محمد يونس: كونكورد تدرس فرصا في الصحة والأدوية والمعامل والأغذية والتعليم

حابي _ كشف محمد يونس رئيس مجموعة كونكورد عن أبرز محطات رحلته المهنية والشخصية وأصعب الظروف التي شهدتها مسيرته بمجال الاستثمار المباشر، في لقاء خاص ضمن سلسلة الموسم الأول من «حابي بودكاست» والذي يحمل اسم «الرحلة».

لمشاهدة اللقاء كاملا.. محمد يونس رئيس مجموعة كونكورد ضيف الحلقة الثانية من حابي بودكاست

E-Bank

تناول اللقاء مسيرة يونس خلال مراحل التعليم والعمل، مرورا بالسفر للولايات المتحدة لاقتناص ماجستير إدارة الأعمال من جامعة هارفارد.

كما تناول اللقاء تغيير مسار عمله من بنك تجاري إلى استثماري، ثم تأسيس شركة كونكورد للاستثمار في نيوريورك.

وأشار إلى نظر كونكورد حاليا لاقتناص معملين للتحاليل بقطاع الصحة، بجانب امتلاك فرصة بمجال توزيع الأدوية، ولكنها تحتاج وقتا أطول، بالإضافة إلى إمكانية اختراق قطاع التعليم.

تابعنا على | Linkedin | instagram

أدار اللقاء أحمد رضوان رئيس تحرير والرئيس التنفيذي لصحيفة حابي، وياسمين منير ورضوى إبراهيم مديرا التحرير والشريكتان المؤسستان للصحيفة.

محمد يونس رئيس مجموعة كونكورد

أحمد رضوان : أهلًا وسهلًا بحضراتكم في لقاء جديد من برنامج حابي بودكاست الموسم الأول تحت عنوان الرحلة، نود أن نوضح فكرة البرنامج مرة جديدة، حيث إن هدفه الأساسي هو تقديم دروس ورحلات للكوادر الجديدة التي تمارس أنشطة اقتصادية وخاصة رواد الأعمال، من خلال استضافة عدد من الخبرات الكبيرة في قطاعات اقتصادية مختلفة.

ونستطيع من خلال الحوار استنباط كيفية وضع الأهداف لممارسة الأنشطة الاقتصادية بصورة جيدة، فضلًا عن التوصل لطرق مقاومة التحديات، وإلى أي مدى يتم الاهتمام بالتعليم ووضع العائلة على صعيد القيادات التي تمارس العمل الاقتصادي.

نود أن نتعرف أيضًا على كيفية ادخار الوقت المناسب لتحقيق التوازن ما بين الطموحات والتحديات التي تواجه الكوادر الاقتصادية في الظروف العملية والاجتماعية.

اليوم.. نستضيف أحد أهم كودار سوق المال، وهو صاحب خبرة اقتصادية كبيرة جدًّا، سنحاول من خلال هذا الحوار تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الخبرة التي يمتلكها ضيفنا، حتى نستطيع تقديم الكثير من الرسائل المفيدة بالتأكيد لكل متابعي البرنامج.

معنا الأستاذ محمد يونس رئيس مجموعة كونكورد.. أهلًا وسهلًا، نحن سعداء بمحاورتك في هذا اللقاء، ونتمنى أن يكون الحوار ثريًّا بالأسئلة المفيدة لكل متابعي “حابي”.

في البداية نود أن نعطي ملخصًا لرحلة الأستاذ محمد يونس بداية من التعليم وما هي رؤيتك لأهمية التعليم؟.. وكيفية تأثير التعليم في حياتك العملية؟.. وكيفية اكتساب مهارات جديدة حتى الآن؟

محمد يونس: أنا من مواليد القاهرة، وتعلمت في مصر بمدرسة الجيزويت، ثم التحقت بكلية التجارة وحصلت على درجة البكالوريوس في التجارة، ولكن لاحظت بعد مرور أول عام من الدراسة أن فرص التعليم غير كافية لأن المحاضرات كانت كبيرة جدًّا وعدد الطلاب أيضًا، إذ كان يصل إلى 400 طالب وقتذاك.

حصلت على بكالوريوس التجارة ولكنني وجدت فرص التعليم غير كافية في مصر

بعد أول عام تحدثت مع والدي بعدم رغبتي في استكمال دراستي بكلية التجارة، ولكنه رفض ونصحني بعدم سلك هذا الاتجاه، ثم توجهت للعمل في بنك، وكنت أحصل على إجازات في وقت الامتحانات بحسب الشروط التي وضعها والدي للاستجابة لدخولي الحياة العملية مع الدراسة في وقت واحد.

عملت في البنك لمدة 3 أعوام ونصف بالتزامن مع دراستي، ثم تخرجت وحصلت على درجة البكالوريوس في التجارة.

وفي هذه الأثناء تغيرت الظروف بعض الشيء، وشرعت في التفكير لرفع درجتي العلمية من خلال التعليم العالي بعد بكالوريوس التجارة، وتوجهت إلى جامعة إدنبرة في اسكتلندا لمدة عام، ثم قمت بالتحويل لأمريكا حتى أحصل على الماجستير في إدارة الأعمال من خلال جامعة هارفارد بيزنس سكول.

عملت في بنك 3 أعوام ونصف بالتزامن مع دراستي

بالتأكيد كان التعليم يختلف تمامًا، لأن نظام تعليمي الذي تلقيته في مصر كان فرنسيًّا والآخر أمريكي، فالاختلاف كان كبيرًا، وكانت فترة صعبة، ولكن صاحبني التوفيق من الله.

وفي أوائل الستينيات قررت أن أعيش في أمريكا بالتزامن مع التغييرات التي حدثت في مصر بهذه الفترة، وعملت في بنك لمدة خمس سنوات بعد حصولي على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفارد، ومن ثم تم بعثي لفرنسا لمدة عامين، وعند عودتي قمت بالتحويل من البنك التجاري إلى بنك استثمار.

سافرت إلى الولايات المتحدة لاقتناص ماجستير إدارة الأعمال من جامعة هارفارد

عملت لمدة 20 عامًا في الخارج، وخلال هذه الفترة مارست عملي في العالم كله، ولكن لم أعمل في منطقة الشرق الأوسط أبدًا، لأنني أرى أنه كانت هناك نقطة مهمة جدًّا، وهي عدم تصنيفي كخبير للشرق الأوسط لإجادتي اللغة العربية وأصولي المصرية، حتى لا يتم اختزالي في هذه المكانة ولا أستطيع إحراز أي تقدم.

لذلك وضعت شروطًا لعملي في الخارج، وهي العمل في أي مكان في العالم إلا الشرق الأوسط، وكانت هناك حالة من الدهشة من جانبهم، وكنت أوضحت لهم أنه في حالة رغبتي العمل في الشرق الأوسط سأتوجه لمصر فقط، ولكنها كانت غير متاحة ليّ حينذاك، فرفضت العودة للشرق الأوسط، وبالفعل عملت في اليابان وأمريكا الجنوبية وأوروبا.

غيرت مسار العمل من بنك تجاري إلى استثماري

وبعد مرور 20 عامًا من عملي في بنك تجاري تحولت إلى العمل في بنك استثمار لمدة طويلة، ثم تم عرض شركة البنك للبيع وقمت بشرائها، وهي جيني إلكتريك، لأتوجه بعد ذلك لتأسيس شركة كونكورد للاستثمار في نيويورك.

فلسفة ومنهج شركة كونكورد هي مساعدة المستثمرين على حسب الفئات والإمكانيات، فإذا كان مستثمر يمتلك ملاءة مالية ضخمة بأكثر من 30 إلى 40 مليون دولار، يقوم بإنشاء مكتب خاص مع تزويده بالمتخصصين في هذا الإطار، أما إذا كان المستثمر لا يمتلك هذه المبالغ فلا يستطيع تدشين وحدة متخصصة للتحديد المالي من خلال المحاسبين، لأنها ستكون غير مجزية.

أسست شركة كونكورد للاستثمار في نيوريورك بعد الاستحواذ على جيني إلكتريك

أما صغار المستثمرين الذين يمتلكون مبالغ أقل فإنهم يشترون ويبيعون الأسهم من خلال السماسرة، فضلًا عن أن الفئة ما بين مليون إلى 20 أو 30 مليونًا لم يكن يتوفر لها شركات تقوم بخدمتها، ولكن تم استحداث شركات استثمار تخصصت في هذه الشريحة بعد ذلك.

وفي هذه الفترة التي تعود إلى الثمانينات كانت البلاد العربية تمتلك قدرات مالية عالية جدًّا، ورأيت أنها فرصة هائلة مع امتلاكنا علاقات طيبة في المنطقة كلها، فقمنا بفتح الشركة، ولكن المحاولات فشلت تمامًا.

أحمد رضوان: لماذا؟

محمد يونس: لأن المنافسة كانت محتدمة في هذه الفترة، من خلال تحالف كل بنوك العالم على الدول العربية، مثلما حدث لمصر في القرن الـ 19 بخصوص القطن، فقد نشبت حرب أهلية في أمريكا، وتم فرض حصار على جنوب أمريكا الشمالية التي كانت تنتج القطن وتقوم بتسويقه وبيعه في إنجلترا، وبعد الحصار تم منع دخول القطن الأمريكي لإنجلترا أو أوروبا.

