في اللقاء الحادي عشر من صالون حابي.. تحديات وحلول تحسين بيئة ممارسة الأعمال في 2023 .. الجزء الأول

aiBANK

قبل أسبوعين، نشرت جريدة حابي عددًا افتتاحيًّا لعام 2023، تضمن إجابات مئة من قادة مجتمع الاقتصاد والأعمال عن 30 سؤلًا مهمًّا عن حاضر ومستقبل الاقتصاد وفروعه. ونعتقد أن العدد الذي بين أيديكم الآن هو المكمل لجهد عدد الاستطلاع ومتممًا له، لعدة أسباب من بينها أن العدد الحالي يغوص فيما وراء الإجابات، وأسبابها، وخلفياتها أيضًا، ويعرض من المناقشات ما يفسر إلى حد كبير التحديات التي يراها مجتمع الأعمال في بيئة الاستثمار، كما يطرح مقترحات لحلولها.. وهذه هي النقطة الأولى التي من المهم الإشارة إليها عند التقديم لهذا العدد.

اضغط لمشاهدة اللقاء كاملا

E-Bank

النقطة الثانية، هي أنه وكعادة صالون حابي الذي وصل عدد لقاءاته إلى الرحلة الحادية عشرة، فإن التمثيل القطاعي للمتحدثين ذاب بصورة كبيرة أمام النظرة الكلية لبيئة الاستثمار، فاللقاء الذي ضم كلًّا من: الدكتور سامح الترجمان رئيس شركة إيفولف القابضة ورئيس البورصة المصرية الأسبق، والدكتور أحمد شلبي الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة تطوير مصر، والدكتور أحمد عبد الحافظ رئيس شركة القناة للتوكيلات الملاحية، لم يتمحور حول تحديات قطاعات سوق المال والعقارات والنقل البحري، بقدر ما أخذ منها ورد لها ما يحقق الهدف الأهم وهو تحسين بيئة ممارسة الأعمال وتقديم مقترحات قابلة للتنفيذ، وبوضوح تكاد تختفي فيه القدرة على التأويل.

النقطة الثالثة مرتبطة بتوقيت هذا اللقاء الذي يأتي بعد إتمام اتفاق صندوق النقد الدولي، والمضي قدمًا في تنفيذ متطلبات البرنامج المتفق عليه مع الصندوق، عنصر التوقيت كان نموذجيًّا في التعامل مع المتغيرات الجديدة وآثار الإجراءات التي تم اتخاذها بالفعل، وبالتبيعة، فإن الحلول والمطالب والمقترحات التي شهدها اللقاء تتسم بالواقعية التي من المهم التعامل معها أو على الأقل مناقشتها في دوائر صنع القرار.

قبل الدخول إلى تفاصيل ما شهده اللقاء، يتقدم فريق جريدة حابي بالشكر للمتحدثين، على أمل المشاركة في لقاءات وقضايا أخرى. كما ننتهز هذه الفرصة للإشارة إلى الجهد المبذول من أطراف منظومة التطوير الصناعي في مصر، سواء المسؤولون الرسميون أو ممثلو القطاع الخاص، لحل مشكلة عدم طرح أراضٍ على المطورين الصناعيين منذ عام 2018، والإعلان رسميًّا الأسبوع الماضي، عن عودة طرح الأراضي بضوابط جديدة، وهو الملف الذي طرحته جريدة حابي في صالونها السابق، والذي نشر كاملًا في عددها الصادر بتاريخ 22 يناير الماضي، تحت عنوان «المطورون الصناعيون يبحثون عن أرض»!

أحمد رضوان: بسم الله الرحمن الرحيم أهلًا وسهلًا بكم في لقاء جديد من «صالون حابي» نبدأ العام الجديد بلقاء يناقش آفاق الاستثمار في 2023، العام الماضي كان مليئًا بالتحديات وهناك آمال كبيرة العام الجاري في الإصلاحات الجاري تنفيذها واتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي والالتزام به والتي يمكن أن تعطي بصيص أمل لبعض القطاعات الاقتصادية.

لقاء اليوم ينقسم إلى جزأين، الأول يتناول بيئة ممارسة الأعمال بصورة عامة سواء للحديث عن الوضع الراهن أو التوقعات للعام الجديد، والثاني نتحدث فيه عن القطاعات الاقتصادية وفقًا لتمثيل المتحدثين في صالون حابي اليوم وهم: الدكتور سامح الترجمان رئيس شركة إيفولف للاستثمار القابضة ورئيس البورصة المصرية الأسبق، والدكتور أحمد شلبي الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة تطوير مصر، والدكتور أحمد عبد الحافظ رئيس مجلس إدارة شركة القناة للتوكيلات الملاحية.

أهلًا وسهلًا بكم في «صالون حابي».. نسعى أن يكون لقاء مفيدًا في بداية السنة الجديدة، ولنبدأ حديثنا بالدكتور سامح الترجمان، إذا وددنا تقييم بيئة الاستثمار في ضوء البرنامج الجديد الذي تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي وخطط الحكومة المعلنة فيما يتعلق بتوسيع وتسهيل عمل القطاع الخاص.. كيف تقيّم الوضع الراهن على مستوى بيئة ممارسة الأعمال من واقع نظرة القطاع الخاص للجهد والإجراءات الحكومية الأخيرة بشكل عام وكذلك وضع المنافسة معها؟

د. سامح الترجمان: في البداية كل عام وأنتم بخير أتمنى أن يكون عامًا سعيدًا على الجميع، يسعدني التواجد معكم بصالون حابي وبصحبة الدكتور أحمد شلبي والدكتور أحمد عبد الحافظ، أعتقد أنه لا بد من النظر للأوضاع بشكل جيد حتى نستطيع الوصول لتقييم.

الدكتور سامح الترجمان رئيس شركة إيفولف القابضة

د. سامح الترجمان: في 2016 الدولة رأت أنها تستطيع قيادة استثمارات لتحريك الاقتصاد بصورة سريعة

منذ فترة طويلة تسعى الحكومة لعمل إصلاحات هيكلية للاقتصاد المصري بصفة عامة، بدأت تلك الإصلاحات تقريبًا منذ حكومة الدكتور عاطف صدقي الأولى واستمرت تلك المحاولات ثم جاء برنامج الخصخصة والذي أدى إلى انفراجة كبيرة في البورصة المصرية وانتعشت مرة أخرى على إثره، وتبع ذلك تحرير سعر الصرف بجانب اتخاذ حزمة كبيرة من الإجراءات إلى أن جاء عام 2010، والذي أدى إلى ارتباك اقتصادي وسياسي كبير استمر حتى عام 2014.

في الفترة من عامي 2014 و2015 بدأت إعادة بناء الدولة المصرية مرة أخرى بعد وقت طويل من الاضطرابات، ثم أبرمت مصر اتفاقًا مع صندوق النقد الدولي في عام 2016 وتم اتباع نظام مرن لسعر صرف الجنيه في ذلك الوقت.

أعتقد أن الاتجاه حينها كان لتوسيع وزيادة دور القطاع الخاص في الاستثمار، ولكن رأت الدولة أن هناك مشروعات تستطيع تحريك الاقتصاد بصورة أكبر ولا بد أن تضخ بها استثمارات، وبالنظر إلى وثيقة ملكية الدولة فقد أدى هذا الاتجاه إلى أن الدولة لديها 70% تقريبًا من الاستثمارات الجديدة مقابل 30% للقطاع الخاص، وكان الوضع قبل عام 2010 عكس ذلك إذ كان القطاع الخاص صاحب النصيب الأكبر.

تدخل الدولة أسهم بالفعل في دفع معدلات النمو.. وأعتقد أنها كانت خطوة مهمة

قامت الدولة المصرية بهذا الإجراء لرغبتها في تحقيق تنمية اقتصادية سريعة وكانت هناك نماذج كثيرة مماثلة عالميًّا في أوقات سابقة كقيام الولايات المتحدة الأمريكية بالاستثمار في البنية التحتية في فترة الكساد، وأيضًا في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

فدائمًا التفكير بالاستثمار في مشروعات بنية تحتية قوية يؤدي ويدفع عجلة الاقتصاد، وبالنظر إلى الأرقام والمؤشرات في مصر في تلك الفترة نجد أن الاقتصاد تحسن بالفعل ووصلت نسبة النمو في وقت من الأوقات إلى نحو 7% تقريبًا، ما ساهم في إحداث تطور كبير وجذب استثمارات أجنبية بعضها غير مباشر في الأوراق المالية الحكومية، وبشكل عام خلق هذا الاتجاه حركة ونشاطًا اقتصاديًّا كبيرًا وملموسًا.

في اعتقادي الشخصي أرى أن قيام الحكومة بزيادة استثماراتها في تلك الفترة كان هامًّا للغاية ولعب دورًا هامًّا في النمو، إذ تبع ذلك حدوث جائحة كورونا وتداعياتها على النشاط الاقتصادي ثم اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

ظروف كثيرة مثل كورونا والحرب الروسية ضغطت على الالتزامات الخارجية

لا شك أن الاستثمارات الحكومية الجديدة لعبت دورًا هامًّا، ولكن ما تأخر بعض الشيء هو قيام القطاع الخاص بدوره الذي يجب أن يقوم به، وهذا الوضع ونتيجة لظروف كثيرة تدافعت مع بعضها أدى إلى الضغط الشديد الذي حدث فيما يتعلق بالتزامات الدولة الخارجية كما أثر على القدرة على التحرك بالصورة التي يجب أن تكون.

من هنا كشفت الدولة عن رغبتها في تغيير الأوضاع وتوسيع دور القطاع الخاص ليكون له النصيب الأكبر وأعلنت عن القطاعات الاقتصادية التي تخطط للتخارج منها، وكلل هذا إبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي.

العام الماضي شهد تحديات كثيرة ما دفع الدولة لتعديل الاتجاه والرغبة في عودة القطاع الخاص لقيادة النشاط الاقتصادي، وأرى أن التحدي الأكبر حاليًا لا يكمن في قيادة القطاع الخاص للاقتصاد المصري من عدمه، صحيح أن هذا ما أعلنته الدولة وكشف عنه اتفاق صندوق النقد الدولي، ولكن القطاع الخاص يحتاج إلى تقوية صفوفه مرة أخرى نتيجة للظروف التي مر بها خلال السنوات الماضية.

