مستويات جديدة من الرعب في غزة وازدواجية للمعايير

وكالات _ منذ بداية الحرب في قطاع غزة نقل الإسرائيليون المستشفيات بسرعة إلى خانة الأهداف العسكرية وإلى ساحات قتال واقتحامات، والحجة اتهامات مصدقة من واشنطن بأنها قد تكون “مخابئ عسكرية”.

مجلة “تايم” كتبت مؤخرا تقول عما يجري في غزة: “كل مناطق الحرب مروعة، لكن غزة تمثل جحيما فريدا من نوعه. جزء كبير من الجيب الذي يبلغ عدد سكانه 2 مليون نسمة أصبح الآن ساحة معركة، حيث يختلط المدنيون والمقاتلون، وتوجد المنازل والمؤسسات جنبا إلى جنب مع البنية التحتية العسكرية. لا يوجد مكان يمكن الشعور فيه بهذه الحقيقة بشكل أكثر حدة مما كانت عليه في مستشفيات المنطقة، التي أصبحت في الوقت نفسه ملاذات آمنة وأهدافا محتملة، وحيث يتم قياس تأثير الهجوم الإسرائيلي بالأرواح كل يوم”، والحصيلة حتى 15 نوفمبر أكثر من 11000 قتيل، بما في ذلك 202 قتيل من العاملين في المجال الطبي، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

E-Bank

قتال عنيف 

هيئة الإذاعة البريطانية تحدثت عن هذه القضية قائلة إن “المستشفيات والمنشآت الطبية أصبحت عالقة في قتال عنيف، في الوقت الذي تضغط فيه إسرائيل في هجومها ضد حماس في مدينة غزة”.

بالطبع توقفت الإذاعة عما جرى مؤخرا في مستشفى الشفاء والاهتمام الذي تركز على “أكبر مستشفى في غزة، حيث يحاصر الآلاف في معارك قريبة، لكن مرافق أخرى أبلغت أيضا عن نقص الإمدادات والطاقة بسبب القتال”.

الهيئة البريطانية تنقل عن إسرائيل أنها “لا تستهدف المستشفيات بشكل مباشر لكنها تعترف بـ (اشتباكات) حول (مستشفى) الشفاء ومنشآت أخرى”.

36 مرفقا صحيا بما في ذلك 22 مستشفى تضررت منذ بدء الحرب

منظمة الصحة العالمية تفيد بأن 36 مرفقا صحيا بما في ذلك 22 مستشفى تضررت منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر، ولا يعمل الآن إلا عدد قليل جدا.

الصحة العالمية كانت تطرقت نهاية الأسبوع الماضي إلى أن مجمع الشفاء الطبي في غزة “أكبر منطقة بها 700 سرير”، مشيرة إلى أنه توقف عن العمل وأن الوضع في الداخل “مريع ومحفوف بالمخاطر”.

مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يقول: “مع وصول المذبحة في غزة إلى مستويات جديدة من الرعب كل يوم، يستمر العالم في المشاهدة بصدمة بينما تتعرض المستشفيات للنيران، ويموت الأطفال حديثي الولادة، ويحرم سكان بأكملهم من الوسائل الأساسية للبقاء على قيد الحياة”.

صحيفة الغارديان بدورها تنقل عن مسؤولين في غزة أن “الفلسطينيين المحاصرين داخل أكبر مستشفى في غزة يحفرون مقابر جماعية، من دون أي وسيلة لمنع الجثث من التحلل بسبب الحصار الإسرائيلي”.

ازدواجية المعايير

ووسط فشل كل النداءات لفرض هدنة إنسانية، يكثر الحديث والجدل حول ثنائية متعلقة “بالقانون الدولي وازدواجية المعايير الدولية”، فكيف وأين تقف واشنطن كحليف أساسي لإسرائيل من الثنائية هذه، مقارنة بصراعات وحروب سبقتها؟.

في غزة تفوح رائحة الموت من كل مكان، يهرول عداد الموت بسرعة جنونية لا تعترف بضوابط كمية ولا كيفية، وهذا ليس توصيفا انفعاليا عاطفيا، بل واقع ملموس بمقتضى توثيق دولي.

واقع عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش بقوله “الكابوس المستمر في غزة هو انهيار للإنسانية.. العملية الإسرائيلية العسكرية والقصف يستهدفان المدنيين والمستشفيات ومخيمات اللاجئين والمساجد والكنائس، لا أحد في مأمن. فغزة تحولت إلى مقبرة للأطفال، الذين يقتلون بوتيرة لم يشهدها أي صراع منذ أكثر من ثلاثة عقود”.

وقد اختار الرئيس الأمريكي جو بايدن عبارات منتقاة بتحفظ وحذر كبرين للتعبير عن هذا الواقع، حيث قال: “أنا لم أتردد في التعبير عن قلقي بشأن ما يحدث وآمل أنه سيكون هناك إجراءات أقل تدخلا فيما يتعلق بالمستشفيات”.