ونتيجة لذلك ارتفعت أسعار القطن لمستويات عالية، وكانت مصر لديها فرصة جيدة بفعل رؤية محمد علي الخيالية التي مكنته من استيراد تقاوي القطن من الهند وزراعته في مصر، ليصبح القطن المصري وقتذاك على غرار البترول الخليجي اليوم.

إلا أن كل ملوك العالم تحالفوا ضد مصر لتميزها في زراعة القطن، مثلما حدث في البلاد العربية، ونفس المشهد تكرر أيضًا على صعيد شركات الاستثمار برغم من العلاقات الطيبة المتواجدة، ولكن أعمالنا في أمريكا تسير بوتيرة جيدة.

لمست بدايات التغيير الجذري عام 93 وسط تمتع مصر بفرص ذهبية في الاستثمار

لمست بدايات التغيير في عام 1993 عندما كنت في زيارة للاطمئنان على عائلتي في مصر، وشهدت أيضًا الانفتاح الذي حدث في السبعينيات وقت حكم الرئيس أنور السادات، ولكن لم أقتنع بأنه تغيير حقيقي أو جذري، رغم ذلك قمنا بفتح مكتب في مصر للشركة التي كنت أعمل بها، ولكن بعد 4 ـ 5 أعوام تم إغلاقه لعدم رؤية مستقبل جيد.

وعند التدقيق في فترة التسعينيات فالوضع مختلف تمامًا، إذ إن هناك تغييرًا جذريًّا حدث في مصر، مما ينذر بخلق فرص استثمار هائلة، ودفعنا ذلك لدخول مصر بدعم من توافر مجال واسع للمنافسة، أما في أمريكا بمجال إدارة المحافظ فقد كان هناك 18 ألف منافس من بينهم شركات استثمار وبنوك وشركات تأمين وشركات إدارة المحافظ، في حين أن السوق في مصر كان يتمتع بفرص ذهبية في الاستثمار.

أحمد رضوان : كانت سوق الاستثمار في مصر ببداية التكوين والبلورة.

محمد يونس: عند تأميم الشركات المصرية في عام 1962 باتت لا تتواجد شركات أو أسهم، حيث كانت هناك سوق هائلة في الأوراق المالية بمصر وكانت تصنف السادسة عالميًّا، كما كانت لدينا أنواع من الصكوك والأسهم والسندات غير متواجدة اليوم.

مصر امتلكت سوق أوراق مالية هائلة واقتنصت المرتبة السادسة عالميًّا في فترة التأميم

أما في عام 93 فلم تكن تتواجد شركات مطلقًا، فوجدنا فرصة هائلة للبدء وأسسنا الشركة وكللت خطواتنا بالتوفيق.

ياسمين منير: قضيت فترة كبيرة جدًّا في الجزء الأول من حياتك العملية في الخارج، فما هو معدل تطور حجم الفجوة بين السوق المصرية والأسواق المتقدمة؟ وما هي رؤيتك لأهم النقاط المؤثرة على مستوى ثقافة ومناخ الاستثمار؟

محمد يونس: كانت هناك فجوة ضخمة جدًّا عند فتح السوق في عام 93، لأن عند تأميم الشركات في عام 61 تم مسح كل الأسهم وأصبحت ملكًا للحكومة، مع عدم تفعيل التداول لتتبدد ثقافة الاستثمار، ثم أسس المتخصصون في هيئة سوق المال قانون الاستثمار الجديد، وكانوا يمتلكون رؤية ثاقبة وقراءة جيدة للواقع، وتم فتح البورصة من جديد.

ومارست عملي عام 1957 في أسواق الأوراق المالية ولكن هذا اختفى، وعند فتح البورصة مرة أخرى لم يعاصر هذه الفترة إلا عدد محدود.

تأميم الشركات بدد ثقافة الاستثمار وخلق فجوة ضخمة بالتزامن مع انطلاق سوق الأوراق المالية

قضيت معظم حياتي العملية في الخارج، سافرت وأنا في عمر 20 عامًا وعدت لمصر وعمري 57 عامًا، وقمت بتأسيس مكتبي بدعم من رؤية مستقبل جيد في السوق المصرية.

وعلى المستوى الشخصي كنت أشعر بأنني لم أنقل خبرتي لمصر، فلقد عملت في اليابان واستراليا وجنوب أمريكا وأماكن أخرى عديدة، وتم تحقيق استفادتهم جميعا من خبراتي العملية، ولذلك كان هذا حافزًا من ضمن الحوافز التي دفعتني للعودة إلى مصر.

وكنت أشعر بأنني أستطيع منح بعض الخبرة والمعرفة وتحقيق مكسب وربحية أيضًا، ولكن في الوقت نفسه أرغب في تقديم خدمة بشدة، وكانت فترة عملي في مصر محفزة بشكل هائل، وكنت لا أتصور في يوم من الأيام عودتي لمصر مرة أخرى بعدما هاجرت منذ فترة الستينيات، وبالفعل حققنا نجاحات كبيرة وسارت العملية بشكل جيد.

رضوى إبراهيم: استعرضنا في المحطة السابقة خلال رحلة عودتك إلى مصر بفترة تسعينيات القرن الماضي، وأود من خلال ذلك استعراض نظرتك كمدير للأصول وصاحب خبرات متنوعة في السوقين المحلية والدولية، وأقارن وضع المنافسة في الوقت الحالي بين الاستثمارات المحلية والأجنبية مقابل فترة بداياتك؟ وأيضًا فيما يخص القطاع الخاص والحكومي؟

محمد يونس: حظنا كان جيدًا جدًّا كدولة، ومن وضعوا قانون سوق المال الجديد بذلوا عليه مجهودًا هائلًا، رغم وجود بعض الثغرات ونقاط الضعف، ولكنها كانت منظومة من أفضل ما يمكن.

واضعو قانون الاستثمار الجديد بهيئة سوق المال كانوا يمتلكون رؤية ثاقبة وقراءة جيدة للواقع

وكما تحدثنا سابقًا فقد ينطلق مشروع بحيثيات جيدة، ولكن نتائجه تكون عكس التوقعات، بسبب التطبيق، فالهدف تمثل في فتح مجال العمل بالكامل وتجنب احتكار البعض للسوق، ويحقق ذلك الديمقراطية.

وفي السابق كان مجال السمسرة في الأوراق المالية مفتوحًا أمام الجميع دون إطار يذكر، فتوفير مبلغ 200 ألف جنيه يكفي لفتح شركة للوساطة والتداول والتعامل داخل سوق المال، ونتج عن ذلك وجود 200 شركة للسمسرة، وهي أبرز التحديات الخاصة بالتطبيق.

وحاليًا حجم التعاملات داخل البورصة ما زال صغيرًا بالنسبة لبيئة العمل، ونتيجة لذلك تزايدت المنافسة بين شركات السمسرة ودفعتهم لخفض عمولاتهم لتحقيق الأرباح دون منح معيار الجودة اعتبارًا، ما أدى إلى تقلص عدد الكيانات التي تتبع أفضل منهجية، بالإضافة إلى احتكار نحو 12 شركة وساطة لنسبة 70% من السوق، بينما تعاني باقي الشركات من تباطؤ النشاط في الوقت الحالي.

حجم التعاملات داخل البورصة مازال ضئيلا بالنسبة لبيئة العمل

الهدف من قانون سوق المال الجديد كان جيدًا جدًّا، ولا نختلف عليه لأنه جذب شرائح إلى القطاع، ولكن الثمن كان في تداعيات تطبيقه السلبية، وهذا من ضمن التحديات التي نراها داخل السوق في الفترة الراهنة، لأن في بداية انطلاق مجموعتنا خلال فترة التسعينيات كان عدد اللاعبين أقل من الحالي، وهناك ثلاث شركات وقتها استحوذت على أغلب التعاملات، حيث سجل متوسطها 2 مليون جنيه، منها: السويس للأسمنت والبنك التجاري الدولي CIB.

وخطتها وقت البداية كانت بناء كيان على أساس متين يتمتع بأصول الاستثمار، وباعتمادنا على خبراتنا السابقة أطلقنا جهازًا داخليًّا للتحليل المالي لمساعدة المجموعة في اختيار الشركات بعيدًا عن اعتبارات الشائعات والأخبار المتداولة غير الرسمية، ولكن واجهتنا عقبة توفير الخبرات في هذا المجال.

خطتنا ارتكزت على بناء كيان يتمتع بأصول الاستثمار

عملنا على حل كل تحد يواجهنا، ولكن لا بد من التفكير الجيد قبل اتخاذ خطوات، ووجدنا أن الأقرب لهذا القطاع هو التحليل المالي الائتماني الذي تتوفر خبرته داخل البنوك، واستقطبنا الشباب ذوي الخبرات في إدارة الائتمان لنقوم بتدريبهم على نشاط الاستثمار.

اعتمدنا على التحليل المالي الائتماني في البداية

استقطبنا وقتها مجموعة من الشباب خريجي الجامعات الحكومية، مثل القاهرة وعين شمس والإسكندرية وغيرها، وزودناهم بعدد من الدورات التدريبية والتعليمية، بجانب تطوير الشريحة الأغلب منهم بشكل أكبر عبر إرسالهم إلى شركات استثمارية في لندن لمدة تصل إلى 6 أشهر، للتواصل مع الكوادر العالمية، ليصبحوا المادة الخام التي اعتمدت المجموعة عليها في ملف الاستثمار.