2022 شهدت تحديات كثيرة دفعت للإسراع إلى ترك المجال لقيادة القطاع الخاص

أعتقد أن استعادة قوة القطاع الخاص هو التحدى الكبير أمام الجميع في الوقت الراهن، خاصة أن هذا التحول لا يمكن حدوثه بشكل سريع، وفي رأيي عام 2023 سيوضح كيف سنتعامل ليعود القطاع الخاص لقيادة الاقتصاد ولعب الدور المنوط به وأيضًا مدى قدرة الشركات الخاصة على مواجهة التحديات الموجودة لتثبت جدارتها في القيام بذلك.

فالقطاع الخاص في مصر يحتاج إلى إعادة هيكلة أيضًا، حتى يستطيع القيام بالدور المأمول منه والذي يحتاج إلى كيانات كبرى ذات قدرات عالية يمكنها التعامل مع المتغيرات العالمية وجذب الاستثمارات الخارجية.

التحدي الرئيسي في 2023 هو كيفية وجود قطاع خاص قوي تسانده الدولة يعملان في اتجاه واحد

لذا أرى أن التحدي الأكبر أمام القطاع الخاص في عام 2023 هو كيفية قيامه بالدور المطلوب منه بجانب آلية تنفيذ خطة الدولة للتخارج من بعض الأنشطة الاقتصادية.

التحدي الكبير حاليًا هو قدرة ومدى جاهزية القطاع الخاص على القيام بدوره

في مصر دائمًا التركيز على من سيكون له السيطرة على النشاط الاقتصادي الدولة أم القطاع الخاص؟! وهذا منطق غير موجود في اقتصاديات العالم فكل واحد منهما له دور مهم ويساندان بعضهما، فعلى سبيل المثال عندما حدثت الأزمة المالية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2008 وتعرضت البنوك الأمريكية لأزمات تعثر كبيرة تدخلت الحكومة الفيدرالية وساندتها.

أحمد رضوان: ربما لأن القطاع الخاص يرحب بدخول الحكومة كمساند وليس منافسًا؟

د. سامح الترجمان: لكل طرف منهما دور معني به في الاقتصاد، أما الفكر هنا في مصر إما ذلك أو ذاك، ولا يفترض أن يكون الوضع كذلك، فلا بد أن يكون هناك فهم جيد لدور كل من الحكومة والقطاع الخاص، وعندما يحدث خلل في هذه المعادلة فسيؤدي ذلك إلى حدوث الأزمات.

على مستوى العالم وإذا نظرنا على سبيل المثال إلى الصين وهي دولة لها نظام يعتمد على الحزب الواحد ولكن من يقود الاقتصاد الحقيقي هو القطاع الخاص وجزء من الشركات العملاقة في الاقتصاد الصيني خاص والدولة تساندها.

شركات القطاع الخاص يجب أن تعيد هيكلة نفسها وأن تكتسب القوة اللازمة لقيادة الاقتصاد

لذا أعتقد أن التحدي الرئيسي في عام 2023 هو كيف نصل لمعادلة وجود قطاع خاص قوي تسانده الدولة المصرية، ليعمل الطرفان في اتجاه واحد لتحقيق الهدف المرجو.

لا يجب المفاضلة بين الدولة والقطاع الخاص.. فلكل منهم دور مهم في الاقتصاد

ياسمين منير: ننتقل بالحديث إلى الدكتور أحمد شلبي ونرغب الدخول في التفاصيل بصورة أكبر ببيئة ممارسة الأعمال في مصر، نتحدث عن تحديات اقتصادية جزء منها عالمي والآخر محلي وهناك مراحل وإجراءات للإصلاح الهيكلي مر بها الاقتصاد المصري لسنوات كما استعرض الدكتور سامح الترجمان.

بيئة ممارسة الأعمال طوال الوقت تعتبر تحديًا رئيسيًّا فيما يتعلق بالبيروقراطية أو إجراءات التسهيلات والحوافز.. فكيف ترى الوضع الراهن؟

د. أحمد شلبي: أولًا سعيد جدًّا بالتواجد معكم في حابي، وأكثر سعادة بالتواجد مع الدكتور سامح الترجمان والدكتور أحمد عبد الحافظ.

الدكتور أحمد شلبي الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة تطوير مصر

د. أحمد شلبي: بيئة الأعمال تحتاج إلى جهد كبير لتكون أكثر تشجيعًا للقطاع الخاص خاصة بعد التحديات التي مرت بها منذ 2011

وفيما يتعلق برؤية الوضع الراهن، سأقوم بالبناء على ما استعرضه الدكتور سامح الترجمان والذي رسم صورة كاملة واضحة ومحايدة وبشكل بسيط دون أي تعقيد ـ أشكره عليها ـ لوضع الاقتصاد خلال 10 إلى 15 عامًا الماضية.

بيئة الأعمال في مصر تحتاج إلى جهود كبيرة للغاية، إذ إنها بعض الشيء تعد غير محفزة أو مشجعة للقطاع الخاص خلال السنوات العشر الماضية تقريبًا، بداية من قيام الثورة وفترة الاضطرابات السياسية ودخول مصر في مرحلة جديدة وتغير توجهات الدولة وما نتج عن ذلك من انكماش دور وحجم القطاع الخاص.

توافر المعلومات وسهولة الحصول عليها والبيروقراطية والإجراءات المفاجئة خاصة على مستوى الأعباء.. أهم المشكلات

فبوجه عام بيئة ممارسة الأعمال في مصر غير مشجعة للقطاع الخاص، فمثلًا توافر المعلومات وسهولة الحصول عليها تعتبر أحد المشكلات، وهناك مشاكل أخرى كالبيروقراطية في جميع الإجراءات، ومن الأمور أيضًا التي تزعج القطاع الخاص بمصر المفاجآت.

دائمًا هناك مفاجآت اقتصادية كثيرة يتفاجأ بها مجتمع الأعمال، وخاصة نحن بالعاملين بالقطاع العقاري على وجه التحديد، ففى الآونة الأخيرة اعتدنا وجود مفاجآت بأعباء إضافية على المشروعات في عدد واسع من المناطق التي نقيم بها مشروعات عقارية.

أول خطوة لجذب الاستثمار الأجنبي هي التجاوب مع رؤية ومطالب الاستثمار المحلي

في بعض الأحيان على سبيل المثال ونحن نعمل ببناء المشروع يفرض تعديل على حرم الطريق أو حرم البحر أو الاشتراطات ويكون لذلك تأثير وانعكاس على المشروع العقاري الجاري العمل في تنفيذه وضرر كبير على دراسات الجدوى الخاصة به دون أخذ هذا في الاعتبار.

هذه المنظومة تحتاج إلى عملية تغيير شامل والقضاء على فكرة القرارات والإجراءات المفاجئة، حتى نصل لمناخ جاذب ومحفز لاستثمارات القطاع الخاص، خاصة أن التوجه والتركيز الرئيسي بالمرحلة الراهنة هو جذب الاستثمار بشكل عام واستقطاب الاستثمارات الأجنبية.

السنوات الأخيرة شهدت تنسيقًا كبيرًا بين القطاع الخاص والمسؤولين.. ولكن هذا لا ينتقل إلى الموظفين

الخطوة الأولى وحتى نتمكن من جذب المستثمرين الأجانب هي أن يشعروا بارتياح المستثمرين المحليين بالسوق في المقام الأول، ولذا يجب أن تعمل الحكومة على تلبية متطلبات الشركات الخاصة والتجاوب مع رؤية القطاع الخاص المصري والذي يعد مفتاح جذب الاستثمارات الخارجية، وهذا الأمر ليس صعب التنفيذ.

ويجب طالما تطرقت للحديث عن هذه المشكلات أن أذكر أيضًا أن على السنوات الخمس الأخيرة هناك تنسيق عال بين الدولة والقطاع الخاص، فعلى مستوى القطاع العقاري مثلًا عقدنا اجتماعات عديدة مع وزير الإسكان ورئيس الوزراء لمناقشة الأوضاع وأي تطورات.

نحتاج إلى رؤية وهوية اقتصادية للدولة تقوم على الإمكانيات والموارد والأهداف المرجوة

في السنوات الأخيرة حقيقة هناك تنسيق بين الحكومة والقطاع الخاص، ولكن هناك تفاصيل أخرى تؤدي أحيانًا إلى عراقيل، ومثلما ذكر الدكتور سامح الترجمان عن أهمية معرفة وإيمان الجهات والأفراد بالدور المطلوب منها ودور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وأهمية هذا الدور.

فهناك تفاصيل وإجراءات لا تكون مسؤولية الوزير المعني بالقطاع ولكن كما يقولون الدولة العميقة.

وأنتقل من هذه النقطة لمحور آخر طالما نتحدث عن الاستثمار وبيئة ممارسة الأعمال، نحن نحتاج لوجود رؤية وهوية اقتصادية واضحة للبلاد، فمصر لا تمتلك ذلك، ويجب فهوية البلد يمكن أن تكون عمرانية أو إنسانية ولكن يجب أن تكون أيضًا اقتصادية.

الهوية العمرانية لا تكفي وحدها لإقامة اقتصاد دولة بها 105 ملايين مواطن

من الضروري أن نكون على معرفة جيدة بأهداف البلاد وما تريد أن تكون عليه وما الذي سنركز عليه لتحقيق ذلك، مع الوقوف على الإمكانيات والموارد والمقومات المتاحة لنعرف كيف سنحقق هذا.

اقتصاد مصر يحتاج إلى التركيز على تنمية الصناعة والزراعة والسياحة، وأيضًا العقار فهو قطاع مهم وإن كان دوره مكملًا.

هوية مصر في الأعوام السابقة يمكن القول بأنها كانت هوية عمرانية وذلك من حسن حظ القطاع العقاري أن التنمية العمرانية حصلت على اهتمام وحيز كبير لأنها لعبت دورًا مهمًّا للأمن القومي في خلق فرص عمل كثيفة، ولكن الهوية العمرانية وحدها غير كافية للنهضة باقتصاد دولة تعداد سكانها 105 ملايين نسمة.

السياحة من البنود التي تحتاج إلى جهد قوي حتى على مستوى تعامل رجل الشارع

مصر بحاجة لوجود هوية واضحة بشكل قاطع فعندما نتحدث عن الصناعة يجب أن أحدد ماهية الصناعات التي أرغب في التقدم والتفوق فيها بناء على الإمكانيات والموارد التي نمتلكها، فنحن وفقًا للمعطيات لن نتفوق عن الدول الأخرى في صناعة أجهزة الحاسب الآلي أو السيارات مثلًا ولكن لدينا فرصة في الصناعات الغذائية أو صناعات أخرى مبنية على موارد طبيعية متوافرة.

أما السياحة فهي من القطاعات التي تحتاج إلى أن يكون لها ملف قومي يؤمن به الجميع حتى رجل الشارع العادي، فأحد مزايا وجود هوية واضحة للدولة هو أنه يجري التركيز عليها وتجعل المواطنون مؤمنين بها وبأهدافها، ومدركين للفائدة والعائد الذي سيعود عليهم منها.

