إبراهيم محلب: اتفاق صندوق النقد خطوة لا بد منها في وقت عالمي صعب

الزيادة الكبيرة في تكلفة الاستيراد لم تكن مدرجة في الموازنة العامة للدولة

ياسمين منير ورضوى إبراهيم _ قال المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء الأسبق، إن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي خطوة أساسية وكان لا بد منها، وهو ما أجمع عليه الاقتصاديون والمتخصصون الذين شاركوا في المؤتمر الاقتصادي مؤخرًا، كما طالبوا بالإسراع في تنفيذ هذه الخطوة لما سيترتب عليها من المساهمة في إدارة المرحلة المقبلة.

وأكد محلب في تصريحات لجريدة حابي، أن الوصول لاتفاق تمويل جديد مع صندوق النقد خلال المرحلة الحالية والتي تشهد تداعيات أزمة اقتصادية عالمية طالت آثارها الدول كافة حتى وإن كان ذلك بنسب متفاوتة، هو بمثابة شهادة ثقة دولية بأن الاقتصاد المصري ما زال في حالة جيدة ويستطيع أن يواجه الأزمة الحالية، مثلما واجه من قبل تداعيات انتشار وباء كورونا وتأثيراته السلبية على إيرادات السياحة وحركة التجارة العالمية نتيجة قيود السفر وصعوبة التحرك فيما بين الدول.

E-Bank

لولا المنافذ الحكومية لارتفعت أسعار السلع بصورة جنونية

وتابع: “الاقتصاد المصري صمد في مواجهة تداعيات كورونا، كما يواجه حاليًا التأثيرات السلبية التي فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية، وفي مقدمتها ارتفاع أسعار المواد الأساسية التي تستوردها مصر مثل القمح، وهذه الزيادة الكبيرة في تكلفة الاستيراد لم تكن مدرجة في الموازنة العامة للدولة قبل اندلاع الحرب، ولكننا لاحظنا واستشعرنا جميعًا بحرص الدولة على توفير المستلزمات الأساسية للمواطنين مهما كانت التكلفة، بالإضافة إلى الدعم المباشر عبر شبكة الحماية الاجتماعية التي اعتمدت عليها الحكومة في تقليل الآثار السلبية على المواطنين”.

ولفت محلب، إلى أن منافذ توزيع السلع التابعة للحكومة وأجهزتها لعبت دورًا محوريًّا في السيطرة على أسعار السلع الأساسية إلى حد كبير جدًّا، ودونها لكانت الأسواق شهدت ارتفاعًا جنونيًّا في الأسعار خلال الفترة الأخيرة تحديدًا، وهذا يعد نجاحًا للدولة في إدارة الآثار السلبية للأزمات العالمية المتلاحقة خلال السنوات الأخيرة.

بلا شك سيزيد معدل التضخم نسبيًّا.. ولكنها زيادة مرحلية مؤقتة

وقال رئيس الوزراء الأسبق: “أعتبر القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي مؤخرًا، وأهمها تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، وتطبيق سياسة السعر المرن، بمثابة عملية عبور اقتصادي للأزمة العالمية، وأتوقع نجاح مصر في إنجازها في فترة زمنية ليست طويلة، إلا أننا لا بد أن ندرك أهمية الوحدة بين الحكومة والشعب في هذه المرحلة لعبورها بنجاح في أقصر وقت ممكن”.

الفترة الحالية تشهد مساندة واضحة ودعمًا قويًّا من الدولة على مستوى تسهيل التراخيص

وتابع:” أعلم جيدًا أن هناك مخاوف لدى شريحة كبيرة من تداعيات تطبيق سياسة سعر الصرف المرن، لما يترتب على ذلك من ارتفاع أسعار المنتجات في بداية التطبيق، ولكن لا بد من السيطرة على تلك المخاوف سريعًا، وعلينا الانشغال بالتركيز على إيجاد الحلول القادرة على تحجيم هذه الآثار ومواجهتها، وهنا ستظهر أهمية شبكات الحماية الاجتماعية في السيطرة على ارتفاعات الأسعار، وتوفير الاحتياجات الأساسية للشرائح الأكثر احتياجًا في المجتمع”.

