استضاف برنامج الرحلة – حابي بودكاست، في ثاني لقاءات موسمه الثاني، المهندس عبد الله سلام الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة مدينة مصر.
تناول اللقاء عدد من القضايا المهمة ومنها الفقاعة العقارية والجدال المثار حولها بين المحللين الاقتصاديين والمطورين العقاريين، وما هي الأمارات التي يمكن عندها التخوف من ظهور فقاعة في القطاع العقاري.
كما تطرق الحوار إلى مناقشات مستفضية عن أداء القطاع العقاري، وتصدير العقار وثقة الخليج العربي والسوق السعودية تحديدا في خبرة المطور المصري المتراكمة في البنية التحتية والتصميم العمراني المتناسق والمتوازن.
وحاول المهندس عبد الله سلام بناء وجهات نظره على أساس محايد بعيدا عن كونه مطور عقاري مع تفنيده لمسببات الفقاعة العقارية التي ضربت السوق الأمريكية في 2008 و2009 وأرجعها إلى طلبات شراء فوق الطاقة الحقيقية للعملاء، نظرا لأن الرهن العقاري أو التمويل العقاري في أمريكا يستحوذ على 90% من طلبات شراء المواطنين، وبفائدة 1.25% على مدار 30 عام.
وأعتبر أن التحليلات التي تدفع في اتجاه حدوث فقاعة عقارية غير مستندة إلى حقائق، لأن فائدة التمويل البالغة 30% حاليا وحتى مع استهداف تخفيضها للنصف خلال عامين، إلا أنها ليست المتحكم الرئيسي في تحديد سعر العقار وإنما هناك عوامل أخرى مؤثرة ومنها التضخم والاحتياج العقاري.
وأكد على أن السوق المصرية أحيانا تعاني من مخاوف غير مبررة، وأن الوضع في مصر مختلف تماما عند المقارنة مع الخارج، نظرا لأن تكلفة اقتراض الأموال في أمريكا رخيصة وهو ما أدى إلى استسهال العملاء شراء العقار بعيدا عن الاعتبارات المتعلقة بالاحتياج.
أدار اللقاء أحمد رضوان رئيس التحرير والرئيس التنفيذي لجريدة حابي، وياسمين منير مدير التحرير والشريك المؤسس لجريدة حابي، ورضوى إبراهيم مدير التحرير والشريك المؤسس لجريدة حابي.. وإلى نص الحوار.
أحمد رضوان: أهلًا وسهلًا بحضراتكم في لقاء جديد من برنامج حابي بودكاست – الرحلة الموسم الثاني، اليوم سنبدأ رحلة جديدة مع المهندس عبد الله سلام الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة مدينة مصر.
أهلًا وسهلًا بحضرتك ونشكرك جدًّا على وقتك ونتمنى أن يكون اللقاء خفيفًا على قلبك بالرغم من الظروف الصعبة التي نراها جميعًا.
عبد الله سلام: أتشرف بتواجدي معكم، ونأمل في ألا تكون هناك ظروف صعبة.
أحمد رضوان: دعنا نبدأ من الجدل الكبير الدائر حول فكرة الفقاعة العقارية.. محللون اقتصاديون يقولون إن السوق في وضع الفقاعة، في المقابل يرى المطورون أن السوق العقارية بعيدة تمامًا عن الفقاعة، ويراهنون على حجم الطلب والكثافة السكانية، حتى إذا كانت غير متناسبة مع القوى الشرائية الفعالة.
بعيدًا عن هذا الجدل.. ما هي المؤشرات التي نستطيع عند رصدها القول إننا في مرحلة الفقاعة؟ وقياسًا بالواقع الذي نعيشه ما هو وضع السوق العقارية المصرية حاليًا؟
الفقاعة العقارية سؤال الساعة على الساحة الاقتصادية
عبد الله سلام: هذا السؤال مثلما تقول قد يستحق أن نسميه سؤال الساعة في المجال العقاري، نظرًا لأنني كمطور عقاري قد تكون شهادتي مجروحة.
وجهة نظر المحلليين الاقتصاديين قد تكون مختلفة عن المطورين العقاريين
وبالفعل هناك العديد من الناس عندما يسمعون وجهة نظر المطورين العقاريين يقولون إن المطورين يرغبون في ترسيخ فكرة أن السوق تسير بشكل طبيعي، ولذلك يصدرون هذه الصورة الذهنية عن وضع السوق العقارية.
أحمد رضوان: ولكن تصريحات المطورين العقاريين تشير إلى أن “الوضع وردي” في حين أن مطالبهم من وزارة الإسكان تدور حول تأجيل السداد وإسقاط الفوائد.
عبد الله سلام: لا أعرف مَن الذي قال إن وضع السوق وردي. ولكن دعنا نحلل الأمور، قد أكون قصدت أنني سأحاول قدر الإمكان أن تكون نظرتي اقتصادية وإن كنت غير متخصص، نظرًا لأن المتخصصين في علم الاقتصاد والظروف الاقتصادية هم الأجدر بذلك.
التحليلات المثارة حول الفقاعة أصابتني بالصدمة
ولكن في الحقيقة أشعر بالضيق من التحليلات المثارة نظرًا لأنني سمعت خلال الفترة الماضية آراء كثيرة جدًّا لمن يطلق عليهم مسمى الخبراء الاقتصاديين وعلماء الاقتصاد، وهو ما أصابني بالصدمة.
وضع السوق العقارية ليس ورديًّا ونعيش تحديات اقتصادية لا تخفى على أحد
لا أرغب في تصدير صورة بأن الوضع وردي مثلما وصفت، نظرًا لأننا نعيش تحديات اقتصادية لا تخفى على أحد، ومن يدعي غير ذلك فإنه يعيش في الوهم أو يعيش في عالم غير واقعي.
مرة أخرى دعني أعمم سردي ومن ثم سأتحدث بشكل متخصص في توصيف المعاني، قد أكون رجلًا ليس كبيرًا في العمر ولكن مسيرتي في معترك عالم الأعمال والعمل تزيد على 23 عامًا، وطوال هذه المدة لم يمر عام دون تحديات، سواء في مصر أو العالم.
صناعة العقارات تعرضت لفقاعات وتحديات غير طبيعية على مدار العشرين عامًا الماضية
وعلى الأقل طوال الـ 23 عامًا كنت على وعي واحتكاك بهذه الصناعة، سواء في الدول المتقدمة أو العالم الغربي والاقتصاديات الأكثر نضوجًا، إلا أن جميعها تعرضت إلى فقاعات وتحديات غير طبيعية.
القول بأن التحوطات المتخذة من قبل المطورين إشارة إلى أزمة تلوح في الأفق «تحليل مضحك»
أمر آخر.. سمعت تحليلًا لخبير اقتصادي على مواقع التواصل الاجتماعي يتهم فيه المطورين بأن التحوطات المتخذة من جانبهم تعد إشارة إلى أزمة تلوح في الأفق.
لأول مرة أشعر أن التحوط جريمة وبيئة العمل لا تخلو من المتغيرات والمشاكل
وفي الحقيقة لأول مرة أشعر أن التحوط جريمة، وأُنبه إلى ضرورة التحوط في مجال الأعمال مهما كانت الأوضاع تتسم بالصعوبة أو الرخاء، أيًّا كانت يتعين التحوط، نظرًا لأن بيئة العمل لا تخلو من المتغيرات والمشاكل.
في الحقيقة أنا أشعر بالضيق الشديد، نظرًا إلى استسهال توقع حدوث فقاعة عقارية، في حين أن المتلقي البسيط والمواطن الطبيعي عندما يسمع هذه التوقعات ممن يطلقون على أنفسهم “خبراء اقتصاديين” هو ما يؤدي إلى حالة من الذعر في بعض الأحيان بصورة كبيرة.
حالة الذعر مفتعلة ومن شأنها خلق الفقاعة العقارية
وأرد على ذلك بأن أحيانًا كثيرة جدًّا تكون التوقعات الاقتصادية غير مستندة إلى حقائق أو واقع، قد تكون هناك مؤشرات معينة، ولكن نحن ينطبق علينا القول: “الذي يقدر البلاء قبل وقوعه”.
هناك إصرار على توقع حدوث الأسوأ وتهويل الأوضاع
بالطبع هناك بعض المؤشرات على التحديات الاقتصادية، ولكنها من الممكن أن يتم معالجتها، إلا أن هناك إصرارًا على توقع حدوث الأسوأ وتهويل الأوضاع.
وبالفعل هناك معلومات غير مستندة لواقع ومن شأنها أن تضر الاقتصاد.
أحمد رضوان: دعنا نتجاهل كل هذه الأمور.. ما هي “أمارات” الفقاعة العقارية؟
عبد الله سلام: تساءلت في حديث آخر: لماذا نقول إن هناك فقاعة عقارية بسبب زيادة الأسعار بنسبة كبيرة جدًّا في فترة قليلة جدًّا؟، وهو ما جعلنا نظن حاليًا أن الناس غير قادرين على اقتناء أو شراء العقار، وهو ما ينذر بحدوث تباطؤ في الطلب ومن ثم انهيار السوق نظرًا إلى ضعف الطلب في ظل وفرة المعروض.
دائمًا ما أتساءل: لماذا لا نقول إن هناك فقاعة في سوقي السيارات والأغذية
قبل أن أجيب على سؤال: ما هي مؤشرات الفقاعة العقارية، أسأل: لماذا لا يقال إن هناك فقاعة في سوق السيارات، بالرغم من أن ما قلته حدث في سوق السيارات، فالأسعار تضاعفت والقدرة الشرائية اختلفت، بمعنى أن السيارة التي كان يتراوح سعرها بين 300 أو 400 ألف جنيه تجاوزت حاليًا المليون جنيه.