من المهم وجود وزير للاستثمار ووزير اقتصاد بدور واضح لتحديد الهوية والحوافز وتحسين بيئة العمل

المنظومة التي يمكنها الاستفادة من النهضة بالسياحة تضم قطاعًا عريضًا جدًّا، من بينها على سبيل المثال سائق التاكسي وسيارات الأجرة والعاملون بالأماكن السياحية، ولا بد أن يتم تدريب تلك المنظومة بشكل جيد حتى تتحول من عنصر منفر إلى عنصر جاذب، مع تبني برنامج قومي متكامل للسياحة.

إذا ركزت الحكومة جهودها على قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة والعقارات سيصبح لدينا 4 قطاعات قادرة على النهوض بالاقتصاد المصري بصورة متوازنة بحيث إذا حدث أي تأثر أو تراجع في حجم واحد منها تؤدي البقية دورها بما لا يؤثر بشكل قوي على الاقتصاد.

تكرار الإجراءات التي تم اتباعها منذ 2016 يؤكد الحاجة إلى تغيير الأسلوب والأدوات والفكر

كل قطاع من هؤلاء له بيئة أعمال مختلفة وتحتاج لصياغة خطة مخصصة لها، وأود أن أستغل الفرصة لأطالب بوجود وزير للاستثمار وآخر للاقتصاد، هاتان الوزارتان وجودهما هام للغاية ومطلوبتان بشدة لتحديد ملامح الفترة القادمة.

رضوى إبراهيم: أثرنا وناقشنا هذا في أكثر من لقاء سابق بصالون «حابي» وتحدثنا عن إلى أي مدى أصبح الوضع الحالي للاقتصاد المصري بحاجة لوجود وزير للاستثمار.

د. أحمد شلبي: هذا أمر ضروري جدًا في المرحلة الراهنة، وزراتا الاستثمار والاقتصاد يفترض أن تكونا المسؤولتين عن تحديد الهوية الاقتصادية لمصر، وصياغة خطة المرحلة المقبلة، وتحديد متطلبات بيئة الأعمال وكذلك حوافز الاستثمار وأشياء أخرى كثيرة للغاية مطلوبة لكن يكون لدينا خريطة نسير عليها.

ضروري أن ندرك أن الأسلوب والاتجاه الذي اتبعناه بمصر في إدارة الاقتصاد منذ عام 2015 وحتى الآن نتائجه لم تتغير، قمنا في عام 2016 بإجراء تخفيض في قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، ثم لم يتغير شيء، وفي عام 2022 كان هناك أكثر من خفض في قيمة الجنيه، بالتالي إذا استمررنا في السير بنفس الخطوات والنهج ستظل ذات النتائج وبعد عام سنحتاج لإجراء خفض جديد في قيمة العملة الوطنية ثم نعود ونكرر ذلك بعد عامين أيضًا وهذا ما لا نرغب في حدوثه.

الهوية الاقتصادية سيتفرع منها رؤية واضحة لكل قطاع وأهدافه ودور المواطنين في تحقيقها

ولذا يجب أن ندرك أهمية تغيير الأسلوب حتى نصل إلى ما نريد ونتمنى لاقتصاد مصر ونتمكن تحقيقه، أعتذر عن حديثي بصراحة شديدة، ولكن هذا هام جدًّا لكي نصل إلى نتائج جديدة ومختلفة.

لكي نستطيع تغيير الأسلوب والنهج الذي يتم إدارة الاقتصاد المصري به من الضروري للغاية تغيير الأدوات والفكر، وأعتقد أن الحكومة مع كامل احترامي وتقديري لكامل أعضائها تحتاج بشدة لتدعيمها بوزير استثمار مؤهل بدرجة عالية جدًّا وأيضًا وزير اقتصاد متخصص حتى تكتمل المجموعة بما يؤهلها لوضع وصياغة رؤية للمرحلة المقبلة مبنية على هوية اقتصادية واضحة للدولة المصرية، ومنها نخرج برؤية وخطة واضحة لكل قطاع اقتصادي لمعرفة المطلوب منه وبالتالي يعرف كل مواطن وفرد بالمنظومة دوره، وهذا كل ما يمكنني قوله في الملف العام لبيئة ممارسة الأعمال.

رضوى إبراهيم: قبل أن ننتقل من المحور المتعلق بتقييم الوضع الحالي وبيئة ممارسة الأعمال سأستعين بجزء من حديث الدكتور أحمد شلبي والخاص بعنصر المفاجأة، حقيقي أن هناك أزمة اقتصادية عالمية يعاني منها العالم أجمع ولكن لا يخفى على أحد أن حجم الأزمة لدينا بمصر أكبر بعض الشيء نتيجة لبعض الأمور التي تخص السوق المصرية داخليًّا وتسبق قيام الأزمة العالمية.

نرغب من الدكتور أحمد عبد الحافظ رصد الأسباب التي تخص السوق المصرية داخليًّا وكانت سببًا في إحداث فارق في وضع الاقتصاد المصري وبيئة الاستثمار فيه والشعور المختلف بحجم وتداعيات الأزمة عن ما يحدث في العالم.. فهل يمكن أن تذكر لنا في نقاط محددة ما هي الأسباب التي فاقمت من تأثير الأزمة؟

د. أحمد عبد الحافظ: بسم الله الرحمن الرحيم، أولًا أود أن أوجه الشكر لجريدة «حابي» سعيد للتواجد معكم، وأود ان أشكركم على استضافة الدكتور سامح الترجمان والدكتور أحمد شلبي فهما قامات كبيرة في مجالاتهم.

الدكتور أحمد عبد الحافظ رئيس شركة القناة للتوكيلات الملاحية

د. أحمد عبد الحافظ: الاستثمار مناخ عام وليس ملفًا محددًا.. وتقييم المستثمرين للدول يعتمد على مؤشرات كثيرة منها استقرار السياسة الضريبية

كل ما ذكر من بداية الحديث اليوم جيد ومكمل لبعضه البعض، ولكن عندما نتحدث عن الاستثمار بشكل عام فنحن نتحدث عن مناخ متكامل وليس قرارًا استثماريًّا فقط أو سياسة ما أو سعر صرف أو حوافز أو ضرائب، فالاستثمار عبارة عن مناخ واحد شامل لكل العناصر يؤدي إلى تغيير كبير في اقتصاد الدولة والناتج المحلي الإجمالي.

عندما نرغب في تقييم الدولة نقوم بتقييم مجموعة من المؤشرات، فدائمًا يركز المستثمرون على مجموعة محددة من المؤشرات الهامة لهم لاتخاذ القرار الاستثماري، منها الناتج المحلي الإجمالي وليس الناتج القومي، بجانب سعر الصرف وحجم الاحتياطي الأجنبي والتضخم، كما ينظرون أيضًا إلى الطريقة التي تتعامل بها الدولة تجاه السياسات الضريبية وهل هي سياسات ثابتة أم متغيرة بحسب التغيرات الطارئة على السوق.

وضوح الاتجاه العام للسياسة النقدية وتحديدًا سعر الفائدة عنصر مؤثر في القرار الاستثماري

فاليوم أي مستثمر يفكر في دخول السوق المصرية سواء كان عربيًّا أو أجنبيًّا أو حتى محليًّا، عندما يقوم بعمل دراسات الجدوى الخاصة به يبنيها على سياسات الدولة، فمثلًا فيما يخص السياسات الضريبية يضع المستثمر في الدراسات السنوات الخمس القادمة في عمر المشروع مثلًا ويتنبأ بحجم الضرائب التي يمكن أن يتحملها، ومن غير المقبول أن يتفاجئ بأي تغييرات في سياسات احتساب الضرائب لم تكن في الحسبان.

أما على مستوى السياسات النقدية والتي تشمل سعر الصرف والفائدة، فلا يمكن أن تكون السياسات الخاصة بسعر الفائدة على سبيل المثال ليس لها ملامح واضحة ومحددة ومعروف أنها تتماشى وتتغير وفقًا للمتغيرات العالمية وما يجري على الساحة في الخارج.

إلى الآن لا أعرف دور وزارة قطاع الأعمال العام.. ويجب نقل شركاتها إلى الوزارات المتخصصة

لدينا بمجتمع الأعمال في مصر مشاكل كبيرة للغاية تتعلق بارتفاع التكاليف التي يتحملها المستثمرون بما يؤثر على المناخ الاستثماري وبيئة الأعمال.

فلنتساءل أين نحن اليوم؟! لدينا مشكلات أسبابها داخلية وأخرى خارجية، فمنذ عام 1990 ومثلما ذكر الدكتور سامح الترجمان، بدأنا العمل مع صندوق النقد الدولي، وقمنا بوضع برنامج بسياسات مالية ونقدية وبرنامج للإصلاح الهيكلي تم تنفيذ جزء منه مع تحفظي على الطريقة التي تمت بها خصخصة الشركات.

لا يمكن التحرك في ملف الاستثمار والإنتاج دون وجود وزير استثمار ينسق بين جميع الوزارات والمحافظات

في هذا التوقيت تم إنشاء وزارة قطاع الأعمال العام وأتساءل هنا ما هو دور هذه الوزارة وما المعنية به؟! ما معنى أن يكون لدي وزارة لقطاع الأعمال العام؟! هذه الوزارة عبارة عن مقولة من كل فيلم أغنية، بها شركة للنقل وأخرى للسياحة وغيرها للتموين، وهذا أمر لا يصلح.

يفترض أن وزارة قطاع الأعمال العام ترد كل شركة للوزارة التابع لها نشاطها وقطاعها، حيث إن لكل وزارة أهدافها وخططها، فعندما جاء وزير التموين طلب ضم شركات قطاع الأعمال العاملة بمجاله لوزارته لتحقيق الأهداف التي تم وضعها من خلال تلك الشركات.

الهدف الرئيسي من التعاون مع صندوق النقد الدولي هو تشجيع الاستثمار الأجنبي بناء على برنامج معلن

أيضًا عندما جاء الفريق كامل الوزير وزيرًا للنقل طلب ضم الشركات التابعة للوزارة لتحقيق أهدافها، فلا يجوز أن ترسم وتحدد وزارة قطاع الأعمال العام أهداف وزارات النقل والسياحة والتمويل وغيرها.

على جانب آخر هناك وزارات أخرى يجب العمل على إضافتها للحكومة في المرحلة الراهنة، كوزارة الاقتصاد والتي يفترض أن يكون دورها معنيًّا بالتنسيق بين السياسات المالية والسياسات النقدية، وهي غير موجودة حاليًا ولذا نفتقد إلى التناغم والقيادة لسياسات الدولة المالية والنقدية.