علينا التدرب على ضبط سلوكنا الاستهلاكي..وتكوين ثقافة اجتماعية جديدة

ورأى محلب أن تطبيق سعر الصرف المرن في مواجهة العملات الأجنبية هو الحل الوحيد لوصول الجنيه لقيمته العادلة، وهذا أمر أصبح ضروريًّا ولا مفر منه، وتوقع انتهاء فترة التذبذب في السعر خلال شهرين على أقصى تقدير، وأن هذه الفترة ستقل خلالها التذبذبات بشكل تدريجي.

وقال: “سنشهد انفراجة اقتصادية كبيرة بمجرد وصول الجنيه المصري للسعر العادل أمام العملات الأخرى، وحينها ستزيد التدفقات المالية الخاصة بتحويلات المصريين العاملين بالخارج، والتي تأثرت بشكل أو بآخر خلال الفترة الأخيرة نتيجة عدم استقرار أسعار الصرف”.

القرارات الأخيرة بمثابة عبور اقتصادي للأزمة العالمية

وأكد محلب، أن القرض الذي ستحصل عليه مصر من صندوق النقد الدولي، سيساهم مرحليًّا في سداد الفجوة التمويلية، وأن الأجل الذي سيتم استغراقه في سداد هذه الفجوة يتوقف على تحركاتنا خلال الفترة المقبلة على مستوى ملف الاستثمار وتشجيع السياحة والنهضة بالصناعة لتقليل الواردات وزيادة الصادرات، خاصة أن المقومات التي تتمتع بها مصر لا تقل عن المقومات التي قامت على أساسها نهضة النمور الآسيوية.

وفيما يتعلق بمعدلات التضخم المتوقعة للأشهر الثلاثة المقبلة، قال: “بلا شك سيزيد معدل التضخم نسبيًّا، نتيجة لارتفاع أسعار السلع وخاصة الأساسية، ولكنها زيادة مرحلية مؤقتة وستعود الأسعار للانخفاض من جديد بعد فترة، وعلينا أن نتدرب حاليًا على ضبط سلوكنا الاستهلاكي، فأصبح من الضروري أن نراجع نمط الصرف والاستهلاك وتكوين ثقافة اجتماعية جديدة، لأن الاستهلاك بشكل منضبط سيساهم في عودة معدلات التضخم للتراجع بصورة أسرع.

أتوقع نجاح مصر في إنجاز إجراءات الإصلاح في فترة زمنية ليست طويلة

وعلى مستوى أزمة تكدس السلع في الموانئ، توقع محلب أن تشهد انفراجة واضحة خلال الشهرين المقبلين، لأنها أزمة وصلت جيدًا للحكومة وتم الحديث عن التعامل معها كأولوية خلال الفترة المقبلة، وناشد التجار بالحفاظ على هامش ربح مقبول دون مبالغة من شأنها تعظيم شعور المواطن بالآثار السلبية للأزمة الحالية.

وأضاف رئيس الوزراء الأسبق، أن هناك محورًا آخر يشهد تطورًا ملحوظًا خلال الفترة الأخيرة، وهو اهتمام الدولة بتنمية ونهضة ودعم الصناعة المحلية في عدد من المجالات المختلفة، مؤكدًا أن استمرار الحكومة على هذا النهج والتأكيد عليه في عدة أحداث متتالية مؤخرًا، يؤكد السير في الطريق الصحيح نحو عبور تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية.

