في حوار موسع خلال مؤتمر حابي: بيئة الاستثمار في عين رجل الأعمال نجيب ساويرس

تحرير سعر الصرف والحياد التنافسي وتسريع وتيرة بيع الأصول.. مفاتيح التعافي

تجدد اللقاء السنوي لجريدة حابي مع رجل الأعمال البارز المهندس نجيب ساويرس للدورة الخامسة على التوالي، وسعى لقاء هذا العام لاستكشاف الطاقات الكامنة في الاقتصاد المصري، عبر الاستفادة من الخبرات الواسعة التي كونها ساويرس من رحلة استثماراته في عدد متنوع من القطاعات الاقتصادية داخل السوق المحلية وخارجها.

 

E-Bank

كما استهدف اللقاء معرفة أيهما أكثر شهية للاستثمار في مصر خلال الوقت الراهن، المستثمر الحالي أم المستثمر الجديد، وكيفية تمويل هذه الطاقات الكامنة، بالإضافة إلى الوقوف على القطاعات الاقتصادية الأهم في محفظة استثمارات ساويرس، وتقييمه للفرص الأكثر جذبًا للاستثمارات المحلية والأجنبية، وكذلك التعرف على نقاط الضعف والقوة في البيئة الاستثمارية، ورصد التحديات والاجراءات المطلوبة لتذليلها.

ياسمين منير: أُجدد الترحيب بالحضور مرة أخرى في مؤتمر حابي السنوي بدورته الخامسة، كما نرحب بالمهندس نجيب ساويرس الذي يحافظ على المشاركة في المؤتمر كل عام رغم جدول أعماله المزدحم دائمًا، ونشكره بشدة على ذلك.

وكعادتنا كل عام، نحب أن نبدأ حوارنا مع المهندس نجيب انطلاقًا من عنوان المؤتمر، وقد رأت جريدة حابي هذا العام أهمية الرهان على الطاقات الكامنة في الاقتصاد المصري، فرغم الظروف الصعبة والضغوط الاقتصادية التي شاهدناها على مدار العام سواء محليًّا أو عالميًّا، والتي تسببت في تعطل تنفيذ بعض إجراءات الإصلاح الاقتصادي والتطورات التي كنا نأمل أن نراها بشكل أسرع، إلا أن مصر ما زالت تمتلك الإمكانيات والمقومات والعقول النابغة، بجانب توافر العديد من الكيانات الكبيرة والناجحة التي تستطيع أن تكون نواة أو محطة للانطلاق، ودفع الاقتصاد للخروج من عنق الزجاجة.

تابعنا على | Linkedin | instagram

فقد خضنا في جريدة حابي هذا التحدي بأقل الإمكانيات في يوم من الأيام، ونرى أن مصر تستطيع تحقيق ذلك بالرهان على الطاقات الكامنة في الاقتصاد.

نود في البداية أن نتعرف على توصيفك للطاقات الكامنة المتواجدة في الاقتصاد المصري..وما هي الفرص والقطاعات التي من الممكن التركيز عليها لتصبح نواة للانطلاق والخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية؟

نجيب ساويرس: أولًا أرى أن الله أعطى مصر كل المميزات، ولكننا لم نحسن استغلالها، فمصر تمتلك طبيعة مناخ مميزة غير متوافرة في أيٍّ من دول العالم، بجانب إطلالتها على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وكذلك نهر النيل، أي إنها تنفرد بكل المقومات التي لا تتوافر مجتمعة في البلاد الأخرى.

المناخ والتعداد السكاني والثروات الطبيعية والبنية التحتية.. طاقات كامنة لم تستغل كما يجب

فعندما أتساءل عن أسباب عدم قدرتي على الإقامة خارج مصر، أجد أنه لا توجد دولة أخرى مثل مصر على صعيد هذه المقومات، وأرى أن هذه المقومات تعد من ضمن الطاقات الكامنة التي حَبا الله بها مصر في الأصل.

أما على صعيد العنصر البشري، فالسوق المصرية كثافتها السكانية كبيرة للغاية تبلغ نحو 110 ملايين مواطن، ولكن هناك نظرية تعتبر أن زيادة التعداد السكاني أمر سيئ أو مشكلة، ولو صحَّ ذلك ما كانت الصين أصبحت أكبر قوة اقتصادية متواجدة في العالم، بل على العكس أرى أن مكانة الدول تقاس على أساس تعدادها، نظرًا لأنه يمنح سوقًا كبيرة للغاية ويوفر الأيدي العاملة بغزارة.

فعلى سبيل المثال، حاليًا في أوروبا هناك دول منها اليونان وإيطاليا على وجه الخصوص يعانون من مشكلة كبيرة جدًّا تتعلق بعدم توافر أيدٍ عاملة، خاصة بقطاعي المقاولات والفنادق، وفي الوقت نفسه عندما يتوافد المهاجرون إليها تبتلعهم سوق العمل، على الأقل الجادون منهم، لذلك أرى أن من ضمن الطاقات الكامنة في مصر التعداد السكاني.

كما أن مصر دولة متقدمة جدًّا من ناحية البنية التحتية، فعندما أسافر البلاد الإفريقية وأقارن أيًّا منها بمصر أجد أن الأخيرة متفوقة للغاية في هذا الإطار، على غرار مقارنة مصر بأمريكا والفروق بينهما، وأنا بالفعل أتنقل طوال العام بين مختلف الدول الإفريقية ولم أجد في أي من هذه الدول البنية التحتية التي تمتلكها مصر، على صعيد الطرق والفنادق والمطارات والكباري، مما يدعم مكانة مصر.

تعديل شروط التعدين في مصر جذبت كيانات عالمية كبرى وشجعتنا على الاستثمار في 9 مناطق حتى الآن

وعلى صعيد الخامات، أرى أن مصر تأخرت كثيرًا في مجال التعدين واستخراج المعادن، لكن وزير البترول والثروة المعدنية استعان مؤخرًا باستشاري عالمي لعمل مقارنة مع التشريعات العالمية في هذا النشاط، وكنت قد تحدثت عن ذلك منذ نحو 15 عامًا عندما تم سؤالي عن أسباب عدم الاستثمار في التعدين بمصر، وذكرت حينها أن مصر كانت تضع شروطًا غير مطبقة في أي من دول العالم، حيث يلتزم المستثمر بتحمل كل تكاليف وأعباء التنقيب وكذلك الخسائر على أن يتم تقاسم عوائد الاستكشافات مناصفة، في حين أن مختلف الدول تحصل على نسب تدور حول 5 – 7% فقط.

وبالفعل عندما تم تعديل هذا النظام، أقدمت 9 شركات عالمية على دخول السوق المصرية، من بينهم أكبر 3 أو 4 كيانات دولية، بالإضافة إلى شركتي التي تعمل حاليًا في 9 امتيازات للبحث والاستكشاف.

الخروج عن السائد عالميًّا يدفع المستثمرين للاتجاه لأسواق أخرى خاصة الأجانب

لذلك أرى أنه في سبيل الاستفادة من الطاقات الكامنة في مصر، علينا عدم الخروج عن النظام العام السائد عالميًّا، فإذا كانت مختلف الدول تكتفي بحصة من عائد التعدين في حدود 6 – 7% فعلينا أن نلتزم بذلك على غرار باقي الدول خاصة في ظل عدم وجود ما يبرر الخروج عن ذلك.

فالمستثمر أمامه الخيارات متعددة، وأنا على مدار حياتي عندما كنت أتعسر في تنفيذ أي استثمار مستهدف في مصر، أتجه لتنفيذه في الخارج، على الرغم من قناعتي باستحقاق بلدي وأن الأولوية لها، لذلك علينا أن ندرك أن عدم تذليل العقبات أمام رائد الأعمال أو المستثمر سيدفعه للبحث عن فرصة أفضل في سوق أخرى.

لجأت للاستثمار في الأسواق الخارجية كلما تعسرت في تنفيذ خططي ببلدي

وبالعودة إلى الطاقات الكامنة، أرى أن هناك طاقات متعددة في الاقتصاد المصري غير مستغلة بالشكل الأمثل، فنسبة التعليم في مصر مقبولة، وهناك شريحة كبيرة من الشباب على قدر جيد من التعليم، كما أصبح لدينا جيل من رواد الأعمال الذين يطمحون في إطلاق أعمالهم، وهناك أمثلة كثيرة ناجحة، لذلك أرى أن السوق المصرية لا ينقصها شيء.

ياسمين منير: هل أنت متفائل؟

نجيب ساويرس: لا.

رضوى إبراهيم: أُجدد الترحيب بالحضور والمهندس نجيب ساويرس الذي نسعد دائمًا بمشاركته..لا أود الخروج كثيرًا عن المحور الذي بدأنا مناقشه، ولكن أريد في ضوء حبك لمصر المعروف عنك، وخبرتك الطويلة التي كونتها خلال رحلة استثماراتك المتنوعة والمتعددة في كثير من القطاعات الاقتصادية بالسوق المحلية، أن تُقّيم لنا وللحضور بيئة ومناخ الاستثمار بالسوق المصرية خلال الوقت الحالي.