ينطبق هذا أيضًا على وزارة الاستثمار الغائب وجودها منذ فترة، فماذا يعني رغبة الدولة في التحرك نحو جذب الاستثمار والنهوض بالصناعة والإنتاج والتصدير والسياحة والزراعة ولا يوجد وزير للاستثمار! هل يعقل هذا! دور وزير الاستثمار هو التنسيق الكامل ما بين الوزرات والمحافظات والجهات المختلفة.

ياسمين منير: في الجزئية الخاصة بوزارة الاستثمار كان هناك حديث عن أنها دائمًا ما تصطدم وتتعارض مع الوزارات الأخرى التي لديها رؤيتها وأصولها وأهدافها المختلفة ولذا تقرر إلغاؤها.

رضوى إبراهيم: كان يتم النظر إليها بذات النظرة لوزارة قطاع الأعمال العام.

ياسمين منير: نعم بالضبط يرون أن هناك جزءًا تنافسيًّا.

د. أحمد عبد الحافظ: أحد المشاكل التي نواجهها بالسوق المصرية على سبيل المثال المستثمر القادم للحصول على قطة أرض للقيام بمشروع يتحدث إلى من؟! المحافظة أم هيئة التنمية الصناعية أم السياحة أو غيرها، نحتك بأمور كهذه طوال الوقت ونراها على أرض الواقع.

لكي نتحرك بشكل أفضل لا بد أن نأخذ كل هذا في الاعتبار، فاليوم مصر أبرمت اتفاقًا جديدًا مع صندوق النقد الدولي وتعمل على تنفيذ برنامج إصلاح آخر وهذا شيء جيد، ولكن ما هو الهدف من هذا التعاون والعمل مع الصندوق، الغرض في المقام الأول هو إعطاء انطباع للاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر بأن مصر بدأت تتحرك في الطريق الصحيح.

فمصر لم تتعاون مع صندوق النقد الدولي حتى تحصل على تمويل بقيمة 3 مليارات دولار هذا أمر غير منطقي، فالهدف الأساسي هو وضع برنامج اقتصادي واضح للعالم كله والمستثمرون الأجانب والعرب وأيضًا المصريون المتخوفون على علم به، مع اتضاح الصورة بشكل كامل على صعيد السياسات المالية والنقدية والهيكلية.

في السنوات الأخيرة طبقت مصر برنامج إصلاح ونجحت في الوصول لجذب استثمار أجنبي ولكن غير مباشر في الأوراق المالية، والأموال الساخنة في حد ذاتها لا يمكن اعتبارها نجاحًا كاملًا فهو نجاح منقوص.

رضوى إبراهيم: هل تقصد التدفقات والاستثمارات الأجنبية التي دخلت السوق في الأيام الأخيرة؟

د. أحمد عبد الحافظ: طوال الوقت، معيار نجاح برامج الإصلاح الاقتصادي ليس الاستثمار غير المباشر، ولكن الاستثمار الحقيقي الذي يتم تنفيذه على أرض الواقع والذي يخلق فرص عمل ويقوم بالإنتاج والتصدير ويسهم في النمو ويقلل معدلات البطالة، فهذا هو الهدف الأصلي الذي أذهب من أجله للتعاون كدولة مع صندوق النقد الدولي.

مصر في كل مرة من اتفاقات صندوق النقد الدولي، تطبق العديد من الإجراءات والخطوات بالبرنامج ثم تأتي عند مرحلة جذب الاستثمارات الحقيقية ولا تستطيع أن تكمل، وهذا يعني أن هناك مشكلة وعطلًا في هذا الشق.

بالتالي يجب أن تعمل الدولة للتعرف والوقوف على المشكلات والعقبات التي تواجه الاستثمار الأجنبي والعربي وتعوق دخولهم السوق وضخ استثمارات به.

أحمد رضوان: تحدثت بوضوح عن مشكلة استقرار الإجراءات والتشريعات والقرارات المرتبطة بالضرائب وأيضًا تحدثت عن أهمية وجود جهة تخاطب المستثمرون ويلجؤون لها ممثلة في وزارة الاستثمار، وأشرت إلى أهمية وجود برنامج واضح للسياسة النقدية يستطيع أصحاب الأعمال من خلاله التوقع واحتساب التكاليف ومعرفة أي احتمالات لوجود تغيير في سعر الصرف بوضوح من البداية.. ما هي التحديات الأخرى التي ترى أنها تمس المستثمر بشكل مباشر وكانت واضحة وظاهرة في عام 2022؟

د. أحمد عبد الحافظ: طوال الوقت وليس العام الماضي فقط، أولًا وكما ذكر الدكتور أحمد شلبي في حديثه ما هي هوية الدولة المصرية؟! مصر منذ الخليقة ودون أي تدخل هي دولة زراعية وسياحية.

من ناحية الدولة الزراعية لن أحدثك عن تصدير الحاصلات الزراعية لجميع دول العالم كما كانت مصر في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي ولكن نحن نحتاج إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي بما يقلل الضغط على الميزان التجاري لمصر وبالتالي ميزان المدفوعات، وهو أمر غير صعب تحقيقه.

الزراعة أحد العناصر الرئيسية للهوية الاقتصادية ويمكن البدء بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي

أما على مستوى السياحة، فهي مناخ، مصر تمتلك شواطئ ساحلية وأيضًا متاحف وآثارًا وحتى اليوم فجميعها غير مستغل، إذن نحتاج لإعادة تأهيل شاملة لهذا النشاط، فلا يعقل أن يكون هناك دولة وبدون ذكر أسماء تحقق أكثر من أضعاف ما تحقق مصر من إيرادات سياحية ونحن كدولة أصل السياحة في العالم.

هذه الجزئية في منتهى الخطورة ويجب أن تنتبه إليها الدولة المصرية خاصة أنها مصدر مهم من مصادر الدخل بالنقد الأجنبي.

رضوى إبراهيم: بخصوص هذه النقطة، كان يقال إن عدم الاستقرار السياسي والأمني تسبب فيها، وهناك استقرار سياسي وأمني كبير منذ فترة طويلة ولكننا لم نر تطورًا يناسبه في قطاع السياحة، لماذا؟ هل لوجود مشكلات أخرى لم تظهر حينها، أم بسبب عدم القيام بالإجراءات اللازمة لتنشيط القطاع منذ حل المشكلة الأمنية؟

د. أحمد عبد الحافظ: حتى الآن لم يتم وضع السياحة المصرية في مصاف الدول العالمية، والسياحة تعني التسويق، فلم يتم التسويق للسياحة المصرية ولم يتم تنفيذ عمليات إصلاح داخلية للقطاع، كما أن هناك مشكلات أخرى تتعلق بالمستثمر سواء المصري أو الأجنبي، فيما يتعلق بالحصول على الأراضي وأسعارها أو التراخيص.

مقومات السياحة غير مستغلة.. وإلى اليوم لم نضع السياحة المصرية في مكانها الطبيعي

وبخصوص هذه الجزئية، هناك تساؤل: لماذا يدفع المستثمر أموالًا في الأراضي في الوقت الذي يمكن للدولة طرح الأراضي بنظام حق الانتفاع، ما يمنح المستثمر الفرصة لتوجيه الأموال نحو شراء ماكينات التصنيع أو المواد الخام بدلًا من سداد قيمة الأرض، وإن لم كان المستثمر جادًّا يتم سحب الأرض منه؟

والآن، وبعد بيع أراض عديدة للمستثمرين، بعضهم تركها حتى يرتفع ثمنها ليقوم ببيعها مرة أخرى وينتفع منها، ولم يتم بناء أي مصانع عليها، فهل هذا هو المستهدف؟ بالطبع لا، لذلك يبقى السؤال: لماذا تتم مطالبة المستثمر بسداد تكلفة الأرض؟ والأمر الآخر أن المستثمر بمجال الصناعة يحتاج إلى عمالة مدربة، فأين هذه العمالة وأين التعليم الفني الذي يدرب العمالة؟ فكليات الهندسة تحولت إلى كليات نظرية وليست عملية وهذه مشكلة.

في ثمانينيات القرن الماضي كان يتم تنفيذ مشروع مبارك كول للتعليم الفني ثم توقف، فأين البرامج التي تدفع الشباب نحو الإنتاج؟ وكما تحدثنا هناك حاجة لسياسة سعر صرف ثابتة وموحدة، ولا أتحدث هنا عن تثبيت سعر الصرف أو تعويمه بشكل كبير، فلا توجد دولة نامية على مستوى العالم تعمل على تعويم سعر الصرف وهذا أمر غير منطقي، لا توجد دولة ليست لديها مصادر للنقد الأجنبي ثم تقوم بتعويم سعر الصرف، فدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي هي من يجب أن تقوم بالتعويم، الصين نفسها لم تفعل ذلك، وبالتالي فالتعويم الكامل خاطئ وهو مجرد تخفيض وتعويم بعض الشيء بشكل مدار حتى تنضبط الأمور مرة أخرى، ومن الضروري أن يعبر سعر الصرف عن الموارد وقيمة الاقتصاد بشكل عام.

ليس من المنطقي بيع الأرض للمستثمرين والأفضل هو منحها بحق الانتفاع

وفيما يخص السياسات الضريبية، لأول مرة أرى مطالبة مصنع بسداد ضريبة عقارية. هذا الأمر يحمل الصانع تكلفة أكبر في ظل رغبته في المنافسة والإنتاج والبيع، كما أنه لأول مرة تكون هناك بورصة لا تزال في عداد الأسواق الناشئة يتم فرض ضريبة عليها، فبداية الاستثمار من البورصة، حيث يسمى استثمارًا غير مباشر ومن ثم يتحول إلى استثمار مباشر، وبالتالي يتم خلق عوائق بمثل هذه الضريبة التي ليس لها فوائد، كما أن العائد منها ليس على المستوى المطلوب.

ومصر تعرضت لأزمات متتالية ونظرًا لعدم قوة الاقتصاد لم يتحمل هذه الأزمات، حيث استطاع الاقتصاد التعافي من أزمة كورونا بنسبة كبيرة ولكن بمساعدة من صندوق النقد الدولي وبالتالي ارتفع الدين الخارجي، ومع بدء الحرب الروسية الأوكرانية حدثت مشاكل عديدة للغاية بالسوق المحلية، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها عانت من مشاكل هي الأخرى خلال فترة كورونا، ما تسبب في اتجاهها لطبع ما بين 10 إلى 12 تريليون دولار في وقت كان الاقتصاد هناك مغلقًا.