أطلقنا جهاز تحليل مالي داخلي لمساعدة المجموعة في اقتناص الشركات

أحمد رضوان: تحدي سعر الصرف الآن بالنسبة لكثير من الأنشطة هو لغز، فما نصيحتك لشباب الأعمال في أي مجال اقتصادي للتعامل معه حاليًا، وبالتأكيد عاصرت قيمة سعر الدولار عندما بلغت نحو 90 قرشًا، والفترة الراهنة نتحدث عن سعر 30 جنيهًا للدولار الأمريكي؟ فكيف تعاملت مع تحديات العملة في محطات رحلتك؟

محمد يونس: لا بد أن نعود بالتاريخ إلى الوراء قليلًا، العملة مثل باقي السلع تحدد لها قيمة بناء على آليات العرض والطلب، يصطدم ذلك مع أهداف أيديولوجية سيئة، ففي عام 1952 كان النظام شبه اشتراكي، نتج عنه بناء عقيدة في الأجهزة الحكومية في مصر والجامعات، وهي أن سعر الصرف أهم شيء.

العملة سلعة ذات قيمة تخضع لآليات العرض والطلب

سعر الصرف لا يمكن التحكم به، وفي الوقت ذاته قيمة الجنيه المصري لن تظل ثابتة دائمًا، ولا توجد عملة في العالم ثابتة إلا في الدول المغلقة منذ سنوات مثل الصين وروسيا، فتوجه الاقتصاد أجمع كان في حماية سعر الجنيه.

العقبة أن سعر العملة عامل مهم للغاية لأنه يعمل على تحقيق التوازن في الاقتصاد، فهناك فروق في أسعار الفائدة بين البلاد الأخرى، والسيولة المتدفقة على أساس سعر الفائدة في مصر، لذلك لا بد من تعرض أسعار العملات دائمًا للتغيير.

وكان الحل في ذلك صرف مئات الملايين لدفع سعر الصرف نحو الاستقرار، ولم يتحقق هذا الهدف لأن قوانين الاقتصاد مثل الطبيعة، فالبلاد التي سجلت عدد محاولات لاختراق هذه القوانين دائمًا ما تفشل نتائجها.

عام 2000 كان سعر الدولار 3.40 جنيهات، واليوم تجاوز سعر الدولار الرسمي 30 جنيهًا بعيدًا عن أسعاره بالسوق السوداء.

مقولة الدفاع عن الجنيه المصري خطيرة وغير منطقية

وكانت تتم مساندة الجنيه عن طريق استغلال أي أموال لشراء العملات الأجنبية لسد عجز انخفاض الجنيه، إلا أن الأمر لم يكن مجديًا، خاصة أن هناك فجوة من الأساس، وبالتالي لا يمكن مساندة ودعم الجنيه، والآن السياسة النقدية في اتجاهها إلى التغيير خلال الفترة المقبلة.

رضوى إبراهيم: السياسة في اتجاهها للتغيير.

محمد يونس: نعم، ستتغير بالفعل، فلولا الجهود المبذولة في محاربة الطبيعة لا يمكن أن تنتصر عليها، فالعالم بأكمله يسير على هذا النحو.

وعلى سيبل المثال روسيا إمبراطورية مستمرة لمدة 70 عامًا، وتعد ثاني أعظم دولة في العالم من حيث الإمكانيات والحجم، ولكن عندما أصبحت الخزينة لديها فارغة انهار الاقتصاد على الفور، فمنذ 10 سنوات لا أحد كان يصدق أن روسيا ستنهار، وبالتالي ليست هناك دولة يمكنها تحدي قوانين الطبيعة.

الانفتاح الاقتصادي ضروري لمنع هروب أموال المواطنين للخارج

وظلت محاولاتنا طوال 40 عامًا، ودائمًا أدعو بعدم تحدي الطبيعة، حيث يجب ترك الاقتصاد منفتحًا، فهناك أقاويل تتواتر حول تهريب مجموعة من الأشخاص لأموالهم، فلماذا يلجأون إلى ذلك؟

كما أن مقولة الدفاع عن الجنيه، ماذا تعني؟ بالتأكيد أن الجنيه ضعيف وهناك خطورة، فمن غير الصحيح تداول هذه المقولة، لأنها تخلق مشكلة، وبالتالي فالعملة مهمة جدًّا ويجب أن تكون حرة بشكل كامل أو بنسبة ما لإحداث توازن.

وأفضل دليل على هذا الأمر عندما حدث التعويم، وخلال عام واحد تراجعت أسعار السيارات الفارهة بنسبة 90% بجانب بعض كماليات السيارات، نظرًا لارتفاع سعر الدولار وتحرك أسعارها وبالتالي تراجعت معدلات الإقبال عليها لتنخفض مرة أخرى بشكل كبير.

وبالتالي يجب السماح للطبيعة بتقديم الحلول بدلًا من اتخاذ قرارات معينة، وعندما تم اتخاذ قرار بتغيير سعر الدولار وتحرير سعر الصرف تراجعت حصص عمليات الاستيراد على الفور، خاصة وأن مصر تعاني من مشاكل اقتصادية مثل بلاد عديدة، وبالتالي لماذا يتم تداول سيارات بمبالغ تصل إلى مليون و2 مليون جنيه، فكيف يتم استيراد كماليات وسيارات بهذه الأسعار؟! هناك أمور غير منطقية.

ولماذا نجد 34 نوع جبنة مستوردة يتم شراؤها بالعملات الصعبة، في حين لا نجد الأموال اللازمة لتوفير القمح، فهذه أمور غير طبيعية، وحل هذه المشكلة لا يكون بقرار أو عبر أجهزة الدولة، وحال قدرتها لكانت الأجهزة الأمنية قضت على تجارة المخدرات على سبيل المثال، فرغم وجود عقوبات تصل إلى الإعدام في بعض الحالات إلا أنه لم يمنع تجارتها.

يجب ترك الطبيعة لتحقق التوازن المطلوب، وهذه هي الفكرة الأساسية وإذا لم نستوعب هذا الدرس لن نتغير مطلقًا.

ياسمين منير: الجزء الثاني من سؤال أحمد رضوان كان مرتبطًا بنصائح حضرتك للمستثمر وصاحب المشروع ورائد الأعمال حول كيفية التعامل مع فترة التحول؟ حيث ما زالنا نواجه تحدي العملة في ظل مرورنا بمرحلة التحول الاقتصادي الحالي، فمن وجهة نظرك كمستثمر ورائد أعمال كيف يمكن إدارة تلك المخاطر؟

محمد يونس: في الفترة ما بين عام 2000 إلى 2023 باختصار شديد، العملة سجلت ارتفاعًا من 3.40 جنيهات إلى 30 جنيهًا، ما أدى إلى وصول التضخم لـ30%، وتجاوزت البطالة 20%، حتى وإن لم يعلن عن ذلك حينها.

واستمر العجز يتفاقم عامًا بعد عام، في ظل اضطراب الحالة السياسية نتيجة وجود ثورتين و3 رؤساء جدد للدولة خلال 20 عامًا، بجانب اضطرابات داخلية، كما شهدت المنطقة العربية ظروف حرب مرتين بدولة العراق، ضياع سوريا ولبنان واليمن وليبيا بالإضافة إلى دخول دولة السودان في نفس الإطار حاليًا، وبالتالي ليست هناك ظروف أكثر سوءًا مما يحدث.

ضرورة البحث عن أصحاب الخبرات فور ظهور مشاكل اقتصادية

وبالتالي يجب البحث خلال الفترة الحالية عن أصحاب الخبرات لتقديم مساهماتهم في حل المشاكل الحالية، فخلال الفترة الصعبة الماضية كانت كونكورد تدير محافظ وصناديق ومعظمها حقق أرباحًا رغم الظروف الكارثية طوال الـ20 عامًا الماضية، واستمرارها حتى الآن يعد معجزة، ولكن من الممكن عن طريق اتباع سياسات معينة والاختيار الجيد تحقيق أرباح.

والتغيرات الكبيرة تأتي معها فرص عظيمة، ومن خلال اللقاء مع عدد من المستثمرين والشركات والحديث عن أزمة ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، والذي وصل إلى 40 جنيهًا وقد يصل إلى 50 جنيهًا، وفي ظل توقعات وصول التضخم لـ30%، كل تلك الأمور ليست أسوأ من أحداث الـ20 عامًا الماضية، فكل شيء ممكن، ورغم حالة الاكتئاب الحالية إلا أن هناك فرصًا واعدة للاستثمار.

أي تغيرات اقتصادية تعقبها فرص استثمارية عظيمة

أحمد رضوان: هل تشعر بحالة من الإحباط؟

محمد يونس: نعم بالطبع، هذا شعور سائد في الشارع المصري، فعندما تتحدث مع أحد الأشخاص مثلًا عن سبب ارتفاع أسعار البرسيم، يقال لك إنه الدولار!! رغم استخدام مدخلات إنتاج محلية بنسبة 100%، مع توافر المياه والتقاوي والأرض والعمالة بالسوق المحلية، فكيف للدولار أن يؤثر على سعر هذا المحصول، إلا أن ظاهرة الاكتئاب يأتي معها فرص كبيرة يمكن استغلالها.