وحتى نكون إيجابيين مثلما عودتنا دائمًا، دعنا نتحدث عن الإجراءات والتشريعات المطلوبة والقادرة على دفع عجلة الاستثمار للدوران بشكل أفضل مما هي عليه الآن..وما هي الإجراءات السريعة من وجهة نظرك التي إذا اتخذتها الحكومة يمكن من خلالها تنشيط حركة جذب الاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية خلال الفترة القادمة؟

نجيب ساويرس: بالطبع أزمة سعر الصرف هي المشكلة الأبرز حاليًا من خلال وجود سعرين للدولار في السوق الرسمية والموازية، وللأسف لم نتعلم من التاريخ رغم تكرار المشكلة، فقد تكرر ذلك نحو ثلاث مرات قبل اتخاذ القرار الصحيح والمتمثل في تحرير سعر الصرف.

الأزمة ليست في سعر العملة ولكن في توافرها.. والتحرير بما يفوق السعر الموازي السبيل للتنازل عن الدولارات المكتنزة

فالمشكلة ليست في سعر الدولار وإنما في توافره لضمان دوران عجلة الاقتصاد، فعدم توافره يؤدي إلى إيقاف هذه العجلة، بل وقد يتسبب أيضًا في تراجعها للخلف.

ولكن يوجد تمسك بعدم تحرير سعر الصرف بشكل كامل، في حين أن هناك نظرية في الاقتصاد تقول “You can’t beat the market” أي إنك لن تستطيع التغلب على السوق حتى مع اتخاذ التدابير الاحترازية، فإنها لا تُجدي أي نفع ولا تستطيع الوقوف ضد السوق.

ففي كل مرة يكون هناك تخوف من أن التحرير الكامل سيترتب عليه وصول سعر الصرف إلى مستويات غير مقبولة، في حين أنه بالفعل وصل لمستويات مرتفعة بالسوق الموازية، ولا أحد يعتد في حساباته الاستثمارية بالسعر الرسمي.

لسنا بحاجة إلى تشريعات اقتصادية جديدة.. والأزمة في آليات التطبيق

لذلك أرى أن الأسلوب الأفضل في إدارة الأزمة هو التحرر من الخوف وتحرير سعر الصرف، والصعود بالسعر الرسمي لمستويات أعلى من السوق الموازية، لجذب المدخرات الدولارية حتى تدور عجلة الاقتصاد، فالمسألة تتطلب جرأة فقط.

هناك محور آخر ذكرته من قبل ولن أستفيض في الحديث عنه، وهو مسألة خروج الدولة من منافسة القطاع الخاص، فلا يوجد حلول أخرى، فالمنافسة غير عادلة مما قد يتسبب في تخوف أي مستثمر أجنبي وعزوفه عن دخول السوق المصرية، وهذا هو الإصلاح الثاني الذي أنادي باتخاذ خطوات جادة وفعالة تجاهه.

أما المحور الثالث هو البطء في خصخصة أو بيع الأصول الحكومية، فهناك بطء شديد رغم أنه كان من المفترض أن تسرع الدولة في هذا الملف خاصة أن هناك أصولًا لا يوجد سبب جوهري للاحتفاظ بها مثل شركات المياه ومحطات الوقود التي تم الإعلان عن الرغبة في بيعها، وغيرها الكثير من النماذج.

التدخل في آليات السوق يسفرعن نتائج عكسية مهما بلغت الإجراءات الاحترازية.. والسوق تفرض قواعدها في النهاية

لذلك يجب أن تكون هناك إجراءات سريعة في هذا الشأن حتى يشعر المستثمر بأن مصر جادة في تنفيذ البرنامج، فقد مر عامان ولم يتم تحقيق إنجاز ملحوظ رغم التأكيد على الرغبة في التنفيذ، ولكن في يوم انعقاد هذا المؤتمر سيتم توقيع عقود إحدى الصفقات، إلا أنه يتعين تسريع الوتيرة بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة.

لذلك أرى أن هذه المحاور الثلاثة مؤثرة في تحسين مناخ الاستثمار خلال هذه المرحلة.

رضوى إبراهيم: ماذا عن التشريعات..هل ترى حاجة للدخول في دوامة إقرار تشريعات جديدة؟ أو مراجعة القوانين القائمة بالفعل؟ أم أن أزمتنا الأزلية لها علاقة باللوائح التنفيذية وآليات التطبيق التي تسببت في تعطيل تنفيذ بعض القوانين التي لم تكن محل جدل؟

نجيب ساويرس: ليست هناك أي مشاكل متعلقة بتوافر التشريعات بل إن هناك فائضًا من التشريعات في مصر، الأزمة في آليات التنفيذ التي تعرقل تطبيق القوانين.

كما أرى أنه لا توجد مشكلة أيضًا في توافر حوافز الاستثمار، فالمشاكل تتلخص في المعوقات الثلاثة التي ذكرتها منذ قليل وهم أساس عرقلة الاقتصاد حاليًا.

ياسمين منير: إذا أردنا الحديث على مستوى الفرص بصورة تفصيلية..من منظورك كرجل أعمال ما هي الفرص الاستثمارية الجاهزة التي يمكن للقطاع الخاص اقتناصها في هذا التوقيت؟ وما هي الفرص التي تحتاج للتدخل الحكومي حتى تستطيع جذب القطاع الخاص للقيام بدوره الفترة القادمة؟

نجيب ساويرس: أولًا السياحة، فهناك نقص شديد جدًّا في الفنادق، فرغم أن البعض يرى أن عدد الفنادق ملائم لعدد السياحة الوافدة لمصر، إلا أنه على العكس من ذلك فإن زيادة عدد الفنادق سيترتب عليه زيادة في عدد السياح الوافدين.

والأهم من ذلك المعاملة الأمنية أو الجزء الأمني الخاص بالسياحة، حيث إن رؤية السياح للدبابات والمدرعات والعساكر المسلحة بالرشاشات في بعض المناطق، أمر قد يثير خوف وقلق السائح ويدفعه لعدم زيارة مصر، وكذلك الممارسات الضارة من قِبل سائقي «التاكسي» واستغلال السياح، فضلًا عن المضايقات والمعاكسات التي يتعرضون لها دون قيام أفراد الأمن بدورهم لدفع الأذى في منطقة الأهرامات على سبيل المثال، والحيلولة دون منع تشويه سمعة مصر، فهناك مشاكل عديدة من هذا القبيل تقوض نمو قطاع السياحة الذي يزخر بالفرص، خاصة في ظل النقص الشديد بعدد الفنادق.

ضعف الطاقة الفندقية يعوق الاستفادة من نمو السياحة ويمثل فرص للاستثمار في الوقت نفسه

ثانيًا الزراعة، فعندما نتحدث اليوم عن وجود أزمة في السكر أتساءل لماذا لا يتم إنشاء مصنع جديد، فإذا كان هناك هذا الاحتياج فهناك فرصة لتأسيس مصانع، فقد أسست مصنع من قبل وبدأ يحقق أرباح لأول مرة خلال العامين أو الثلاثة الأخيرة، نظرًا لطبيعة دورته الاقتصادية صعودًا وهبوطًا وفقًا لتحركات البورصة العالمية، ولكنه يعد أحد الفرص القائمة، ونفس الأمر بالنسبة للتصنيع الزراعي ككل.

كما أن هناك حاجة للاستصلاح الزراعي لتوفير أراضٍ زراعية إضافية، فالمجال الزراعي يزخر بكم هائل من الفرص، ولو أنني أمتلك خبرة أوسع في مجال الرزاعة، كنت سأضخ استثمارات أكبر بهذا القطاع.

القطاع الزراعي متعدد الفرص بمجالات التصنيع والاستصلاح.. وأزمة السكر خير دليل

التصنيع أيضًا من المجالات الهامة، فالسيارة الكهربائية على سبيل المثال، تكنولوجيا تصنيعها أصبحت متاحة ويمكن الوصول لها بسهولة، فمن خلال تصفح الإنترنت تستطيع التعرف على كيفية تصنيع سيارة كهربائية فالأمر غير معقد على الاطلاق، خاصة أن السيارة ليس بها كاربراتير أو محرك يحتاج إلى فنيات خاصة مثل السيارة التقليدية، فالأمر في غاية السهولة، لذلك يعد من المشروعات التي يمكن تنفيذها في مصر خاصة أنها تمثل سوقًا كبيرة تضم 110 مليون مواطن.

تصنيع السيارات الكهربائية كنز غير مستغل.. والتسعير عنصر مهم للاستفادة من حجم السوق المحلية

ولكن من المهم أن تكون أسعار السيارات الكهربائية رخيصة في النهاية، حتى تستطيع بيعها لهذا العدد الكبير من المواطنين، وأؤكد على أن هناك فرصًا استثمارية عديدة في جميع القطاعات.

ياسمين منير: هل هناك فرص معينة تفكر في اقتناصها خلال هذه الفترة؟

نجيب ساويرس: عليك العودة لما قلته في بداية الحوار، فإذا لم تحل العراقيل الثلاثة الأساسية في مناخ الاستثمار، سيكون من الصعب على أي مستثمر اتخاذ قرار، فكيف سيتم احتساب سعر الدولار حاليًا بدراسة الجدوى؟ سعر الصرف عنصر مؤثر في كثير من الأمور مثل تسعير المكونات والخامات، كما أن المستثمر يحتاج أن يتأكد من البداية أن الدولة ستمتنع عن منافسته في النشاط الذي استهدفه، فهناك مشاكل يتعين مواجهتها وحلها.