ياسمين منير: أريد العودة لوضع الاقتصاد المصري.

د.أحمد عبد الحافظ: سأذكر كيف أثر هذا الوضع على السوق المحلية، حينها بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من تضخم ناتج عن ارتفاع معدلات الطلب، ومع بدء التعافي من كورونا بدأت أسعار البترول ترتفع عالميًّا، ما تسبب في زيادة التكلفة وأثر على السوق المحلية ورفع من نسبة التضخم، ثم لجأت الولايات المتحدة لرفع أسعار الفائدة لتتحرك رؤوس الأموال العالمية من الأسواق الناشئة، والتي كان الاقتصاد المصري يعتمد عليها ضمن احتياطي البنك المركزي، وكانت هناك خطط طويلة المدى مبنية على أموال ساخنة تتحرك بسرعة شديدة، وهو ما تسبب في مشكلة كبيرة.

هناك مشكلة أخرى ترتبط بنقص الكوادر المؤهلة وعدم وجود تدريب وتأهيل فني

نعم هناك مشاكل داخلية متواجدة منذ فترة، ولكن ما تسبب في ظهور المشكلة كارثة الولايات المتحدة برفع أسعار الفائدة، مع العلم أن المشكلة التي أصابت مصر عانت منها جميع الأسواق الناشئة مثل تركيا، ولكن هناك حاجة للتعلم مما حدث، وحال توافر الصناعة والزراعة بالسوق المحلية لم يكن ليتأثر الاقتصاد المصري من رفع أسعار الفائدة من جانب الولايات المتحدة.

خلال الفترة الأخيرة وبعد 2015 خرجت الدولة من ثورتين ومشاكل ليبدأ القطاع الخاص في الإحجام عن الاستثمار بعض الشيء، ولتأخذ الدولة زمام الأمور وتقوم بهذا الدور، وبمرور الوقت أصبح القطاع الخاص لا يستطيع الاستثمار والمنافسة، لتتغير النسبة الطبيعية العالمية لتوزيع الاستثمارات بين الحكومات والقطاع الخاص والمقدرة بنحو 20% إلى 80% أو 30% إلى 70%، كما أن تراجع القطاع الخاص تسبب في مشكلة كبيرة في وقت كانت هناك حاجة كبيرة لجهوده.

ياسمين منير: د.سامح، بعد إتمام الاتفاق مع صندوق النقد، والذي تضمن عدة بنود، جميعها مبنية على برامج إصلاح، ما الذي يمكن توقعه خلال الفترة المقبلة للوصول لنتائج مختلفة؟ وكيف ترى العام الجاري بخلاف ما ذكرته، كتحدي التوازن بين الدولة والقطاع الخاص؟ وما هو المنتظر حاليا؟

د. سامح الترجمان: النظر لما يحدث على أرض الواقع، سواء فيما يتعلق بالسياسات أو تشجيع القطاع الخاص، ولنعلم دائمًا «أن الماراثون ليس 300 متر فقط»، فهناك مبادرات عديدة تمت خلال 15 عامًا مضى، منها: مبادرة التعليم الفني، ولكنها لم تستمر، فمثل تلك المبادرات تحتاج للتطوير بشكل مستمر. السياحة على سبيل المثال تحتاج إلى سياسات ومحفزات وتطوير مستمر، كما أنه يجب تحديد نوع السياحة المطلوبة، سواء سياحة اليخوت أو «الهاي إيند» أو استهداف السائح المتوسط أو السياحة العلاجية، وبناء على ذلك يتم بناء السياسات والخطط والعمليات التدريبية، وهذا الأمر يجب أن يكون واضحًا ومحددًا.

نحن في ماراثون وليس في سباق 100 متر وبالتالي فكل الإجراءات والمبادرات يجب أن تتكامل

المرحلة الحالية تعد مرحلة إطفاء الحرائق من خلال حل المشاكل الطارئة، وهي أمور جيدة بالطبع، ولكن يجب التفكير فيما سيتم تنفيذه في الفترة المقبلة، فعلى سبيل المثال القطاع العقاري قد يكون جاذبًا جدًّا للاستثمارات، وبالتالي يجب دراسة عوامل جذب المستثمرين، فمن الممكن أن يتم بناء عقار جيد جدًّا، ولكن لا يلقى استحسان العملاء، وهذا لا يعني أن العقار سيئًا على الإطلاق، ولكن قد يرجع ذلك إلى عدم دراسة الاحتياجات والعميل المستهدف.

مبادرة سيارات المصريين في الخارج فكرة هائلة ولكن لم تحقق المرجو منها.. وهذا مشكلة الكثير من المبادرات

مبادرة السيارات على سبيل المثال فكرة ممتازة، ولكن لعدم وضع تصور كامل لجميع الجوانب لم تحقق النتيجة المرجوة، وبالتالي فمن الضروري معرفة كيفية تنفيذ الفكرة وجعلها جاذبة لتحقيق المرجو منها، مصر تواجه مشكلة في هذا الأمر منذ فترة طويلة، حيث يتم طرح أفكار ممتازة ولكن طريقة التنفيذ ليست متكاملة ولا يتم الاستمرار فيها، وفي رأيي مسألة التعليم الفني من أهم الأمور التي يجب التركيز عليها في ظل توافر قوة بشرية كبيرة للغاية.

التعليم الفني من أهم الملفات المشجعة على جذب الاستثمار وزيادة تحويلات المصريين بالخارج

التعليم الفني يساهم في توفير عمالة مدربة ما يشجع ويجذب الاستثمارات من الخارج، كما أن مصر تعتمد على تحويلات المصريين في الخارج كأحد أهم مصادر النقد الأجنبي، ومع تدريب العمالة ستزيد قدرة العامل على التواجد في الخارج وزيادة التحويلات، كما سيحسن ذلك من جودة المنتجات المحلية.

الدول تعتمد على عمالة كثيفة منخفضة التكلفة لجذب الاستثمارات خلال المرحلة الأولى، وحال توقف أي دولة عند هذه المرحلة ستكون معرضة لأن تظهر دولة أخرى متسلحة بنفس الأدوات وتنافسها في هذا الأمر، ولكن العبرة هنا في قدرة الدولة على التطوير بشكل مستمر، فهناك دول تتنافس في هذا الأمر مثل المغرب وكوريا وتايوان وسنغافورة، حيث استطاعت تلك الدول الانتقال للخدمات الإضافية بشكل مستمر، وبالتالي لا يجب الاعتماد على انخفاض تكلفة العمالة المحلية فقط، ففي هذه الحالة ستظهر دول أخرى قوية في هذا الأمر.

والوصول لمراحل متقدمة في هذا الأمر يستدعي توافر دراسة متكاملة لا تتوقف عند إنشاء مدرسة للتعليم الفني، ولكن من الضروري الاستمرارية والتطوير وبحث احتياجات المصانع المختلفة.

الاقتصاد المبني على فكرة العولمة يواجه تحديات كبيرة.. والمتاح من الاستثمار الأجنبي لم يعد كما كان من قبل

هناك نقطة أخرى لم ينتبه إليها أحد، التحدي الأكبر في العالم هي فكرة الاقتصاد المبني على العولمة، فالولايات المتحدة الأمريكية نفسها والتي كانت تعمل على بناء مصانع في الصين ودول عديدة أخرى، بدأت في التراجع عن هذا الأمر، ما يعني أن المتاح للسوق المحلية من الاستثمارات الخارجية لم يعد كما كان من قبل، فالعولمة أصبحت تحت ضغط شديد، وبالتالي مع التضخم العالمي الكبير سيؤدي ذلك لضغط كبير على الاستثمار عالميًّا، ومع مشاكل الديون في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تظهر أزمة في مسألة الاستثمار، كما أن الصراع الحالي بين الشرق والغرب يترك آثاره في الأفكار الاستراتيجية للاستثمار.

التحدي الحقيقي هو تواجد مصر وسط منطقة لديها رصيد مالي كبير، وهي المنطقة العربية ومنطقة الخليج التي لديها فائض من الأموال، وفي الوقت نفسه مصر جزء من الأمن القومي للمنطقة، وبالتالي يجب خلق مناخ جاذب لهذه النوعية من الاستثمارات لدخول السوق المحلية بأسرع وقت ممكن، وهو ما يجب التركيز عليه.

رضوى إبراهيم: الدول التي تمتلك فائضًا أصبحت تتعامل بخطط جاذبة للاستثمار، ولم تعد دولًا تستثمر خارجيًّا من خلال الفائض الذي تمتلكه فقط.

د. سامح الترجمان: نعم، وبالتالي يجب التفكير في كيفية خلق تكامل بين كل تلك الاقتصاديات، ليكون لها ميزة نسبية هنا بجانب امتلاك مصر ميزة نسبية متكاملة مع الخطط الأخرى، وفي هذه الحالة سيتم اكتشاف أن ما كان يتم تنفيذه في دول مثل أوروبا سيتم تنفيذه في المنطقة التي يتم الحديث عنها الآن، وبالتالي يكون هناك تكامل وليس تنافسًا، ما يحقق الربحية للمستثمرين بشكل أكبر بالسوق المحلية، كما أن ربط الاستثمارات المحلية بالأجنبية سيؤدي لتكامل أكبر، ما يدعو للتفكير في كيفية جذب الاستثمارات.

الدول العربية تتمتع بفائض سيولة كبير يجب خلق مناخ جاذب له والتكامل مع خطط المنطقة

الاستثمارات المتاحة من الولايات المتحدة والصين تركز بشكل كبير للغاية على إفريقيا كما أعلنوا بأنفسهم منذ فترة طويلة، وبالتالي ففي حال خلق البيئة المتكاملة هذه ستصبح السوق المحلية بوابة حقيقية للاستثمار في إفريقيا، فلا بد من توافر رؤية أوسع وفهم لما يدور عالميًّا، في ظل مرور العالم بدورات متلاحقة، بداية من القطاع الزراعي ثم الصناعي ثم الخدمات ثم تكنولوجيا المعلومات، وعدم فهم الدورة التي يمر بها العالم يحرم مصر من الدخول بهذه الدورة منذ بدايتها للاستفادة منها بشكل أمثل، وغالبًا ما يتم الدخول في الوقت الذي قاربت فيه الدورة على الانتهاء، ويتم استغراق وقت طويل في مناقشات حول كيفية الدخول وتكون الدورة الجديدة قد بدات حينها في الانطلاق.