أتساءل هنا: لماذا لا نقول إن هناك فقاعة في صناعة السيارات؟
أحمد رضوان: لأن وزن صناعة السيارات في مصر لا يقارن بقطاع الاستثمار العقاري.
عبد الله سلام: صناعة السيارات لا يستهان بها.
أحمد رضوان: بالطبع لا يستهان بها، ولكنها لا تقارن بحجم القطاع العقاري.
عبد الله سلام: الأغذية.. أتساءل أيضًا لماذا لا نقول إن هناك فقاعة في سوق الدواجن؟ على الرغم من ارتفاع أسعارها 3 أضعاف؟
رضوى إبراهيم: تُقال بألفاظ أخرى، لكن مصطلح فقاعة ارتبط بالقطاع العقاري.
عبد الله سلام: سأُجاوب على سؤال ما هي مؤشرات الفقاعة العقارية، ولكن هل هي بالفعل مثلما تم وصفها في المؤشرات السابقة؟ وهل شاهدنا أحد المؤشرات التي ظهرت في العالم ورأيناها بأعيننا في السوق العقارية المصرية؟
فرضية انخفاض سعر العقار إلى النصف مع استهداف تخفيض الفائدة غير صحيحة
فالفقاعة العقارية هي التي حدثت في 2008 و2009 وبدأت في أمريكا، ومن ثم انتشر تأثيرها على اقتصاديات العالم كله.
أحمد رضوان: وحاليًا في الصين.
عبد الله سلام: نعم حاليًا موجودة في الصين، وأُنبه إلى أن الاقتصاد معقد، ولذلك أستاء للغاية من التحليلات السطحية، بينما ديناميكية الاقتصاد تحتوي على تفاصيل كثيرة جدًّا.
وأرى أن التحليلات السطحية تستند في دفعها في اتجاه حدوث فقاعة عقارية، إلى أن فائدة التمويل 30% فيما تستهدف الحكومة تخفيضها إلى النصف تقريبًا خلال العامين المقبلين، فهل هذا معناه أن أسعار العقار ستنخفض إلى النصف؟ أتساءل هل سعر العقار كله متوقف على الفائدة؟
أحمد رضوان: بالطبع لا.
عبد الله سلام: هل المكون الأساسي للعقار في تكلفته هو سعر الفائدة فقط؟
سعر العقار لا يتوقف كله على الفائدة.. مما يضعف المزاعم المثارة
سأطرح سؤالًا آخر: لماذا لم يتم التفكير الآن في أنه حينما تنخفض الفائدة خلال العامين المقبلين وفقًا لمستهدفات الحكومة، وهذا أمر حميد لتشجيع الاستثمار، أين ستوظف كمية الأموال التي ستخرج من الجهاز المصرفي، خاصة أن الاقتصاد ما زال غير مؤهل لاستقطاب هذه الأموال في أدوات أخرى؟
العقار سيظل الملاذ الآمن لاستثمار المواطن
هذا إلى جانب أن السوق لا تمتلك نماذج في الاستثمار ناضجة، والشعب نفسه أيضًا صاحب هذه السيولة لا يستطيع كله أن يستثمر في البورصة، أو يستطيع عمل مشروع جديد، وتبقى هنا دائمًا الجملة الشهيرة التي يرددها المختصون في المجال العقاري فخرًا، وإن كانت هي حقيقة أن العقار سيظل الملاذ الآمن لاستثمار المواطن.
أمر مهم، عندما تنخفض الفائدة إلى النصف فإن جزءًا كبيرًا جدًّا من الأموال التي ستخرج من البنوك سيستثمر في العقار.
مدخلات أخرى تتحكم في التسعير ومنها التضخم
ونواجه هنا أزمة في أنه حتى مع نزول الفائدة على مدار العامين المقبلين فإن التضخم لا يزال يقف عائقًا، نظرًا لزيادة معدلاته، وهو ما يؤدي إلى زيادة أسعار المواد الخام وتكلفة المحروقات وأعباء النقل والأجور والمرتبات، ويأتي هذا كله في ظل عدم سد الفجوة الخاصة بالأجور والمرتبات مع معدلات التضخم.
مسببات الفقاعة العقارية في أمريكا تعود إلى طلبات شراء فوق الطاقة الحقيقية للعملاء
أما مسببات الفقاعة العقارية التي حدثت في 2008 و2009 فتعود إلى طلبات شراء فوق الطاقة الحقيقية للعملاء، نظرًا لأن الرهن العقاري أو التمويل العقاري في أمريكا يستحوذ على 90% من طلبات شراء المواطنين.
وكانت الفائدة على الرهن العقاري في أمريكا قد وصلت قبل 2008 إلى 1% و1.25%.
وأرى أن السوق المصرية أحيانًا تعاني من مخاوف غير مبررة بأنه طالما حدثت فقاعة عقارية في الخارج فحتمًا ستلقي بظلالها علينا.
إلا أن الوضع مختلف تمامًا عند المقارنة مع الخارج، نظرًا لأن تكلفة اقتراض الأموال في أمريكا رخيصة، وهو ما أدى إلى استسهال العملاء شراء العقار، بعيدًا عن الاعتبارات المتعلقة بالاحتياج.
وضع مصر مختلف تمامًا لأن تكلفة اقتراض الأموال في أمريكا بنحو 1.25% لمدة 30 عامًا
فمن يستطيع شراء 4 عقارات ينفذ ذلك، وهناك حالات كثيرة جدًّا لموظفين عاديين للغاية نظرًا لأن تكلفة الاقتراض زهيدة بنحو 1.25% لمدة 30 عامًا، إذ إن العقار الذي تصل تكلفته إلى 100 ألف دولار بعد الاقتراض سيدفع 120 ألف دولار على 30 عامًا، أي إننا نتحدث في أرقام زهيدة جدًّا.
وبالفعل الناس اشتروا عقارات في أمريكا فوق طاقتهم، وهو ما أدى إلى زيادة المعروض من طلبات البيع أو إعادة البيع، ومع مشكلة واحدة في بنك واحد من الممولين حدث ما يشبه لعبة Domino effect ، فالأوضاع تدهورت بشكل بالغ.
وهنا يطرح السؤال نفسه: هل ينطبق هذا الوضع على مصر؟ الإجابة لا.
ياسمين منير: لكن شركات التطوير العقاري في مصر توفر حاليًا تمويلات بتسهيلات كبيرة، ومنها أجال زمنية طويلة جدًّا، فضلًا عن أن معظم الناس الذين يشترون، بالتأكيد ليس كلهم، ولكن أصبحت هناك شريحة كبيرة طالما موفرة المقدم وقادرة على تغطية أقساط على مدى النظر، ولكن قد تكون قدراتهم أقل من ذلك، ومع الضغوط التضخمية قد يتخلفون عن سداد ثمن الوحدة، وأيضًا إعادة البيع ستكون صعبة، فهل هذا العنصر غير مقلق في المنظومة؟
عبد الله سلام: سأُعيد حديثي مرة أخرى لأنني أحاول أن أُحيد نفسي قدر الإمكان، بالتأكيد هناك تحديات ومؤشرات تجعلنا نضع أعيننا في وسط رأسنا مثلما يقال.
السوق المصرية بعيدة عن الفقاعة نظرًا لوجود احتياج عقاري وسط تنامي الكثافة السكانية
ولكنني أؤكد على أننا بعيدون عن ما يسمى بالفقاعة العقارية، نظرًا لأنه لا يزال هناك طلب، وأرغب في أن أقسمه إلى جانبين هنا، وهما الاحتياج لمنتج، مع وجود القدرة على شرائه، فهذان عنصران، أي إن كلمة طلب تنقسم إلى شقين، فهل الاحتياج موجود؟ قولًا واحدًا: نعم.
ياسمين منير: بالتأكيد.
عبد الله سلام: مرة أخرى، الأرقام التي كلنا نحفظها وهي أن هناك 2.5 مليون مولود جديد سنويًّا في البلد، ومليون حالة زواج و400 ألف حالة طلاق، وأُنبه إلى أن حالات الطلاق تخلق سوقًا أخرى، إلا أن الطلاق ليس أمرًا نفخر به، ولكن في النهاية البيت يتقسم إلى اثنين، وهو ما يؤكد على أن هناك احتياجًا عقاريًّا.
العاملون بالخارج وثقة المنطقة يدعمان الطلب على العقار المصري
هذا بخلاف المصريين العاملين في الخارج، وثقة المنطقة عمومًا في العقار المصري، بل بالعكس قد نتحدث عن التحديات التي تحجم شراءهم بالقدر الكافي، إذن فالطلب موجود وإذا قمنا بمجهودات أكثر هو ما سيساهم في جذب الأسواق الأجنبية، نظرًا لأن السوق العقارية المصرية تتمتع بنسب نمو غير مسبوقة بالنسبة لهم، أو غير موجودة في بلادهم.
نحتاج إلى مليون وحدة سكنية في العام وهذا الرقم قد لا يعبر عن الواقع بشكل دقيق
وكل ذلك يتم ترجمته في أن سيادة الرئيس دائمًا يقول إننا نحتاج إلى مليون وحدة سكنية في العام، فهذا الرقم حقيقي، بل بالعكس أقول دائمًا إن الأرقام الرسمية المعلنة أحيانًا لا تعبر عن الواقع بشكل دقيق.