ولكن للأسف عندما يتم الحديث بصراحة عن المشكلات القائمة، عادة ما يفهم الحديث بصورة خاطئة، رغم أن أصحاب هذه الآراء لا تتحقق لهم أي مصلحة شخصية وإنما يسعون لإرضاء ضمائرهم واقتراح الحلول الفعالة.

رضوى إبراهيم: دعنا ننتقل إلى كل قطاع على حدة، بما في ذلك القطاعات خارج خريطة استثماراتك..فخبرتك الكبيرة في الاستثمار بمجالات مختلفة في مصر، ستمكنك من تشكيل صورة ذهنية ربما تفيد مستثمرًا آخر في قطاع بعينه.

سأتوقف عند القطاع الصناعي، بما أنه شئنا أم أبينا سيظل هو والقطاع الزراعي عمدانًا أساسية لأي اقتصاد قومي، كما أن لديك تجربة مهمة بمجال الصناعة تتعلق بمصنع السكر، حيث عانيت لسنوات طويلة من الخسائر ولكن بدأت مؤخرًا في جني الثمار وتحقيق المكاسب.

إذا وددنا القياس على تجربة مصنع السكر..ما هي النصائح التي تستطيع أن توجهها للصناع المحليين؟ وما هو تقييمك لفكرة توطين الصناعة؟ خاصة أن المشاركين في الجلسة الأولى من هذا المؤتمر كان لديهم رأى مختلف بعض الشيء عن مفهوم توطين الصناعة حيث يرون أن مجرد الحديث فقط عنه لا يفيد..وما هي الصناعات التي ترى أنها تمتلك فرص نمو أكبر من مجالات صناعية أخرى؟

نجيب ساويرس: في البداية سأشرح لماذا حقق مصنع السكر خسائر لمدة 6 سنوات، فهذا الأمر لم يكن لنا دخل فيه على الإطلاق، حيث تسبب في ذلك محاباة الدولة للفلاح من خلال تسعير البنجر الذي يمثل المدخل الرئيسي في تصنيع السكر، وكان يتم مع كل دورة برلمانية جديدة لمجلس الشعب رفع سعر البنجر، وفي الوقت نفسه كانت الدولة تحابي للمستهلك من خلال عدم رفع أسعار السكر، وبذلك أصبح صاحب المصنع هو من يتحمل فروق التكلفة، حيث يأخذ البنجر بسعر مرتفع ويبيع السكر بسعر منخفض.

حظر تصدير السكر في ظل الأزمة الراهنة غير مفيد.. ولولا ذلك كنت صدرت كامل إنتاجي

ولذلك أنصح أي مستثمر يرغب في الاستثمار بصناعة السكر، أن يتأكد من عدم تكرار ذلك.

كما أرى أن حظر تصدير السكر في ظل الأزمة الراهنة غير مفيد، وإنما يتعين منح كل مصنع حق تصدير 25% من إنتاجه، لجذب تدفقات دولارية حتي وإن تم استغلالها في الاستيراد مرة أخرى، وذلك لضمان دخول عملة صعبة للبلاد، خاصة أن كل مصنع لديه احتياجات وصيانة وماكينات، فضلًا عن الاحتياجات الدولارية في حالات التوسع وإنشاء خطوط إنتاج جديدة.

لذلك أرى أنه من الأفضل عدم غلق باب التصدير بالكامل، خاصة أن إتاحة الفرصة لتصدير 25% من انتاج كل مصنع أمر جيد في ظل تواجد 9 مصانع لإنتاج السكر في مصر.

اكتشفت أيضًا مؤخرًا أن في مصر يتم تصنيع أثاث بأذواق رفيعة للغاية وأسعار تنافسية جدًّا، وعندما قارنت بين أسعار الأثاث في مصر وإفريقيا وجدت أنها تصل إلى ضعف أو ثلاث أضعاف الأسعار المحلية، لذلك أمام مصر فرص تصديرية عظيمة في هذا المجال.

تكلفة صناعة الأثاث في مصر تنافسية وفوجئنا بجودة ورقي المنتج المحلي

ولكن يتعين البعد عن التصميمات القديمة التي اشتهر بها أثاث دمياط منذ نحو 100 عام والذي يتسم بالزخارف والتشكيلات الفنية المعتادة، وإدخال الروح العصرية على الصناعة على غرار موديلات الأثاث في أيكيا والمتاجر المشابهة.

كما أن تكلفة العمالة المصرية تنافسية للغاية، فكلما ارتفع سعر الدولار انعكس ذلك في انخفاض تكلفة العمالة، ما يجعلها تنافسية بدرجة كبيرة، فليس كل الانعكاسات سلبية لهذا الأمر.

لذلك أرى أن صناعة الأثاث من المجالات الجاذبة التي توفر فرص استثمارية واسعة لمن لديه الرغبة في دخول هذا النشاط، وقد أسست شركة متخصصة في التصدير لإفريقيا بدأت نشاطها منذ نحو 3 – 6 أشهر، وخلال هذه الفترة نفذت نحو 14 عملية تجارية، وسط ارتفاع كبير في الطلب على المنتجات المصرية، وذلك نتيجة لانخفاض سعر العملة، فأصبح التصدير بوابة جديدة للعبور تجاه فرص لم تكن مطروحة من قبل.

 

رضوى إبراهيم: هل تنصح من يبدأ العمل في الصناعة بأن يضع التصدير نصب عينه من البداية كنوع من التحوط المستمر تجاه أزمة العملة عبر توفير منفذ لإيرادات دولارية، أم ترى أنه يتعين خلق طلب جيد على منتجاته في السوق المحلية أولًا قبل التفكير في التصدير؟

نجيب ساويرس: يجب على المصنع دراسة وتحديد أهدافه من المنتج، وهل سيركز على السوق المحلية أم التصدير أم الاثنين معًا.

مصر تمتلك أقوى بنية تحتية على مستوى القارة السمراء.. ولمسنا إقبالًا كبيرًا بعد تأسيس شركة التصدير لإفريقيا

أنا أرى أن هناك فرصة غير عادية للتصدير، وهذه الفرصة واضحة في إفريقيا، نظرًا لأن المنتجات المصرية مطلوبة وجيدة، ولكن كان هناك مشكلتان في هذا الشأن، الأولى تتعلق بطريقة التنفيذ بما في ذلك الاعتمادات المستندية وكيفية الضمان، أما العائق الثاني يتمثل في النقل، نظرًا لأن مصر لا تمتلك أسطولًا تستطيع الاعتماد عليه للشحن لإفريقيا، فهذه القارة مشكلتها الأساسية تكمن في النقل سواء الجوي أو البحري، ولكن لو تم حل هذه المعوقات ستتضاعف مكاسب التصدير.

وأُشير إلى أن الوضع في سلعة السكر مختلف تمامًا، فعائد بيع السكر في مصر أعلى مما إذا تم تصديره، وهو ما دفعنا لقبول قرار حظر التصدير، وهذا يعني أن وقف التصدير حل غير فعال.

لكن هامش الربح في عمليات تصدير السلع الأخرى، أعلى بكثير جدًّا من السوق المحلية، وخاصة في إفريقيا، وهذا الرأي يأتي عن دراية جيدة بالمنتجات في الأسواق الافريقية بحكم تواجدي الدائم هناك.

رضوى إبراهيم: آخر نقطة لديّ في هذا الموضوع.. في حال عدم حظر تصدير السكر، ما هو حجم الإنتاج الذي كنت ستوجهه للأسواق الخارجية؟

نجيب ساويرس: كنت سأُوجه كل إنتاجي للخارج.

رضوى إبراهيم: بالكامل؟

نجيب ساويرس: نعم، لأن الإيردادت الدولارية للمصنع الواحد من الممكن أن تدر نحو 300 – 400 مليون دولار، وإذا كان هناك 10 مصانع فسيوفرون نحو 4 مليارات دولار.

شهيتي مفتوحة للاستثمار في مصر ولم أُوقف استثماراتي ولكن أطالب بتذليل العقبات

وبالتأكيد ستضع المصانع في اعتبارها ضرورة تغطية احتياجات السوق المحلية، ولكن يتعين الاحتفاظ بحصة بغرض التصدير لتوفير العملة الصعبة والتي سيتم تحويلها إلى مصر، خاصة وسط أزمة ندرة النقد الأجنبي.

وأرى أن التدخلات بصفة عامة أمر غير جيد، فمن الأفضل أن يتم ترك السوق حرة ويكون لكل مستثمر أن يحدد مدى حاجته وقدرته على التصدير من عدمه، فالسوق قادرة على تحقيق توازنها في نهاية الأمر.

ياسمين منير: في حال معالجة مشكلة العملة الصعبة والأزمات التي صنفتها بأنها العقبات الأبرز.

نجيب ساويرس: العقبات الأبرز من وجهة نظري بجانب سعر الصرف هي تخارج الدولة من منافسة القطاع الخاص وتسريع وتيرة برنامج الطروحات.

