رويترز – وجهت الحكومة السعودية يوم الثلاثاء شركة النفط الحكومية أرامكو السعودية بوقف خطتها للتوسع في إنتاج النفط واستهداف طاقة إنتاجية مستدامة قصوى 12 مليون برميل يوميا، أي ما يقل بمليون برميل يوميا عن الهدف المعلن في عام 2020.
ظلت السعودية لعقود حائزة القدرة النفطية الاحتياطية المعتبرة الوحيدة في العالم، ما يوفر وسيلة لامتصاص الصدمات في حالة حدوث اضطرابات كبيرة في الإنتاج العالمي مثل تلك الناجمة عن الصراعات أو الكوارث الطبيعية. وفي السنوات القليلة الماضية، قامت الإمارات، وهي عضو آخر في أوبك، بزيادة قدراتها أيضا.
وقال مصدر مطلع لرويترز إن خفض هدف أرامكو لا يعكس بأي حال من الأحوال تغييرا في وجهات النظر بشأن سيناريوهات الطلب على النفط في المستقبل، ولم يكن نتيجة مشكلة فنية، لكنه ببساطة توجيه من الحكومة.
وقال “إذا قررت الحكومة السير في الاتجاه الآخر، فإن الشركة مستعدة”.
طلبت وزارة الطاقة من أرامكو في مارس آذار 2020 زيادة طاقتها الإنتاجية القصوى إلى 13 مليون برميل يوميا في نفس العام الذي خاضت فيه مواجهة مع روسيا بشأن حصتها في السوق.
وتضخ السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، حاليا حوالي تسعة ملايين برميل يوميا، وهو أقل بكثير من طاقتها، وذلك بعد أن خفضت المملكة الإنتاج في إطار اتفاق مع أوبك وحلفائها العام الماضي.
وخفضت المملكة، القائد الفعلي لأوبك، الإنتاج لتحقيق التوازن في الأسواق في مواجهة ارتفاع الإمدادات من المنتجين من خارج المنظمة.
وقال المصدر “تمتلك أرامكو حاليا طاقة فائضة تبلغ 3 ملايين برميل يوميا، وسيتم دعم ذلك في المستقبل القريب من خلال برنامج مهم للغاية لإزاحة السوائل، والذي سيوفر مليون برميل أخرى يوميا من النفط والمنتجات المكررة للإنتاج”، مضيفا أن هذا الحجم يتيح لأرامكو المرونة اللازمة للتفاعل مع ظروف السوق.
وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت بنحو 1.14% إلى 81.46 دولار للبرميل بحلول الساعة 1338 بتوقيت جرينتش.
ولم يطرأ تغير يذكر على سهم أرامكو الذي أنهى التعاملات مرتفعا 0.2% عند 31.30 ريال (8.35 دولار).
تحول في الإنفاق الرأسمالي
ودعت السعودية والإمارات مرارا إلى زيادة الاستثمار في النفط والغاز، وتقولان إن الوقود الأحفوري سيظل جزءا من مزيج الطاقة لعقود قادمة.
ونوه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة في يوليو تموز 2022 إلى أن الرياض “لن تكون لديها أي قدرة أخرى على زيادة الإنتاج” بعد أن تصل إلى هدف 13 مليون برميل يوميا الملغى حاليا.
ومع ذلك، فقد اعتمد مستهلكون كبار، منهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، سياسات تهدف إلى التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة، وهو ما يقوض مثل هذا الاستثمار.
وتساءل محللون عما إذا كانت السعودية قد غيرت بالفعل نظرتها المستقبلية وما إذا كانت ستعاود استثماراتها الرأسمالية.
وكتب محللون من مورجان ستانلي في مذكرة أن خفض الإنفاق الرأسمالي قد يعكس “توقعات الحكومة بأن الطلب على نفطها لن يرتفع بقوة كما كان متوقعا في السابق”.