أتمنى مشاركة القطاع الخاص في توفير وحدات سكنية لمحدوي الدخل والتي تمثل 70% من الاحتياج العقاري
أقول دائمًا أيضًا: إذا افترضنا أن 70% من المليون وحدة سكنية مخصصة للإسكان الاجتماعي ومحدودي الدخل، وأؤكد أن مساعي الدولة في هذا الملف قوية جدًّا من خلال محاولات توفيرها وحدات سكنية وبذلها مجهودًا صعبًا جدًّا.
المطورون العقاريون يقومون بالوفاء بثلث الثلث من البيع أو يسلمون 300 ألف وحدة سنويًّا
نحن نتحدث في ثلث الثلث أو الـ 300 ألف وحدة هي ثلث المليون، فالمطورون يقومون بالوفاء بثلث الثلث من البيع.
الفجوة في سد الاحتياج العقاري تصل إلى 500 ألف وحدة
ولكن حتى إذا افترضنا أن الـ 300 ألف وحدة هي كل الاحتياج المطلوب في السوق، فالمطور يقوم بالوفاء بثلثهم، وعندما يبدأ العام الجديد يحتاج إلى 300 ألف وحدة جديدة، والمتبقي 200 ألف لم يتم الوفاء باحتياجاتهم من العام الماضي، فالفجوة تكون في 500 ألف وحدة.
المطور يجد كل 3 إلى 4 سنوات backlog (تراكم) بنحو مليون وحدة، مع عدم القدرة على الوفاء باحتياجاتهم.
حتى عندما نسمع الأرقام الضخمة الموجودة في الساحل هذا العام، ومع ذلك تم البيع في هذا الموسم بنحو عدة مليارات، إلا أن عدد الوحدات لم يتعد الـ 20 ألفًا.
بيع 20 ألف وحدة مقابل 300 ألف وحدة مطلوبة يعني أن الاحتياج لا يزال أكبر من المعروض
معنى بيع 20 ألف وحدة مقابل 300 ألف وحدة مطلوبة أو مليون، أن الطلب أو الاحتياج لا يزال أكبر من المعروض.
القدرة على الشراء مشكلة قوية في حين أن الاحتياج موجود
إذن لدينا مشكلة، وهي القدرة على الشراء في حين أن الاحتياج موجود، لأن ببساطة شديدة مصر تعاني من تضخم متسارع بصورة كبيرة وفي فترة وجيزة، في ظل زيادة سعر أي سلعة بمقدار 3 أضعاف.
الفجوة بين تضاعف السلع والأجور لم تسد
الأجور باتت تزداد بقدر غير مسبوق، وزيادات الأجور حاليًا في الشركات تدور بين 20 و25 و30% سنويًّا، وأحيانًا هناك شركات تضطر لعمل دورة في نصف العام وتقر زيادة بنحو 5 أو 10 % إضافية، ليصل مجمل الزيادات في العام إلى 40%.
الشركات تحتاج إلى ثلاثة أعوام لتستعيد عافيتها من مشكلة التضخم المتسارع
وهذا معناه أن الشركات تحتاج إلى عامين أو ثلاثة أعوام لتستعيد عافيتها من مشكلة التضخم المتسارع، ولتتناسب الأجور مع مستويات الأسعار، وعودة استقرار الاقتصاد ما لم يحدث متغير آخر كبير لا نرجوه، آملين في استقرار الأوضاع.
رضوى إبراهيم: طمأنتنا الآن على مستقبل القطاع العقاري في مصر، وقد تحدثت بنظرة متزنة ما بين مصالح المطور التي تعتبر شهادته مجروحة وما بين الرؤية الاقتصادية التي تتسم بالحياد.
أثار انتباهنا أن توسعات الشركات العقارية خلال الفترة الماضية شهدت زيادة كبيرة في السعودية تحديدًا، بجانب اعتيادنا على تكرار هذا الأمر، وفي الحقيقة كلها شركات مؤثرة في السوق المصرية، إلا أنه كان من الطبيعي بالنسبة لنا أن نرى من خلال تصريحاتهم الإيجابية عن مصر ووضع القطاع العقاري، هذه التوسعات داخلية.
رأينا توسعات كبيرة للغاية في الخارج، ولا أرغب في التوقف هنا عند نقطة أن السعودية حدث بها طفرة بالفعل، نظرًا لأنني لا أرى بقية القطاعات تتبنى خططًا توسعية في السعودية على غرار الشركات العقارية، نود أن نتعرف على رؤيتك حول أسباب ذلك؟
عبد الله سلام: لا أُود القول بأنني سأصحح معلومة، ولكن أنتِ ستستغربين من كم القطاعات الأخرى التي تسعى إلى التواجد في السعودية.
رضوى إبراهيم: ولكن ليس بقدر القطاع العقاري.
عبد الله سلام: لا.. نظرًا لأن مثلما قلتم في بداية السؤال الأول عندما سألت عن لماذا لا توجه فقاعة في قطاع السيارات، فإن حجم أعمال القطاع العقاري واهتمام المواطن المصري بهذا القطاع هو ما سلط الضوء على القطاع العقاري قبل أي قطاع آخر.
في الحقيقة أعرف مسؤولين في مجالات مختلفة صناعية وغذائية وخدمية توجهوا للسعودية، وبالعكس قد يكونون أخذوا خطوات أسرع من العقارات لأن قرار العقارات ليس سهلًا بل إنه ثقيل.
السوق السعودية ممتنة ومهتمة جدًّا بالتجربة العقارية المصرية
في المقابل، نجد أن المجال مفتوح بصورة أكبر أمام أي شركة ترغب في فتح مكتب محاسبة أو تأسيس شركة لتقديم الخدمات في السعودية.
وأود الإشارة هنا إلى أنني صباح يوم تصوير البودكاست كنت أتناقش مع شخص ما، وقال لي إنه يستثمر منذ عامين في السعودية ويمتلك 3 مشروعات هناك.
خطوة دخول الشركات العقارية السوق السعودية متأخرة وطال انتظارها
رضوى إبراهيم: إذن الشركات العقارية تسوق مشروعاتها بشكل محترف عن غيرها.
عبد الله سلام: لا شك في ظل تسليط الضوء على الشركات العقارية بشكل كبير، ولكن دعيني أرجع إلى أصل السؤال، لقد قلت في مؤتمر سابق إن هذه الخطوة متأخرة وطال انتظارها، نظرًا لأنها من أساسيات بيئة الأعمال، فالشركات العقارية وصلت اليوم إلى أحجام ضخمة جدًّا، وكلنا نعلم ذلك.
نتائج أعمال أصغر مطور عقاري في عام 2023 وصلت إلى 20 مليار جنيه مبيعات تعاقدية
بمعنى أن أكبر 20 مطورًا عقاريًّا في مصر لهم تاريخ من حجم الأعمال السنوي “ضخم جدًّا”، وحتى إذا تحدثنا عن أصغر مطور في قائمة العشرين الكبار أو أكبر 20 مطورًا في مصر سنجد أن نتائج أعماله في عام 2023 وصلت إلى 20 مليار جنيه مبيعات تعاقدية، وهو ما يدعم ضخامة حجم أعمال الشركات العقارية.
يتعين تنويع مصادر الدخل عند الوصول إلى حجم أعمال معين
هناك نقطة مهمة أخرى من أساسيات بيئة الأعمال، وهي عندما تصل إلى حجم معين من الأعمال يتعين حينها تنويع مصادر الدخل ولا يحبذ الاعتماد على سوق واحدة مهما كانت واعدة وضخمة ومستقرة.
الشركات الأمريكية تغزو العالم كله ولا يصح أن تظل 100% من مبيعاتها داخل سوقها الأم
فاليوم الشركات الأمريكية تغزو العالم كله، وذلك لأنه لا يصح أن تظل 100% من مبيعاتها داخل سوقها الأم، غير أن قاعدة المساهمين في الشركات أو البورصة في أمريكا تعاقب على هذه النقطة.
فكيف يكون 80% من الإيرادات في ظل حجم الأعمال الكبير من سوق واحدة، أو 90 أو 100% في الحالات التي لم تتوسع فيها الشركات تمامًا خارجيًّا.
ومن هذا المنطلق، لا يصح أن تصل الشركات العقارية المصرية إلى 20 و30 و100 مليار جنيه مبيعات، ولا تتواجد في أسواق أخرى تحقق لها حالة من التوازن “فهذا سبب”.
رضوى إبراهيم: أين هنا تصدير العقار بحسب الشعارات الكبيرة التي رفعتها الحكومة ثم القطاع الخاص، حيث كان يقال إنه سيتم توظيفه في تنويع المخاطرة وفرص جلب العملة الصعبة، أما التوسع الخارجي عكس ذلك، نظرًا لتخارج أموال هذه الشركات من السوق المصرية، ولنفترض أنها كسبتها في السوق المحلية ومن ثم توسعت بها خارجيًّا، وحتى إذا حققت عائدات في النهاية إلا أن أين هنا المرحلة الوسطية الخاصة بتصدير العقار؟ وهل كانت مرحلة وانتهت؟
عبد الله سلام: لا يوجد ما يسمى بأنها مرحلة وانتهت، دعيني أشرح لكِ بالتفصيل بشكل أكبر، وسأُحاول مرة أخرى التدقيق في معلومات معينة، فالأموال المتخارجة من مصر لفتح أسواق خارجية قليلة للغاية، نظرًا لأن السوق السعودية بالتحديد ممتنة ومهتمة جدًّا بالتجربة العقارية المصرية، كما تقدرها للغاية.