ياسمين منير: أرى أن الأوضاع تسير تجاه حل هذه العقبات، وأصبحت لدينا وثيقة توضح سياسة ملكية الدولة، وهناك إجراءات يتم اتخاذها على أرض الواقع حتى وإن كانت ليست بالوتيرة التي نأملها، كما أعتقد أن الفترة المقبلة قد تشهد خطوات أسرع بكثير.

لذلك نسأل عن الفرص الجاذبة لك.. فقد صرحت من قبل أن شهيتك مفتوحة للاستثمار في مصر، فهل من الممكن أن تتجه لفتح مجالات صناعية جديدة سواء بغرض التصدير أو لتعظيم الاستفادة من حجم السوق المحلية الكبيرة؟

نجيب ساويرس: نعمل بالفعل الآن على مشروع ضخم جدًّا، وبالتأكيد شهيتي مفتوحة للاستثمار في مصر ولم أُوقف استثماراتي، ولكن أطالب فقط بتذليل بعض العقبات، لتسهيل بيئة ممارسة الأعمال ودفع عجلة الاقتصاد، فلا أحد لا يرغب في أن تكون بلده أفضل دولة في العالم، خاصة وسط امتلاكها جميع المقومات التي منحها الله إياها.

مشروع ضخم لإحلال التوك توك واستبداله بمحرك كهربائي باستثمارات 150 مليون دولار.. والحكومة متعاونة قلبًا وقالبًا

وبالرجوع إلى المشروع الجديد، سوف نستبدل جميع التكاتك المتواجدة في الشارع المصري والتي تسببت في تشويه المظهر الحضاري، بمحرك آخر كهربائي، للحد من الانبعاثات الكربونية الضارة والإزعاج، فضلًا عن أن كل توك توك سيكون له رقم متسلسل لتتبعه، والقضاء على الفوضى التي يحدثها في الوقت الحالي.

وفي الحقيقة الحكومة متعاونة معنا في هذا المشروع قلبًا وقالبًا، كما ذللت عقبات كثيرة جدًّا في هذا النشاط على وجه الخصوص، وتدخلت بشكل مباشر لتسريع إجراءات وموافقات متعلقة بوزارة الصناعة.

فهذا المشروع سيغير المظهر القاتم في الشارع المصري، فعلى سبيل المثال في منطقة شبرا الأطفال يقودون التوك توك بتهور، كما يستخدم في أعمال الخطف، إلا أن كل ذلك سينتهي، بما في ذلك ما يحدثه من ضوضاء وتلوث.

وتقدر استثمارات مشروع إحلال التوك توك بآخر كهربائي بنحو 150 مليون دولار على الأقل، ويعتبر من المشروعات التي يجري العمل عليها حاليًا في مصر، لأنني أود أن أساهم بشكل فعال في القضاء على ظاهرة سلبية لها أبعاد اجتماعية وحضارية.

كما لدينا عدة مشاريع أخرى نعمل عليها، فنحن لم نوقف استثماراتنا ولن نتوقف.

ياسمين منير: حدثنا باستفاضة أكثر عن مشروعات الجديدة.. نود أن يكون لنا السبق اليوم في الكشف عنها.

نجيب ساويرس: لدي مشروعان في منطقة الأهرامات باستثمارات تبلغ نحو 100 مليون دولار، تتعلق باستبدال الصوت والضوء القديم بتكلفة استثمارية تبلغ نحو 40 مليون دولار، بما في ذلك استبدال كل الأجهزة القديمة والمقاعد المهترئة، وتطوير تقنية الصوت والضوء، من خلال استخدام استديو إضاءات خاصة بالقرن 21، لنخلق وجهة حضارية مبهرة أكثر من أي مكان آخر، لتتقدم في المنافسة على لاس فيجاس الأمريكية.

100 مليون دولار استثمارات بمشروعين في منطقة الأهرامات.. منها 40 مليون دولار لتطوير الصوت والضوء

كما تم تطوير المنطقة وأعدنا تدوير منطقة الأهرامات كلها، لا أدري إذا كان المواطنين قاموا بزيارة الأهرامات بعد التطوير أم لا، ولم يتبق غير المشكلة الأساسية الأزلية حتى الآن وهي التعامل مع أفراد الأمن عند المداخل، وأرى أنها باتت تتطلب التدخل الإلهي.

رضوى إبراهيم: قبل أن ننتقل بالحديث من قطاع السياحة.. كان لديك اهتمام كبير بهذا القطاع خلال العام الماضي، وصرحت حينها بأن هناك نية لضخ استثمارات في إنشاء فنادق جديدة، فهل ما زالت هذه الخطة قائمة؟ وفي حال استمرارها ما هي التطورات التي طرأت على هذا المف؟

نجيب ساويرس: لدينا الآن 3 فنادق في مرحلة التصميمات، اثنان منها في الساحل الشمالي بمشروع الشركة هناك، والثالث في منطقة الأهرامات، كما يتم إنشاء مستشفى في الساحل الشمالي على أرض المشروع الخاص بالشركة، نظرًا لعدم تواجد مستشفى على مستوى عالٍ في هذه المنطقة، رغم ارتفاع معدلات الحوادث على هذا الطريق.

نخطط لإقامة 3 فنادق بالساحل الشمالي والهرم باستثمارات 200 مليون دولار

رضوى إبراهيم: ما هو حجم استثمارات هذه الفنادق؟ وهل عندما بدأت في التنفيذ واجهت ارتفاعًا في التكلفة عن الميزانية الموضوعة مسبقًا في ظل ارتفاعات الأسعار التي طالت كل شيء خلال الفترة الأخيرة؟

نجيب ساويرس: التكلفة تجاوزت الميزانية الموضوعة ولكن ليس بشكل كبير، نظرًا لأن هناك جزءًا كبيرًا جدًّا من تكلفة الفنادق عبارة عن مواد بناء، مثل الرمل والزلط والأسمنت والحديد، ولكن عند احتساب التكلفة الإجمالية لبناء الفنادق الثلاثة ربما تدور حول 200 مليون دولار.

ياسمين منير: القطاع العقاري مثلما استحوذ على اهتمام كبير منك خلال السنوات الأخيرة كان أيضًا على قائمة أولويات الدولة لفترة طويلة، وأعتقد أصبح لدينا ثروة عقارية كبيرة نسعى حاليًا إلى تصديرها، وبدأ الحديث يتزايد خلال الفترة الأخيرة حول إمكانية الاستفادة منها كمصدر أساسي لتوليد العملة الصعبة.. ما هي توصياتك في هذا الملف، قبل أن ننتقل للحديث عن استثماراتك الجديدة في القطاع العقاري؟

نجيب ساويرس: الدولة تطالب المطورين العقاريين بعدم بيع الوحدات بالدولار، في حين أنها تعاني من ندرة النقد الأجنبي، وفي الحقيقة أتساءل لماذا؟ فإذا تم السماح للبيع بالدولار سيتم وضع الحصيلة الدولارية في البنوك المصرية، فلماذا إذن لا يتم السماح بذلك؟

القطاع العقاري أصبح قنبلة موقوتة.. ومنح الشركات حق البيع بالدولار قد يكون أحد حلول الالتزام بالتعاقدات

كما أن لدينا اليوم أزمة كبيرة في المجال العقاري بمثابة قنبلة موقوتة، فالقائمون على أعمال الشركة لدي سعداء بتحقيق مبيعات بنحو 55 مليار جنيه، في حين أنني لا أنام الليل لأن المبيعات بلغت نحو 55 مليار جنيه، وذلك لأن وتيرة ارتفاع التضخم وتكلفة البناء تسير بسرعة رهيبة جدًّا، فضلًا عن صعود الأسعار بشكل كبير للغاية، وبذلك عند تسليم الوحدة للمشتري، والتي كان قد تم تثبيت سعرها عند التعاقد، سيجد المطور أنه حقق خسائر في النهاية.

وكلما كان حجم مبيعات الشركات العقارية كبيرًا، ترتب على ذلك تحمل مخاطر مرتفعة جدًّا، وذلك في اتجاه الخسارة وليس المكسب، وأيضًا هذه المشكلة ناتجة عن ارتفاع سعر الصرف، ويمكن معالجتها من خلال عدم منع المطورين من بيع الوحدات العقارية بالدولار، لأن ذلك في النهاية سيزيد من التدفقات الدولارية الواردة لمصر، لأنه منفذها الوحيد.

وفي الحقيقة الدولة بذلك تستقطب الدولارات التي يتم اكتنازها، نظرًا لأن المواطنين بات لديهم طريقتان للاستثمار، فكل شخص في النهاية يضع مصلحته الشخصية في المقدمة، والأغلبية حاليًا إما تفضل اكتناز النقد الأجنبي أو شراء العقارات كمخزن آمن للقيمة.

زيادة مبيعات الشركات العقارية في ظل ارتفاع التضخم يزيد احتمالات الخسارة على حساب المكسب

أيضًا البيع بالدولار يحمي المطور من ارتفاع الأسعار، لأن لديه في تكلفة البناء نحو 30 – 35% على الأقل مكون دولاري، من الحديد والأسمنت والتكييفات والكابلات والألومنيوم والزجاج، بما قد يصل إلى 40% مكون دولاري، لذلك فإن السماح بالبيع بالدولار، يقلل من المخاطر التي يتحملها المطور جراء تقلبات سعر الصرف.

