عمرو الألفي خلال مؤتمر حابي: تزايد أعداد المضاربين يفقد السوق توازنها
الاهتمام بالأسهم منخفضة القيمة المعروفة بمخاطرها المرتفعة وضع المستثمرين بين شقي الرحى
هاجر عطية _ عرض عمرو الألفي ، رئيس قسم البحوث بشركة برايم لتداول الأوراق المالية، ورقة بحثية في مؤتمر حابي السنوي الرابع، تحت عنوان منظور عملي لتحسين أداء الشركات والحكومات.
أوضح الألفي أن دراسته لا تقصد شركة بعينها أو الحكومة، وإنما تتضمن محورين، الأول خاص بالشركات ويتناول كيفية تحسين الأداء المالي والتشغيلي للشركة سواء كانت قطاعًا خاصًّا أو عامًّا، مع توضيح الطريقة التي يمكن أن تحسن بها الشركة أداءها المالي والتشغيلي، وكيف يمكن زيادة تقييمها المالي فيما بعد، والمحور الثاني خاص بالحكومات ويشمل بعض الاقتراحات والأفكار التي يمكن أن تتبناها الحكومات نفسها لتحسين أدائها خلال الفترة المقبلة، مع بعض الاقتراحات للتنفيذ.
قال الألفي، إن الدراسة تركز على الشركات التي تمثل جزءًا من الاقتصاد الكلي وخصوصًا الشركات المدرجة في البورصات عامة والبورصة المصرية بصورة خاصة، موضحًا أنه اختار الحديث عن الشركات الخاصة بالتزامن مع مناقشة المؤتمر حول تمكين القطاع الخاص.
أسهم الشركات المصدرة كانت الأكثر استفادة من قرار المركزي تخفيض العملة
وأشار إلى ثلاث سمات رصدها في السوق المصرية خلال الفترة الماضية، ولاحظ تأثيرها على أداء سوق الأسهم حتى الآن، وهي المضاربة وليس الاستثمار، والاستثمار على المدى القصير وليس الطويل، والانعكاسية وليس الكفاءة.
وأوضح أن تقرير البحوث السنوي لشركة برايم الذي صدر في آخر يناير تضمن بعض السمات الأكثر ظهورًا في السوق المصرية خلال عام 2021، والتي ما زالت مستمرة حتى 2022، وأولها هي المضاربة وليس الاستثمار، فالعام الحالي من أكثر السنوات التي زادت فيها أعداد المضاربين أكثر من المستثمرين ما نتج عنه فقدان التوازن في السوق، فالمستثمر بطبيعة الحال هو مستثمر طويل الأجل، كذلك المضارب هو متداول قصير الأجل، كما أن المضارب عادة لا يهتم بأساسيات الشركات أو الأداء التشغيلي والمالي للشركات في المستقبل.
وأوضح رئيس قسم البحوث بشركة برايم لتداول الأوراق المالية، أنه يمكن تعريف المضارب بأنه أي شخص يشتري أي شيء لمجرد أن السعر سيرتفع مستقبلًا، وبالتالي فإن المستثمرين كانوا بين شقي الرحى نتيجة اهتمام السوق بالأسهم ذات القيمة الصغيرة والتي تتميز بمخاطرها المرتفعة وضعف أساسيات شركاتها، منوهًا إلى وجود بعض الشركات ذات القيمة الصغيرة، ومن ناحية أخرى فإن المستثمر طويل الأجل كان يحاول جعل أدائه مواكبًا لأداء السوق، وهو مستثمر طويل الأجل.
ولفت أنه في حالة استثمر في الأسهم ذات القيمة الكبيرة سيتراجع أداؤه مقارنة بأداء السوق، وبالتالي فإن ذلك يقودنا إلى السمة الثانية، وهي الاستثمار قصير المدى، وليس طويل المدى، فبالتزامن مع ارتفاع أعداد المضاربين مقارنة بأعداد المستثمرين في السوق فإن الأفق الزمني للاستثمار أصبح قصير الأجل وليس طويل الأجل.