وبالفعل لقد لمست ذلك بنفسي في اجتماعات عدة مع مستثمرين وعقاريين سعوديين، في ظل اهتمامهم الكبير بنقل الخبرة المصرية، وأؤكد هنا على أن السوق المصرية لا يستهان بها في التطوير العقاري، حيث إن عمر هذه الصناعة يصل إلى أكثر من 30 عامًا تمكنّا خلالها من خلق سوق منظمة في التطوير العقاري للمجتمعات المغلقة.
المطور المصري يتمتع بخبرة متراكمة في البنية التحتية والتصميم العمراني المتناسق والمتوازن.. وهو ما أصقل خبراته في مجال التطوير
هذا بالإضافة إلى تمتع المطور المصري بخبرة متراكمة في البنية التحتية والتصميم العمراني المتناسق والمتوازن، وهو ما أصقل خبراته في مجال التطوير، ولذلك فإن السعوديين والخليج كله يرغبون في الاستعانة بخبرات المطور المصري بمعنى الكلمة.
السعودية لا تنتظر ضخ رؤوس أموال مصرية في ظل اهتمامها الكبير بنقل الخبرة المصرية
هناك جملة دائمًا أُقولها بكل وضوح: إن المملكة العربية السعودية لا تنتظر ضخ رؤوس أموال مصرية.
رضوى إبراهيم: بالتأكيد.
عبد الله سلام: فالقيمة المضافة للمطور المصري ليست في ضخه رؤوس أموال، والسعوديون يعون ذلك، ويفتحون أذرعهم للمطور المصري ويطلبون فقط فكره.
نقل الخبرة المصرية تندرج تحت تصدير العقار
رضوى إبراهيم: إذن انتقلنا من تصدير العقار لتصدير خبرتنا في العقار.
عبد الله سلام: هذا يندرج تحت تصدير العقار، ولكن سأقول أمرًا: كلمة تصدير العقار لا أُحبها، ولقد تحدثت كثيرًا في هذا الموضوع.
رضوى إبراهيم: وأنا أيضًا.
عبد الله سلام: في الحقيقة كلمة تصدير العقار تجعلنا نفكر بطريقة معينة، حتى في مطالبنا من الدولة حول كيفية تدعيمها لتصدير العقار، ولذلك لا أُحب كلمة تصدير لأنني أعلم والجميع يعلم أننا لا نعني بها التصدير.
ياسمين منير: تقال مجازًا.
عبد الله سلام: نعم هي مجاز بالفعل، وهي ليست مثل منتج نصنعه في مصنع بمصر اليوم ومن ثم نضعه في حاويات ونقوم بشحنه إلى بلد آخر.
أما لعبة تصدير العقار فلها قوانينها ومختلفة تمامًا، نظرًا لأننا لا نصدر العقار، وإنما نجتذب رؤوس أموال تستثمر في العقار المصري.
فهذا هو الفرق.. وفي الحقيقة أُصر كل مرة على أن أُوضح الفرق، نظرًا لأن السعر والجودة هما المتحكمان في عملية تصدير أي سلعة، والعلاقة مع الجهة التي يتم التصدير لها أو الدولة المستقبلة للمنتج، وبمجرد وضع المنتج في الحاوية يعامل بقوانين البلد المستورد له، وهو من يحدد كيفية بيعه وتخزينه وتسعيره؟ وكيفية تجاوب العميل معه وحملات الدعاية والإعلام الخاصة بتسويق المنتج؟.
أحمد رضوان: دعنا نعود مرة أخرى هنا للفقاعة العقارية.. خلال السنوات العشر الماضية كان هناك اهتمام غير عادي بالاستثمار العقاري، والدولة دخلت بثقلها في مناطق مختلفة وبأحجام مختلفة، والجميع يرى حاليًا أن الدولة تحاول تسويق الكثير من مشروعاتها، وقد تفلح في بيعها في وقت سابق، ولديها أيضًا محفظة كبيرة من الوحدات، فهل كان الاهتمام بالقطاع العقاري زائدًا عن الحد المطلوب في السنوات العشر الماضية؟.. وبالتالي تحول القطاع العقاري إلى جزء من المشكلة الاقتصادية.. أم المقولة الخاصة بأن القطاع العقاري هو المحفز للراوج والقادر على تشغيل العمالة وسهل دخول بعض الاستثمارات هي الأدق؟
عبد الله سلام: تقريبًا كل ما قلته دقيق جدًّا، سأحاول ربط الخيوط ببعضها البعض، وسأتحدث في بادئ الأمر عن دور الدولة ثم دور العقار في الاقتصاد بصفة عامة.
أعتقد أن الدولة لم يكن أمامها اختيار آخر، وكان اختيار استثمارها في القطاع العقاري صائبًا في ظل مرورها بظروف دقيقة جدًّا.
استثمار الدولة في القطاع العقاري صائب ولم يكن أمامها اختيار آخر
هذا بالإضافة إلى أن استثمار الدولة في البنية التحتية والطرق، وربط المدن ببعضها البعض والمدن الجديدة والمدن الصناعية والموانئ، كل ذلك يندرج تحت الإنشاءات أو قطاع الإنشاءات بصفة عامة.
وأرى أن الدولة كانت واعية جدًّا، وأُنبّه إلى أننا عادةً ما ننسى الأوضاع الاقتصادية التي نمر بها، وأؤكد أن اليوم بكل التحديات الراهنة والقلق والذعر إلا أننا بعيدون تمامًا عن حافة الهاوية التي كنا عندها من أكثر من 10 سنوات.
من هذه النقطة وحتى ما تم الوصول له، يتبين أنه كان يتحتم على الدولة التدخل للقيام بذلك، وقد يكون العتاب أو التحدي أحيانًا متمثلًا في التساؤل عن التوقيت الذي سيتوقف به هذا الأمر، لا سيما بعد أن تم التدخل والقيام بإعطاء الصدمة الكهربائية، ومساعدة الاقتصاد على المضي قدمًا، فلا غبار على ذلك، ولا يمكن لأحد أن ينكره.
ولطالما نقوم كقطاع خاص في أحاديثنا دائمًا مع ممثلي الحكومة والدولة، بالتنويه إلى أنه قد تم بالفعل تقديم الدور الوطني المنوط به دعم الاقتصاد للوقوف على أقدامه، ونتناقش حول كيفية تسليم الراية إلى القطاع الخاص، وفي اعتقادي أن ذلك ليس كلامًا إنشائيًّا، بل حقيقي من واقع الجلسات المستمرة التي أشارك بها، والتي تنعقد بشكل مستمر بين ممثلي الدولة والمطورين، وقد كان هناك جلسة تم انعقادها في وقت قريب، عقب الإعلان عن التشكيل الوزاري الجديد، والتي كشفت عن وجود نية صادقة لهذا الاتجاه، لا سيما أنه كما ذكرت في حديثك أنه في بعض الأمور بعدما تمادى الدور المقدم عن مساعدة الاقتصاد للوقوف على قدمه، أسفر ذلك عن إخفاق في بعض الجوانب، كعدم وجود قدرة تسويقية، وكذلك على صعيد الشق البيعي.
أحمد رضوان: ظهر الاحتياج.
عبد الله سلام: بالظبط، ومن ثم بدأ الكثير من أوجه التعاون مع الدولة، وفي اعتقادي أن القواعد ستتضح بصورة أكبر خلال العامين أو الأعوام الثلاثة القادمة، حيث ستعود الدولة إلى دور..
ياسمين منير: المنظم.
عبد الله سلام: المنظم للسوق، وكما أوضحنا خلال إجابتنا عن سؤال آخر، أن الدولة سيظل لها دور كبير للغاية في بعض القطاعات، مثل قطاع الإسكان الاجتماعي ومحدودي الدخل، والذي يعتبر مكونًا عقاريًّا لا يمكن إغفاله، وذلك فيما بتعلق بدور الدولة.
شركات الدولة تتجه نحو التخصص على مستوى الأعمال
أحمد رضوان: أود أن أطرح سؤالًا سريعًا في هذا السياق، هل ترى أن المنافسة مع الدولة واضحة أمامكم، على صعيد اللاعبين الذين يمثلون الدولة؟ وما الذي يراهنون عليه؟
عبد الله سلام: شركات الدولة التي تنافس في السوق بدأت تتقلص بشكل كبير، في ضوء اتجاهها إلى الاندماج للتخصص على مستوى الأعمال، لتحديد من هو منوط بالتسويق العقاري، ومن مسؤول عن عملية البناء، كما تولى بنك التعمير والإسكان مسؤولية التسويق والبيع والتمويل لبعض المشروعات، وكذلك بدأت الدولة في الدخول بشراكات معلنة في السوق، مع كبار المطورين، وذلك للتعاون بطرح ما لديها من مخزون عقاري على المطور الذي يتحلى بقدرة بيعية في شريحة ما، ليكون منوطًا بهذا المخزون، وذلك بهدف تحقيق الصالح للجميع.
التجربة المصرية في ابتكار مفهوم التنمية المشتركة تحظى باهتمام الدول المحيطة
أشهد دائمًا بالتجربة المصرية، والتي بدأت الدول المحيطة في الاهتمام بها، حيث تعتبر مصر هي من ابتكرت مفهوم المشاركة أو التنمية المشتركة، فأصبح مالك الأرض يدخل بها كشريك في المشروع، بدلًا من تحمل تكاليف شراء الأرض، ليركز المطور العقاري على القيام بدوره في التنمية العمرانية، ويتولى البنك مسؤولية التمويل، ومن ثم تقوم الدولة بالدور المنوط بها سواء كجهة مالكة للأرض، أو من خلال الأذرع التنفيذية.