أحمد رضوان: الفكرة تكمن في رغبة الشخص في زيادة أرباحه لمقاومة تأثير ارتفاع سعر الدولار، على السلع الأخرى؟

محمد يونس: هذا ما يقوله بالفعل، ولكنه لا يمثل عذرًا مناسبًا.

رضوى إبراهيم: يتم التعامل مع هذا الرد على أنه تفسير وليس عذرُا.

محمد يونس: نعم بالطبع، ولكن بشكل عام ليس هناك داع للاكتئاب، ففي ظل هذه الظروف وانتشار حالة الاكتئاب والخوف والتوتر لا يتجهون للاستثمار، ولكن على جانب آخر ومن وجهة نظري كمستثمر فالأسعار لن ترتفع أو ستنخفض، وبالتالي فهي فرصة شراء أو بيع؟

المواطن المصري مصاب باكتئاب اقتصادي

ياسمين منير: فرصة شراء؟

رضوى إبراهيم: شراء؟

محمد يونس: نعم بكل تأكيد، فهناك 40 سهمًا من إجمالي 200 سهم في البورصة ينفذون عمليات بيع بأقل من 6 أضعاف الأرباح ويعد ذلك مستوى متدنيًا للغاية، وبالتالي الفرصة المتاحة حاليًا الشراء أم البيع؟ ما يعني أنها فرصة هائلة، ونظرًا لحالة الاكتئاب المنتشرة حاليًا، فهناك فرص أكبر أمام المستثمرين.

رضوى إبراهيم: نبدأ من هذه النقطة، ونتحدث عن نصائح يمكن توجيهها لرواد الأعمال؟ أو من يدير مشروعًا ويعاني بشكل أكبر في ظل الظروف الاقتصادية غير المستقرة، بعيدًا عن العوامل الخارجية التي لها علاقة بالاقتصاد؟

كيف يمكن تقديم نصائح مباشرة عن أسلوب الإدارة الداخلي إلى رواد الأعمال؟ على مستوى عدد العاملين، وإدارة النفقات اليومية أو الشهرية، وكيفية التعامل مع ما يتم توفيره من أرباح؟ فهل تكون النصيحة أن يتم إعادة استثمارها في نفس النشاط أم فتح مسارات موازية لتنويع المخاطر؟

محمد يونس: الظروف يمكن وصفها بفرصة هائلة للاستثمار، خاصة أن الأسعار تكون منخفضة لبيع وشراء الشركات والأسهم، وفي هذه الحالة يجب البحث عن الشركات المتجهة نحو التصدير للتأكد من توافر العملة الصعبة، وهناك شركات لديها نسبة تصدير مرتفعة بالفعل.

اتباع سياسات ممنهجة مع الاختيار الجيد يحقق ربحًا مضمونًا

كما أن هناك خطأ شائعًا في الاستثمار بالأسهم، يتمثل في اعتقاد المواطنين أن الاستثمار يكون فى زيادة سعر السهم أو انخفاضه، ولكن هذا الأمر يمثل حصة في الملكية، وبالتالي يجب النظر للشركة بشأن مستقبلها ونشاطها ومجلس إدارتها، ونشاطهم خلال 10 سنوات ماضية، خاصة في ظل ظروف تذبذب الأسهم، وعلى أساسها يتم تحديد الشركة التي سيتم شراء أسهمها، فثمن السهم لا يمثل أي مشكلة، وقد ينخفض بعد تنفيذ عملية الشراء، ولكن يجب مراعاة الرؤية المستقبلية للسهم.

رضوى إبراهيم: ما هو معيار النجاح حال الرغبة في مراقبة الشركة خلال فترة الاضطراب، هل هو حجم الإيرادات المحقق أم صافي الأرباح أم التعامل مع العاملين؟

محمد يونس: هناك مجموعة عوامل، فنحن كمؤسسة استثمار، نضع في الاعتبار الاستثمار طويل الأجل أولًا، فالاستثمار المتمثل في الشراء والبيع يعد متاجرة أو مضاربة.

أهمية انتقاء الأسهم بالاعتماد على تحليل أداء الشركة المالي ونشاطها الاقتصادي

وبالتالي يجب وضع سياسات تشجع على الاستثمار، ولكن التطبيق الحالي يشجع على المضاربة وليس الاستثمار، فالتاجر يمنحك فرصة للشراء والبيع الفوري.. لماذا؟ هل من أجل زيادة السيولة المالية؟ السيولة نفسها ليست هدفًا، في ظل رغبتنا في تشجيع المواطنين على الاستثمار، فعلى سبيل المثال عند شراء سهم بشركة ما ومن ثم بيعه مجددًا لتحقيق أرباح، فما الذي حققته الشركة كمبرر لهذا الربح، ليصبح المشتري هنا مضاربًا وليس مستثمرًا.

ولا يجب وضع أي قواعد تشجع على الاستمرار في هذا الاتجاه، حيث يمكن وضع رسوم ضريبية على الاستثمار طويل الأجل بنسبة أقل من الاستثمار قصير الأجل على سبيل المثال، هذه أمور بديهية لتشجيع الاستثمار وشراء أسهم في شركة تمتلك مشروعًا صناعيًّا لمدة 5 أو 10 سنوات، وليس أسبوعًا أو أسبوعين، فما الذي من الممكن أن يحدث خلال أسبوعين فقط؟

استمرار برنامج الطروحات بالوتيرة الحالية لن يحقق النتيجة المطلوبة

ياسمين منير: كان دائمًا يقال إن المستثمر الأجنبي يحتاج إلى أن يجد في السوق المحلية جميع الأدوات المتوفرة في أسواق بلاده، وهي من بين الأمور التي كانت تشجع على استحداث آليات من هذا النوع، هل يمكنك شرح ذلك؟

محمد يونس: بدأت العمل داخل سوق ناشئة بحجم تداول ضعيف، وكما ذكرت، فإن هناك مقولتين أضعفتا الدولة المصرية، واحدة منهما هي «الاختلاف عن باقي دول العالم»، فالعالم عندما بدأ في خصخصة الشركات بدأ بالكيانات الكبيرة، مثل شركات الكهرباء والمياه والمواصلات العامة، في ظل الرغبة في الملكية الخاصة وخلق سوق أوراق مالية ضخمة.

بيع الكيانات الحكومية الصغيرة أولًا يخلق حجم تعامل ضعيفًا

ويشمل تعريفنا لسوق الأوراق المالية في الجامعة أنه يجمع عددًا كبيرًا من المشترين والبائعين، وهو ما يحتاج إلى عدد كبير من المستثمرين، ولا يقتصر فقط على أحجام الاستثمار.

وعند خصخصة مرفق عام من المرافق الكبيرة فإنه يحتاج إلى مئات الملايين من الجنيهات، وهذا ما طبقته إنجلترا حين بدأوا بخصخصة شركات الغاز والكهرباء والاتصالات، لكن ما يحدث في مصر هو بيع الكيانات الصغيرة أولًا، ونظرًا لحجم التعامل الضعيف عليها بالسوق يتم حجب دخول المؤسسات الأجنبية الكبيرة للسوق نتيجة عدم توافر فرص كبيرة للاستثمار.

خلق قاعدة عريضة من المستثمرين طويلي الأجل الهدف الرئيسي من الطروحات الحكومية

أحمد رضوان: الآن يفترض أن برنامج الطروحات الحكومية الذي يجري تنفيذه، وبشهادة الجميع فهو يسير ببطء شديد أو ربما شبه متوقف، برأيك كيف تتم صناعة برنامج طروحات ناجح وسريع بناء على خبراتك في أسواق مختلفة؟

محمد يونس: هذه مشكلة كبيرة للغاية، ومن الضروري طرح شركات بأحجام تداول كبيرة وتحقق أرباحًا في السوق، وهذه الشركات متوفرة بالفعل ولكن تحتاج إرادة لبيعها، ولا يكون الهدف مجرد جمع حصيلة نقدية، خاصة أن الحصيلة سيتم إنفاقها مجددًا، وسيتكرر الأمر بعد بيع الشركات الأخرى، وبالتالي هذا الأمر غير كاف.

البدء بالكيانات الحكومية الكبيرة عند خصخصة الشركات أمر ضروري

يجب استهداف طرحها في سوق واسعة، ليس لعدد محدود من المؤسسات أو مؤسسة بعينها، ويستهدف الطرح عددًا من المستثمرين المصريين بمدخرات صغيرة، فعلى سبيل المثال لماذا لا يتم بيع شركة الشرقية للدخان؟ فهي شركة كبيرة ومكاسبها مرتفعة لاحتكارها الصناعة وفي هذه الحالة يمكن بيع نصفها أو أكثر ما يساهم في رفع قيمتها السوقية، وكذلك الأمر بالنسبة لشركة أبو قير وغيرها من المؤسسات الضخمة.