الشركات التي استحوذت عليها الصناديق السيادية الخليجية تتمتع بقوة التسعير والتحكم في التكاليف
وأوضح عمرو الألفي ، أن هذا يحدث في حالة كون أغلب تداولات السوق من المضاربين، لأن تداولاتهم تكون من قروض هامشية، وبالتالي هناك مديونيات، ويترتب على ذلك أن دورة رأس المال تكون قصيرة الأجل، وبالتالي فإن ذلك يؤثر على أسعار الأسهم ما قد يدفع المستثمر طويل الأجل للعزوف عن الاستثمار في الشركات القوية من ناحية الأساسيات بسبب التذبذب الكبير، لافتًا إلى أن التذبذب كان عنيفًا في عام 2021 بالأخص.
وتابع أن السمة الثالثة وهي الانعكاسية وليست كفاءة السوق، موضحًا أن نظرية الانعكاسية ظهرت بشكل واضح في عام 2021، وتحدث عنها المستثمر جورج سورس أحد المستثمرين المعروفين في العالم، والتي تستند إلى وجود حلقة تغذية عكسية إيجابية، وهي نظرية تشرح كيف تسير الأسواق ناحية اتجاه معين لا يوجد به أي توزان اقتصادي، إما ارتفاعًا أو انخفاضًا حتى تصل إلى نقطة تحول تعكس اتجاهًا معاكسًا بنفس التعزيز الذاتي، وهو مثال للسوق المصرية في عام 2021 في أداء المؤشر “إيجي إكس 70” متساوي الأوزان، فقد حدثت طفرة ارتفاع في أسعار أسهم المؤشر والتي استمرت فترة طويلة بلغت نحو عام ونصف، حتى وصلت لمنطقة الذروة.
وتابع أنه حدث انهيار قصير المدى لأسعار الأسهم لمدة 3 أشهر، وكان انخفاضًا حادًّا هبط خلاله المؤشر بنسبة 30%، نتيجة لتصفية المراكز من قبل المضاربين الحاصلين على مارجن كبير، ما جعل السوق المصرية مرشحة للشكل الضعيف من نظرية كفاءة السوق، والتي تضم ثلاثة مستويات، هي المستوى القوي يليه المستوى القوي الثابت ثم الضعيف، وتعتبر السوق المصرية حاليًا في مستوى ضعيف بسبب أن المعلومات الجديدة التي تظهر في السوق ليست بالضرورة أن تنعكس سريعًا على أسعار الأسهم.
توقعات بزيادة الطروحات العامة الأولية مع نهاية العام
حدد رئيس قسم البحوث بشركة برايم لتداول الأوراق المالية، 5 حالات رئيسية توقعها لسوق الأسهم المصرية لعام 2022م، وهي التضخم المرتفع، وضعف عملة الجنيه المصري، وعمليات الاندماجات والاستحواذات، وعائد توزيعات مرتفع، إضافة إلى الطروحات العامة الأولية، وقد تحقق منها التضخم المرتفع مدفوعًا بتضخم التكلفة وتضخم الطلب والاستهلاك إضافة إلى التضخم الداخلي المعروف بدوامة الأجور والأسعار، مشيرًا إلى أن الأسهم بشكل عام تعتبر تحوطًا من التضخم، أما ضعف العملة فقد كان متوقعًا نتيجة التضخم لكن توقيت الزيادة لم يكن معروفًا، مشيرًا إلى أن السهم المصري كان بحاجة إلى أن يصبح أكثر مرونة ليتمكن من امتصاص أي صدمة خارجية وهي توقعات آخر يناير، ولكن اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في ٢٤ فبراير، ترتب عليه قرار البنك المركزي المصري تخفيض العملة يوم ٢١ مارس، موضحًا أن أسهم الشركات المصدرة هي الأكثر استفادة من قرار المركزي إضافة إلى الشركات التي تمتلك صافي أصول أجنبية وديون أجنبية منخفضة مثل الشركات في قطاع البنوك والطاقة والمرافق والتصنيع والقطاع العقاري والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وأشار عمرو الألفي إلى توقعات بنشاط عمليات الاندماجات والاستحواذات نتيجة انخفاض تقييمات أسعار الأسهم أقل من قيمتها العادلة، مع تواجد بعض المستثمرين الماليين لفترات طويلة للاستثمار في شركات رخيصة جدًّا، وقد تم الاستحواذ على شركات في قطاعات البنوك والرعاية الصحية والخدمات المالية غير المصرفية والقطاع العقاري وخدمات الاتصال وتكنولوجيا المعلومات.