أحمد رضوان: نود طرح تساؤل حول الشراكة.
رضوى إبراهيم: الدولة تتسم بأنها اعتادت على التعاونيات.
عبد الله سلام: أود التنويه إلى أننا في حاجه إلى ذلك، في مثل هذه الظروف، ولكن على أن يتم وضوح الأدوار، ليكون من المعلوم من سيتولى أي مسؤولية.
ياسمين منير: المهندس عبد الله.. من المؤكد أن الأعوام العشرة الماضية شهدت تكوين مخزون عقاري كبير، وهو ما يتزامن مع وجود مخزون عقاري في مصر لا بأس به، على جميع المستويات، مما يعكس وجود ثروة عقارية غير مستغلة، كما أن ما تم بيعه لا يزال مغلقًا، وهو ما يعكس أنه يظل بمثابة أموال مجمدة.. وقد طال الحديث خلال الآونة الأخيرة حول البورصة العقارية، والتي سبقتها الصناديق العقارية، حيث تم اتخاذ عدة مراحل بها، حتى تتمكن من تقديم دور فعال، في ضوء ذلك نود معرفة تقييم حضرتك للأدوات التي يمكن من خلالها الاستفادة من الثروة العقارية غير المستغلة؟
عبد الله سلام: يجب الفصل بين أمرين، المخزون الحالي الذي قد يكون هناك جزء كبير منه غير مستغل بالفعل، وقد سبق وصرح رئيس الجمهورية بأن مصر تحتوي على 10 أو 12 مليون عقار مُعطل.
12 مليون عقار مُعطل في مصر.. والمشكلة الأساسية تكمن في التسليم دون تشطيب
أتمنى أن أكون تذكرت الرقم الذي تم الإعلان عنه بشكل صحيح، حيث إن هناك مباني تم الانتهاء من تنفيذها وتسليمها، منذ فترة طويلة تصل أحيانًا إلى 30 أو 40 عامًا، فلا أتحدث هنا عن المشروعات التي نُفذت خلال العامين الماضيين، فعندما نسير في أي حي من أحياء القاهرة، حتى القديمة، نجد هناك برجًا مكونًا من 30 دورًا، ولكنه مغلق، مما يعكس أن هناك جانبًا من ذلك المخزون متمثل في التراكمات التي قد تكون لديها وضع خاص، كحدوث مشكلة في التراخيص أوغير ذلك.
ولكن المشكلة الأساسية في هذا المخزون المعطل في مصر تكمن في تسليم العقار دون تشطيب، وقد تبدو تلك المشكلة دقيقة وبسيطة، إلا أنها أسفرت عن أزمة غير طبيعية، لا سيما أن السوق تتسم بكونها حساسة تجاه السعر، مما دفع المطور إلى تسليم الوحدات دون تشطيب، حتى يتمكن من توفير منتج بسعر مناسب للعميل.
بدأنا في إدخال ثقافة التشطيب بآليات محددة.. ويجري العمل على تقديم حلول سنعلن عنها قريبًا
في السابق كانت جميع الوحدات تُسلم كاملة التشطيب، وذلك حين كان التنفيذ يتم من خلال المقاولين، ومن ثم دخل المطورون إلى المنافسة، وفي البداية كانوا يقومون بتسليم الوحدات بعد تشطيبها، ثم احتدمت المنافسة، وهو ما تزامن مع حدوث أزمات اقتصادية، أثرت على القدرة الشرائية للعميل، فلجأ المطورون إلى عدم التشطيب ليقدموا للعميل ما يتناسب مع ميزانيته، حيث يكون سعر الوحدة أقل دون تشطيب، ومن هنا أصبحت ثقافة العميل تتمثل في الحصول على الوحدة دون تشطيب، ليتولى هو ذلك الشأن.
ياسمين منير: يكون أمامه متسع من الوقت.
عبد الله سلام: هناك أكثر من شق لهذا الأمر، يتمثل أحدها في توفير قيمة التشطيب الذي كان سيتحمله عند الشراء، والشق الأخر متعلق برغبة العميل في التشطيب وفقًا لذوقه الخاص، ذلك فضلًا عن وجود بعض المطورين الذين كانوا يقدمون مستوى رديئًا من التشطيب، الأمر الذي أثر سلبًا على سمعه المنتج المتشطب في السوق.
هذا الأمر يعد أحد الجوانب المتسببة في أزمة كبيرة في السوق، ويمكنني القول إننا كمطور نشارك في تلك الجريمة، نظرًا لأن السوق بأكملها تبيع وفقًا لذلك، وقد بدأنا في إدخال ثقافة التشطيب بآليات محددة، ويجري العمل على تقديم حلول، وهو ما سيتم الإعلان عنه قريبًا، حيث إن تلك الحلول ستنتقل بسوق التشطيب إلى مستوى آخر، من شأنه إنهاء هذه الأزمة، وذلك ما يتعلق بالشق الخاص بالعقار المُعطل.
إذا شهد العقار المتشطب رواجًا فعليًّا، أو حال تم إيجاد حلول لتشطيب المخزون القديم، من الممكن أن تشهد السوق إعادة توزيع لهذا المخزون، الأمر الذي من شأنه تخفيف وطأة الفجوة بين العرض والطلب، ما قد يسفر عن تقليل معدل الزيادات، فمن غير الممكن حدوث انخفاض بسعر العقار، إلا في حالة وجود كارثة كبيرة، فهو أمر بعيد المنال، في المستقبل القريب، نظرًا للظروف التي تشهدها مصر من اقتصاد تضخمي وخلافه.
90 % من السوق في الخارج يعتمد على التمويل العقاري
الشق الثاني، يتمثل في أدوات التمويل والصناديق وغيرها، وتعد أحد السبل التي تكشف عن قدرات السوق العقارية في مصر، والتي لا يزال لديها باع كبير جدًّا، وكما ذكرنا أن 90% من السوق في الخارج يعتمد على التمويل العقاري.
صناديق المعاشات وإدارة الأصول والصناديق العقارية تمتلك 70% من العقارات غير السكنية في العالم
وهنا تجدر الإشارة إلى أن صناديق المعاشات وصناديق إدارة الأصول والصناديق العقارية المتداولة في البورصة تمتلك ما يقرب من 70% من العقارات غير السكنية في العالم، مما يوضح كونها محركًا قويًّا، وهو ما لم يحدث في مصر حتى الآن، ويرجع ذلك إلى القوانين التي تخص صناديق الاستثمار العقاري، وأؤكد أن الدولة تتخذ هذا الأمر بجدية شديدة خلال الآونة الأخيرة.
أحمد رضوان: أعتقد أن ياسمين كانت تتساءل حول دور هذه الأدوات، سواء الصناديق أو البورصة العقارية، في الاستفادة من الثروة المُعطلة، وليس في الجانب التمويلي.. فنحن نتحدث عن وجود ثروة عقارية مُعطلة، لذا نود معرفة ما إذا كانت البورصة العقارية أو الصناديق أو شركات الإدارة بمقدورها تقديم دور في هذا الإطار؟
عبد الله سلام: إذا تم تفعيل هذه الصناديق، ستجتذب رؤوس أموال ضخمة، حيث إن فكرتها تقوم على تبسيط الوضع، وتتيح للجميع القدرة على الشراء، كما نعلم جميعًا، أنه حتى يتمكن أحدهم من شراء عقار الآن، سيجد أن أقل منتج عقاري تبلغ قيمته أكثر من مليون جنيه، وعلى الرغم من أن أنظمة التقسيط متاحة على مدد زمنية طويلة، إلا أنها تستوجب فائضًا كبيرًا عن الدخل في العام الواحد، ليتم سداد قيمة العقار، ما يعكس أن الأمر لم يعد سهلًا.
الصناديق وما يشبهها من آليات مبتكرة كالملكية الجزئية، وغيرها، تتيح القدرة لأي شخص على التملك في عقار، حيث إن صندوق الاستثمار العقاري على سبيل المثال بمجرد تداوله في البورصة يكون السهم..
ياسمين منير: وثيقة أو سهم.
عبد الله سلام: من الممكن أن تبلغ قيمته جنيه.
ياسمين منير: بالضبط.
عبد الله سلام: فمن يمتلك جنيهًا، يكون بمقدوره المشاركة في هذا العقار، أو بالصندوق الذي يمتلك ذلك العقار وغيره من العقارات الأخرى، الأمر الذي يفتح المجال حاليًا..
أحمد رضوان: يفتح ذلك المجال أمام من لديه ثروة معُطلة، حتى يتمكن من بيعها.
عبد الله سلام: إذا كان هناك مليون شخص قادر على شراء العقارات في مصر، فإن ذلك الأمر سيمنح 100 مليون شخص القدرة على المشاركة..
ياسمين منير: على الجانب الآخر، يمكن استغلال تلك الوحدات من كيانات متخصصة، سواء على الصعيد الإيجاري أو الإداري أو الفندقي، حسب التصنيف.
عبد الله سلام: لا شك في ذلك، وهناك أمثلة لما يشابه الصناديق، حيث يوجد عدة الشركات تقوم بجمع الأموال، ومن ثم تتجه إلى شراء مجموعة عقارات في منطقة وسط البلد، وبعد ذلك يقومون بتطوريها وتأجيرها.