انفراجة مرتقبة وواضحة في أزمة تكدس البضائع بالموانئ خلال شهرين

وأوضح محلب، أن اهتمام رئيس الجمهورية بالتأكيد على أهمية تطوير الصناعة المحلية خلال الفترة الحالية، دليل قوي على أن الدولة مدركة جيدًا أهمية دور الصناعة المحلية، لما ستحدثه من نقله كبيرة لوضع الاقتصاد المصري في منافسة أسواق المنطقة، خاصة أنها تخلق فرصًا تصديرية كبيرة وتعد أحد أهم مصادر توليد النقد الأجنبي الذي تحتاجه الدولة للاستمرار في الوفاء بالتزاماتها الخارجية، بالإضافة إلى تلبية باقي احتياجاتها الأساسية التي تقوم باستيرادها من الخارج.

انفراجة اقتصادية كبيرة بمجرد وصول الجنيه المصري للسعر العادل

وأكد محلب، أن هناك عدة مجالات صناعية تستطيع مصر تحقيق إنجاز ملحوظ بها والاستغناء عن وارداتها، مثل صناعة الملابس والغزل والنسيج، وذلك بدعم من توافر الإمكانيات اللازمة للنهوض بها، علاوة على أن تلك الفترة تشهد مساندة واضحة ودعمًا قويًّا من الدولة على مستوى تسهيل تراخيص الأراضي وغيرها من تراخيص العمل الأخرى.

الملابس والغزل والنسيج من الصناعات الواعدة التي يجب الرهان عليها

ونوه رئيس الوزراء الأسبق، إلى أن جميع مقومات النهضة الصناعية متوفرة في مصر، سواء على مستوى الأراضي أو العمالة أو مصادر الطاقة والكهرباء وشبكة البنية الأساسية، فالصناعة المحلية هي أحد أهم محاور عبور الأزمة الاقتصادية، وأن الأمر لا يحتاج سوى الاستمرار في توحيد الإرادة والجهود فيما بين الحكومة والقطاع الخاص والمواطنين، ولا بد أن يتم التأكيد على هذا الهدف خلال المرحلة الحالية.

وأضاف: “نحن جاهزون لتحقيق نقلة كبيرة ونوعية على مستوى ملف الصناعة المصرية وجني ثمار تركيز الدولة خلال السنوات الأخيرة على النهوض بالبنية الأساسية على عدة أصعدة، والذي كان أمرًا ليس محل اختيار وليس له بدائل أخرى، فلا يمكن لأي دولة أن تحقق تطورًا في وضعها الاقتصادي دون وجود شبكة بنية أساسية قوية”.

مقومات مصر لا تقل عن التي قامت على أساسها نهضة النمور الآسيوية

وتابع: “على الرغم من تداعيات الأزمة العالمية على الاقتصاد المحلي، إلا أن هذه الأزمة خلقت لمصر فرصًا جيدة جدًّا ولا بد أن نعمل على الاستعداد للاستفادة منها خلال الفترة المقبلة، فالأوضاع الجيوسياسية الحالية ستجبر العالم على الانتقال من التركيز على دول الغرب إلى دول الشرق، وأرى أنها فرصة ذهبية لمصر التي تتمتع بمناخ جيد وموقع جغرافي متميز على مستوى السياحة والاستثمار في مجالات مختلفة، ولدينا عدة مناطق ومدن قادرة على إبهار الوافدين على مستوى الإقامة أو الاستثمار مثل العلمين وشرم الشيخ والساحل الشمالي ومدن البحر الأحمر”.

لا يمكن لأي دولة أن تحقق تطورًا في وضعها الاقتصادي دون وجود شبكة بنية أساسية قوية

وقال: “مؤتمر المناخ الذي تستضيفه مصر خلال الشهر المقبل في مدينة شرم الشيخ والحضور الكبير المتوقع، هو فرصة ذهبية للترويج للسياحة المصرية، تحت شعار “دولة سياحة الأمان والاطمئنان والدفء”، خاصة أن أوروبا ستواجه موسم شتاء بارد وقاسٍ دون توافر الطاقة الكافية لمواجهته، وبالتالي مصر مرشحة لجذب شريحة كبيرة منهم بدعم من مناخها المتميز وإمكانيتها المتطورة في عدة مدن حيوية ومتنوعة، كما أنه علينا الاستعداد لتدريب المواطنين على التعامل مع السياح بصورة أكبر، من خلال برامج التوعية الاجتماعية، والتي يجب أن تبدأ من المدارس ومراحل التعليم الأساسي”.