فيما ذهب مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، في انحيازه للجانب الإسرائيلي في هذا الصدد إلى أبعد بكثير من ذلك، حيث قال ردا على سؤال صحفي متعلق بحدود الانتقام الذي ستسمح الولايات المتحدة باستمرار صوره في غزة، مفصحا عن الآتي: “هذا ليس انتقاما.. إسرائيل تقف وتدافع عن نفسها لضمان السلامة والسلام للشعب الإسرائيلي”.

ويشار أنه من المنصة ذاتها، وقبل ما يناهز العام، سئلت الإدراة الأمريكية عن الحرب في أوكرانيا، فكان جواب جيك سوليفان شافيا ووافيا “نحن نراقب ما يحدث ونجمع الأدلة ومن خلال ذلك توصلنا إلى القول إن جرائم حرب ارتكبت في أوكرانيا، والرئيس بايدن كان أول من أشار إلى أن الرئيس بوتين مجرم حرب وموقفنا مبني على الحقائق”.

وهو موقف سانده الرئيس الأمريكي مارس 2023 بشدة بقوله “نعم وبشكل واضح جدا، هناك جرائم حرب ارتكبت في أوكرانيا”.

لكن في سطور حرب أخرى.. الحرب في غزة، تضمحل الرؤى الواضحة والمواقف الحاسمة المنصفة وتصبح العبارات الرمادية حينا والمنحازة أحيانا كثيرة سيدة الموقف، ويتوه القانون الدولي بين المصالح والمحاصصات وترتدى الحقيقة قناع المعايير المزدوجة.

وهنا يقول الرئيس الأمريكي: “ليست لدي أي فكرة أن الفلسطينيين يقولون الحقيقة حول عدد القتلى.. أنا متأكد من أن هناك أبرياء قتلوا وهذا هو ثمن الحرب.. أعتقد أنه يجب علينا أن نكون حذرين.. وأعتقد أنه على إسرائيل الآن أن تكون حذرة جدا”.

التنديد الدولي

وبين حسابات الأمس القريب، والواقع الجاري اليوم، حقائق جديدة تطفو على السطح لم ترحم عميد الخارجية الأميركية ووزير دفاع واشنطن في عقر دارهما، على وقع احتجاج لنشطاء لطخوا أياديهم بطلاء أحمر وقاطعوا إفادات المسؤولين على طاولة الإدلاء بالشهادة في مجلس الشيوخ.

مغالطات ومواقف انحيازية، تعيد للذاكرة ما كان بالأمس القريب، حيث جاءت تصريحات متحاملة لوزير الخارجية الأميركي تشير بإصبع الإتهام لروسيا، حيث قال “على مدار أكثر من عام ونصف مزقت روسيا المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي واستهزأت بقرارات مجلس الأمن الواحد تلو الآخر”.

عبارات تحفز الذاكرة وتجعلنا نستحصر صورة السفير الإسرائيلي جلعاد أردان وهو يمزق التقرير الأممي بشأن انتهاكات إسرائيل- أكتوبر 2021، تحت قبة دولية أين مزقت إسرائيل تقريرا أمميا بشأن انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني، وقال وقتها جلعاد أردان وهو يعدم التقرير “هذا التقرير لا يجب أن يكون له مكان لدى أي شخص معني بحقوق الإنسان بالأمن أو بالسلام، مكانه الوحيد هو في سلة المهملات الخاصة بمعاداة السامية وهذه الطريقة التي سنتعامل بها معه”.

مشهد تغافلت عنه واشنطن، لكن لم يسقط من جعبة التاريخ، حيث تسأل المتحدثة باسم بنود القانون الدولي ذاته بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وزير الخاريجية الأميركي، قائلة: “أنا هنا لأن الولايات المتحدة تؤمن بدور الأمم المتحدة وقراراتها.. يجب علينا أن نسأل اليوم أين هو التنديد الدولي؟”.

 

مقابر جماعية

الصحيفة لفتت كذلك إلى أن المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس قد صرحت مؤخرا قائلة: “بطريقة ما، الوعي بأن المستشفى يجب أن يكون ملاذا آمنا، ومكانا يأتي إليه الناس للعلاج، حين يواجهون مشاكل، حين يكونون في حاجة لذلك، قد تم نسيانه… يبدو أن هناك اتجاها بوجود رغبة في تحويلها إلى أماكن للموت واليأس والخطر، وهو ما لا يجب أن يحدث أبدا”.

من جهة أخرى، رصدت الغارديان تصريحا وحدثا مثيرين وصادمين في الطرف الآخر، مشيرة إلى أن “وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، وهو عضو بارز من اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، قد قال يوم الثلاثاء إن الفلسطينيين يجب أن يغادروا غزة (طواعية) إلى دول أخرى”.

الغارديان ذكرت أيضا أن “مقطع فيديو لم يتم التحقق منه نشر على الإنترنت أظهر ما يبدو أنهم جنود إسرائيليون أمام المباني التي تعرضت للقصف، حيث قال أحدهم إنهم (ينتصرون ويطردون ويستقرون)”.

الجيش الإسرائيلي يقتحم قسم الطوارئ بمستشفى الشفاء في غزة
تطورات مستشفى الشفاء
الرابط المختصر