أحمد رضوان: بالضبط.
عبد الله سلام: هذه الأمثلة موجودة في نطاق محدود، وإذا تم تعديل القوانين، ومنح محفزات لهذا الأمر، أؤكد أننا سنرى رؤوس أموال ضخمة، والتي سيكون جزء كبير من دورها حل المشكلة القديمة الخاصة بالعقارات المُعطلة، لا سيما في ظل وجود حجم هائل من الأصول والعقارات غير المستغلة، والتي لا تعتبر أمرًا سيئًا، حيث يمكن أن يتم الاستفادة بها، في سد فجوات كثيرة في شتى المجالات، وليس الشق السكني فقط، والذي يأتي على رأسهم.
وفي اعتقادي أن القطاع السكني يمثل الرقم الذي كان يعنيه السيد رئيس الجمهورية خلال حديثه عن وجود 10 أو 12 مليون عقار مُعطل، أود تقديم مثال على ذلك، نحن حاليًا متواجدون في حي مدينة نصر، والذي تفخر شركة مدينة مصر بأنه كان بمثابة البداية لها، فهي من قامت بتطوير هذا الحي، وأقول دائمًا إن حي مدينة نصر يعتبر أكبر Office park في العالم، حيث إن ¾ المباني الموجودة به، تتمثل في العيادات والمكاتب الهندسية ومكاتب المحاسبة وشركات تجارية، واستيراد وتصدير، وغيرها، مما يعكس أن جزءًا كبيرًا من الاقتصاد المصري كان يُدار من حي مدينة نصر خلال الآونة الأخيرة.
90 % من الشركات في مصر لا تزال تُدار من عقارات سكنية
عندما يتم سؤالي عن المباني الإدارية، وزيادة حجم المعروض منها، أجيب بأنه حال قيام جميع المطورين بإنشاء مبان إدارية، لن يكفي هذا الطلب، حيث إن 90% -إن لم يكن أكثر- من الشركات في مصر لا تزال تُدار من عقارات سكنية، ليس لدي رقم دقيق، ولكن أعبر عن هذا بصيغة المبالغة.
أؤكد أن الدولة تعي ذلك، لذا قامت ببناء مبان إدارية وأبراج في العاصمة الإدارية، وهو ما يسخر البعض منه، متسائلين عن من سيستفيد من هذا الكم الذي تم تنفيذه.
رضوى إبراهيم: من سيذهب إلى هناك؟
عبد الله سلام: في الوقت المناسب، عندما ستبدأ الدولة في ممارسة القواعد الخاصة بعدم السماح لأي شركة أن تُدار من عقار سكني، ستكون هذه الشركات -والتي تمثل 90% من إجمالي الشركات الموجودة في مصر- في حاجة إلى الذهاب إلى منطقة أخرى، مما يعكس أن مئات الآلاف بل ملايين الشركات سيكون لديها احتياج إلى وحدات إدارية متخصصة، ذات رخصة منشأة إدارية.
أحمد رضوان: هذا صحيح.
رضوى إبراهيم: مهندس عبد الله.. من الواضح أن التمويل يمثل جزءًا مهمًّا من تركيز حضرتك واهتمامك، وهو ما أظهره حماسكم في تناول هذا الملف في أكثر من سؤال، لذا سننتقل له.. أود معرفة كيف يواجه القطاع العقاري الاختناق الذي يقابله من التمويل المصرفي، والناتج عن أكثر من عنصر، كارتفاع سعر الفائدة وضعف التمويل العقاري ونسب التركز التي تحددها البنوك، سواء لتمويل الكيان الواحد أو القطاع الواحد.. القطاع العقاري اتسم بكونه أكثر القطاعات التي شهدت توسعات خلال السنوات الماضية، وبالتالي كان الأكثر احتياجًا إلى التمويل.. لذا نود إلقاء الضوء على وضعكم الحالي في هذا الإطار، وكيف ترى التصرف الأمثل مع ذلك التحدي، وما فرص التمويل الأخرى التي ترونها بديلًا جيدًا للتمويل المصرفي؟
عبد الله سلام: هذه صناعة لا يمكنها العمل دون أدوات تمويل، وجهات مصرفية، حيث إن كلًّا من القطاع العقاري والقطاع المصرفي يتسمان بكونهما متشابكين، ويسيران جنبًا إلى جنب، لتعزيز الحراك الاقتصادي، يجب معرفة الفرق بين تمويل العميل وتمويل الشركات، حيث إن التمويل العقاري يخص العميل.
رضوى إبراهيم: أكيد.
عبد الله سلام: تبقى العقبة الأساسية أمامه…
ارتفاع أسعار الفائدة العقبة الأساسية أمام التمويل العقاري
أحمد رضوان : التسجيل والتشطيب.
عبد الله سلام: الفائدة، فقد وصل سعر الفائدة على التمويل العقاري في الخارج إلى 5% و6%، مما يجعلهم يعانون من ذلك، فما تصورك للوضع هنا، في ضوء وصول معدلات الفائدة إلى 30%.
أحمد رضوان: هل الشركات العقارية تتيح التقسيط بأسعار أقل من الذي تقدمه شركات التمويل العقاري؟
عبد الله سلام: لا، ولكن ذلك يكون على مدد زمنية أقل، مما يجعل الأمر في نطاق محدد، كما يتم عمل هندسة مالية للدفعات المقدمة، أتمنى أن تقوم شركات التمويل العقاري بهذا الدور.
نأمل أن تقوم شركات التمويل العقاري بالدور المنوط بها
وأود التنويه بأنهم يتميزون عن شركات التطوير العقاري، بإتاحة التمويل على مدد زمنية أطول، ومن ثم فإن العملاء يشعرون بالقلق عندما يسمعون أن العقار الذي تبلغ قيمته مليون جنيه، سيُقدر بـ 5 ملايين بعد التمويل العقاري.
رضوى إبراهيم: عندما نتحدث مع شركات التمويل العقاري حول ضعف التمويل، تقوم بإلقاء المشكلة بالكامل على المطور، الذي لم يقم بدوره في تقديم وحدة قابلة للحصول على التمويل العقاري وفقًا للشروط المقررة.
عبد الله سلام: التمويل العقاري ملف كبير جدًّا.
رضوى إبراهيم: ولكن ليس ذلك ما أود التوقف عنده..
عبد الله سلام : سننتقل إلى تمويل الشركات.
رضوى إبراهيم : بالضبط.
عبد الله سلام: أردت التنويه فقط إلى أن جزءًا كبيرًا من مشكلة التمويل العقاري يتمثل في أسعار الفائدة، وهو طريق يجب السير به، ذلك فضلًا عن الجزء المتعلق بعقلية المستهلك، فكما ذكرنا أن العملاء في الخارج الذين يتسمون بكونهم معتادين على التمويل العقاري، لا يشغلهم التفكير في القيمة النهائية للوحدة بعد التمويل، بل ما يهمه هو قيمة القسط الشهري، لذا نحتاج إلى تغيير هذه العقلية في مصر، حتى يتمكن التمويل العقاري من العمل، فليس من المهم القيمة النهائية التي ستصل لها الوحدة، بل القدرة على سداد القسط الشهري، فهذه هي النقطة الثانية.
التمويل العقاري أداة للنمو اقتصادي.. وليس التكافل
أما النقطة الثالثة، والتي يتشارك بها القطاع والدولة والمستهلك، فإنه طالما يتم معاملة التمويل العقاري كأداة تكافل، سيؤدي ذلك إلى فشله، فهو ليس كذلك، بل هو أداة نمو اقتصادي، حيث أن التمويل العقاري ليس لمن يعجز عن شراء وحدة، فمن الممكن أن نساعد من يعاني من هذه المشكلة بشكل آخر، حتى وإن كان بمنحه وحدة مجانًا.
ولكن لدي عبارة شهيرة، وهي أن من يقوم بشراء فيلا قيمتها 100 مليون دولار في بيفرلي هيلز بأمريكا، يستخدم التمويل العقاري، لمساعدة الاقتصاد، حيث يدفع 10 ملايين دولار كمقدم، ويتبقى معه 90 مليون دولار، بإمكانه الاستفادة منهم في شراء عقار آخر أو القيام بضخهم في الاقتصاد، وذلك بدلًا من تجميد 100 مليون دولار في وحدة.
رضوى إبراهيم: أو القيام بتدويرهم في جوانب أخرى.
عبد الله سلام: فيقوم بالتقسيط، وبذلك يكون البنك مستفيدًا، كما أن صاحب العقار سيتمكن من الحصول على أمواله، والعميل يقوم بالتقسيط وفقا لما يتناسب معه، مما يحقق مصحلة جميع الأطراف، فكما ذكرت لكم أن ملف التمويل العقاري كبير، وينقسم إلى شق خاص بالثقافة لدى العميل، وآخر متعلق بأسعار الفائدة، إلى جانب ما إذا كانت الدولة تراه دعمًا أو نموًّا اقتصاديًّا.
رضوى إبراهيم: وماذا عن الاختناق وفرص التمويل للشركات؟
عبد الله سلام: فيما يتعلق بتمويل الشركات، سأتحدث عن ما يخصنا، والذي اعتبره نعمة أتمنى دوامها. والحمد لله لا نعاني من اختناق.. وهذا توفيق من الله قبل أي شيء.