والدولة ستصطدم بمشكلة أتوقع حدوثها، وهي أن كل مطور تأخر في البناء سيكون في حالة بمنتهى الخطورة، نظرًا لارتفاع الأسعار بعد جمع عوائد المبيعات، وتكون بذلك الخسارة هي النتيجة الحتمية لتنفيذ المشروع، مما سيدفع تجاه انتهاج أساليب ملتوية على غرار عمليات توظيف الأموال، مثل البدء في مشروع جديد لاستغلال عوائد مبيعاته في استكمال المشروع الخاسر ، وتكرار الأمر نفسه للخروج من هذا المأزق.

رضوى إبراهيم: بمناسبة الحديث عن بيع العقارات بالدولار.. بالتأكيد تردد على مسامعك زخم المعارض التي باتت تعقد في مصر مؤخرًا وتضم شركات عقارية غير مصرية وتحقق مبيعات كبيرة، وفي النهاية هذه الأموال سوف تخرج من السوق المصرية.. فهل ترى أن مصر مستفيدة من ذلك الوضع على اعتبار تنشيط العلاقات الاستثمارية المتبادلة مع هذه الدول؟ أم أنه سيكون له انعكاسات سلبية على القطاع العقاري والاقتصاد المصري ككل، كيف ترى ذلك؟

نجيب ساويرس: أؤكد مرة أخرى أن أي تدخلات من الحكومة في مسار الاقتصاد أو السوق سيكون لها نتائج عكسية دائمًا، ويتعين الترحيب بأي مستثمر يود الاستثمار في مصر، والترحيب أيضًا بالشركات التي تقوم ببيع منتجاتها في السوق المحلية، فكلما تركنا السوق لآلياته دون تدخلات، كان الوضع أفضل وذلك وفقًا للقواعد الأساسية للاقتصاد، فليس من الممكن السيطرة على السوق لأنها لها معاييرها الخاصة التي ستقوم بتعديل أوضاعها وفقًا لمجرياتها.

نكتفي حاليًا بالعمل على ثلاث مشروعات عقارية كبرى في الإمارات والعراق والساحل الشمالي.. ولدينا موقعان جديدان لا نخطط لتنفيذهم سريعًا

ففي المجتمعات الحديثة يتم الاعتماد على أجهزة حماية المستهلك، بجانب الأنظمة الرقابية والمنظمين، لتنظيم ومراقبة السوق، ولكن دون تدخل أو تملك أو إدارة.

رضوى إبراهيم: قبل الانتقال من القطاع العقاري.. سأُذكرك بجزء من السؤال السابق، الذي كانت له علاقة بخططك الجديدة في القطاع العقاري ومن ثم أود الحديث عن القطاع الزراعي بعد ذلك؟

نجيب ساويرس: لا أسعى لتنفيذ خطط جديدة في القطاع العقاري في الوقت الراهن، فالمبيعات التي حققناها كبيرة جدًّا، ويتعين تهدئة وتيرة التوسعات، لنتفادى حدوث أي تأخر في تسليم الوحدات للعملاء، وأُشير إلى أنه يتم التسليم في مشروع الشيخ زايد حاليًا بحسب الميعاد المتفق عليه بالعقود المبرمة، فكل العملاء الذين استلموا وحداتهم كانوا منبهرين من مستوى الجودة.

وصراعنا الحالي هو تنفيذ الوحدات التي قمنا ببيعها بالفعل، لأن عمليات البيع المستمر في ظل عدم وضوح الرؤية لتحركات سعر العملة والتي تنعكس بالطبع على تكلفة الإنشاءات سيكون في منتهى الخطورة، ولذلك علينا أن ننجز ما تم بيعه أولًا.

في الحقيقة لدينا موقعان جديدان، فلقد حصلنا مؤخرًا على قطعتي أرض، ولكن لا نخطط للبدء فيهم سريعًا.

رضوى إبراهيم: سأتطرق إلى القطاع الزراعي.. هل لديك أي خطط استثمارية في الزراعة؟ وفي حال عدم وجود خطط خاصة بشركاتك حاليًا، فهناك رؤية أو خبرة شكلتها تجربتك مع مزارعي البنجر خلال تسيير أعمال مصنع السكر، وبناء عليها فما هي نصائحك للقطاع الخاص الذي يرغب في الاستثمار بالقطاع الزراعي حتى يتسنى له تعظيم العائد منه، وتوصياتك للحكومة باعتباره قطاعًا إستراتيجيًّا وحيويًّا، وبشكل أو بآخر فهو يتعلق بالأمن القومي لأي دولة؟

نجيب ساويرس: تحدثنا في هذا الموضوع، فالضرورة تقتضي عدم التدخل في تسعير السلع الزراعية، وأيضًا عدم التدخل في نوعية السلع التي سيتم زراعتها، فكل مزراع من حقه حرية اختيار السلعة التي سيقوم بزراعتها، فعلى سبيل المثال فلاح قرر يزرع القطن بدل البنجر أو العكس، إذن فعليه تولي تسعير السلعة وعدم اللجوء للدولة في عمليات التسعير، بدعم من أنه صاحب الأرض وحر.

عدم التدخل في تسعير السلع الزراعية ضرورة.. ومصر الدولة الوحيدة التي لا تتقاضى مقابل المياه من الفلاحين.. وعلى المزارعين اختيار المحاصيل ذات الجدوى الاقتصادية

أيضًا لا يجوز اشتراط المزارعين لتحديد أسعار توريد البنجر للحكومة، فهذا لا يحدث في العالم كله، فمصر تعتبر البلد الوحيدة التي لا تأخذ مقابل تقديم خدمات المياه للفلاحين، في حين أن المزارعين في العالم كله يدفعون ثمن المياه التي يستخدمونها في الزراعة.

وأُشدد على ضرورة عدم اللجوء إلى الدولة لتسعير البنجر، وأرى أنه إذا كان سعر توريد البنجر لا يتناسب مع تكاليف عمليات إنتاجه فعلى المزارع الامتناع عن زراعته.

رضوى إبراهيم: هل للقطاع الزراعي نصيب من خطتك الاستثمارية خلال الفترة الحالية؟

نجيب ساويرس: لا، وأكرر التأكيد على ضرورة عدم التدخل في سعر السلعة نفسها، وإذا كان هناك عجز أو نقص في إنتاج معين فهذا يتطلب التحفيز والدعم، وليس المهاجمة مثلما حدث مع رجل الأعمال الإماراتي، من قِبل مجموعة من الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي، جراء إنشاء هذا المستثمر مصنعًا للسكر، وهؤلاء الأشخاص يستنكرون حصوله على أرض المصنع، وفي الحقيقة أتعجب من ذلك، فهل هو أخذها وهرب، بالتأكيد لا، فالأرض في مصر، وإذا كان لم يتم تأسيس هذا المصنع لكانت أصداء أزمة نقص السكر أقوى.

أيضًا ما زالت هناك مشكلة في العقليات الاشتراكية، وأرى أننا نعيش في خليط من الاشتراكية والرأسمالية ولا نرغب في الخروج منه، فلا يستطيع أحد القول بأن مصر دولة رأسمالية، وإنما هي خليط واندماج بين الاشتراكية والرأسمالية، فعندما نود تطبيق الاشتراكية نميل لها كل الميل ونفس الوضع عندما نتجه لتطبيق الرأسمالية.

أتعجب من مهاجمة الاستثمار الإماراتي في السكر.. ولولا هذا المصنع لكانت أصداء أزمة نقص المنتج أقوى

أتعجب بشدة من مهاجمة المستثمر الإماراتي الذي ضخ 400 مليون دولار، فهو في النهاية أخذ قطعة أرض في صحراء المنيا واستغرق استصلاحها مدة تصل إلى 10 سنوات، أي لا بد من توجيه الشكر له لأنه ضخ استثمارات في مصر وليس مهاجمته.

ياسمين منير: سأنتقل إلى ملف الذهب.. كنت من أوائل المستثمرين الذين كان لديهم رهان رابح جدا على الذهب، وهو ما دفع المستثمرين لترقب توقعاتك خطوة بخطوة، والآن الأسعار لامست قممًا تاريخية جديدة، فما هي توقعاتك للفترة القادمة؟ وأيضًا نود أن تحدثنا عن استثماراتك في هذا القطاع؟

نجيب ساويرس: الذهب يعتبر الملاذ الآمن منذ قديم الأزل، والدليل على ذلك هو اعتماد البنوك المركزية عليه، وإذا كانت مصر تعيد احتساب الاحتياطي الخاص بها وفقًا لتغير أسعار الذهب، فمن المفترض أن يرتفع احتياطي البنك المركزي بنحو مليار إلى ملياري دولار، نظرًا لصعود الذهب بنحو 20% خلال الأشهر الستة الماضية، ولكني لا أعلم هل نفعل ذلك أم لا.