وذكر أن هناك نوعين من المستثمرين، هما المستثمر المالي والمستثمر الاستراتيجي المتطلعان لأفق استثمار طويلة نوعًا ما، موضحًا أن المستثمر المالي مثل شركات الاستثمار المباشر والملكية الخاصة والمستثمر الاستراتيجي قد يعمل في نفس القطاع سواء كان مصريًّا أو أجنبيًّا، وهما يركزان على الأسهم المدرجة في البورصة المصرية لتحقق عائدًا أعلى من المتوسط في حالة المستثمر المالي الذي لا يجد فرصة أفضل من الاستثمار في البورصة المصرية، أما المستثمر الاستراتيجي فهو يهدف إلى زيادة نمو في شركته بطريقة غير عضوية من خلال شراء شركة جديدة، متوقعًا أن السوق المصرية لا تزال مهيأة لكثير من الاندماجات والاستحواذات في الفترة القادمة نتيجة استمرار انخفاض تقييمات الأسهم.
إدارة الدول يمكن أن تشبه إدارة الشركات في ظل وجود حوكمة مع تحقيق مصالح الشعوب
وتابع الألفي، أن الموضوع الرابع هو التركيز على عوائد التوزيعات المرتفعة، مشيرًا إلى أنه في حالة حدوث تذبذب بسبب وجود المضاربين بنسبة أكبر من المستثمرين قصيري الأجل أكثر من طويل الأجل ينتج عنه تذبذب عالٍ جدًّا، ما يدفع المستثمر للدخول في شركات لديها توزيعات أرباح بعائد مرتفع نسبيًّا، وهو ما رأيناه من شراء الصناديق السيادية الخليجية مؤخرًا لأسهم ذات عائد ربحي مرتفع.
وأشار إلى التوقع الخامس وهو الطروحات العامة الأولية الذي لم يحدث بكثرة حتى الآن ومن المتوقع زيادة الطروحات مع نهاية العام مثلما وعدت الحكومة مؤخرًا، موضحًا أن الطروحات الأولية عكس الاندماجات والاستحواذات؛ لأن عروض الاستحواذ تحدث عادة عند انخفاض تقييمات الأسهم، ما يدفع الكثير من المستثمرين للشراء، فضلًا عن بناء مصانع جديدة، والذي يكون أقل تكلفة من الطروحات الأولية التي تحدث عادة عندما تكون تقييمات الأسهم مرتفعة في السوق، وهو ما يدفع أصحاب الشركات المغلقة أو التي تواجه مشاكل طرح شركته في البورصة لرؤيته أن سعر الأسهم منخفض، لافتًا إلى أن الحل الوحيد هو طرح شركات حكومية لتزيد من عمق السوق، حيث إن الطروحات العامة الأولية يحاول المستثمرون المؤسسون التقارب للإنفاق على البيزنس الخاص بهم، أو كما فعل بعض مؤسسي الشركات المدرجة مؤخرًا أخذ الشركة لهم.