هناك نوايا حسنة عديدة والجميع مخلص في حبه لبلده، والجميع يريد تطوير السوق المحلية، سواء الحكومة أو القطاع الخاص، ولكن هناك حالة من عدم التركيز على الأمور المهمة، فدائمًا ما يتم الحديث عن الأعراض دون التطرق للمشكلة نفسها، ويكون علاج الأعراض بطريقة المسكنات، رغم أنه من الضروري أن يتم حل المشكلة من جذورها.

أمريكا والصين تركزان بقوة على إفريقيا.. ومصر يمكن أن تكون بوابة الاستثمار للقارة إذا ما صنعت المناخ المواتي

رضوى إبراهيم: د. أحمد شلبي.. ما هي توقعاتك لوضع بيئة ممارسة الأعمال في 2023؟ بالطبع الشركات لا تحدد خطتها أو رؤيتها لعام كامل منذ بدايته، وإنما يتم ذلك قبلها بفترة مناسبة، وفي آخر شهرين من 2022 كان هناك تسارع شديد في المتغيرات، فما هي توقعاتك للعام الجديد؟ وكيف تغيرت الأمور عما كنت تنتظره؟

د. أحمد شلبي: في البداية وتعليقًا على بعض النقاط التي تحدث عنها د. سامح خلال هذه الجلسة التي تتميز بكونها عصفًا ذهنيًّا أكثر منها إبداء آراء، خاصة وأن الآراء في المرحلة الحالية مجرد توقعات نظرًا للمتغيرات الكبيرة التي تفوق في حجمها المعلومات الثابتة، فهناك نقطتان يجب التركيز عليهما فيما يخص طرح فكرة جيدة والتوقف عن تنفيذها أو استكمالها، والفكرتان تم التطرق إليهما، الأولى فكرة تصدير العمالة، وتحدثت خلال الجزء الأول عن الهوية، وفيما يخص هذا الأمر ما الذي تمتلكه مصر في ظل إعادة تشكيل العالم مرة أخرى حاليًا وكل دولة تبحث عن دور وهدف في خريطة العالم الجديدة سواء على مستوى العالم أو المنطقة المحيطة بها، وبالتالي يجب أن تكون البداية بما تمتلكه مصر، مثل الموارد الطبيعية ومنها: الأراضي والشواطئ والآثار والعنصر البشري.

التكامل مع الخليج عبر العنصر البشري المؤهل والسياحة والعبور إلى إفريقيا أهم مقومات جذب النقد الأجنبي

وبالتالي يتم البحث عن دور عالمي والتكامل مع الدول المحيطة، وهذه من أفضل النقاط التي تم ذكرها، فمصر اليوم تجاور بقعة الفوائض المالية على مستوى العالم، وأكبر كتلة فوائض مالية على مستوى العالم هي منطقة الخليج، والتي أصبحت تسعى لجذب الاستثمارات والسياحة، والجميع لديه خطة طموح للسياحة تفوق خطط مصر، وبالتالي يجب بحث كيفية التكامل مع هذه البقعة من خلال الموارد الطبيعية التي تمتلكها مصر.

العنصر البشري الذي تمتلكه مصر مهم جدًّا بالنسبة لهم إن كان مؤهلًا، والسياحة والمناخ بمصر مهمان أيضًا بالنسبة لهم حال تهيئة الظروف لذلك.

والنقطة الثانية هي بوابة الدخول لإفريقيا التي تعد السوق المستهدفة بالتنمية في السنوات القادمة، فأوروبا وصلت لمرحلة القارة العجوز، والولايات المتحدة الأمريكية دولة متقدمة جدًّا، وآسيا أصبحت قارة متقدمة بفضل دول الشرق الأقصى، والمنطقة الوحيدة على مستوى العالم التي لديها فرص تنموية هي إفريقيا.

وجود أبطال وطنيين أحد عناصر جذب الاستثمار والعبور به إلى إفريقيا.. وهذا يظهر في قطاع المقاولات فقط

حال نجاح مصر في خريطة العالم الجديدة، والتميز بكونها بوابة إفريقيا سيتم تحقيق وضع مختلف، ولكن هذا الأمر يتطلب بناء علاقات معينة مع إفريقيا، وتمتلك مصر بالفعل قواعد قديمة لهذه العلاقات، لكنها تحتاج لزيادة العمل عليها، وهناك سياسيون يمتلكون الخبرة الكافية للحديث عن هذا الأمر، حيث يجب فتح قنوات قوية مع إفريقيا نتيجة وجود ثقة تاريخية بين مصر ودول القارة لتكون مصدر الاستثمارات العالمية القادمة لإفريقيا، سواء من خلال المعرفة والخبرات التي تمتلكها مصر ممثلة في شركات ومصانع وشركات استشارية معينة، واستغلال جزء من الأموال المتاحة في منطقة الخليج من خلال جذبها إلى السوق المحلية أو الإفريقية، وبالتالي فمسألة التكامل مهمة وضرورية للغاية، وحال العمل عليها ووضع خطة واضحة ومحددة لها ستحقق مصر نقلة كبيرة في المناخ الاستثماري وتدفقات النقد الأجنبي.

أحمد رضوان: هل فكرة أن تصبح الدولة قائدة لحركة الأموال والاستثمار لدول أخري مبنية على اتفاقات تجارية وعلاقات دبلوماسية وسياسية بالأساس، أم قدرة الدولة على صناعة أبطال وطنيين، على سبيل المثال صناعة 5 أو 6 شركات رائدة في القطاع العقاري قادرة على جذب الاستثمار والتوجه به إلى دول أخرى، نفس الأمر بالنسبة لقطاعات أخرى مثل الخدمات المالية؟

د. أحمد شلبي: نعم، والمقاولات أيضًا، أوافقك الرأي تمامًا أن الأمر مبني على وجود أبطال لهم الريادة، واليوم مصر تمتلك شركات مقاولات لها الريادة في إفريقيا، منها: المقاولون العرب والسويدي وأوراسكوم وحسن علام وتربل سي، وبعيدًا عن هذا القطاع لا توجد قطاعات أخرى تمتلك هذه الريادة.

شركة تطوير مصر اتجهت لدولة رواندا في 2018 لاستكشاف الفرص هناك، فهي دولة جيدة للغاية ولكن لم يتم الوصول لفرصة معينة هناك، وحال كان التحرك جماعيًّا وبهدف استراتيجي سياسي يمكن تنفيذ أعمال بالقطاع العقاري داخل دول إفريقية عديدة، مثل كينيا ورواندا ونيجيريا، فهناك عدة دول مؤهلة لذلك، وبالتالي أتفق تمامًا في أن هذا الأمر سيتم عبر شركات مصرية رائدة يتم تهيئة المناخ لها داخليًّا ليكونوا أبطالًا.

هناك جملة دائمًا ما أرددها: لماذا تأتي شركة إعمار وشركات سعودية أخرى للعمل بالقطاع العقاري في مصر، بينما لا تذهب الشركات المصرية للعمل بالسوق السعودية؟ هناك حاجة لخروج شركات تطوير عقاري للعمل في السعودية والإمارات في ظل امتلاك مصر تجربة في القطاع العقاري غير متوفرة في دول عديدة، وهي الأقرب لهذه الدول، هذا أمر يمكن الحديث عنه بشكل أكبر خلال الجزء الثاني الخاص بخطط القطاع.

التحرك الجماعي لإفريقيا ممكن على مستوى القطاع العقاري في دول مثل كينيا ونيجيريا ورواندا

النقطة الثانية مسألة تصدير العمالة، فالثروة البشرية تعتبر حلًّا سريعًا وسهلًا لجذب النقد الأجنبي، فهناك ثروة بشرية ضخمة وجزء كبير منها تعليم مهني، فلماذا لا يتم وضع خطة تنفيذية لها؟ فبعدما شرح د. سامح الفكرة بشكل واف سأتحدث عن الخطة التنفيذية لهذه الفكرة، حيث يمكن لوزارة مثل القوى العاملة بالتعاون مع وزارة الخارجية أن تتولى هذا الملف وتفتح قنوات اتصال مع الدول الأوروبية والعربية التي تعاني من أزمة عمالة، وجميعهم لديهم هذه الأزمة، وذلك بهدف التعرف على نوعية العمالة المطلوبة لديهم وبرامج التدريب المطلوبة من خلال مدربين تابعين لتلك الدول يأتون إلى مصر، وعبر السفارات المختلفة يتم تنفيذ دورات تدريبية للعمالة المطلوبة لكل دولة، بشرط تشغيل العمالة التي تجتاز هذا التدريب في هذه الدولة.

هذه الدول لا تمتلك العمالة والتعداد السكاني الوفير، كما أنها لا تمتلك نسبة شباب كبيرة بين تعداد سكانها، في حين تمتلك مصر شبابًا بنسبة 70% من تعداد سكانها وبالتالي يمكن الاتفاق مع تلك الدول وتحديد نوعية العمالة المطلوبة عبر برنامج محدد سلفًا يشمل جميع التفاصيل، من برامج تدريبية وأجر العامل هناك بعد السفر، وحال تنفيذ هذا الأمر يمكن تشغيل 5 ملايين مصري خلال 6 أشهر فقط، فهؤلاء الشباب يتمنون فرصة مثل هذه، كما أنهم سيوفرون نقدًا أجنبيًّا للدولة، إضافة إلى أنه حل سهل في ظل توافر أماكن التدريب وكل المقومات بمصر، وما يتبقى هو توفير برامج التدريب الحديثة، وهذا ما ستوفره هذه الدول.

أحمد رضوان: تم الإعلان في الفترة الأخيرة عن بعض المدارس التطبيقية والتكنولوجية التي أطلقها القطاع الخاص.

د.أحمد شلبي: القطاع الخاص أطلق هذه المدارس على غرار شركة السويدي، ولكن تختص بأعماله فقط.

البداية يجب أن تكون بتهيئة البيئة المحلية لصناعة أبطال لهم القدرة على قيادة الاستثمار خارج الحدود

رضوى إبراهيم: هناك نماذج أخرى مثل شركة الأهلي كابيتال بنك الاستثمار التابع للبنك الأهلي، وبالفعل أبرمت شراكة مع مجموعة القلا سيرًا بهدف إطلاق مدرسة تعليم فني وجامعي أيضًا.

د. أحمد شلبي: لا بد من الربط بين هذه الخطوات وسوق العمل.

رضوى إبراهيم : هذا هو المفترض تنفيذه، كما أننا نريد أن نرى تجارب أكثر.

ياسمين منير: ونريد أيضًا تنظيمًا على مستوى الدولة مع دول أخرى.

د. أحمد شلبي: تحسين مستوى العمالة في مصر شيء جيد، لكن أنا هدفي الأساسي هنا هو العملة الصعبة.