الذهب المستفيد الأكبر من التوترات الجيوسياسية حول العالم.. والسعر ارتفع 20% خلال 6 أشهر

فالذهب ملاذ آمن تاريخيًّا، وأنصح كل من لا يرغب في تحمل مخاطر تقلب الدولار أو اليورو أو الجنيه، بتخصيص 10 – 20 % على الأقل من المحفظة الاستثمارية للذهب.

 

ومن جهة أخرى، فنحن أصبحنا نعيش في عالم تغير تمامًا، من ناحية الأوضاع الجيوسياسية، فالاتجاه السائد الآن هو الأنظمة الديكتاتورية في عدد من الدول المؤثرة مع غياب الديمقراطية، مثل روسيا وتركيا والهند والصين.

كما أن إفريقيا التي كانت قد نجت من الانقلابات العسكرية في وقت سابق، عادت مرة أخرى في 4 دول بغرب القارة، بعدما كانت هذه الدول تتميز بالديمقراطية والنزاهة في العمليات الانتخابية، إلا أن الانقلابات العسكرية عادت لتسيطر من جديد في هذه المنطقة، فالمحيط الذي نعيش فيه الآن ملبد بالتوترات الجيوسياسية.

أنصح بتخصيص 10- 20% من المحفظة للاستثمار في الذهب

وما زلت أستنكر شن بوتين حربًا عسكرية على أوكرانيا، والتي مر عليها عام ومن الممكن أن تستمر لعامين أو 3 أعوام أخرى، وقد يكون هناك سيناريو أسوأ، بالإضافة إلى الحرب الدائرة في السودان، والحرب المستمرة في ليبيا، فالوضع غير مستقر في ظل كل التوترات الجيوساسية في العالم.

وإذا احتلت الصين تيوان، بزعمها أنها جزء من الصين، ماذا سيحدث؟ وكيف سيكون رد فعل كوريا الشمالية؟، فكل هذه المخاطر الدولية تدعم أداء الذهب.

أيضًا الحرب في فلسطين وغزة، من الممكن أن تتفاقم، وهجمات الحوثيين على حركة الملاحة البحرية والتي من الممكن أن تؤثر على إيرادات قناة السويس.

لم يلائمني شرط مشاركة بنك أجنبي للحصول على رخصة البنك الرقمي في ظل قيامنا بالمجهود كاملًا

فعلى الرغم من حدة توترات الأوضاع الجيوسياسية، إلا أن جاذبية الاستثمار في الذهب لم تتأثر، بل على العكس حقق قفزات تاريخية جديدة، وأرى أن زيادة الأزمات تدعم أداء الذهب في النهاية وتجعله في مكانة مميزة.

ياسمين منير: إلى أين ستصل أسعار الذهب؟

نجيب ساويرس: ليست توقعاتي، ولكن بنك جولدمان ساكس يتوقع وصول الذهب لمستوى 2400 دولار للأوقية مطلع العام الجديد، في حين أنه يتداول الآن عند 2050 دولارًا، وأرى أن هذه المنطقة جيدة.

كما أنني لا أتابع أسعار الذهب فقط، ولكنني أركز على معرفة التكلفة التي سأتحملها كمستخرج للذهب، وليس بغرض شرائه، وإنما لأنني أمتلك استثمارات في بناء المناجم واستخراج الذهب، وتكلفتي دائمًا أقل من هذا السعر بكثير.

رضوى إبراهيم: سأنتقل للحديث عن القطاع المالي.. لديك تاريخ طويل في هذا القطاع بدأ من حلم امتلاك بنك مرة أخرى، وتكوين بنك استثمار كبير، مرورًا بتتغير بعض محاور خطتك الاستثمارية في القطاع بعد ذلك، ثم علمنا أنك شبه تراجعت بصورة كبيرة عن استكمال مسيرتك في القطاع المالي، نود أن نتعرف على الأسباب التي دفعتك لتغيير خططك الخاصة به؟ وهل هناك إمكانية لإعادة النظر في عودة القطاع المالي على خريطة أهدافك الاستثمارية من جديد؟ وإذا كانت هناك عودة فما هو الأسلوب الأمثل لذلك؟

نجيب ساويرس: عملنا مع البنك المركزي لمدة عامين، للمساعدة في صياغة رخصة البنك الرقمي، وفي الحقيقة كان فريق العمل بالبنك جيد جدًّا، إلا أنه عندما صدرت الرخصة كان هناك اشتراط بضرورة وجود بنك أجنبي للحصول على رخصة البنك الرقمي.

هناك بنوك مملوكة لعائلات عربية وأتساءل لماذا يتم رفض السماح بها للمصريين

وبالطبع لم يلائمني هذا الشرط، لأنني سأبذل كل المجهود بمفردي وأنجز كل الأعمال المطلوبة، ولكن لا بد أن يكون معي بنك أجنبي وفقًا للاشتراطات، فرغبتي هي تأسيس بنك وليست الدخول في شراكة مع بنك، وقمنا بشرح وجهة نظرنا في هذه النقطة.

وأتعجب من ذلك، فنحن لم نفكر في أن بنك البركة مملوك للشيخ صالح كامل، ولم يقل له أحد إنك فرد، ولا يجوز أن تمتلك بنك، كما أن بنك المشرق مملوك لعائلة الغرير، وهناك عدة بنوك أخرى مملوكة لعائلات إلا المصريين، فهناك حالة من الرفض لامتلاك عائلة مصرية لبنك، ولا أعلم لماذا؟

لو استثمرت حصيلة التخارج من شركة الاتصالات في منصات التواصل الاجتماعي لأصبحت أغنى من إيلون ماسك

وأذكر هنا عندما بدأت أول استثماراتي في قطاع الاتصالات، حينها شاركت مجموعة فرانس تيليكوم، لعدم امتلاكي المعرفة والخبرة، ولكن بعد اكتساب الخبرة المطلوبة في المجال استغنيت عن هذه الشراكة واستكملت أعمالي في القطاع دونهم، المجال، وحصلت على 28 رخصة لخدمات الاتصالات في 28 دولة.

رضوى إبراهيم: لماذا لم تفكر في اتباع هذا النهج في البنك الرقمي، وأقصد هنا الاستعانة بشريك أجنبي في فترة البداية ثم الاستغناء عنه في مرحلة لاحقة، وهو ما يجعلك متوافقًا مع الاشتراطات التي وضعها البنك المركزي للحصول على الرخصة؟

نجيب ساويرس: لا أحتاج لاتباع هذا النهج في البنك الرقمي، لأنني سأتحمل إنجاز كل الأعمال المطلوبة وحدي، في حين أن البنك الأجنبي سيستفيد دون بذل أي مجهود.

رضوى إبراهيم: على ضوء ما ذكر عن استثماراتك في قطاع الاتصالات.. كنت من أقدم المستثمرين في هذا القطاع بمصر، وعندما تخارجت منه تمكنت من تحقيق مكسب جيد، ورفعت شعار المحمول في يد الجميع وكان الجميع يظن أنه مجرد شعار ترويجي، ولكنك نجحت في تحويل الشعار إلى واقع ملموس، وبالفعل أصبح المحمول في يد الجميع بمصر، ألا تحن للعودة إلى قطاع الاتصالات مرة أخرى خلال الوقت الحالي؟

نجيب ساويرس: في الحقيقة لا.

رضوى إبراهيم: مطلقًا؟

نجيب ساويرس: تخارجت من قطاع الاتصالات في الوقت المناسب، لأنني اكتشفت مبكرًا أن هذا القطاع تمت سرقته، من قِبل منصات يوتيوب وجوجل والفيس بوك وتويتر، وهذا يعتبر احتكارًا.

الاستعانة ببنوك استثمار عالمية بجانب المحلية وشركات المحاسبة والقانون أولى خطوات تجهيز أوراق الأصول الحكومية المستهدف طرحها

فهذه المنصات تمكنت من جذب وسرقة المستخدمين من خلال تطبيقاتها، في حين أن شركات الاتصالات التي تحملت تكاليف سنوية تصل إلى مليارات، تم ضخها في تجهيز البنية التحتية وتوصيل كابلات الألياف الضوئية، والربط مع السنترالات، لا تجني ثمار استثماراتها بسبب طريقة عمل تلك المنصات التي باتت المستفيد الأكبر من استثمارات شركات الاتصالات.

وتوصلت في نهاية المطاف إلى أن البقاء سيكون من نصيب هذه المنصات، وأن دور شركات الاتصالات في هذه المنظومة سيكون توفير الخدمة المطلوبة لهم دون مقابل.

رضوى إبراهيم: ألم تفكر في الاستثمار بهذه المنصات التي ترى أنها اختطفت ثمار الاستثمار في قطاع الاتصالات؟

نجيب ساويرس: في الحقيقة لم أُوفق في ذلك، كان يجب أن أستثمر حصيلة التخارج من شركة الاتصالات في هذه المنصات، وإذا فعلت ذلك كنت سأصبح أغنى من إيلون ماسك ومن كل القائمين على هذه المنصات.

الفرص الأكثر جذبًا تتركز في قطاعات الزراعة والصناعة والتطبيقات الذكية.. والتعليم بشرط تيسير الاستثمار في المدارس

رضوى إبراهيم: ولكن لم يفت أوان الاستثمار بها، فلماذا لا؟

نجيب ساويرس: حينها كنت أشعر بالاستياء منهم، لأن هذه المنصات اختطفت القطاع بأقل تكلفة، ولكن كان يتعين علي التفكير في الاستثمار بتلك المنصات.