وأوضح أن هناك ثلاثة أسباب لتنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة، ما قد يساعد على زيادة نشاط الطروحات العامة الأولية في الفترة القادمة لتوسيع قاعدة المستثمرين في الكيانات المملوكة للدولة، إضافة إلى تسهيل بعض الاستثمارات الحكومية باعتبار الحكومة مثل أي مستثمر يؤسس شركات ويحتاج إلى تحقيق عائد لاستثماراته من خلال بيع جزء صغير من ملكيته، مشيرًا إلى أنه لا يقصد الخصخصة بعينها وإن كان هذا المصطلح له انطباع سلبي عامة، ولكن لاحظنا مؤخرًا أن بعض الدول الخليجية مثل الإمارات أو السعودية تطرح بعض شركات المرافق العامة حتى لو بنسب بسيطة، وأخيرًا فإن الدولة بإمكانها تجميع رؤوس الأموال بدلًا من زيادة النفقات في الشركات العامة، بالتزامن مع محدودية في الميزانية التي تنمو عن طريق زيادة رؤوس الأموال والطرح في البورصة بعيدًا عن ميزانية الدولة.
تنفيذ وثيقة ملكية الدولة يساعد على زيادة نشاط الطروحات العامة الأولية ويوسع قاعدة المستثمرين
وكشف عمرو الألفي ، عن أن أي شركة سواء كانت قطاعًا خاصًّا أو عامًّا يمكن أن تحسن من أدائها التشغيلي، وبالتالي من أدائها المالي، ومن ثم ترتفع تقييماتها، يجب أولًا أن تعرف حجم تواجدها ومكانتها في السوق وقطاعها والأهداف التي تسعى لها وكيف يمكن أن تحقق أهدافها، مشيرًا إلى أن جميع الأمور السابقة تكون مبنية على الميزات التنافسية في القطاع، والتي لا تستطيع الشركات تحسين أدائها إلا من خلال تلك المميزات التي يتم تحديدها من خلال قوة التسعير والتحكم في التكلفة من خلال قدرة الشركة على تحديد أسعار منتجاتها أو خدماتها في السوق.
ولفت أن قوة التكلفة فيقصد بها قدرة الشركة على وضع حد لتكلفتها خلال نموها، متبعًا أهمية المصفوفة التي قام بعرضها بالشكل السابق ذكره، والتي توضح قوة التسعير مقابل التحكم في التكلفة، وعند تقييم الأداء المالي لشركة فإن الطريقة الأكثر استخدامًا هي نموذج التدفقات النقدية المخصومة، والتي تساوي صافي الربح التشغيلي بعد الضرائب مخصومًا منه صافي استثمارات الشركة في مجال الأعمال كل عام، إذن فإن طريقة تقييم أي شركة بطريقة DCF بدايتها هو طريقة الربح التشغيلي بعد الضريبة، ويمكن تعريف صافي الربح التشغيلي بعد الضريبة بأنه الإيرادات التشغيلية مطروحًا منها المصروفات التشغيلية ثم تخصم منها الضرائب.
أضاف أنه بالحديث عن الإيرادات والمصروفات فالإيرادات التشغيلية تكون مدفوعة بحجم البيع، لكن ذلك له حد يتحكم فيه حجم الطاقة الإنتاجية ويمكن زيادة الإيرادات من خلال رفع الأسعار وهو ما يظهر قوة التسعير بقدرة الشركة على رفع السعر دون التأثير على حجم إنتاجها، وبالتالي فإنه يمكن تحديد قوة أو ضعف الشركة من خلال قوة التسعير، أما المصروفات التشغيلية فتكون مدفوعة بالتحكم في التكاليف وتخفيضها، وبالنظر إلى الإيرادات التشغيلية فإن السعر نظريًّا ليس له حد أقصي وقد يظل يرتفع إلى ما لا نهاية وخصوصًا في أوقات التضخم، لذلك فإن الأسهم تعتبر بمثابة تحوط ضد التضخم، لكن من ناحية التكاليف فإن هناك حدًّا أدنى للتكاليف، ولا يمكن أن تخفض التكاليف إلى صفر، وحتى إن تم خفضها إلى صفر تكاليف لا يمكن تخفيضها أكثر لتحت الصفر.