رضوى إبراهيم: أرى أن العائق في هذه الجزئية، رغم أن هناك تجارب مثلما ذكرناها سواء الخاصة بشركة السويدي أو الأهلي كابيتال، إلا أن المشكلة هنا هي الثقافة العامة، فحتى مع تواجد مدارس التعليم الفني وإن لم تحظ بالاهتمام الزائد بها، ولكن الأزمة تكمن في تعامل الأفراد مع خريجي التعليم الفني على أنهم أقل تميزًا من أصحاب المؤهلات العليا.

أحمد رضوان : نريد أن نغير هذه الثقافة تمامًا.

رضوى إبراهيم: فلو نريد أن نشير إلى دور مطلوب من الدولة أن تقدمه، فما هو؟

د.أحمد شلبي: نحتاج إلى بناء برنامج تدريبي لمدة 6 أشهر للسفر خارج مصر كفرصة عمل، فهناك قرى مصرية بالكامل كل شبابها خارج مصر وتعيش هذه القرى في رخاء اقتصادي مختلف عن باقي الدولة، أي إن هذه القرى لها وضع خاص.

البداية يجب أن تكون بتهيئة البيئة المحلية لصناعة أبطال لهم القدرة على قيادة الاستثمار خارج الحدود

أريد أن أوجه العامل إلى مجال له احتياج في الخارج مع القدرة على عمل برامج تدريبية محددة، غير أن عقلية الشباب في الوقت الراهن لا تهتم بنوعية الدراسة، وإنما تهتم بقدراتهم على العمل والمكسب، ولو أتيحت لهم فرصة للخارج سيقتنصونها.

د.سامح الترجمان: هناك جامعة تكنولوجية في الهند مثل MIT على سبيل المثال، فالخريجون من هذه الجامعة على وجه الخصوص يتم استقطابهم من الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا هو سبب انتشار الهنود في مناصب الرؤساء التنفيذين للشركات الكبيرة في الخليج والعالم، من خلال التعليم الفني الذي نتحدث عنه.

أحمد رضوان: تعود بداية هذا إلى تركيز من الدولة على هذا القطاع.

د.أحمد شلبي: هذا أهم ومن أسرع الآليات التي من الممكن أن تدر عملة صعبة للبلد، فضلَا عن أن هذا كنز، فهذا ثاني مصدر للدولار من الخارج، بعد تحويلات المصريين العاملين بالخارج التي تبلغ 34 مليار دولار، والتي يتم توفيرها من خلال 10 إلى 12 مليون مصري.

فهناك قدرة على سفر عمالة تصل لنحو 5 ملايين فرد، ونحن هنا خلقنا فرص عمل وتحويل عمالة ورفع مستوى معيشة عدد كبير من الأفراد في مصر، فهذا الموضوع سهل من خلال برنامج تدريب لمدة 6 أشهر للعمالة المتواجدة حاليًا وذات المستوى الضعيف، بحيث يتم تدريبهم بشكل متخصص في مجالات معينة، فهنا نستطيع تسفير هذا العمالة ولكن الموضوع يحتاج إلى تنسيق، وأشير هنا أيضًا إلى قطاع المقاولات والبناء والتشييد.

د.سامح الترجمان: حتى لو لم تسافر هذه العمالة سنستفيد منها داخل البلد.

د.أحمد شلبي: حتى لو لم تسافر سوف نستفيد بجودة أعلى في الخدمة، ولكن حافز السفر من أجل العامل والدولة، وأركز في حديثي هذا على أننا في أزمة احتياج للدولار.

رضوى إبراهيم: حتى نجذبهم لعمل هذه النقلة بالتحول هذا.

د.أحمد شلبي: لو لخصنا هذه الجزئية فأنا أريد أن نرجع إلى نقطة الهوية، وأرغب في أن تكون هناك هوية اقتصادية تركز على الموارد الخاصة بنا، إذ إن الموضوع سهل جدًّا وطبيعي، فأي فرد يمتلك تخطيطًا اقتصاديًّا سيرى أن هذا الأمر سهل تحقيقه.

أرجع هنا إلى السؤال عن الرؤية والخطط، فعادةً أي كيان استثماري يعد خططه الاستثمارية لمدة 5 سنوات، طبعًا كل هذه الخطط تم تغييرها، بفعل تغيير كل المدخلات خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

رضوى إبراهيم : أقصد هنا رؤيتك لبيئة ممارسة الأعمال ككل ثم سنتطرق في الجزء الثاني إلى القطاع العقاري والشركة.

د.أحمد شلبي: أرى أن بيئة ممارسة الأعمال في مرحلة حرجة جدًّا نتيجة عدم الاستقرار، فأخطر عنصر في ممارسة الأعمال هو عدم امتلاك الرؤية، وإذا لم أمتلك رؤية فأنا لا أرى ما هي الخطوة القادمة؟ وسوف أرجع هنا إلى نقطة المفاجآت التي ذكرتها سابقًا.

هذا السؤال أرجعني إلى موضوع كنت تحدثت عنه منذ فترة ماضية، وأنا أريد التحدث عنه مرة ثانية، فهناك موضوع في العلوم يسمى بنماذج المحاكاة، إذ إنها يتم تطبيقها في كل المجالات، وفي مصر يتم تطبيقها في التخطيط العمراني.

اقترح أن تفتح وزارتي القوى العاملة والخارجية قنوات اتصال مع دول أوروبية وعربية لمعرفة احتياجاتهم التفصيلية من العمالة

أنا أريد أن يكون هناك نموذج محاكاة يرسم لنا السيناريوهات، أي إننا اليوم ككقطاع أعمال خاص لا نعرف ما هي السيناريوهات التي من الممكن أن نمر بها في أعوام 2023 و2024 و2025.

وأعتقد أن وزراء المالية والتخطيط والاقتصاد مع دولة رئيس الوزراء والبنك المركزي بمقدورهم عمل عدة سيناريوهات، بمعنى أنهم يطرحون سيناريو واقعيًّا أمام المهتمين بحيث يتم بناؤه على اتخاذ قرارات معينة، ومتوقع نتيجة لهذه القرارات أن سعر الجنيه يتحرك في نطاق معين، وبناءً عليه أيضًا فسعر الفائدة سيتحرك في نطاق ما.

هناك سيناريو آخر من الممكن أن يكون متفائلًا بجانب سيناريو ثالث متشائم، وبمنتهى الشفافية يتم طرح هذه السيناريوهات بوضوح نظرًا لبيئة الأعمال.

اليوم لا نستطيع عمل خطط لأي شيء بفعل عدم وضوح الرؤية مع تحرك الدولار وهبوط الجنيه وارتفاع الفائدة.

فهل من المفترض أن نبدأ البناء على توقعات يتم إعدادها من قبلنا أم يفترض أن نحصل على رؤية من الدولة بسيناريوهات، وأنا على علم بأنه كل شيء مرتبط بعوامل كثيرة وأحيانًا تكون خارجة عن إرادتنا كدولة.

وهذا يقتضي وضع سيناريو معتدل وثاني متفائل وثالث متشائم، وتتم إتاحة هذه السيناريوهات حتى يكون القطاع الخاص لديه قدرة على أن يعمل شيئًا يتوافق مع البيئة المتوقعة للمتغيرات التي من المفترض أن نراها في هذا العام، إنما هذه هي المشكلة الكبيرة التي نعيشها الآن وهي اللا يقين، مما جعل بيئة الأعمال يسيطر عليها التردد الشديد جدًّا في المرحلة الحالية.

هناك تردد في اتخاذ كل القرارات، هذا بجانب أن جزءًا كبيرًا من الشركات العقارية أوقفت عمليات البيع، فضلًا عن أن الجزء الآخر يدرس، فهناك تخبط وعدم اتضاح للرؤية، فبالتالي أعتقد أننا في فترة تحتاج إلى رؤية واضحة للسيناريوهات المتوقع حدوثها، وأعتقد أن هذه هي أول خطوة لا بد أن نراها في بيئة الأعمال بعد المتغيرات التي وقعت بعد اتفاق صندوق النقد الدولي ومرونة سعر الصرف.

بيئة ممارسة الأعمال تتسم بالغموض حاليًا وأتمنى تطبيق نموذج محاكاة لمعرفة سيناريوهات الاقتصاد في السنوات المقبلة

فلا بد من رؤية واضحة، خصوصًا بعد اتفاق صندوق النقد الدولي الذي بات قيد التنفيذ، فضلًا عن أن الاتفاق يتواجد به متطلبات والكل على علم بها، وبناء على هذه المتطلبات نريد أن نرى السيناريوهات المتوقعة للاقتصاد المصري، حتى تسمح لنا ببناء السيناريوهات الخاصة بنا على أساسها.

فأنا لا أريد أن أكون متشائما، بالعكس أنا أرغب أن أقول إنه أيًّا كان السيناريو نريد أن نكون على علم به حتى نستطيع التعامل معه وإدارته.

أحمد رضوان: دكتور أحمد عبد الحافظ كنت قد تحدثت عن بعض التحديات، وقد ضفت من جانبي عددًا آخر من التحديات، والتي تم ذكرها من جانب الدكتور سامح الترجمان والدكتور أحمد شلبي، وأريد أن أعرف إلى أي مدى ترى أن هذه التحديات سوف تستمر خلال عام 2023، من حيث سعر الصرف هل ترى أن هذا سوف يظل تحديًا؟ وهنا لا أتحدث عن تحدي سعر الصرف فيما يتعلق بسعر الجنيه أمام الدولار، ولكن أقصد القفزات المفاجئة، ولو هناك وتيرة متعارف عليها ويتم التعامل على أساسها فهذه ليست مشكلة، لكن أنا أشير هنا إلى هل سنضطر مرة ثانية في نهاية العام للإعلان عن خفض عنيف؟ هل هذا تحدٍّ تراه سوف يستمر معنا أم لا، وكذلك الاستقرار المرتبط بالتكاليف فيما يتعلق تحديدًا بمسألة الرسوم والضرائب مثلما تم تداوله في اتفاق صندوق النقد، فهناك بعض القطاعات سوف يتم إلغاء الإعفاءات الخاصة بها.. فهل ترى أن الرؤية في ذلك واضحة أم أن ربما في التفاصيل تظهر مفاجآت غير محسوبة؟

د.أحمد عبد الحافظ: أريد أن أعقب على حديث الدكتور سامح الترجمان والدكتور أحمد شلبي. الدولة تحتاج إلى أن تكون لها أهداف استراتيجية لمدة 30 عامًا، وهذه الأهداف التي يقوم بتنفيذها الوزراء، والدولة بالطبع تقوم بالتنفيذ والوزراء على قمة الحكومة، فضلًا عن أن هناك فرقًا بين الكلام المكتوب على الورق والكلام الذي يتم تنفيذه.