مدينة مصر تمتلك جميع العوامل التي تعزز ثقة البنوك بها
وأود التنويه إلى أنه وفقا للغة الخاصة بالسوق والأسباب، فقد شهدت الشركات نموًّا كبيرًا جدًّا في السنوات الماضية، فنجد أن التدفقات النقدية الخاصة بالشركة، قد فاقت التوقعات وما تم التخطيط له، ونحمد الله على ظروف شركة مدينة مصر في السابق، فلا يقتصر الأمر على الإدارة الحديثة التي شهدت تغييرات، حيث تتسم بكونها شركة تمتلك كل العوامل التي تجعل البنوك تثق بها، سواء على مستوى الأصول والتاريخ ومحفظة الشيكات وقاعدة العملاء.
وأقول دائمًا إننا من القطاعات التي لا تفضل البنوك إقراضها، كما ذكرت رضوى، ونحن لا نرغب في الاقتراض، بل نفضل الدخول في تمويل المشروعات، من واقع تجربتنا، واستنادًا إلى ما سمعته من بعض كبار المطورين، أؤكد أن البنوك لا تقصر في هذا الإطار، فنحن لا نطلب من البنك.
هناك تحفظ من المؤسسات المالية على طلب قرض لشراء أرض، فهو لا يمول شراء الأراضي، وكذلك لا يمول المصروفات الإدارية، وغيرها من الأمور التي ترفض البنوك تمويلها، نظرًا لكون الصناعة بها مخاطر مرتفعة في التحصيل، وإن كنت أزعم عكس ذلك، وخلال حديثي الدائم مع الأجهزة المصرفية، أتحدث معهم عن نسب التحصيل عند كبار المطورين، والتي تدعو للتفاؤل والاطمئنان تجاه هذا القطاع.
ولكن أود التنويه إلى أنه عند التوجه إلى البنك، يجب النظر إلى نوع التمويل الذي تحتاجه الشركة، حيث إنه وفقًا لـ off-plan sales يتم الحصول على مقدم من العميل، والتقسيط على 8 سنوات على سبيل المثال، ومن ثم يتم تسليم الوحدة خلال 4 سنوات، فإذا افترضنا أن تكاليف البناء تمثل 50% من قيمة الوحدة، فبذلك تكون الشركة قد حصلت على 10% من تلك التكلفة عن طريق دفعة المقدم، علمًا بأنه خلال العام الأول يتم تحصيل أقساط تعادل قيمتها نسبة 10% أخرى، مما يعني أن الشركة سيكون لديها 20% تم تحصيلها من العملاء قبل البدء في الإنشاءات، والذي عادة ما يكون خلال العام الثاني أو بعد عام من البيع.
وإذا كانت الشركة كبيرة ستكون قادرة على ضخ 5% أخرى من التكلفة، استنادًا إلى التمويل الذاتي من ملاءتها المالية، وعليه تتجه الشركة إلى البنك لطلب سد الفجوة التمويلية، والتي تبلغ نسبتها 25%، حتى تتمكن من الانتهاء من الإنشاءات وتسليم العملاء، إلى جانب الدخول في عمليات تمويلية أخرى مثل قطع الشيكات، أو تحصيل باقي مستحقات الشركة من السوق.
والشركة آنذاك لا تحتاج إلى كامل قيمة الوحدة من البنك، بل تحتاج إلى 25% فقط، حيث إنها تمكنت من تجميع 25%، منهم 5% تم ضخها ذاتيًّا، و10% من المقدم، و10% أخرى تم تحصيلها، فبذلك يصبح ما ينقص الشركة هو 25% أخرى، حتى تتمكن من استكمال التكاليف المطلوبة للإنشاءات، والتي تمثل 50% من قيمة الوحدة، لذا تطلب من البنك تمويل هذه الفجوة التمويلية، بعد اطلاعه على خطط الشركة والتدفقات النقدية، ليكون على علم بالنقطة التي تبدأ عندها الفجوة التمويلية.
فإذا كانت هذه الفجوة تقدر بنحو مليار جنيه، لا يُشترط الحصول عليها بشكل فوري، فمن الممكن أن يضخ البنك 200 مليون جنيه، لتقوم الشركة بسداد جزء، ثم تعود لتحصل على 400 مليون جنيه، وهكذا، ولكن يجب أن توضح الشركة للبنك أقل نقطة تحتاج بها الشركة لفجوة تمويلية، ليقوم بتقديمها.
وفقًا لهذا المنظور المتمثل في تمويل المشروعات، والذي يكون فيه البنك شبه شريك في نموذج الأعمال والتدفقات النقدية للمشروع، أؤكد أن البنوك تفتح أذرعها للشركات، قولًا واحدًا.
رضوى إبراهيم: ذلك بالنسبة للشركات التي تدار ماليا بشكل جيد، على مدار تاريخها، مما يعكس أنها لا تعاني من الاختناق، كما أنها لم تقترب من نسب التركز، فإذا تحدثنا عن مطور عقاري آخر لم يقدم أفضل إدارة مالية لمشروعاته، واتجه لتمويل لتلك المشروعات، ولكنه وصل إلى الحد الأقصى في نسب التركز، فماذا عن الفرص التمويلية البديلة، والتي تتسم بكونها الأفضل للقطاع العقاري؟
عبد الله سلام: لا أتمنى أن أكون في هذا الموقف لتلك الأزمة التمويلية.
رضوى إبراهيم: بإذن الله.
عبد الله سلام: الشركة حريصة دائمًا على عدم حدوث ذلك، لذا تتحوط في هذا الإطار، وهو ما لا ينفي أن هذا أمر وارد حدوثه، خاصة في ضوء التغييرات الاقتصادية، كما أن التحديات قد تتغير أيضًا، حيث إنه لا يشترط حدوث ذلك، نتيجة إهمال أو سوء إدارة من جانب المطورين العقاريين، بل يكون هذا ناتجًا عن تغيير الظروف الاقتصادية أحيانًا.
وقد شهدنا حالات مشابهة لذلك، يكون فيها المطور قد قام بإطلاق المشروع وبيع 70% منه، ومن ثم تحدث متغيرات معينة من شأنها التأثير في التكلفة بشكل كبير، فيُفاجأ المطور بأنه قد وقع في مشكلة بالفعل.
إلغاء المشروع أحد الحلول القاسية التي يضطر لها المطور حال حدوث ظروف قهرية
وهنا قد يلجأ المطور إلى تصرفات أو حلول قاسية جدًّا، فقد يضطر إلى إلغاء المشروع، خاصة إذا كان لا يزال في بدايته كما ذكرنا، وقام ببيع كم كبير من الوحدات، وتفاجأ بحدوث تغيير كبير جدًّا في التكلفة، فقد يلجأ إلى إلغاء المشروع من منطلق الأمانة، في حين قد يرى آخر أنه سيقوم بالتصرف، ويتجه إلى تخفيض الجودة، فبعد أن كان متعهدًا بتقديم أمر ما، ينفذ شيئًا آخر، ليتمكن من التسليم، علمًا بأن نيته تكون أنه يرغب في التسليم.
ولكن في بعض الأوقات يصل المطور إلى مرحلة أن الأمانة مع العملاء تحتم عليه الاعتذار وتوضيح الظروف الطارئة أو القهرية الخارجة عن إرادة الشركة، التي ستؤثر على التعاقدات، ومن ثم يتم إعادة الأموال إلى العملاء، وإخطارهم بأنه سيتم إعادة صياغة المشروع وتكاليفه وأسعار البيع به، وفقًا للمعطيات الجديدة، وذلك كما ذكرت لكم إنه حل قاس للغاية، ولكنه حدث بالفعل.
أحمد رضوان: هناك حل كان قد ظهر في ضوء المبادرة الخاصة بإقراض قطاع المقاولات بفائدة مميزة، مما دفع بعض المطورين العقاريين إلى اللجوء للمقاول حتى يقوم هو بالاقتراض.
عبد الله سلام: بالضبط، يتم اللجوء في تلك الأزمات الحقيقية إلى الدولة والشركاء كالمقاولين، وهنا أنوه إلى قيام الدولة بتخفيض نسبة الإتمام للمطور، في ضوء الأزمة الماضية، وهو أمر لا يقف عنده الكثيرون، حيث إنه في السابق، كانت الدولة تشترط تنفيذ المشروع في مدة زمنية محددة، وذلك بأراضي التخصيص التي يتم الحصول عليها من الدولة، وبالأخص هيئة المجتمعات العمرانية، فكان يجب الوصول إلى نسب إتمام 90%، أي الانتهاء من تنفيذ تلك النسبة، وعليه يعتبر أن المطور كأنه قد قام بتسليم كامل المشروع، ومن ثم لا يكون عليه محظورات.
قيام الدولة بتخفيض نسبة الإتمام إلى 80% من المشروع منح المطور مساحة أكبر
وقد تم تخفيض هذه النسبة إلى 80%، على غرار الأزمة الأخيرة، الأمر الذي منح المطور مساحة أكبر، ليس فقط بتقليل العبء الخاص بالحاجة إلى تنفيذ 90% من المشروع، بل أتاحت إمكانية بيع نسبة الـ 20% المتبقية كأرض، لتعويض الخسائر، كما من الممكن أن يتم تركهم، نظرا لكونهم غير مقيدين بمدة زمنية، مما يتيح للمطور رفع أسعار البيع بهم، لتعويض بعض الفجوات أو الخسائر التي شهدها.
رضوى إبراهيم: هل ترى أن تلك النسبة كافية للمطورين، أم هناك مطالبات بالمزيد من التخفيض بها؟
عبد الله سلام: بالتأكيد، هناك مطالبات بالمزيد.