ونوه مدير البحوث بشركة برايم لتداول الأوراق المالية، أنه يمكن تقسيم الشركات من حيث ربحيتها الاقتصادية من خلال مصفوفة مقسمة إلى قوة تسعير قوية وتحكم في التكلفة قوي، والنوع الثاني قوة تسعير قوية وتحكم في تكلفة ضعيف، والنوع الثالث ضعيف في قوة التسعير وقوي في التحكم في التكلفة، ويعتبر أسوأ نوع هو الشركة أو القطاع الذي يعاني من ضعف في قوة التسعير وضعف في التحكم في التكلفة، موضحًا أن قوة التسعير هي التأثير على الكمية المطلوبة من منتج أو خدمة نتيجة التغير في سعر المنتج، ويمكن أخذ مثال عدم وجود مرونة في الطلب أي إن رفع الأسعار لن يؤثر على نسبة البيع، ويمكن أن تكون المواد الخام المستخدمة نادرة بالتالي فإنه مهما ارتفعت الأسعار لن يتأثر الطلب، ما يتيح للمصنع رفع السعر، أو قد تكون المنافسة غير موجودة في السوق أو ضعيفة جدًّا ما يتيح قوة التسعير كمثال.
وأشار إلى أن التحكم في التكلفة يكون من خلال تقليل المصروفات التشغيلية؛ لأن الهدف يكون تزويد الربح الاقتصادي للشركة وتقليل التكاليف قدر الإمكان دون التأثير على استمرارية الشركة والذي يمكن أن يتم من خلال القدرة على المساومة بالضغط على الموردين عن الشراء بأحجام أكبر للوصول لأقل تكلفة وفي حالة وجود موردين آخرين فإنه يمكن المفاضلة بين مورد وآخر، كما يمكن تقليل التكلفة تحت مسمى كفاءه التكلفة.
وأوضح الألفي، أن الشركة التي تتمتع بقوة التسعير وقوة التحكم في التكلفة تستطيع إدارة ربحيتها بما يتماشى مع استراتيجيتها، أما النوع الثاني وهو قوي التسعير مع التحكم في التكلفة فيطلق عليه ثاني أفضل، وذلك لأن قوى التسعير ليس لديها حد أقصى نظريًّا ويمكنها رفع الأسعار إلى ما لا نهاية، بالتالي فإن الشركة إن تحملت زيادة في التكلفة فإنه بإمكانها تمرير التكلفة إلى المستهلكين لمنتجاتها، أما في النوع الثالث وهو “قوى تسعير ضعيفة وتحكم أفضل في التكلفة” فإنه يمكن تقليل التكلفة لكن هناك حدًّا أدنى لها وهذا النوع هو ثاني أسوأ، أما النوع الرابع وهو الأسوأ عندما تكون قوى التسعير ضعيفة والتحكم في التكلفة ضعيف، وشركات هذا النوع لا تستطيع التحكم في الأسعار ولا تكلفة الإنتاج ما يجعل الربحية أكثر تقلبًا ويضعف من قدرة الشركات على السيطرة على الربحية، موضحًا أنه من الأفضل للمستثمرين المستويات الأول والثاني والثالث، والابتعاد عن الرابع.
ولفت إلى أن بعض الشركات التي تم الاستحواذ عليها مؤخرًا من قبل الصناديق السيادية الخليجية كانت من شركات النوع الأول التي تتمتع بقوة تسعير قوية وتحكم في التكاليف، والتي من ضمنها البنك التجاري الدولي، وإي فاينانس، وفوري لتكنولوجيا المدفوعات، والإسكندرية لتداول الحاويات، أما شركات النوع الثاني فمنها أبوقير للأسمدة ومبكو، موضحًا أن قطاع الأسمدة لديه فرصة للتصدير والحصول على العملة الأجنبية، وبالتالي فإن التسعير يمكن أن يرتفع بصورة تعوض أي ارتفاع في التكاليف، وذلك لأنه حتى وإن كانت الشركات تمتلك ضعفًا في التحكم في التكاليف ولكن بإمكانها رفع الأسعار لكونها شركات مصدرة، أما النوع الثالث وهو شركة «بيتك» والتي تم الاستحواذ مؤخرًا على ثلثها تقريبًا فهي لا تمتلك قوة تسعير لأنها تبيع منتجات استهلاكية إلكترونية بالتالي فإن السعر ليس المتحكم فيه ولكن بإمكانها التحكم في تكاليفها، مشيرًا إلى أن الرئيس التنفيذي للشركة ذكر مؤخرًا أن الشركة ضاعفت إيراداتها 5 مرات، فيما ضاعفت أرباحها 10 مرات.