أهمية طرح شركات بأحجام تداول كبيرة مثل الشرقية للدخان وأبو قير

رضوى إبراهيم: الشرقية للدخان والمصرية للاتصالات تم بيع حصص منهما مؤخرًا، ولكن كانت بنسب منخفضة نتيجة حرص الحكومة على بقاء حصتها حاكمة في كليهما، ولكن هل ترى المشكلة في حجم الحصص التي تم بيعها أم في طريقة الإدارة من خلال وجود بنكي استثمار فقط تابعين لبنوك عامة لإدارة الطروحات؟

بعكس فترة الازدهار الذي شهده برنامج الخصخصة خلال فترة التسعينيات باشتراك مجموعة كبيرة من بنوك الاستثمار في الطروحات منها متوسطة الحجم مثل إتش سي وبرايم، بجانب إي إف جي التي كانت تستحوذ على نصيب الأسد دائمًا، إضافة إلى مشاركة بنوك استثمار عالمية وأجنبية حتى وإن كانت تخاطب شريحة بعينها من المستثمرين، كيف ترصد هذا التغيير وانعكاسه على نجاح الطروحات التي تمت وحال الاستمرار بهذا النهج كيف سيكون الوضع وبما تنصح؟

محمد يونس: لا يمكننا الاستمرار بهذا الشكل لأننا لن نصل إلى النتيجة التي نريدها، فهدفنا خلق قاعدة عريضة من المستثمرين طويلي الأجل، وفي حالة عدم أخذ هذا الهدف في الاعتبار لن يتم تحقيق نجاحات، وهو ما يحدث من خلال توفير بعض المحفزات للمستثمر طويل الأجل، مثل الرسوم الضريبية، عكس الاستثمار قصير الأجل.

عودة المستثمرين الأجانب لمصر مرهون بطروحات كبيرة وسوق جيدة

بجانب تشجيع نشاط السمسرة من خلال تقليل أعداد الشركات وإلغاء بعض التراخيص، وذلك لأن المنافسة بينهما على السعر خاطئة، فهو أمر متعلق بالثقافة حيث يجب تعليم المستثمرين كيفية الاستثمار؟ وكيفية اختيار شركة السمسرة وعوامل الاختيار بعيدًا عن هامش ربح كل شركة؟ وهو ما قد يحتاج إلى بعض الوقت، بعكس من يتعلمون سريعًا ويتكبدون خسائر في وقت قصير.

فهناك حاجة كبيرة لتشجيع الشركات الكبيرة لطرح أسهمها في السوق، بهدف خلق سيولة تعتمد على عدد كبير من المشترين والبائعين، وبالتالي يجب البدء أولًا بتشجيع قاعدة عريضة.

إحجام المؤسسات الأجنبية الكبيرة عن السوق نتيجة عدم توافر الاستثمار المناسب

ياسمين منير: كيف ترى شهية المستثمر الأجنبي تجاه برنامج الطروحات الحكومية؟ فطرح المصرية للاتصالات لم يشهد مشاركة أجنبية قوية، والذي قد يرجع إلى ظروف الطرح نفسه، ومع عودة استئناف البرنامج في الوقت الحالي وسط حالة الإحباط التي ذكرتها، وهي مرتبطة بالمستثمر المحلي بشكل أكبر، كيف ترى شهية المستثمر الأجنبي؟ وما الكيانات التي تشهد اهتمامًا بخلاف الشركات المقيدة؟

محمد يونس: انعدام الثقافة الاستثمارية لدى الجمهور من بين المشاكل التي تواجهنا، والمرتبطة بعدم الإفصاح عن هوية المستثمرين والاكتفاء بالتنويه، لأن المستثمر أجنبي فقط.

رضوى إبراهيم: الأهم هنا هو الهوية وليس التصنيف.

محمد يونس: الهوية بالضبط.

غياب ثقافة الاستثمار لدى الجمهور من أبرز مشاكل السوق

رضوى إبراهيم: هناك الكثير من الصناديق المملوكة لمصريين وتستثمر في مصر.

محمد يونس: بالتأكيد، فيما يتعلق بعودة المستثمرين الأجانب إلى مصر فإن الطروحات الكبيرة لمؤسسات ضخمة بجانب سوق جيدة تتمتع بملاءة مالية وخبرات هما الحل، حيث يتطلب الأمر اتخاذ العديد من الإجراءات السهلة، والتي تحتاج إلى عزيمة وشجاعة والتخلي عن التراث القديم الخاطئ لنتمكن من فك القيود الحالية.

رضوى إبراهيم: هل نحتاج إلى وزير استثمار، فهذا الملف على طاولة حابي منذ فترة، ونرى أن وجود وزير استثمار كان من الممكن أن يساعد في هذه الظروف؟

أحمد رضوان: ترى أن وجود وزير استثمار كان سيساعد على توصيل صوت المستثمر للحكومة، أم ترى الأمر ليس بالضروري؟

محمد يونس: لا، هناك مشكلة أساسية، فعلى سبيل المثال الأمر قد يكون غير مرتبط بشكل وثيق بهذا الأمر، كانت هناك رغبة من جانبنا في دخول نشاط ما، وطالبت بهذا الأمر بالفعل، وكان الرد بعدم وجود قانون متعلق بهذا الشأن، لأوضح له عدم وجود قانون يمنع دخول هذا المجال.

مطالبات بتشجيع قطاع السمسرة وإلغاء نشاط بعض الشركات

حينما قررت فتح مكتب تمثيل لبنك استثمار أمريكي في مصر، وبنوك الاستثمار في الولايات المتحدة ليست بنوكًا بالمعنى الدارج لدينا، فهي تختص بإصدارات الأسهم والسندات وغيرها، حينها تلقيت مكالمة هاتفية من البنك المركزي تؤكد ضرورة الحصول على تصريح مسبق من المركزي أولًا. لأوضح أنه مكتب تمثيل وليس بنكًا، وطالبته بتوضيح تعريف البنك، قال إن البنك هو مؤسسة تتلقى ودائع وتقدم قروضًا، لأذكر له أن بنك الاستثمار غير مسموح له بتلقي الودائع، وبالتالي أهم ركن من تعريف البنوك غير متوفر.

أحمد رضوان: أيضًا في سياق التعامل مع الحلول الممكنة للوضع الراهن سواء على مستوى القطاع الخاص أو حتى على مستوى الكيانات الحكومية، في هذا التوقيت تنشط فكرة التحالفات بأشكالها المختلفة، ومصر في الفترة الأخيرة أعلنت عن عدد من الكيانات التي ربما يكون الهدف الأساسي من تأسيسها مساعدة المستثمر في عبور أي حواجز مرتبطة بالبيروقراطية أو تعدد الجهات المشرفة على نشاط اقتصادي أو استثماري ما.

ومنها على سبيل المثال صندوق مصر السيادي، تم عرضه في هذا الإطار، وأيضًا الحديث عن تأسيس شركة إن أي كابيتال وأنها ستعمل على تسهيل التعاون والاستثمار المشترك بين الحكومة والقطاع الخاص، هل ترى أنها أدوات فعالة في تنشيط الاستثمار وتحفيز المستثمرين على التوسع، وبناءً على خبراتك هل هذه الأدوات نجحت في دفع العجلة إلى الأمام أم أصبحت جهة حكومية ثانية؟

محمد يونس: لدينا بالفعل بعض المؤسسات حاليًا جيدة ونشطة للغاية، منها أن أي كابيتال وسي أي كابيتال، حيث حققتا قفزات من العدم وأحرزتا نجاحًا كبيرًا. وأيضًا “سي أي بي” التي حققت نجاحًا باهرًا للغاية، ولا بد من تشجيعهم وفتح المجال أمامهم قدر الإمكان، بعيدًا عن أي قيود، فليس هناك دولة تمتلك هذا الكم من القوانين مثل مصر.

تأثير الوضع الاقتصادي على المؤسسات كبير جدًّا

أحمد رضوان: دعني أطرح سؤالًا بشكل آخر، أيهما أفضل: هل التعامل المباشر مع قيود القوانين وتعدد الجهات، أم خلق كيانات لديها قوانين خاصة لا تسري عليها باقي القوانين؟

محمد يونس: لا، هناك إيمان بأمر ما، نعم هناك عقبات أو بيروقراطية وغيرها من التحديات في التنفيذ، ولكن يجب بحث الموقف جيدًا للوصول لطريقة العمل المناسبة، كل مشكلة لها حلول، فلا تدع المشاكل السطحية توقفك، ابحث عن حلول.

كما يجب عدم انتظار الحكومة لحل كل المشاكل؛ لأنها لن تتمكن من حل جميع المشاكل بشكل فوري، بالإضافة إلى أن دور الحكومة لا يكمن في دفع عجلة العمل بكل المؤسسات ولكنه دور المستثمر نفسه، فمع القيود هناك حلول تتطلب بذل الجهد لتنفيذها.

أحمد رضوان: فكرة التكتل عمومًا ضمن النصائح التي قد توجهها، فهل ترى أن رواد الأعمال وأصحاب الشركات الناشئة عليهم التفكير في التكتل والاندماجات فيما بينهم أم أن الوقت الحالي يعد فترة للتفكير في النجاه منفردًا؟

محمد يونس: التكتلات تساعد في الوصول لحجم معين وامتلاك القدرة على استغلال ظروف السوق، لذلك التكتلات ليست بالفكرة السيئة، إلا أن المشكلة تكمن في الموازنة بين التكتل والاحتكار وهذه أهم نقطة، لأن الاحتكار سيئ للغاية، ولكن ما بين الوحدات الصغيرة والاحتكار مجال ضخم للغاية ومفتوح، وهذه الوحدات تنضم لبعضها البعض للتكامل فيما بينها.

