شريف الصياد: شح الدولار أنتج طلبا أكبر من المعروض

25 % انخفاضا في الصادرات الهندسية لنقص مكونات الإنتاج

شاهندة إبراهيم _ قال المهندس شريف الصياد رئيس المجلس التصديري للصناعات الهندسية ، إن الاقتصاد العالمي تعرّض في عام 2022 إلى ضغوط كبيرة، فبمجرد أن استفاق من أزمة كورونا بدأت الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي أحدثت ضغوطا تضخمية كبيرة، وصلت في بعض الدول الأوروبية إلى 6 و7%.

وبخلاف التأثيرات الخارجية، يعتقد الصياد، وهو أيضًا رئيس مجلس إدارة شركة تريدكو المتخصصة في المكونات المغذية للأجهزة المنزلية وتصنيع السيارات والسكوتر الكهربائي، أن جزءًا كبيرًا من الأزمة في مصر كان لعوامل داخلية منها شح الدولار وصعوبة فتح الشركات للاعتمادات المستندية، ما أثّر سلبًا على استيراد المكونات اللازمة للصناعة لتلقي بظلالها على القطاع بوجه عام.
أضاف الصياد، في تصريحات لجريدة حابي: “حتى مع تعويم الجنيه لم يتوافر الدولار؛ لترتفع الأسعار بطريقة جنونية”، كما بات سعر العملة الأمريكية لا يعتمد فقط على التسعير الحقيقي للجنيه؛ فبسبب شح العملة ظهرت حالة من الطلب تفوق العرض، ما أدى إلى زيادة لا تقل عن 50% في تكاليف كل القطاعات تقريبًا، كما أثر ذلك سلبًا على الاقتصاد بشكل عام.

E-Bank

يجب تشجيع القطاعات التي تدر عملة صعبة من الخارج

أضاف أن قطاع الأجهزة المنزلية والصناعات المغذية للسيارات والسكوترز الكهربائي تحديدًا، تأثر أيضًا كما تأثر السوق كله؛ تحت ضغط عدم القدرة على استيراد مكونات الإنتاج؛ لارتفاع الأسعار إلى قمم غير مسبوقة، فضلًا عن عدم انتظام حركة التصدير مع إعطاء الأولوية للسوق المحلية.

وأشار إلى أن صادرات القطاع في عام 2022 انخفضت بين 20 إلى 25% مقارنة مع عام 2021، معتبرًا أن السبب الرئيسي وراء ذلك قلة وندرة مكونات الإنتاج.

ويعتقد الصياد أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة التحديات الطارئة “لم تكن كافية بالشكل المطلوب لحماية الصناعة والاقتصاد المصري في فترة ملبدة بالضغوط الداخلية والخارجية”، مضيفًا: “نتيجة لذلك وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من ارتفاع كبير في التكاليف وعدم توافر الدولار؛ ما دفع شركات ومصانع عديدة للإغلاق لعدم توافر المكونات، وتعذر دفع الأجور”.

ولا يرى الصياد حلولًا عاجلة لأزمة توافر الدولار، قائلًا إنه لو سُمح بشراء الدولار من السوق الموازية وإيداعه في البنوك سيحل جزءًا من الأزمة لكن ستبقى آثاره الجانبية على سعر العملة.

وقال إن الطلب على منتجات القطاع في السوق الخارجية قائم، لكنّ الأولوية للسوق المحلية نظرًا لوجود تعاقدات مبرمة بالفعل مع شركات لا يمكن التضحية بها، وهي لا تفي أيضًا بجميع طلبات السوق المصرية.

وأضاف أن الطلب في السوق المحلية تراجع بقوة، لكن اضطرار بعض الشركات إلى الإغلاق أو خفض الإنتاج أحدث نوعًا من التوازن بين العرض والطلب.

25-30 % تراجعًا في الطلب.. وخفض الإنتاج أحدث توازنًا

وأشار رئيس المجلس التصديري للصناعات الهندسية إلى انخفاض الطلب بنسبة 25 إلى 30% بعد ارتفاع سعر المنتج النهائي، مضيفَا: لكنّ الشركات لا زالت تعمل وعليها طلب، فهل معنى ذلك أن السوق لم تنخفض؟ مجيبًا: “لا، فالسوق انخفضت بصورة كبيرة، لكن في الوقت نفسه المصنعين والتجار المستوردين انخفض المعروض لديهم بصورة واسعة”.

وعن حجم التأثير على أسعار المنتجات في عام 2022، قال شريف الصياد إنها صعدت بنسبة 50% مقارنة بارتفاع الدولار، موضحًا أن العملة الخضراء كانت بسعر 15.80 جنيهًا وارتفعت حاليًا إلى مستوى فوق 29 جنيهًا، بصرف النظر عن الأسعار الجنونية، الموجودة في السوق الموازية.