رضوى إبراهيم: هل نستطيع قول إنه من الممكن أن تفكر في الاستثمار بمنصات التواصل الاجتماعي خلال الوقت الحالي؟

نجيب ساويرس: لا، أشعر بالتعب والاقتراب من سن التقاعد.

ياسمين منير: أود العودة إلى برنامج الطروحات الحكومية، فقد ذكرت أن وتيرة تنفيذه بطيئة، وبالفعل نحن لا نتحدث حاليًا عن برنامج طروحات فقط، بل أصبحت هناك وثيقة سياسة ملكية الدولة، والتي تنص على قطاعات معينة سيتم التخارج منها، ولكن الأجواء الاقتصادية تجعلنا لا نستطيع إلقاء اللوم على الدولة في تأخر تنفيذ البرنامج، خاصة أن التقييمات محل انتقاد دائم، فما هي رؤيتك للشكل الأنسب لإدارة عقود الصفقات الخاصة بالبرنامج في هذا التوقيت؟

نجيب ساويرس: مسألة في منتهى البساطة، فالمشكلة الأساسية تكمن في أن مستندات معظم الأصول المطروحة للبيع غير جاهزة، بمعنى أنها كانت تدار بطريقة عشوائية وسط غياب ميزانياتها، في حين أن أي مستثمر سيطالب بوجود الملفات والمستندات اللازمة لإتمام الطرح.

والحل الأسهل يتلخص في استعانة الحكومة بعدد 4 أو 5 بنوك عالمية، إلى جانب بنوك الاستثمار المحلية، على أن تتيح لهم الدولة قائمة بالأصول المراد بيعها سواء كانت مئة شركة أو مصنع.

إلى جانب الاستعانة بشركات المحاسبة والقانونية، لصياغة هذه الأصول ووضعها في النموذج المناسب لتصبح جاهزة للطرح، ومن ثم تقوم البنوك الاستثمارية بطرحها وسط ارتفاع شهية المستثمرين المدفوعة بانخفاض الأسعار في ظل ارتفاع الدولار، وبالتالي ستدور عجلة التنفيذ بوتيرة أعلى.

إنما التردد في طرح الأصول الحكومية للبيع، والرغبة في الاحتفاظ بالشركات الجاذبة والتخلص من الشركات الخاسرة، سيترتب عليه تنفيذ بوتيرة بطيئة.

ياسمين منير: ما هي الفرص الأكثر جذبًا وذات الأولوية من منظور رجال الأعمال وفقًا للقائمة المعلنة لبرنامج الطروحات؟

نجيب ساويرس: أرى أن الفرص الأكثر جذبًا تكمن في القطاع الزراعي والصناعي والخدمي والاتصالات والتطبيقات الإلكترونية، فالجيل الجديد يستطيع بسهولة بالغة محاكاة التطبيقات الجديدة في أمريكا وتنفيذها في مصر، وأؤكد أن مجال التطبيقات مليء بالفرص الاستثمارية الواعدة، ومصر تمتلك عقولًا نابغة ولديها طموحات كبيرة.

إضافة إلى مجال التعليم، فإذا تخارجت منه الدولة وقامت بتسهيل إقامة المدارس والجامعات الخاصة، فالجميع شاهد حركة الاستثمار في الجامعات الخاصة، وبات لدينا جامعات جيدة، ويتعين استكمال هذه المنظومة، وتطبيقه بالمدارس أيضًا.

أرى أنه لا بد من فتح باب الاستثمار في التعليم بصورة أكبر، فالسوق المصرية تزخر بالفرص الاستثمارية الواعدة، والمشكلة ليست في توافر الفرص، ولقد تحدثت عن أبرز العقبات التي تواجهنا، وهي المشاكل الثلاث الأساسية التي ذكرتها خلال الحديث.

ياسمين منير: قلت في تصريح لك خلال الأيام الماضية، أنك واجهت معوقات عندما تحركت تجاه الصعيد، وهناك حديث طوال الوقت عن تنمية الصعيد والمحافظات الأقل نصيبًا من التنمية، فما هي المعوقات التي ترى أن حلها كفيل بإحداث فرق كبير من وجهة نظرك؟

نجيب ساويرس: أرى أن إيجاد حلول للعقبات الأبرز سيكون كفيل بإحداث فرق كبير في ملف تطوير المحافظات الأقل تنمية، نظرًا لأننا نتحدث عن الاستثمار بصفة عامة ولا يمكننا قصره على محافظات الصعيد فقط.

انخفاض سعر العملة يزيد شهية المستثمرين الأجانب تجاه الأصول المصرية بغض النظر عن التقييمات

فعلى سبيل المثال، مصر كانت أقوى وأكبر وأهم بلد في الوطن العربي كله في صناعة السينما وفي وسائل الإعلام، وكان لدينا محطات تليفزيون تتم مشاهدتها في الخليج والسعودية وفي كل الدول العربية، إلا أن هذا القطاع لم يحظ بفرص جيدة الآن، وعندما أطلقنا مهرجان الجونة السينمائي لم نتلقَّ الدعم اللازم.

في حين أن السعودية تدعم هذه الصناعة حاليًا، وأطلقت مهرجان البحر الأحمر السينمائي، وأصبح هناك اتجاه لتطوير صناعة الأفلام، والاستثمار في شركات الإنتاج، على الرغم أن مصر كانت صاحبة الريادة في هذه الصناعة، ولكن لم يتم المحافظة على هذه المكانة، ولم تعد هناك أي قناة تلفزيون خاصة، وأصبحت كل القنوات تشبه بعضها، ولذلك أرى أن دخول الدولة في هذه الصناعة لم يكن مفيدًا.

رضوى إبراهيم: تحدثنا كثيرًا عن الاقتصاد المصري وقطاعاته المختلفة، وخريطة استثماراتك في السوق المحلية، ولذلك أود الأنتقال إلى الخطط والتوسعات الاستثمارية التي تطلع لتنفيذها خارج مصر، ما هي محاور هذه الخطة؟ وما هي القطاعات الاقتصادية التي تستهدفها، والدول التي ترى أنها تحتوي على فرص جاذبة للاستثمار خلال الوقت الحالي؟

نجيب ساويرس: لا أرغب في زيادة ضغوط العمل حاليًا، نظرًا لأن قدراتي باتت مختلفة عن الماضي، في عمر الثلاثين، أي لا أود أن أعمل بنفس الشكل الذي كنت أعمل به في السابق.

ولكن هناك دول لديّ تاريخ طويل معها، مثل ليبيا والسودان والعراق، فهذه الدول تربطني بها علاقات قوية وأهتم بمتابعتها دائمًا.

مصر كانت رائدة صناعة السينما والإعلام في المنطقة.. والاستثمار الحكومي أضر بالقطاع

وكانت لدينا مشروعات كثيرة في السودان، إلا أن جميعها توقف الآن بفعل الحرب، ولدينا أيضًا مشروع ضخم جدًّا في العراق، وهو عبارة عن إنشاء مدينة كاملة خارج بغداد، وهذا المشروع يشهد خطوات جيدة في التنفيذ.

إضافة إلى مشروع كبير جدًّا في الإمارات، يقع في منطقة شاطئية على بعد 20 دقيقة من دبي، وعلى طريق الشيخ زايد، وتبلغ مساحة المشروع نحو 15 مليون متر مسطح، ونسعى لتنفيذه على غرار المشروع الذي نقوم به حاليا في الساحل الشمالي، وسنكتفي بهذا القدر من المشروعات الخارجية خلال الوقت الحالي.

رضوى إبراهيم: ما هو حجم الاستثمارات التي تم رصدها لمشروعكم في دولة الإمارات؟

نجيب ساويرس: مبيعات هذا المشروع تصل لنحو 15 مليار دولار، أي باستثمارات تقريبية 10 مليارات دولار، إذا حققنا مكسب بنحو 30%، فهذا المشروع ضخم.

لدي تاريخ استثماري طويل في ليبيا والعراق والسودان.. ومشروعاتنا في الأخيرة تعطلت بفعل الحرب

ولذلك نركز على تنفيذ مشروعي العراق والإمارات في الوقت الحالي، ويتعين الانتظار لمدة 6 – 5 سنوات حتى نستطيع إنجاز بعض الأعمال لإثبات قدراتنا، لأن التوسعات الكثيرة بمقدورها التسبب في التعثر.

رضوى إبراهيم: سؤالي الأخير سيكون عن ريادة الأعمال.. رأينا اهتمامًا بالغًا بملف ريادة الأعمال على مدار سنوات طويلة، سواء من الحكومة أو من رجال الأعمال والقطاع الخاص وصناديق الاستثمار، ولكن شهدنا أيضًا تعثر الكثير من هذه الشركات الناشئة ومرورها بأزمات كبيرة، في أعقاب الحصول على تمويلات ضخمة صاحبتها فرحة كبيرة ومبالغ بها في بعض الأحيان، ومن ثم إنفاقها بصورة غير رشيدة أو في مسارات ليست الأكثر فائدة للمشروع خلال سنواته الأولى.