التكتلات تساعد الشركات الناشئة على استغلال الظروف

رضوى إبراهيم: أي وقت هو الأنسب للاندماجات بعيدًا عن نظرية الحجم الكبير، فالحجم الكبير بين كيانات كانت تمتلك كل منها إدارات منفصلة.. هل ترى أن التناغم بين إدارات كانت تعمل بشكل منفرد يكون أفضل في الظروف الاقتصادية الصعبة أم في ظروف اقتصادية ميسرة؟

محمد يونس: ليس في ظروف صعبة، ولكن في ظروف تطبق على الجميع، لذلك أفضل أن يتم منحهم فرصة للعمل سويًّا؛ لأنه يسمح بالتوسع في النشاط، والتأمين ضد الانخفاض في الاقتصاد لأي سبب، لذلك هناك عامل أمان ولا تنتظر أن تكون في الظروف السهلة فقط.

ياسمين منير: أستاذ محمد، بناءً على التغيرات الكبيرة التي تحدث على الوضع الاقتصادي والمناخ الاستثماري، إلى أي مدى أثر ذلك على خطط شركة كونكورد؟ وما هي المستهدفات خلال الفترة المقبلة؟

محمد يونس: تأثير كبير للغاية، في مجال إدارة الاستثمارات أولًا، كان الهدف في البداية إدارة استثمارات المؤسسات في الأساس، وبشكل ثانوي للأفراد لأسباب اقتصادية، فيما يخص المؤسسات فهي تتعامل بمبالغ كبيرة، نفس الفلسفة، أما الأفراد فتحتاج إلى جهاز كبير من العاملين لمتابعة العملاء، وسوق جديدة، وهناك ممارسات غير صحية فيما يخص تعاملات الأفراد، لذلك دع الحديث يسير حول المؤسسات.

إدارة استثمارات الكيانات هدف أساسي.. والأفراد ثانوي

والنشاط الثاني كان الاستثمار المباشر، ما يعني الاستحواذ على شركات، والنشاطان بينهما تشابه في بعض الأمور، ولكن اتجاهاتهما مختلفة.

فيما يخص الاستثمار المؤسسي حدثت بعض أمور، منها: السوق بدأت تنمو، والإيرادات تراجعت بسبب المنافسة، فأول أمر يرجع لانخفاض نسبة الإيرادات التي يمكن الحصول عليها في المحافظ، خاصة أن كونكورد مؤسسة لديها تكاليف مرتفعة؛ حيث تنفق في العام الواحد 7 أو 8 ملايين لتنفيذ الأبحاث فقط، في ظل توافر مجموعة كبيرة متخصصة في تحليل ميزانيات لنحو 60 أو 70 شركة في العام بشكل منضبط.

وهنا التكلفة مرتفعة والإيراد منخفض، لذلك تم الاتجاه نحو تقليل المنافسة في المحافظ الكبيرة، المحافظ هي أول تغير جذري لدى كونكورد، إلا أن هذا الاتجاه فرضته ظروف السوق وليست الحكومة.

تقليل المنافسة في المحافظ أول تغير جذري بتاريخ كونكورد

ومن ناحية أخرى تم إنشاء صناديق الاستثمار المباشر، بمعنى الاستحواذ على شركة أو اقتناص حصة حاكمة فيها، وفي البداية كان يمكن إنشاء صناديق كبيرة وجمع أموال المستثمرين، 100 مليون أو 200 مليون دولار، وأتعابها كانت كبيرة للغاية مقارنة بالبقية، حيث ظلت عند 2% سنويًّا كما تحقق 20% أرباحًا.

ولكن لتحقيق الأرباح فيها يجب العمل بنفسك، ويجب تعظيم مزايا الشركة ومساعدتها في البناء، وهذه مكلفة للغاية، لأن الأفراد المتخصصين في هذه الجزئية أجورهم مرتفعة للغاية في ظل أرباحهم المرتفعة، وهذا كان النشاط الثاني.

ومع ملاحظة تراجع الأرباح وزيادة المصروفات في المحافظ الكبيرة والصناديق، اقترحت غلق الأبحاث بعدما أصبح من الممكن جذب المحافظ الكبيرة؛ حتى وإن كانت الأتعاب 200 في الألف يمكن أن تحقق مكاسب جيدة، إذًا هذا أول تغير حدث.

أحمد رضوان: هل تم هذا الأمر بالفعل؟

محمد يونس: نعم، وبدأ الدخول للمحافظ الجديدة، وبالتالي الاتجاه تغير وعاد إلى أصله.

أحمد رضوان: ومربح؟

محمد يونس: إن شاء الله، فالأمور لم تتضح بعد.

تراجع عائد الاستثمار المباشر نتيجة الظروف العالمية

أحمد رضوان: إن شاء الله يكون مربحًا.

محمد يونس: من ناحية الاستثمار المباشر حدث تغيير آخر، فالاستثمار المباشر دائمًا ما يكون مجزيًا للغاية سواء للمساهم أو الوسيط الذي يدير، إلا أنه مع مرور الوقت والمنافسة والظروف العالمية، بدأ عائد الاستثمار المباشر يتراجع.

وخلال فترات سابقة كان العائد 8% أو 9% سنويًّا في الأسهم العادية المقيدة، أما الصناديق فكانت تحقق 30% لتجذب شرائح كبيرة، ومع مرور الوقت بدأت تنخفض إلى 10% أو 11%، وبالتالي أحجم العديد من المستثمرين عنها لعدم إمكانية استرداد الأموال قبل 7 أو 6 سنوات، فهل يمكن خوض هذه المخاطرة وتجميد الأموال لمدة 6 أو سنوات من أجل الحصول على نفس العائد.

أحمد رضوان: أقل حتى من عائد البنوك.

محمد يونس: وأصبح صعبًا وضع أموال في صندوق استثمار مباشر وهذا من ناحية، وفي الوقت نفسه شهدت أبراج بدبي إفلاسًا كبيرًا.

ياسمين منير: ما أثر كثيرًا على سمعة النشاط من الأساس.

رضوى إبراهيم: وكانت لها استثمارات كبيرة في مصر.

محمد يونس: أول شركة قامت كونكورد ببيعها كانت لصالحهم، وهي معمل البرج، حيث تمكنا خلال 4 سنوات من مضاعفة سعر البيع إلى 10 أضعاف مقارنة بسعر الشراء.

أفضلية كبيرة للقطاعات المتمتعة بميزات الزيادة السكانية مثل الصحة والتعليم

ياسمين منير: كان في بداية رواج هذه الأنشطة.

محمد يونس: وهي شركة كانت جيدة للغاية.

وجدنا حينها الصناعة قد تغيرت، والمجال تحول من صناديق إلى شراء شركة معينة بدلًا من دفع الأموال لصالح الصناديق.

رضوى إبراهيم: أصبح يتم جمع الأموال على كل صفقة.

محمد يونس: بالضبط، هذه أصعب قليلًا في العمل.

أحمد رضوان: نعم، ليست أكثر مرونة.

محمد يونس: الثانية وقت توقيع العقود يتم الحصول على الأتعاب، لكن هذه لا، وهذا هو التغير الثاني، أيضًا تم التعايش معه.

رضوى إبراهيم: نريد من حضرتك أن تذكر لنا نصائح أخرى يمكن توجيهها من خلاصة التجربة لمديري المؤسسات خاصة الشباب الصغير في عصر يرى فيه مكاسب سريعة وتمويلات تراهن على مجرد أفكار، بماذا تنصحهم؟

محمد يونس: أهم التوجيهات بالنسبة للشباب هو التعليم الأكاديمي، ثم بعد ذلك تعليم الصنعة، وهذا أمر مهم جدًّا، ومن الضروري أن يظل منحنى التعلم لدى الشباب في تصاعد ولا ينخفض، خاصة أن تراجعه يعني عدم القدرة على الاستمرار واكتساب الخبرات.

أنصح الشباب بالتعليم المهني المستمر لاستمرار تحقيق النجاحات

فعلى سبيل المثال ابني دائمًا ما يسأل عن كيفية امتلاكي كمًّا كبيرًا من الأفكار؟ وهذا الأمر يعود إلى عامل السن والتعلم من الأشخاص المحيطين، خاصة مع استمراري في القراءة والتعلم رغم تجاوزي سن الـ80 عامًا.

هذه هي طريقة اكتشاف الحياة، ودون التعليم المهني لن يتحقق النجاح، فعلى سبيل المثال، الطبيب الذي لا يعمل على تطوير إمكاناته ولا يستمر في القراءة والبحث، قد يشكل خطرًا على حياة المريض، في ظل عدم متابعة أحدث وآخر التطورات العلمية.

مستمر في القراءة والاطلاع والتعلم رغم تجاوزي الـ 80 عامًا من عمري

رضوى إبراهيم: الفترة الحالية تعتبر سريعة وتشهد تطورات عديدة تتطلب الاطلاع المستمر.

محمد يونس: لا بد أن نكون مطلعين على التطورات باستمرار، وعدم التعلم يعني الموت، وأقصد بالموت هنا على الصعيد المهني.

أحمد رضوان: بالعودة إلى نقطة التغير الذي شهده الاستثمار المباشر، انتقلت من فكرة جمع أموال على صندوق إلى جمع أموال على صفقات معينة، ما اتجاهك في هذا الملف خلال الفترة الحالية؟

محمد يونس: بالنظر إلى مصر على صعيد الاستثمار فهي من الأسواق المهمة ومن البلدان الوحيدة التى تمتلك نحو 22 مجالًا مختلفًا للاستثمار من صناعة وأدوية ومقيدة في البورصة، كما أن مصر تتميز بالزيادة السكانية المستمرة وهي من أهم الأمور.