يجب تحديد أهداف استراتيجية للدولة لمدى زمني طويل والالتزام بها مهما تغيرت الإدارات

فأنت تريد أن تضع أهدافًا للدولة كلها، والوزير أو المختص الذي يأتي للتنفيذ لا يأتي بخطة وليدة تفكيره، وإنما يأتي لتنفيذ خطة ما حتى مع اختلاف الوزراء والمختصين مع الوقت فأنت «ترس» متواجد في ماكينة.

وليس كل وزير جديد يأتي بتنفيذ خطة جديدة ويحذف كل ما تم إنجازه، يعني مثلًا يأتي وزير تعليم فيضع بعض التعديلات، ثم يأتي وزير آخر جديد ليحذف ما وضعه من كان قبله، فهذا لا يصح، ويعني أن الرؤية العامة غير واضحة.

أحمد رضوان: لماذا في ظل وجود رؤية للدولة حتى عام 2023؟

د.أحمد عبد الحافظ: لا بد من وضع هذه الرؤية، بمسؤوليات ثابتة في التنفيذ لا تتغير بتغير الإدارات، فهناك فرق بين تنفيذ رؤيتي الخاصة وبين تنفيذ الرؤية التي جئت من أجلها، وبالتالي يتم إقالة من يخالف ذلك.

أحمد رضوان: هل ترى أن هذه الرؤية يتم تنفيذها؟

د.أحمد عبد الحافظ: لا.

رضوى إبراهيم: لماذا؟ وهل لم تتم صياغتها بالشكل الذي يضمن تنفيذها بالشكل المطلوب مهما كان المسؤول؟ أم أن هناك أسبابًا أخرى؟

د.أحمد عبد الحافظ: أنا أرغب دومًا في أن أكون قريبًا من الواقع، ومن ثم أضع الخطة التي تتناسب مع ظروفي ومواردي لهذه الأهداف الاستراتيجية.

لذلك هناك ضرورة لوضع سيناريوهات متنوعة، بحيث إن المستثمر الذي يعمل يكون على علم ورؤية للصورة بشكل عام، إنما اليوم في بيئة الأعمال الأمور غير واضحة، فالقطاع الخاص اليوم يرى أن وضع فائدة 25% مع الانتظار حتى تستقر الأمور، ومن ثم نبدأ الحديث، فهذا معناه أننا دخلنا في مشاكل اقتصادية كبيرة وركود وبطالة ومؤشرات الاقتصاد الكلي.

أحمد رضوان: هل ترى أن تحدي سعر الصرف سيظل قائمًا في عام 2023؟

د.أحمد عبد الحافظ: أنا سوف أقسم عام 2023 إلى نصفين، فالنصف الأول لا تزال تداعيات عام 2022 تسيطر عليه من مشاكل اقتصاد عالمي واقتصاد داخلي، وانعكس ذلك في خروج رؤوس الأموال الساخنة، ودرجة التصنيف الائتماني، وحجم الاحتياطي، إلى جانب حجم المديونية.

السياسة النقدية تحديدًا لا تحل المشاكل بمفردها، فاليد الواحدة لا تصفق، ولكنها تحاول أولًا أن تأخذ كل الإجراءات بغرض تقليل الدولرة، لأنه لو لم يحدث استقرار في سعر الصرف في مصر وخلال فترة قريبة ستظهر مشاكل اقتصادية كبيرة، فهذا الهدف والهدف الذي يعتبر أصعب منه، ويقابل كل دول العالم، وهو التضخم، أخطر مرض يقابل أي اقتصاد في العالم.

الخطط يجب أن تكون متجانسة مع الواقع والإمكانيات والموارد والأهداف والأولويات

واليوم ومع الانخفاض الذي يحدث في سعر الصرف بجانب استيراد أكثر من 60 إلى 70% من المنتجات من الخارج، يتسبب ذلك في تضخم مستورد وينعكس في الداخل، وبالتالي يحدث ارتفاع كبير في أسعار التضخم أو الأسعار بشكل عام.

وبالتالي فإن الهدف الأول للبنك المركزي المصري اليوم هو محاربة التضخم بدعم من أن أول أهداف السياسة النقدية في العالم هو هذا الهدف المذكور.

التضخم أخطر مرض يواجه مختلف دول العالم.. ومجابهته يجب أن تتصدر الأولويات

ويتم محاربة التضخم عبر رفع أسعار الفائدة، فضلًا عن إطلاق شهادات الإدخار بعائد مرتفع من أجل محاربة التضخم، ودعم العملة المحلية ومحاربة الدولرة، وبالتالي هناك محاولات لتقليل التضخم نوعًا ما.

أحمد رضوان: ليس هدفي هنا مناقشة فاعلية أدوات السياسة النقدية، ولكن بحكم خبرتك وبحكم ما تتحدث عنه من جميع الكلاسيكيات هل ترى أن في عام 2023 سيكون هناك تحدٍّ يتعلق بسعر الصرف؟

د.أحمد عبد الحافظ: هناك محاولات مبذولة في النصف الأول من أجل استقرار سعر الصرف، فضلًا عن مرونة سعر الصرف التي بدأ البنك المركزي المصري ينتهجها بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، فهي مرونة وليست تعويمًا، وأريد أن أكرر هذا مجددًا.

فاليوم بدأ يكون هناك طلب في الإنتربنك، وكذلك هناك عرض، فالأمور بدت غير متجمدة وإنما تتمتع بالمرونة، وبالتالي بدأ الوضع يعطي بعض الثقة للاستثمارالأجنبي غير المباشر.

لو لم يحدث استقرار في سعر الصرف في المدى القريب سنواجه مشاكل اقتصادية كبيرة

ومع بدء دخول الأموال بشكل أكبر، بالتوازي مع تدبير البنك المركزي المصري العملة مع البنوك لتغطية الاستيراد المتوقف وحل التكدس شيئًا فشيئًا، فإن حركة سعر الصرف في النصف الأول لن تكون مستقرة بشكل كبير، إلى أن يحدث الاستقرار، ليبدأ الاستقرار الأكبر مع بداية انخفاض أسعار الفائدة في أمريكا، لتتحرك الأمور ويبدأ المستثمر العالمي في النظر إلى الأسواق الناشئة بشكل أكبر وشهيته ستزيد أكثر، ليحدث رجوع ونزوح رؤوس الأموال التي خرجت ليس من مصر فقط وإنما من الأسواق الناشئة لتعاود الدخول مرة أخرى.

وتبدأ الحصيلة تزيد في مصر أكثر فأكثر فأكثر، مما يدعم الاحتياطي الدولاري، غير أن الأدوات التي يمتلكها البنك المركزي المصري ستزيد، وقوته ستكبر، وأتوقع أن تبدأ الأمور في التحرك بشكل أفضل بعد النصف الثاني، واحتمالية وقوعها بعد مرور شهر رمضان الكريم وعيد الفطر ليحدث الاستقرار.

أتوقع استقرار سعر الصرف بصورة أكبر مع عودة أسعار الفائدة الأمريكية إلى التراجع

وعندما يحل الاستقرار، تتضح الرؤية العامة في بيئة الأعمال، فالمصنعون غير قادرين على تسعير منتجاتهم بفعل تغير أسعار المواد الخام بشكل يومي وليس شهريًّا، فضلًا عن مطالبات العمالة مع اختلاف أسعار صرف الدولار، وبالتالي عدم التسعير بالنسبة للمنتجين تسبب في مشكلة ضخمة، وهذا في كل القطاعات.

واليوم فإن محاربة التضخم وسعر الصرف يعتبران أولويات البنك المركزي المصري والدولة، وبالفعل بدأت المؤشرات تكون إيجابية حيال تحقيقهما، وبدأت الأمور تستقر.

ولكن أيضًا هذا الكلام تؤثر فيه أمور أخرى خارجية، بعضها مفاجئة، وخصوصًا مسألة الحرب في أوكرانيا، فاليوم نرى أوروبا تتضامن مع أوكرانيا، وإنجلترا وبريطانيا تقومان بمدها بالدبابات والسلاح، والوضع حاليًا الرؤية فيه لها أبعاد أخرى.

بعض أصدقائي في قطاع الصناعة لا يستطيعون تسعير منتجاتهم بسبب سرعة تقلب تكلفة مدخلات الإنتاج

غير أن الرؤية التي تحدثنا عنها مبنية على ثبات العوامل الخارجية، أما إذا تطورت فالموضوع سيكون له أحاديث أخرى، والوضع بالتأكيد سيتغير.

أما في حالة ثبات العوامل الخارجية أو انتهاء الحرب خلال 6 أشهر فالوضع سيسير بشكل أفضل، وأعتقد أن الدولة بدأت اليوم تكون على دراية بأن الاهتمام بالزراعة سيكون أفضل، وكذلك الاهتمام بالصناعة، مع إطلاق عدة مبادرات لتشكل البداية، وهو ما يعكس الاهتمام بشكل أكبر، فضلًا عن توقف مشروعات قومية في هذا التوقيت لتوفير الدولار، وهذا التوجه يسير على النحو الصحيح.

اليوم نحن نحتاج كل دولار حتى نستفيد منه في عملية الإنتاج الداخلي والتصدير والزراعة، نظرًا لأننا أصبحنا متعلقين بشكل كبير بما يحدث في الخارج، بفعل الاستيراد بحجم كبير، فكلما تقلل حجم الاستيراد الخاص بك كلما تقل علاقتك بالخارج، ويقل تأثرك بالمشاكل الخارجية.

استقرار سعر الصرف وكبح التضخم مرتبطان بعدم وجود متغيرات خارجية مفاجئة تؤثر على السوق المحلية

فالدولة يجب أن تعتمد على نفسها بشكل أكبر، إلى جانب القدرة على الاستفادة من العمالة مثلما قال الدكتور أحمد شلبي، مع الاستفادة من الزراعة والسياحة، ومع تحرك كل هذه الأمور سنجد أن ميزان المدفوعات يتم النظر له بصورة مختلفة، ليضع أمامنا المنتجات التي يتم استيرادها من الخارج وما هو البديل الذي نستطيع العمل عليه داخل مصر، فلا توجد ضرورة لاستيراد كل شيء من الخارج، فضلًا عن مناهضة الفكر الذي ينادي بعدم التصنيع والتوسع في الاستيراد لتجنب الدخول في مشاكل الضرائب والرسوم والتجديدات وغيرها من مشاكل التشغيل.

أحمد رضوان: نستأذنكم في استراحة قصيرة ثم العودة لاستكمال اللقاء في الجزء الثاني من صالون حابي.

الرابط المختصر