وهو ما أدى لانهيار عدد كبير من الشركات الناشئة، وبالتالي كان لذلك انعكاسات سلبية على مجال ريادة الأعمال مؤخرًا، فما هي رؤيتك لهذا الملف وما هي نصائحك لرواد الأعمال؟

نجيب ساويرس: بالنسبة لريادة الأعمال، أنصح الشباب دائمًا بعدم الحكم على تجربته بالفشل، بناءً على تجارب الآخرين، فكل حالة مختلفة عن الأخرى، وقد يكون الفشل ناتج عن أسباب أخرى.

ولكن مشكلة العديد من الشباب وخاصة الذين تلقوا التعليم بالخارج، يخيل لهم أنهم على قدر عالٍ من الفهم، ويتصورون أن الجيل السابق لا يفهم شيئًا، وبالتالي ينصرف عن سماع النصيحة.

أنصح الشباب بعدم الحكم على تجربته بالفشل بناءً على تجارب الآخرين.. والتعليم بالخارج لا يغني عن الاستفادة من تجارب الأجيال السابقة

ولكن الجيل الذي أنتمي إليه يختلف كثيرًا، فأنا لم أخالف لوالدي نصيحة أو طلبًا أو أمرًا أو أي شيء، وعندما كانت تتعارض وتختلف آراؤنا سويًّا، كنت أذاكر جيدًا لدعم الرأي الذي أتبناه والدفاع عنه، وفي حالة عدم اقتناعه كنت أنصرف عن التنفيذ، وكانت رؤيته دائمًا صائبة، لأن الخبرة مهمة وليس فقط التعليم والتخرج من جامعات أجنبية، والأجيال الجديدة لا تستمع للنصائح بالشكل المطلوب، إلا أنها مع الوقت تكتشف أن نصائح الأب كانت صائبة.

رضوى إبراهيم: أود أن أسألك سؤالي المعتاد في ختام هذا الحوار الشيق كل عام، ما هو تقييمك لتجربتنا في حابي، بما أننا نعتبر أنفسنا من رواد الأعمال الذين قاموا بتأسيس كيان من الصفر ودون رأسمال؟ وما هي توصياتك لنا خلال الفترة الحالية وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على التجربة، وفي الحقيقة لا أعلم هل شعرت بمرور خمس سنوات على المشروع؟

نجيب ساويرس: أشعر أنهم خمسون عامًا، وأحرص على الحضور والتواجد معكم كل عام، لأنني معجب جدًّا بتجربتكم، فعلى الرغم من عملكم السابق في مؤسسة أخرى، إلا أنكم تحليتم بالشجاعة في تحمل المخاطرة على عكس طبيعة معظم المصريين الذين يفضلون العمل مقابل أجر آمن دون مخاطرة.

معجب بتجربة حابي ولذلك أحرص على المشاركة دائمًا.. وأراها تسير على الطريق الصحيح ولا تحتاج لنصائح

وهنا أذكر أنني عندما كنت أتولى مهام تعيين موظفين للعمل، كنت دائمًا أرفض العقليات التي تقول إن العمل في المؤسسات الحكومية لا يتضمن مخاطرة على مستوى الأجر أو الاستغناء عن الموظفين.

لكن أنتم تركتم العمل في هذه المؤسسة ونجحتم في تكوين فريق على الرغم من عدم امتلاكم رأس مال، وخلقتم هذه المنصة التي تتمتع بمصداقية واسعة عند المتابعين خلال الوقت الحالي.

حابي منصة إعلامية تتمتع بمصداقية واسعة عند المتابعين.. وفريقها تحلى بالشجاعة وتحمل مخاطر البدء دون رأس مال

وأحب التواجد معكم ولذلك أحرص دائمًا على حضور مؤتمركم السنوي، وأتمنى لكم المزيد من التوفيق.

رضوى إبراهيم: بماذا تنصحنا؟

نجيب ساويرس: لا أنصحكم بأي شيء، لأنكم على الطريق الصحيح، ولا تحتاجون أي نصائح.

رضوى إبراهيم: هل تسمح لنا أن نتلقى سؤالين فقط من الحضور؟

نجيب ساويرس: بالطبع.

أحد الحضور: ما هو تقييمك لفرص الاستثمار الرياضي في مصر؟ وهل ترى أن هناك مستقبلًا للاستثمار في الأندية والاحتراف أم أننا ننظر إليها من منظور الهواية؟

نجيب ساويرس: في الحقيقة هذا الملف مهم جدًّا، وبالفعل أستثمر مئات الملايين في المجال الرياضي، وهذا الاستثمار أثبت جدواه الاقتصادية، لا أرغب في عمل دعاية للنادي، ولكن فريق زد الذي صعد من الدرجة الثانية وأصبح ترتيبه الثاني في الدوري العام لكرة القدم حاليًا، وذلك بدفع من الاستثمار والتعليم والاستعانة بالخبرات الأجنبية والاستثمار في الشباب.

ومعظم اللاعبين في فريق زد انضموا لنا من البداية، أي تم تدريبهم منذ طفولتهم وإثقال مهاراتهم في الأكاديمية، وأرى أن هناك فرص نمو عظيمة في الاستثمار الرياضي.

اجتماعات الحكومة مع القطاع الخاص غير كافية.. وأتمنى أن تكون شهرية مع شرائح مختلفة من المستثمرين

أما على المستوى العالمي، سأذكر هنا نادي أستون فيلا لكرة القدم، والذي يملكه أخي ناصف ساويرس، فهو أيضًا صعد من الدرجة الثانية وبات حاليًا الثالث على الدوري الإنجليزي، وكاستثمار أرى أنه بغض النظر عن المراكز، فالأهم هو ثمن النادي، وقيمة أستون فيلًا تضاعفت 3 مرات.

أما على صعيد استثماري في نادي زد، بالتأكيد له مردود جيد جدًّا، مدعومًا من زيادة الرعايات والدعايات، حتى وإن كان العائد الاستثماري في مصر مختلفًا عن الخارج، ففي إنجلترا يتم توزيع العوائد من خلال آلية محددة أهمها أين يقع مركزك وترتيبك، فهذا المجال واسع للغاية ومن الممكن أن نحقق فيه سبق، ألم يرَ الجميع فرحة المصريين العارمة بفوز النادي الأهلي على النادي السعودي 3 – 1، فإذا كنا فزنا بالأوسكار ما كانت فرحتنا لتكون بهذا الشكل.

ياسمين منير: هل بدأت تجني مكاسب استثمارك الرياضي في مصر؟

نجيب ساويرس: لا.

استثمرت مئات الملايين في النشاط الرياضي لجدواه الاقتصادية.. ونترقب الوصول لمرحلة تحقيق الأرباح

ياسمين منير: متى تتوقع الوصول لنقطة المكسب؟

نجيب ساويرس: عند فوز فريق زد بالدوري.

أحد الحضور: هل تقوم الحكومة بعقد عدد كافٍ من اللقاءات مع رجال الأعمال؟

نجيب ساويرس: في الحقيقة الحكومة لا تلتقي رجال الأعمال بشكل كافٍ، وأعتبر أن الاجتماع مع منظمات الأعمال أو الغرف التجارية يختلف عن دعوة 200 أو300 رجل أعمال، وهنا لا أقصد كبار رجال الأعمال فقط، ولكن على العكس فلا بد من دعوة شرائح مختلفة من المستثمرين، وأن تكون هناك اجتماعات دورية كل شهر، وأتمنى أن لا تشعر الحكومة بالضيق عند التحدث عن المشكلات في مثل هذه الاجتماعات.

لا يوجد أجمل من كسب العيش في بلدك ولا أشعر بأنني في بيتي إلا عندما أعود إلى مصر

ففي الحقيقة كلما قمنا بحل مشكلات القطاع الخاص المصري سيكون لذلك انعكاس واضح على المستثمرين الأجانب وبالتالي تشجيعه على الاستثمار في مصر بصورة أكبر وهذه هي سنة الحياة.

رضوى إبراهيم: أين تقع مصر على خريطة تصدير العقول والعمالة في مجالات مختلفة للخارج؟

نجيب ساويرس: لا نود أن تصدر مصر العقول والعمالة للخارج، بل نرغب في استقطاب كل رواد الأعمال والعمالة من الخارج، فلماذا نذهب للخارج؟ وسأوجه حديثي لكل الحضور، فلا يوجد أجمل من كسب عيشك في بلدك، لسبب بسيط للغاية وهو راحة البال، فأنا لا أشعر بأنني في بيتي إلا عندما أعود لغرفتي بمنزلي في مصر، وهذا الإحساس يتم نسيانه عند عمل هذه المنظومات.

ولذلك لا نشجع على تصدير شبابنا وعقولنا للخارج، بل علينا أن نعمل في مصر، ونحن لا ينقصنا شيء ونمتلك كل المقومات.

رضوى إبراهيم: مهندس نجيب نشكرك جدًّا على الحضور والمشاركة في المؤتمر الخامس لجريدة حابي، وكل عام وأنت بخير، وبإذن الله دائمًا معنا في مؤتمرنا السنوي.

الرابط المختصر