ياسمين منير: لذلك استهدفت القطاعات التي تعتمد على الاستهلاك أو التي تتميز بالكثافة الاستهلاكية.

محمد يونس: مع الزيادة السكانية يجب توجيه جميع الاستثمارات إلى القطاعات التي ستحقق نموًّا بفضل زيادة السكان، مثل الصحة والتعليم والصناعات الغذائية والسكن والملابس.

أما القطاعات المرتبطة بالسوفت وير وأنظمة الحاسب الآلي، فليست ضمن اهتمامتي الرئيسية، في ظل الاهتمام بالاستثمارات الواضحة بشكل أكبر، فكونكورد تستثمر في بسكو مصر، وكونتكت ليسنج، والسويس للأسمنت.

نسبة 80% من دخل الفرد في آخر سنوات عمره تتجه لقطاع الصحة لأنه بحاجة إلى اهتمام ورعاية أكبر في هذا العمر، وفي مصر معدل النمو السكاني 2% في العام و60% من عدد السكان من فئة الشباب لذلك النمو في مجال كالصحة ضخم للغاية، لأن الطلب سيرتفع كل عام مهما اختلفت الأنظمة.

ياسمين منير: هل هناك فرص بدأت دراستها في الوقت الحالي؟

محمد يونس: نعم، في قطاع الأدوية، رغم العرف السائد بالابتعاد عن أي مجال تشارك فيه الحكومة، إلا أن أهم وأكبر ربحية يمكن تحقيقها من قطاع الأدوية، حتى مع تدخل الحكومة في تحديد الأسعار، حيث يجب تخطي هذا الفكر القديم.

الصحة من القطاعات المهمة للاستثمار، وتشمل استثمارات مختلفة مثل المستشفيات ومعامل التحاليل والأدوية، وفي وقت تركيز استثمارات كونكورد على القطاع الصحي، وجدنا استثمارات المعامل تحقق الربحية الأكبر، لكونها نشاطًا أساسيًّا في المنظومة الصحية، ومعظم المتعاملين مع المعامل أفراد، وأنظمة الدفع فيها بالسداد الفوري، كما أن فرص النمو بها مرتفعة.

يجري النظر حاليًا لاقتناص معملين للتحاليل بقطاع الصحة

رضوى إبراهيم: هل هناك استهداف للعودة مرة أخرى للاستثمار في نشاط المعامل؟

محمد يونس: نعم، وبالفعل يتم التفاوض بشأن هذا الأمر.

رضوى إبراهيم: ماذا عن الاستثمار بمراكز الأشعة؟

محمد يونس: هناك فرق كبير بين الاستثمار في مراكز الأشعة ومعامل التحاليل، فالمعمل لا يحتاج إلى استثمار كبير، في ظل إمكانية استئجار الأجهزة والمعدات اللازمة للمعامل من الموردين، مع شراء بعض الخامات التي تستخدم في إجراء التحاليل، بعكس أجهزة الآشعة تكلفتها مرتفعة بين 4 إلى 5 ملايين جنيه.

امتلاك فرصة بمجال توزيع الأدوية.. ولكنها تحتاج إلى وقت أطول

رضوى إبراهيم: هل ستتجه لتأسيس معامل تحاليل وليس شراء معامل قائمة بالفعل؟

محمد يونس: من الممكن أن أشتري معامل بالفعل، لأنها ليست بالاستثمار الضخم، كما أنها ليست بحاجة إلى خبرة كبيرة.

أحمد رضوان: ماذا عن قطاع الصيدلة؟

محمد يونس: هناك ما يقرب من 26 ألف صيدلية بمصر، وتعتبر من المجالات المربحة على مستوى النشاط الصغير، لأنك لست بحاجة لضخ استثمارات كبيرة، فمساحة الصيدلية لا تتجاوز 200 متر، والأدوية يتم شراؤها وفقًا لحجم الطلب، وبالتالي يصل هامش الربح إلى 20% و30%، ولكن في حالة إذا كان النشاط على مستوى أكبر فستحتاج إلى ضخ مزيد من الاستثمار في التجهيزات، مثل توفير أجهزة الحاسب الآلي، وتوفير مخازن وحصة من توزيع الأدوية ما يؤثر على هامش الربحية، لذلك فربحية المعامل هي الأعلى.

معامل التحاليل منخفضة التكاليف ومن أعلى المجالات ربحية

ياسمين منير: كم يبلغ متوسط ربحية المعامل؟

محمد يونس: تم بيع المعامل بعشرة أضعاف ثمنها، وكانت تحقق نموًّا في الأرباح والمبيعات بمعدل سنوي 25%.

أحمد رضوان: هل صناعة الأدوية بها فرص استثمارية كثيرة؟

محمد يونس: صناعة الأدوية رغم تحديد أسعارها من جانب الحكومة لكنها تتمتع بفرص استثمارية جيدة لأن حجم الطلب ضخم جدًّا، بالإضافة إلى أن مبيعات الأدوية في مصر ترتفع حاليًا بنسبة 9% سنويًّا، كما أنها وصلت إلى 18% خلال فترة ما قبل الـ3 سنوات الماضية، وجزء منها مميكن.

استثماراتنا بشركة آمون للأدوية حققت مكاسب جيدة

شركة أمون للأدوية على سبيل المثال كانت شركة خاصة أسسها ثروت باسيلي، بعدما بدأ في تعلم المهنة وتفاصيل المجال عبر قضائه فترة عمل داخل صيدلية بأسوان حتى وصل إلى تأسيس أهم شركة في المجال.

رضوى إبراهيم: هل كونكورد في الوقت الحالي مستثمرة في شركة أمون أم تخارجتم؟

محمد يونس: تخارجنا منها بالفعل، فالاستحواذ عليها جاء بالشراكة مع سيتي جروب وشركة كابيتال إنترناشيونال بأمريكا، والتي تدير استثمارات بنحو تريليون و200 مليار دولار، وتعد ثاني أكبر شركة استثمار بالولايات المتحدة، حيث نفذوا أعمالًا في جميع أنحاء العالم بمجال الاستثمار المباشر وغيره، يريدون الاستحواذ على شركة الأدوية، ولكنهم اشترطوا تواجد شركة كونكورد، مؤكدين احتياجهم إلى شريك داخل مصر يعلم الأمور جيدًا ونفذ بالفعل استثمارًا مباشرًا.

الاستثمار في مراكز الأشعة مكلف ولكنه مكمل لمجال معامل التحاليل

الأمر كان جيدًا للغاية بالنسبة لكونكورد وإعلان كبير وضخم للشركة، خاصة أن واحدة من كبرى شركات الاستثمار الأمريكية تعلنها صراحة باحتياجها للمعلومات المتوفرة لدى كونكورد عن السوق المحلية، فليس هناك أفضل من ذلك بالنسبة لكونكورد.

ولكن تظل هناك مشكلة، الاتجاه لشراء شركة الأدوية بما بين 400 أو 500 مليون دولار، في حين كونكورد لا تمتلك سوى 30 مليونًا، خاصة وأن جميع الصناديق كانت قد استثمرت أموالها بالفعل، ليكون الرد بأن المطلوب فقط خبرة كونكورد، ليتم اقتناص الفرصة وشراء شركة الأدوية، والعمل على تنميتها وتحقيق الأرباح منها، ومن ثم بيعها مجددًا لمستثمرين من دولة كندا.

مبيعات الأدوية في مصر ترتفع بنسبة 9% سنويًّا

هذا هو النشاط الذي نرغب في تنفيذه، وباختصار، شركة الأدوية ترغب في 500 مليون دولار، وهناك شخص يمتلك 75% من الشركة، بعدما قام ببنائها وتأسيسها من البداية، ليتم اقتراض نصف المبلغ المالي المطلوب، رغم عدم تفضيل فكرة الاقتراض، على أن يتم ضخ النصف الآخر من القيمة المالية المطلوبة من رأس المال بواقع 250 مليون دولار.

وحينها تمت عملية اقتراض الـ250 مليون دولار من البنك العربي الإفريقي بفترة سداد تصل إلى 5 سنوات، ليتم بيع الشركة بعد 6 سنوات بأكثر من مليار دولار بنسبة تصل إلى 5 أضعاف رأس المال المدفوع، وبالتالي هذا هو نموذج العمل الجيد.

أحمد رضوان: إلى أي فرص تنظر كونكورد حاليًا؟

محمد يونس: لا يمكن ذكر أسماء بعينها.

أحمد رضوان: هل يمكن ذكر أسماء القطاعات التي ننظر إليها؟

محمد يونس: نعم، يجري النظر حاليًا لمعملين بقطاع الصحة، كما ننظر إلى شركة أشعة، نظرًا لتكامل النشاطين سويًّا، وبناء على الدراسات التي نفذتها كونكورد، نسبة 20 أو 25% من الأشخاص الذين يقومون بعمل أشعات يتجهون لتنفيذ تحاليل أيضًا، وبالتالي المجالان مكملان لبعضهما البعض، ليحقق مجال المعامل أرباحًا كبيرة، فيما يحقق المجال الآخر أرباحًا جيدة إلى حد ما، ولكنه سيجلب المزيد من العملاء.