وأضاف أن الشركات والمصانع ترفع حاليًا أسعار منتجاتها تدريجيًّا، بواقع 5 إلى 10% شهريًّا، وهو ما عدّه “أمرًا طبيعيًّا لن يتوقف حتى معادلة ارتفاع سعر الدولار”؛ مضيفًا: في النهاية الصناعات الهندسية معتمدة على استيراد جزء كبير من المكونات والخامات الرئيسية، و”طالما تغير سعر الدولار فمن المنطقي أن السعر الداخلي للمنتج النهائي يتغير أيضًا”.

مطلوب استغلال تراجع العملة في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية

وتابع: “في التصدير يحدث العكس؛ فمن الممكن أن ينخفض السعر نوعًا ما لأن حساب التكلفة يتم بالجنيه المصري ومن ثم نقسمه على سعر الدولار الجديد”.

ويرى الصياد أن الحل الوحيد للخروج من عنق الزجاجة هو اتجاه جميع الشركات نحو التصدير، واستدرك: لكن تبقى العقبة هنا في عدم القدرة على استيراد المكونات والخامات اللازمة للتصنيع؛ نظرًا لعدم توافر الدولار والإجراءات التي أقرها البنك المركزي، ما يدخلنا في حلقة مفرغة لا تنتهي إلا بإجراءات حاسمة توفر الدولار بالطرق الرسمية أو تفتح المجال أمام الشركات لتوفير احتياجاتها الدولارية “بطريقتها”.

ويعتقد رئيس المجلس التصديري للصناعات الهندسية أن شركات عديدة ستتجه للتصدير في الفترة المقبلة، وأن المجلس سيوفر طرقًا وآليات مناسبة للتصدير، إلى جانب توفير مدير تصدير ناجح، ومهندسين لمساعدتهم في الحصول على شهادات الجودة التي تطلبها أغلب دول العالم، وخلق فرصة للمعارض الدولية والبعثات الخارجية لجذب عملاء للسوق المصرية.

50 % زيادة في أسعار المنتجات في 2022

ويتوقع شريف الصياد أن تخصص الشركات ما بين 30 و40% من إنتاجها في الفترة المقبلة للتصدير لإحداث التوازن وتمكينها من الاستمرار.

وقال إن كل القطاعات تأثرت بالتحديات التي طرأت خلال عام 2022، ولم ينجُ تقريبًا إلا السلع الغذائية والزراعية؛ لاعتماد أغلبها على المنتج المحلي، وكذلك الصناعات الطبية، التي شهدت انتعاشًا في الفترة الماضية بفعل جائحة كورونا.

الشركات ستوفر 30-40% من الإنتاج للتصدير لتمكينها من الاستمرار

وأضاف أن جميع القطاعات التي تعتمد على استيراد المكونات والخامات من الخارج تأثرت سلبًا وبقوة بظروف الدولار وتكلفة الخامات والشحن؛ ما يجعل سعر المنتج النهائي غير قادر على التوافق مع القدرة الشرائية للعملاء، حتى منتج مثل البوتجاز الذي يعتمد على استيراد مكونات بنسبة لا تزيد على 10%.

ويعتقد أن دور الحكومة في تشجيع القطاع الخاص دون المتوسط، مضيفًا: “خصوصًا في ظل الفرصة الذهبية التي أتيحت بخروج العملاق الصيني من المنافسة في سوق الشرق الأوسط في عامي 2021 و2022 نتيجة كورونا وارتفاع أسعار الشحن وأسباب أخرى”.

وأضاف: “كان أمام مصر فرصة لاقتناص مكانة كبيرة في المنطقة، لكن لم يكن هناك تشجيع أو تعزيز لدور القطاع الخاص في 2022، ما أثر سلبًا على جميع القطاعات لتنخفض الأرقام بشكل كبير وخصوصًا في شهر سبتمبر الماضي مع تأثير ندرة الخامات على إنتاج المصانع والشركات”.

ولا يرى شريف الصياد حلولًا في الفترة المقبلة سوى تشجيع القطاعات التي تدر عملة صعبة من الخارج، مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، والصادرات، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج.

ويعتقد أن الخطوات التي اتخذتها الدولة لتشجيع السياحة غير كافية حتى الآن، مضيفًا أنها ما زالت تدور حول 10 إلى 11 مليونًا كما كانت قبل 2011، بينما سبقتنا بلدان أخرى، مثل تركيا والمغرب، وهي لا تمتلك المقومات السياحية التي تتوفر لدى مصر، مشددًا على أهمية توافر الجذب السياحي.

كما يشير إلى أهمية جذب الاستثمارات الأجنبية استغلالًا لانخفاض الأصول تأثرًا بتراجع سعر العملة، مؤكدا أهمية وجود توجهات حاسمة وخطة استراتيجية لاجتذاب الاستثمارات التي تدر عائدًا بالدولار.

كما نبّه إلى أهمية زيادة حصيلة الصادرات، قائلًا إنها ما زالت بعيدة عن هدف الـ100 مليار دولار، إذ تدور حول 30 و35 مليار دولار.

الرابط المختصر