أعلم جيدًا أن هناك مخاوف لدى شريحة كبيرة من تداعيات سياسة سعر الصرف المرن.. ولكن علينا التركيز على الحلول

وأكد رئيس الوزراء الأسبق، أن مصر بحاجة لوجود خطة قومية للنهوض بالتعليم الفني، لما سيلعبه ذلك من دور محوري في تدوير وتطوير قدرات الإنسان، وتوجيه الجهود للمجالات التي من شأنها أن تحدث لهذه الفئة نقلة كبيرة ونوعية على مستوى المعيشة والدخل، كما أنها ستساهم بصورة كبيرة في تحقيق عدة أهداف اقتصادية هامة مثل تنمية القطاع السياحي والعودة لمعدلات نموه الجيدة والتي تحتاج إلى عمالة متنوعة ومميزة، والقطاع الصناعي الذي لا يمكن أن يستغني عن حاجته للعمالة الفنية الماهرة وذات الكفاءة العالية.

وتابع: “التعليم الفني سيبرز قيمة الثروة البشرية التي تتمتع بها مصر، والتي لا تحتاج سوى التخطيط الجيد وتحديد الأولويات والأهداف القومية، ثم توجيه الطاقة البشرية للتأهل للقيام بدورها في تحقيق تلك الأهداف، وأعتقد أن 6 أشهر فترة كافية لتحديد الاتجاه الذي سنؤهل العمالة المصرية للسير فيه نحو تحقيق الأهداف، وهنا أود أن أستشهد بتجربة دولة المغرب في صناعة السيارات، فعندما استعدت جيدًا على مستوى تأهيل وتدريب وتوجيه العمالة الفنية، حققت نهضة كبيرة في سوق السيارات بقوة الأيدي العاملة وسحبت البساط من دول أوروبية ليست ضعيفة على مستوى هذه الصناعة”.

الأزمة العالمية خلقت لمصر فرصًا جيدة جدًّا لا بد أن نعمل على الاستفادة منها

وشدد محلب، على ضرورة تركيز المحليات خلال الفترة الحالية على التواصل والاندماج بصورة أكبر مع المواطنين، وهي الجهة الأكثر قدرة على إشعاره بالتقدم الذي حققته الحكومة في عدة مجالات، بالإضافة إلى توجيههم لما يحقق الأهداف القومية ومنحهم أملًا كبيرًا في القادم.

أتوقع انتهاء فترة التذبذب في سعر الدولار خلال شهرين على أقصى تقدير

واقترح رئيس الوزراء الأسبق، أن تقوم المحليات بالتنسيق مع المواطنين في كل القرى والمدن وتكوين مجلس أمناء لكل قرية بهدف توحيد جهود التكافل الاجتماعي لتتكامل مع ما تنجزه مبادرة حياة كريمة، موضحًا أن تنسيق المحليات مع مجالس الأمناء من شأنه تسريع وتيرة حصر احتياجات القرية والمساهمة في تطوير المدارس والمستشفيات، من خلال الزيارات المتتالية لتلك المرافق والتواصل مع القائمين عليها.

وقال: “أرى أن توجيه هذا التكافل والتكاتف الاجتماعي سيشعر المواطن بالتطورات بصورة أسرع من تولي الحكومة لهذا الملف وحدها وتحمل أعبائه بمفردها، فعندما نقوم بإشراك المواطن في تحقيق مثل هذه الأهداف تكون الفائدة أعظم وأكبر بل ستتضاعف النتائج”.

 

الرابط المختصر