هامش ربح قطاع الصيدلة كبير ولكن في حدود النشاط الصغير

رضوى إبراهيم: حضرتك ذكرت أن هناك فرصة أيضًا في مجال توزيع الأدوية؟

محمد يونس: هناك فرصة واحدة في هذا المجال، ولكنها ستتطلب وقتًا طويلًا وغير محسومة حتى الآن.

رضوى إبراهيم: بالنسبة للمستشفيات أو المراكز المتخصصة، مثل مراكز الكبد والكلى، حيث ظهر اتجاه استثماري كبير نحوها خلال الفترة الماضية، هل هي ضمن خطة كونكورد؟

محمد يونس: قمت بتنفيذ أول تمويل لمستشفى في مصر عام 1979، وهو مستشفى السلام بالمعادي، وكان مشروعًا جيدًا للغاية، ولكنه أرهقنا كثيرًا خاصة مع الأطباء.

تمويل مستشفى السلام بالمعادي عام 1979 أرهقنا كثيرًا

المستشفيات حينها كانت لا تدر أرباحًا جيدة، خاصة أن النظام المتبع في المستشفيات غريب، ولكنه متبع أيضًا في أمريكا الجنوبية، فالمريض الذي يرغب في تنفيذ عملية ما، يسدد تكلفة العملية كاش للطبيب بشكل ودي بينهما، في حين يحصل المستشفى على مبلغ مالي نظير خدمات الإقامة في الغرفة والطعام والتحاليل والأدوية والخدمات، ليذهب المكسب الأكبر للطبيب، فما فائدة امتلاك المستشفى حينها؟

إلا أن الأمر بدأ يتغير حاليًا، فيحصل الطبيب على راتب شهري، بجانب نسبة من الأرباح، ولكن من الصعب حصول الطبيب على كامل قيمة العملية، في حين أن المستثمرين الذين قاموا ببناء المستشفى وأنفقوا عليه مبالغ مالية كبيرة لا يحصلون على شيء من قيمة العملية.

امتلاك حصة حاكمة في شركة يتطلب خبرة في الإدارة الداخلية بالقطاع

وبالمناسبة هناك بالفعل جهتان أو ثلاثة جهات تناقش كونكورد في هذا الأمر، سيتم اقتناص الفرصة بالطبع، ولكن دخول مجال المستشفيات بالنظام القديم لن يكون جاذبًا على الإطلاق.

أحمد رضوان: هل هناك فرص في القطاع المالي يتم النظر إليها؟

محمد يونس: لا، يمكن الاستفادة من القطاع المالي من حيث الاستثمار فقط، حيث يتم الابتعاد عن القطاعات التي تشهد تواجدًا حكوميًّا كبيرًا، ولكن هذا القطاع لا يمثل مجالًا كبيرًا بالنسبة لكونكورد.

أحمد رضوان: ماذا عن قطاع التعليم؟

محمد يونس: نعم، يمكن دخول قطاع التعليم رغم عدم امتلاكنا الخبرة اللازمه، فعند اختراقنا مجال الاستثمار المباشر سابقًا كانت هناك خبرة جيدة للغاية في النواحي المالية والاستثمارية، ولكن امتلاك حصة حاكمة في شركة يتطلب خبرة إدارة داخلية لشركات صناعية.

قد نخترق قطاع التعليم رغم عدم امتلاكنا الخبرة اللازمة

ولحل هذه المشكلة اتجهنا لاستقدام مجموعة رؤساء شركات متقاعدين بعدما بلغوا من العمر 60 عامًا، وبالتالي يكونون أصحاب خبرات كبيرة، ليتم جذب مجموعة مكونة من 7 أو 8 أفراد، منهم: سمير ثابت الذي شغل منصب رئيس شركة نوفارتس ثاني أكبر شركة في مصر بمجال الأدوية، وعارف حقي الذي شغل منصب رئيس شركة ABB المتخصصة في الأدوات الكهربائية.

وحال توافر فرصة للاستثمار بشركة في مجال إحدى المنتجات الغذائية على سبيل المثال، خاصة وأن كونكورد تلقت فرصة بشركة عاملة بمنتجات البسكويت بالفعل، سيتم استقدام أشخاص لديهم خبرات كبيرة في إدارة شركات مشابهة في السوق المحلية، في ظل عدم امتلاكي لهذه الخبرة، لقضائي أغلب فترات العمر خارج مصر، ولم أقم بإدارة مشروعات بالخارج.

ومن أجل شراء شركة يجب أن يتوفر شخص لديه خبرة إدارتها، كما أن وظيفة مستشار المجموعة، تأتي حال اعتزام كونكورد شراء بسكو مصر على سبيل المثال بعد بحثها من الناحية المالية جيدًا، حينها يتم استعراض رأي المستشار فيما يخص المصانع والعمال والإدارة والتسويق والعلاقات الحكومية.

لا نحتاج إلى دخول 50 استثمارًا ونكتفي بـ3 فرص سنويًّا فقط

ياسمين منير: هل هناك قطاعات بذلت فيها هذا المجهود الكبير، بخلاف قطاع الرعاية الصحية؟

محمد يونس: نعم، هناك فرص بقطاع الرعاية الصحية.

ياسمين منير: هل هناك فرص أخرى بقطاعات مثل الأغذية على سبيل المثال أو الإسكان؟

محمد يونس: القطاع الصحي والأغذية وقطاع التوزيع بمجال الأدوية، ولم يتم دخول قطاعات مثل البترول، حيث يتم التركيز على مجالات محددة، كما أن كونكورد لا تحتاج لدخول 50 استثمارًا ولكن 2 أو 3 فرص استثمارية سنويا فقط.

أحمد رضوان: ما هي المحطات التي تراها مثلت تحديًا كبيرًا منذ بداية رحلتك حتى الآن، والتي تقوم باسترجاعها دائمًا؟

محمد يونس: أولًا، الظروف التي حدثت في مصر خلال فترة خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث وجدنا أنفسنا في يوم وليلة يتم اعتبارنا أعداء للشعب لامتلاك والدي قطعة أرض أكثر بثلاثين فدان من المائة التي تم حددتها الحكومة.

أحداث فترة خمسينيات وستينيات القرن الماضي مثلت تحديًا كبيرًا

في أي عُرف يتم اعتبارنا أعداء للشعب، أو اعتبار من يتلقى تعليمه في مدرسة أجنبية خائنًا لكونه يتحدث لغة أجنبية، فمع أي ثورة تتغير المفاهيم والأنظمة، هذه كانت أول صدمة في سن الـ22 عامًا فقط.

أحمد رضوان: كيف تعاملت معها نفسيًّا؟

محمد يونس: سافرت للخارج، بكل صراحة، بعدما تم اعتباري عدو الشعب، وبالتالي لا يتسنى لي الالتحاق بأي وظيفة حكومية وتم إغلاق جميع الأبواب أمامي، في ظل دراستي بكلية التجارة، فهي ليست مثل كليات الهندسة والطب يتواجد بها تكليفات، فإلى أين أذهب؟

نعم هاجرت خارج مصر، ولكن بسبب غلق جميع الأبواب أمامي وليس طمعًا في جني المزيد من الأموال.

أحمد رضوان: حضرتك ما زلت تشعر بالحزن خلال حديثك الآن.

محمد يونس: نعم بالطبع، لماذا يتم اعتبارك عدوًّا داخل بلدك؟ ولأي سبب؟ لم أقم بأي خيانة على سبيل المثال أو أي شيء، وبالطبع هذا الأمر دفعني للهجرة بكل أسف، رغم عدم تفضيل الكثير لهذا الأمر.

فالولايات المتحدة لديها نظام للهجرة وآخر للإقامة، ومن أجل الحصول على الإقامة هناك كوته معينة لكل دولة بالعالم، على أن تتوزع النسب بحسب عدد المهاجرين من هذه الدول إلى الولايات المتحدة عام 1917.

حينها كانت هجرة المصريين إلى الولايات المتحدة قليلة للغاية بينما بلغ عدد مواطني دولة روسيا نحو 50 ألف مهاجر، بجانب 200 ألف مهاجر من إيطاليا، بينما مصر 112 مواطنًا فقط، في ظل رغبة الجميع في الإقامة بمصر.

أحمد رضوان: حتى لا نعيد لحضرتك مثل تلك الذكريات والأحداث، بعد كل هذه الرحلة الطويلة، إلى أي مدى تشعر بالرضا تجاه عملك وأسرتك الآن؟ وما هي أكثر شخصية أثرت في تكوين محمد يونس؟

محمد يونس: لم أكن أتوقع أو أحلم بالعودة إلى مصر أو التفكير في الأمر من الأساس، ولكن منذ عودتي والشعور جيد للغاية.

لم أكن أحلم بالعودة إلى مصر أو التفكير في الأمر من الأساس

وفيما يخص الشخصية المؤثرة في تكوين محمد يونس بالطبع سيكون والدي رحمة الله عليه، فقد كان رجلًا عظيمًا جدًّا من جميع النواحي.

أحمد رضوان: نشكر حضرتك، ونتمنى أن يكون اللقاء مفيدًا لكل المتابعين.

ياسمين منير: سعدنا جدًّا باللقاء.

رضوى إبراهيم: حضرتك قامة كبيرة، واللقاء بك إضافة مهمة بالنسبة لنا.

محمد يونس: العفو، أشعر بالسعادة للقائكم.

أحمد رضوان: أشكر حضراتكم، وإلى لقاء جديد من حابي بودكاست.

الرابط المختصر