وقال بيارن شيلدروب المحلل لدى إس.إي.بي “ربما يكون ذلك لتوفير سيولة. لكن الأكثر رجحانا أن هذا ينطوي على أنها لا ترى حاجة لهذا النفط الإضافي في السوق العالمية”.
كانت أرامكو قد قالت إنها تتوقع إنفاقا رأسماليا يتراوح بين 45 مليار و55 مليار دولار في 2023، وهو الأعلى في تاريخها، وأشارت إلى أنها ستزيد ذلك في السنوات المقبلة.
وتوقع محللون من آر.بي.سي كابيتال ماركتس في مذكرة يوم الثلاثاء أن تحد أرامكو من الإنفاق بدلا من ذلك.
وأضافت “بشكل عام، نتوقع تخفيض ميزانية الإنفاق الرأسمالي بنحو 5 مليارات دولار سنويا على مدى السنوات المقبلة مقارنة بالتوجيه الاسترشادي السابق”.
ورجحت آر.بي.سي تأجيل المشروعات التي لم يتم البت فيها مثل مشروع حقل السفانية بطاقة 700 ألف برميل يوميا.
وجاء في المذكرة “كنا نفترض ميزانية بنحو 12 مليار دولار لمشروع السفانية، منها ثلاثة مليارات دولار يتم إنفاقها في 2024”.
ومن المتوقع أن تعلن أرامكو أحدث التطورات بشأن خطط الإنفاق الرأسمالي عندما تعلن عن نتائج أعمال العام 2023 بأكمله في مارس.
وهبط سهم إس.إل.بي، أكبر مزود لخدمات حقول النفط، بنحو سبعة بالمئة، كما انخفضت أسهم شركات منافسة لها في الولايات المتحدة على خلفية هذه التطورات.
تستفيد شركات حقول النفط من تزايد أنشطة التنقيب عن النفط وإنتاجه الدولية والبحرية، خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا، إذ تتبنى شركات النفط الصخري الأمريكية قيودا صارمة على أنشطة الحفر.
وتشير أرقام وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب العالمي على النفط بلغ مستوى غير مسبوق عند 101.7 مليون برميل يوميا في 2023، متوقعة أن يرتفع إلى 103 ملايين برميل يوميا في 2024.
وقال الرئيس التنفيذي أمين الناصر لرويترز في وقت سابق من الشهر الجاري إنه يتوقع أن يبلغ الطلب على النفط 104 ملايين برميل يوميا في 2024، ما يعني نموا بنحو 1.5 مليون برميل يوميا، وأن نمو الطلب وانخفاض المخزونات يساعدان في زيادة شح المعروض بالسوق.
مجالات النمو
وقال المصدر المطلع إن خفض أرامكو للطاقة المستهدفة سيقود الزخم نحو مجالات النمو لها، مثل الغاز ومصادر الطاقة الجديدة.
واستهلت أرامكو جهودها في عمليات الدمج والاستحواذ في مجال الغاز الطبيعي المسال العام الماضي، إذ اشترت حصة أقلية في ميد أوشن إنرجي مقابل 500 مليون دولار.
وتعمل شركة النفط الحكومية العملاقة أيضا بتطوير حقل الجافورة، وهو أكبر حقل للغاز غير المصاحب غير التقليدي يتم اكتشافه في المملكة، والذي كانت تشير التقديرات في 2020 إلى أنه يتطلب استثمارات بقيمة 110 مليارات دولار. ومن المحتمل أن يكون هذا أكبر مشروع لتطوير الغاز الصخري خارج الولايات المتحدة.
وقالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري “من المؤكد أن خفض الإنفاق الرأسمالي لأرامكو يعطي مجالا لزيادة التحويلات إلى الحكومة وصندوق الاستثمارات العامة لدعم أهداف رؤية 2023 وتنويع موارد الاقتصاد، وهو ما نراه مجال التركيز الرئيسي للسياسة”.