بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة كومتريكس للتجارة الإلكترونية _ تعرض الجنيه المصري لتخفيض جديد مطلع الشهر الجاري، وتكررت الحلقة التي يدور فيها منذ وعيت على الدنيا واقتصاد مصر.
تميز الانخفاض الأخير بقسوته وبقصر الفترة الزمنية المعتادة بين كل انخفاض وآخر. وضجت المنابر بالمحللين ومن يحاولون توقع مستقبل قيمة الجنيه مقابل الدولار، وسمعنا وشاركنا في تلك الأحاديث بغض النظر عن مستوى المعرفة أو التعليم.
من مظاهر الفترة التي تسبق والتي تتبع أي تخفيض هي اختلال توازن السوق وعدم استقراره وضبابية الرؤية المستقبلية. وتكمن إشكالية السوق في تلك المرحلة في ثلاثة أمور: الأول هو معاناة الجميع بلا استثناء من انكماش مدخراتهم بالجنيه وبحثهم عن الوسائل الأكثر حفظًا لقيمة تلك المدخرات. وموجة التضخم الرهيبة والمبالغ فيها أحيانًا نتيجة استغلال المصنعين والتجار لتلك الظاهرة وللسوق غير المستقرة.
والثانية تكمن في صعوبة التنبؤ بسعر العملة المستقبلي وبالتالي صعوبة التخطيط والتسعير إذ إن دورة الصناعة والاستيراد تسبق البيع بعدة شهور مما يؤدي إلى المغالاة في التسعير المبني على توقع الأسوأ مما ينتهي إلى التضخم المبالغ فيه.
حاولت الدولة بقيادة البنك المركزي -اللاعب الرئيسي في تلك المواقف- معالجة تلك الأمور باستخدام عدة أدوات من أدوات السياسة النقدية. فكلنا شهدنا استخدام الفائدة وإنشاء وعاء ادخاري بفائدة خارج التوقعات لتحجيم المعروض من المال لمجابهة التضخم وتشجيع المدخرين بالجنيه المصري على الاحتفاظ به وتعويضهم جزئيًّا عن أضرار الانكماش الذي أصاب مدخراتهم بفعل التضخم.
والأداة الأخرى وهي موضوع المقال والتي سبق وأشار إليها محافظ المركزي في المؤتمر الاقتصادي وهي استخدام المشتقات في مساعدة المتعاملين في السوق على توقع السعر المستقبلي للجنيه مقابل الدولار وعلى إدارة المخاظر الكامنة في سعر الصرف والتي يتعرض لها التاجر أو المصنع نتيجة الفجوة الزمنية التي تقع بين بداية سلسلة الإمداد وحتى بيع المنتج.
من الناحیة التعريفية، تعتبر المشتقات أدوات مالیة مبنية على استخدام أصول مالية أخرى كالأسھم، والسندات، والسلع، والعملات ، وغیرھا. وبالطبع فإن الأدوات التي أعلن عنها البنك المركزي متعلقة بالمشتقات الخاصة بالعملات. والمشتقات أنواع عديدة أكثرها مركب ومعقد أشهرها وأبسطها العقود المستقبلية (Futures) والخيارات المالية (Options) .
والعقود المستقبلية هي اتفاق طرفين على بيع أو شراء سلعة في تاريخ محدد في المستقبل بسعر محدد ومتفق علية وقت توقيع العقد وعادة ما يكون السعر مختلفًا عن أسعار التسليم الفوري. أما الخيارات فتتعلق بالحق في الاختيار في المستقبل بين شراء أو بيع سلعة في المستقبل بسعر محدد وقت تسليم العقد. وفي حالة اختيار عدم البيع أو الشراء تكون هناك مصاريف يلتزم بها الطرف اللذي يملك الخيار.
فلو افترضنا أن هناك مصنعًا يستورد 50% من مكونات منتجه النهائي ويحتاج إلى ثلاثة أشهر بين طلبه لتلك المكونات والإنتاج والبيع، فهناك مخاطرة في تلك العملية ناتجة عن أن الاستيراد يتم بالعملة الأجنبية والبيع يتم بالعملة المحلية وخلال تلك المدة الزمنية قد يتغير سعر العملة في عكس صالح المصنع مما يؤدي إلى تآكل أرباحه نتيجة سعر الصرف.
لذلك فإذا ضمن المصنع سعر الصرف في المستقبل يستطيع ضمان الربح الناتج عن التصنيع أو التجارة بغض النظر عن تقلبات السوق.
وهناك عدة استخدامات للمشتقات أهمها كما ذكرت سابقًا التحوط. والتحوط ھو أحد أشكال إدارة المخاطر، یتم من خلاله اتخاذ مراكز عكسیة في صفقة مالیة بھدف تقلیل الخسائر المحتملة.
ویھدف المتحوطون إلى تقلیل مخاطر تقلبات أسعار الصرف أو أسعار الفائدة أو أسعار الأصل محل التعاقد. وتعتبر المشتقات المالیة أحد أھم الأدوات المالیة التي تحقق غرض التحوط ضد مخاطر الأصول الأساسیة إذ یھدف إلى تقلیل حالة عدم التأكد، وتخفیض تأثیر الخطر إلى أقل قدر ممكن، وإن أدى ذلك أحيانًا إلى التضحیة بجزء من العوائد المتوقعة، كما یساعد التحوط على التخطیط للاستثمارات المستقبلیة بدرجة أدق.
الاستخدام الأشهر الآخر هو المضاربة على الأسعار ولا یتم فیھا استلام الأصل، ولكن تتم عمليات البيع والشراء قبل تاريخ التسليم الموجود في العقد. ومن أبسط أشكالھا، یقوم المضارب بشراء أداة مالیة على أمل ارتفاع سعرھا بغرض البیع وتحقیق أرباح سریعة.
التعامل في المشتقات يحتاج إلى مستثمرين متمرسين لذلك قد يحتاج المستثمرون من رجال الأعمال إلى تدريب المديرين الماليين على استخدام تلك الآليات الجديدة كما تحتاج البنوك أيضًا إلى مزيد من الكوادر القادرة على التعامل مع المشتقات. ولا أقصد هنا التدريب النظري ولكن العملي وأنا متأكد من أن البنك المركزي يعد لذلك ويمكن الاستعانة ببرامج المحاكاة التي يمكن بها تشكيل سوق افتراضية تماثل الواقع كبيئة عملية للتدريب.
لا شك أن المشتقات المالية هي أدوات جديدة على السوق المصرية، الهدف منها هو إيجاد آلية تساعد المستثمر على إدارة المخاطر والحد منها، كما تهدف إلى تقليل الضبابية والعمل على وضوح الرؤية المستقبلية للأسواق.
ولو أحسن استخدامها قد تساعد في كبح جماح التضخم وخصوصًا المكون المتعلق بعدم وضوح الرؤية المستقبلية. لذلك نتمنى كل التوفيق للبنك المركزي في إدارة تلك الأزمة وفي استخدام تلك الأدوات لنبدأ من حيث انتهى الآخرون.