وأوضح أن المحور الثاني للدراسة يدور حول كيف يمكن للحكومات أن تحسن من أدائها، فالحكومة إن قامت بإدارة أصولها مثل الشركات فإن حوكمة الشركات في إداراتها هي الأساس للحفاظ على حقوق المساهمين وهو ما يساعد على تجنب تعارض المصالح والذي قد يحدث بين المساهمين من جهة والإدارة من جهة أخرى، لافتًا إلى تطبيق نظام حوكمة الشركات بصورة ما على بعض الدول، حيث يمكن اعتبار الدولة نفسها هي شركة مساهمة والشعب أكبر مساهم في الشركة والحكومة هي مجلس إدارة الشركة، إذن فإن هدف الشعب سيكون نفس هدف المساهمين وهو زيادة عائد استثماراته، مبينًا أن استثمارات الشعب يكون جزء منها نقدي والجزء الآخر يكون الموارد البشرية للدولة نفسها، وما يشملها من جهد ووقت ومعرفة، ففي حالة الدول فإن الحكومات تدير شؤون البلاد من خلال استراتيجية عامة هدفها الأساسي زيادة العائد للشعوب من خلال رفع مستوى معيشتهم ورفاهيتهم وتخفيض نسبة البطالة والاهتمام بالصحة والتعليم وغيرها من الأهداف التنموية.
وأكد عمرو الألفي ، على أهمية القرارات السياسية التي تتخذها الحكومة في تنويع استثماراتها وتنويع مصادر تمويلها مثل الشركة، من خلال حسابات استثماراتها وحجم قروضها من الآخرين، موضحًا أن بعض الدول على سبيل المثال ذات الملاءة المالية القوية لا تقترض بشكل كبير، وهناك دول أخرى تقترض بصورة كثيفة، لدرجة أنها تستمر في إعادة تمويل استثماراتها عن طريق الاقتراض لتحافظ على معدلات النمو الاقتصادية المرتفعة، وهو ما يشبه القرض الهامشي الذي يحصل عليه المضارب لشراء أسهم في البورصة، وهذا الاتجاه يزيد من حجم المخاطر لأن الوضع من الممكن أن يكون متغيرًا، خصوصًا مع تغير الرؤية الاستثمارية، وهو لا يقتصر على الجانب المحلي فقط ولكن يشمل التغيرات العالمية، وهو ما ظهر من تأثير التغيرات العالمية على السوق المصرية على وجه التحديد.
وأكد أنه من المتوقع انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، ومثال على ذلك دولة ما تعاني عملتها المحلية من ضغط ومعدلات التضخم فيها خرجت عن السيطرة وتكلفة الديون المحلية في أعلى مستوى لها منذ عشرات الأعوام، موجهًا سؤالًا للحاضرين بالتخمين من هذه الدولة؟ والتي رجح أحدهم أن تكون تركيا، وذكر الآخر أنها لبنان التي تدهورت عملتها المحلية بنسبة 95% في الفترة الماضية، منوهًا إلى أن من هذه الدول مصر وتونس أو المملكة المتحدة، متابعًا أنه ليس بالضرورة أن تكون دولة نامية، فما يحدث مؤخرًا في المملكة المتحدة حدث من قبل منذ نحو 50 عامًا، حيث قامت المملكة بتغيير حكومتها وتغيير رؤيتها الاستثمارية واتجهت نحو رفع معدلات النمو الاقتصادي دون الالتفات إلى الخوف من أن تقع البلاد في حالة ركود اقتصادي.
