في خلق حالة من الرواج والنشاط وبالتالي ستشهد سوق المال حينها طفرة كبيرة في النمو.
حابي: كم يبلغ حجم الطروحات الكبيرة التي ترى أن السوق تحتاج إليها خلال الوقت الحالي؟
عمران: عندما تحدثنا في استراتيجية تطوير سوق المال عن استهداف الهيئة العامة للرقابة المالية الوصول برأس المال السوقي من 630 مليار إلى 2.6 تريليون، وطرح العاصمة الإدارية سيساهم بصورة كبيرة في تحقيق المستهدفات، ولكن بخلافها ستحتاج السوق إلى طرح كيانات قيمتها تراوح ما بين 700 إلى 800 مليار جنيه، وهنا لا أقصد أن تكون هذه القيم هي قيمة الطرح ولكنني أقصد قيمة الكيانات ذاتها.
البورصة تحتاج إلى ضخ بضاعة جديدة.. وطرح شركات كبيرة الحجم «الأهم»
وبالفعل متفائل وأرى أن السوق قادرة على استقبال هذه الطروحات الكبيرة، خاصة بعد حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن طرح شركة العاصمة الإدارية التي وصلت قيمتها لنحو 2 تريليون جنيه وهذا رقم كبير على مستوى القيد، وسيساهم في إحداث طفرة في القيمة السوقية للشركات المقيدة بالبورصة، حتى وإن تم طرح ما يتراوح بين 10 أو 20 أو 30 مليار جنيه فقط.
فالبورصة بحاجة لطروحات تشبه نموذج العاصمة الإدارية على مستوى الحجم والقيمة، وبعض التجارب كشفت عن استحواذ بعض الكيانات على نحو ثلث القيمة السوقية لكل الشركات المقيدة بالبورصة، وكان لها أثر كبير في تنمية السوق وتشجيع كيانات أخرى كبيرة الحجم على اتخاذ هذه الخطوة.
السوق بحاجة لطرح كيانات قيمتها تتراوح ما بين 700 إلى 800 مليار جنيه.. والعاصمة الإدارية نموذج على مستوى الحجم والقيمة
وأرى أن انضمام مثل هذه الكيانات الكبيرة إلى البورصة سيساهم في تطور مساهمتها في التنمية الاقتصادية، وأن يكون حجم رأس المال السوقي للبورصة مناسبًا لحجم الناتج المحلي الإجمالي.
حابي: شهدت سوق المال خلال الفترة الأخيرة جدلًا واسعًا حول نشاط عروض الاستحواذ على الشركات المقيدة بالبورصة، خاصة أن البعض يرى أن تسعير الأسهم بعروض الشراء متدنٍّ للغاية ولا يعبر عن القيم العادلة لهذه الشركات.. كيف تقيّم هذا المشهد؟
عمران: أرى أن هذا الوضع يعطي إيحاءً بأن الأسهم ما زالت جذابة بالبورصة المصرية، كما تقدم رسالة قوية لمجتمع المستثمرين بأن كثيرًا من الأسعار السوقية لا تعكس بالضرورة القيمة الحقيقية لهذه الشركات، وبالتالي هناك فرص نمو جيدة، وأنا هنا أتكلم عن المتوسط وليس العموم، فبالطبع تعدد عروض الاستحواذ بصفة عامة يعكس وجود تصور إيجابي عن هذه الشركات، وكذلك عن سوق المال المحلية ككل.
رأس المال السوقي للبورصة لا يناسب حجم الناتج المحلي الإجمالي.. وطرح الكيانات الكبيرة سيساهم في نموه بصورة أفضل
حابي: أصدرت هيئة الرقابة المالية تعديلات تقضي باشتراط الحصول على موافقة الهيئة العامة للرقابة المالية قبل إجراء عمليات الفحص النافي للجهالة لأي من الشركات العاملة في الأنشطة المالية غير المصرفية في ضوء ما بدر لها من مؤشرات بالسوق تستدعي ذلك.. هل هناك تعديلات مشابهة تتم دراستها حاليًا في سبيل حماية الشركات المقيدة من عروض الاستحواذ غير المناسبة؟
عمران: قواعد القيد تتسم بالمرونة، والأسواق تدار بالقرارات، لذلك كلما وجدنا ما يستدعي إصدار قرارات بهدف التيسير أو لضمان حماية أكبر للمستثمرين أو إضفاء استقرار أكبر في الأسواق يتم اتخاذ قرار بشأنها، فالأمور هنا غير مرتبطة بشخص أو جهة محددة، وإنما ترتبط بالقيمة المضافة المترتبة على القرار أو التعديل، سواء على صعيد الفاعلية أو التطوير، وكذلك زيادة الجاذبية والقدرة على تجاوز الصدمات، أو توفير قدر أعلى من الاستقرار أو سلامة المعاملات.
حابي: ذكرت خلال الحوار المجتمعي الذي عقد مع أطراف السوق حول استراتيجية التطوير بعض التعديلات المقترحة على قواعد القيد بالبورصة، هل نتوقع صدور تعديلات قريبًا في هذا الإطار؟
عمران: تعديلات القواعد لا تصدر عن رئيس الهيئة وإنما عن مجلس إدارتها وهو لم يتشكل بعد.
حابي: هل هناك بنود أخرى ترى أهمية تعديلها ولم يتسن لك الوقت لتنفيذ ذلك.. وتعتزم اقتراحها على المجلس الجديد؟
عمران: بالفعل هناك بعض الأمور في هذا الإطار ستعرض على مجلس الإدارة الجديد، فقد توصلنا لبعض التعديلات المهمة على قانون التمويل العقاري في ضوء الاجتماعات التي عقدها مجلس الإدارة واللجنة الاستشارية لتيسير الحصول على التمويلات، كما أن قانون التكنولوجيا المالية صدر قبل أيام من انتهاء مدة عمل مجلس إدارة الهيئة السابق، وبالتالي سيكون على المجلس الجديد وضع القواعد التنفيذية له، وأمور أخرى متنوعة ستعرض على المجلس الجديد.