أضاف مدير البحوث بشركة برايم لتداول الأوراق المالية، أن الجنيه الإسترليني اليوم في أزمة فقد بلغ معدل انخفاضه منذ بداية العام نحو 15%، ونحو 45% انخفاضًا من أيام الأزمة العالمية، مشيرًا إلى أن معدلات التضخم في المملكة المتحدة ارتفعت عند أعلى مستوى لها في 40 عامًا لتقترب من 10% بعد أن كانت 9.9% تقريبًا، فيما ارتفع العائد على السندات الحكومية عند أعلى مستوى له منذ 20 سنة، وصل عند السندات البريطانية إلى نحو 5%، وهو ما يعكس الوضع الحالي للأزمة الاقتصادية في المملكة المتحدة نتيجة القرارات الأخيرة التي تم اتخاذها من قبل الحكومة برئاسة رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة ليز تراس، ومعها وزير الخزانة البريطاني، فقد قاموا بإعداد ميزانية جديدة، وهو تكرار لما حدث منذ خمسين عامًا في المملكة المتحدة خلال أول السبعينيات، فقد كانت أسعار الطاقة خلال عام 1973 مرتفعة وهو ما يحدث الآن من زيادة كبيرة في أسعار النفط، وإن بدأت في الانخفاض مؤخرًا، لافتًا إلى أن أوروبا تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي المستورد من روسيا.
وأشار أنه بالتزامن مع الأزمة الروسية، ما أثر على زيادة أسعار الطاقة، وهو ما دفع الحكومة البريطانية لاتخاذ قرارات للحد من ارتفاع تكلفة المعيشة للمواطنين البريطانيين، والتي ركزت على تحفيز النمو الاقتصادي من خلال خفض الضرائب على شرائح مختلفة، وإلغاء ضريبة 45% على أصحاب الدخل المرتفع، كما قامت بتخفيض تكلفة الطاقة على المواطنين بوضع حد أقصى للتكلفة السنوية للطاقة لكل أسرة، لكن بعض السياسيين والاقتصاديين أجمعوا على أن هذه القرارات ليست جيدة وسوف تقلل من المساواة بين المواطنين البريطانيين، وهو ما جعل الحكومة ترجع عن العمل بقرار إلغاء ضريبة 45% على أصحاب الدخول المرتفعة لنشر المساواة بين المواطنين، ولكن صندوق النقد الدولي لا يزال ينتقد استراتيجية بريطانيا وهو من أنقذ بريطانيا خلال 46 عامًا الماضية، فقد اقترضت بريطانيا في 1967 نحو 3.9 مليارات دولار، مع وجود مشكلة في عملتها المحلية في الوقت نفسه، ولم تحصل بريطانيا على القرض كاملًا في ذلك الوقت، وبعد ثلاث سنوات قبل انتخابات عام 1979 سددت بريطانيا ما اقترضته.
وأشار عمرو الألفي ، إلى أن الاقتصاد هو فن إدارة التغير والمتغيرات مع وضوح الاستراتيجية العامة التي تنتهجها الحكومة، فبعد خطة الإنقاذ التي وضعها صندوق النقد الدولي للحكومة البريطانية في فترة السبعينيات، عاد الاقتصاد البريطاني للتعافي مرة أخرى في نمو أقوى، وارتفعت عائدات النفط مع ظهور اكتشافات بترولية جديدة، وتحسن الحساب التجاري، وانخفض عجز الميزانية أقل من التوقعات، ما زاد من قيمة الجنيه الإسترليني فيما بعد، لافتًا إلى أن ارتفاع قيمة العملة ليس بالضرورة أن يكون مفيدًا للاقتصاد، خصوصًا الاقتصاد الذي يعتمد أو يرغب في الاعتماد على التصدير، فقد أثرت قوة الجنيه الإسترليني بالسلب على الصناعات التصديرية للمملكة المتحدة، وانخفضت نسبة التصنيع بالنسبة للمملكة المتحدة على مدار السنين نتيجة تركيز الحكومة على الخدمات المالية أو الخدمات بصفة عامة بنسبة أكبر، ما ترتب عليه حدوث ركود بعد زيادة الجنيه الإسترليني.
وقال الألفي، إنه يمكن تطبيق مصفوفة الشركات على الدول، فعلى سبيل المثال عند تطبيق المصفوفة فيما يتعلق بقوة التسعير، فإن قوة تسعير الدولة تكون برفع الضرائب دون أن تحدث أي تأثير على النمو، أما من ناحية التكاليف فإن ذلك يكون بالقدرة على خفض التكاليف مثل الدعم وخدمة الدين دون أن يحدث أي تأثير على رفاهية الشعب أو التأثير بالسلب على الاستثمار بشكل عام، موضحًا أن أول خطوة يجب أن تقوم بها الحكومات لتطبيق المصفوفة هي معرفة وضعها الحالي وما الوضع الذي تخطط لتحقيقه مستقبلًا وكيف يمكن أن تصل إليه؟
وأوضح أن ملخص هذه الدراسة يفيد بأن إدارة الدول يمكن أن تكون مثل إدارة الشركات ولكن يجب أولًا أن تكون هناك حوكمة مع تحقيق مصالح الشعوب باعتبارها المساهم الأكبر في الدولة، ثانيًا: ان تغيير السياسات المالية والنقدية أمر وارد يمكن حدوثه من وقت لآخر، ويجب أن تكون هناك مرونة في اتخاذ القرارات وهو أمر صحي، فمثلما حدث في إنجلترا تم التراجع عن بعض القرارات التي اتخذتها الحكومة، مؤكدًا على ضرورة وجود رؤية عامة يتم من خلالها تحديد الميزة أو الميزات التنافسية لتحقيق معدلات نمو مستدامة.
وأشار إلى أن تعظيم الإيرادات ليس بالضرورة أن يكون من خلال رفع معدلات الضريبة وهي أسهل طريقة، مثلما تقوم بعض الشركات برفع السعر لزيادة إيراداتها بدلًا من الإنتاج الذي يحتاج إلى ضخ استثمارات جديدة، لكن رفع السعر يكون الطريقة الأسهل هنا، ويمكن وضع خطة خارج الصندوق من خلال وضع حوافز للاستثمار تساعد على توسيع القاعدة الضريبية بدلًا من رفع معدلات الضريبة، لافتًا إلى الحوافز التي أعلن عنها وزير المالية خلال المؤتمر الاقتصادي، والتي ستكون مهمة لزيادة الإيرادات من خلال رفع القاعدة الضريبية، حيث إن الهدف هو توظيف هذه الحوافز لتحقيق المستهدفات المالية للدول، أما خفض النفقات فيكون على سبيل المثال متمثلًا في خفض الدعم من خلال ربط أسعار الطاقة بأسعار أو أداء الشركات المصنعة مثلما حدث مؤخرًا في شركات الأسمدة الأزوتية بعد خفض سعر الغاز الطبيعي بسعر اليوريا، ويمكن تعميم نفس الفكرة على العديد من الشركات لتحقيق الاستفادة للدولة.
وذكر أن تحسين بيئة الاستثمار يوفر العديد من الوظائف ويرفع معدلات النمو، وبالتالي تزيد الإيرادات الضريبية، موضحًا أنه بالنسبة لمصر فإن تحسين الأداء لن يكون بنفس القوة الكافية إلا بعد أن يتم تحديد وضع البلاد في كل قطاع وتحديد الميزات التنافسية في كل قطاع وإقرار السياسات المحفزة للوصول إلى الهدف الذي تريده.
وأوضح مدير البحوث بشركة برايم لتداول الأوراق المالية، أن البنوك المركزية في أي دولة لا يمكنها رفع معدل النمو الاقتصادي حتى لو تم استخدام جميع الأدوات المختلفة من السياسة النقدية، موضحًا أن البنك المركزي في أي دولة يجب أن يكون هناك تناغم بينه وبين باقي أجهزة الدولة لرفع معدل النمو الاقتصادي ويكون مستدامًا، وكما ذكر بن برنانكي الرئيس الأسبق للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خلال الفترة من عام 2006 إلى 2014 فإن معظم السياسات التي تدعم النمو الاقتصادي القوي على المدى الطويل تكون خارج نطاق البنك المركزي.