رضوى إبراهيم: ما النسبة التي تتطلعون إليها؟
عبد الله سلام: كلما يكون هناك مساحة أكبر للتحرك بهذه النسبة..
أحمد رضوان: 50%.
رضوى إبراهيم: إلى أي مدى؟
عبد الله سلام: أوافق الدولة على ضرورة الرقابة في هذا الخصوص، حتى لا يسفر التخفيض بصورة كبيرة إلى..
رضوى إبراهيم: تسقيع أراضٍ.
عبد الله سلام: بالطبع سيؤدي ذلك إلى الاتجاه نحو تسقيع الأراضي، وهو أمر غير مرغوب فيه، وفي ضوء مشاركتي بحضورعدد كبير من الاجتماعات، يتم خلالها مطالبة الدولة بتخفيض النسبة بمعدل 5%، وأود التوضيح أن هذا الأمر يتحدد وفقًا لظروف كل مشروع.
فكما ذكرنا أن الحل الخاص بالفجوة التمويلية، يتحدد بناء على المشروع، وحجم المبيعات به، والمرحلة التي وصل لها في الإنشاءات، كما يتم النظر أيضًا إلى الشريك الآخر مالك الأرض، سواء كان متمثلًا في الدولة أو القطاع خاص، ففي هذه الحالة يتم تقاسم مخاطر، ومن ثم قد يتم اللجوء إلى تقليل نسبة المشاركة أو إيجاد حلول أخرى، مما يعكس وجود حلول متعددة تعتمد على ظروف المشروع والتوقيت، وماهية الأزمة التي طرأت، ودفعت المطور للتفكير في إيجاد حلول، كزيادة الأسعار في المخزون المتبقي، أو تقديم خطط سداد مختلفة تُسرع من الحصول على السيولة، ليتمكن المطور من تنفيذ الجزء الذي يجب أن يلتزم بتسليمه في أسرع وقت، فكما يقولون إن الحاجة أم الاختراع.
ياسمين منير: أود طرح سؤال قبل الانتقال من هذه نقطة، هل تعتبرون الأدوات التمويلية الأخرى، كالتوريق أو التعاقد مع شركات تمويل عقاري للحصول على محافظ، ضمن الحلول الفعالة للمطورين أم لا؟
عبد الله سلام: نعم، ولكن معظم هذه الأدوات تتطلب الانتهاء من مرحلة الإنشاءات.
رضوى إبراهيم: يعود بنا ذلك إلى الأمور المشروطة.
أحمد رضوان: بعد الانتهاء من الأسئلة الاقتصادية، وكذلك الخاصة بالقطاع.. نود الانتقال إلى التساؤلات الخاصة بشركة مدينة مصر، ما الرؤية العامة للشركة خلال الفترة القادمة؟ وماذا عن الخطط والأهداف الأساسية التي تسعون لتحقيقها؟
عبد الله سلام: خلال السنوات الثلاث الماضية على وجه التحديد، تمكنت الشركة من الانتقال إلى مرحلة أخرى، على مستوى حجم الأعمال، وكذلك فيما يتعلق بوضعها في السوق، ونظرة الجميع إلى العلامة التجارية، والشركة التي تتسم بعراقتها وتاريخها الكبير، نحمد الله أن الشركة أصبحت في وضع آخر، حيث تصنف حاليًا ضمن كبار المطورين، فضلًا عن عراقة الشركة المعهودة منذ زمن.
طوينا 65 عامًا من تاريخ الشركة.. ويجري التخطيط إلى 65 عامًا أخرى
والشركة تتسم بكونها محظوظة، بفريق العمل الخاص بها، والذي لا ينام بالفعل، كما أن من يدخل الشركة يظن أنها Start up، وليست شركة موجودة بالسوق منذ 65 عامًا، فمن يقابل الإدراة التنفيذية والإدارة العليا للشركة، يلاحظ أن أعمارهم والطاقة التي تملأ أعينهم، والأعمال التي يتم تنفيذها على أرض الواقع، أمر يدعو للفخر، وهو ما أشعر به حقًّا كأحد المسؤولين عن هذه الشركة، خاصة عندما اتطلع إلى ما شهدته الشركة خلال السنوات الثلاث الماضية.
وهو ما يدفعنا للتحدث حول النظرة المستقبلية، وهنا أنوه إلى الجملة المتداولة وهي “أننا قد طوينا 65 عامًا، مضوا من تاريخ الشركة، ويجري التخطيط إلى 65 عامًا قادمًا، سواء كنا متواجدين آنذاك أو غيرنا.. فنحن حريصون حاليًا على بناء صفحة جديدة لمشوار طويل المدى، لذا بدأنا في التحول من مجرد شركة إسكان إلى مطور عام، وشركة تولي اهتمامًا كبيرًا بالتطوير العمراني، وتقوم بإنشاء مدن متكاملة ومستدامة، قادرة على تجاوز اختبار الزمن.
بدأنا في التحول إلى مطور عام يولي اهتمامًا كبيرًا بإنشاء مدن متكاملة ومستدامة
دعونا ننتقل إلى المزيد من التفاصيل، ونتحدث عن أكثر الجوانب التي تهتم بها الشركة خلال هذه الفترة، والذي بدأت الرؤية الخاصة به تتضح، بعد أن عملنا عليه في العامين أو الأعوام الثلاثة الماضية، دون أن يرى النور، ألا وهو الشق غير السكني.
أحمد رضوان: تتحدث عن النشاط الإداري والفندقي.
عبد الله سلام: جميع الأنشطة، متضمنة كلًّا من الإداري والتجاري والفندقي والتعليمي والطبي والرياضي واللوجستي، وكذلك الصناعي، ليشمل كل ما هو غير سكني، حيث تتطلع الشركة إلى أن تكون مطورًا عمرانيًّا في المستقبل، من خلال تنفيذ مدن متكاملة، وحتى نتمكن من الوصول إلى ذلك، في ضوء الهدف الذي تطمح الشركة إليه، وتكتبه في كل مكان وهو “ندفع النمو في مصر، لتطوير مجتمعات مستدامة”.
الأنشطة غير السكنية تستحوذ على النصيب الأكبر من خطة الشركة المستقبلية
ويعد التكامل هو الجزء الأهم في الاستدامة، نظرًا لكونه العنصر الذي يحقق الاستدامة الحقيقية، ذلك إلى جانب الشق البيئي، والشق المتعلق بالمصاريف التشغيلية، وجميع الجوانب الخاصة بالطاقة والمواد الصديقة للبيئة، فجميعهم يمثلون جزءًا من الاستدامة، ولكن الجانب الأهم والذي يغفله الكثيرون عند الحديث عن الاستدامة، يتمثل في العناصر المكملة للمجتمع، والتي تساعده ليصبح مجتمعًا متكاملًا، والتي سبق وأن ذكرتها، لذا بدأت الشركة بالفعل خلال العام الحالي، وهو ما بدأت بادرته في الظهور بنهاية العام الماضي.
اليوم بدأت الشركة الاستثمار في مؤسسات تعليمية بإنشاء شركة متخصصة في الرياضة والتعليم بمشاركة المتخصصين في هذا الأمر، لأن الاستدامة مهمة جدًّا بالنسبة للشركة، وحتى تستطيع تطبيق نموذج المشاركة في مشروع معين داخل باقي المشروعات، ولذلك الشركة تركز حاليًا على الجزء غير السكني وأنشأت مشروع «تجد» أول مشروع تجاري إداري للشركة وأطلقته في سراي وتاج سيتي، وسيستمر في باقي المشروعات.
النشاط الفندقي ليس رفاهية لمدينة مصر.. وتاج سيتي وسراي المكان الأنسب له
كما أطلقت ناديًا رياضيًّا ومدرسة مقترنة به فضلًا عن افتتاح مدرسة العام الماضي، وتدرس حاليًا الجزء الطبي والفندقي بعناية شديدة.
أحمد رضوان: ما الخطط التي تنوي الشركة تنفيذها في المجال الفندقي والطبي؟
عبد الله سلام: هذه المجالات ليست رفاهية للمطورين العقاريين حاليًا، ولا بد أن تختار النموذج الخاص بها وفقًا لهدفه، فهناك من يبني «بوتيك أوتيل» لاستهداف طبقة معينة، فضلًا عن الفيلات وغيرها.
أحمد رضوان: أنت تريد إنشاء شركة للمجال العقاري غير السكني كالطبي والفندقي أم تريد إنشاء مركز طبي في كل مشروع من مشروعاتك.. هذا سيناريو وذاك سيناريو آخر؟
عبدالله سلام: كما قلت فإن الشركة تدرس حاليًا بعناية الدخول في هذه المجالات حسب أهدافها، فقد يحتاج مجال معين إنشاء شركة وإدارة متخصصة، وتكون هذه الإدارة شريكًا في المشروع، كما حدث في المجال الرياضي، وهناك سيناريو آخر في المجال الفندقي، إما أن ننشئ شركة متخصصة ونكرر نفس السيناريو، أو تدخل الشركة في المشروع كشريك عقاري دوره توفير الأرض لمستثمرين متخصصين في هذا المجال، وقد تضطر إلى دمج السيناريوهين مع بعضهما البعض حسب حجم المشروع، ولذلك ما زلنا ندرس هذا الأمر بعناية.
أحمد رضوان: ما أبرز قطع الأراضي المناسبة للشق الفندقي لديكم؟
عبدالله سلام: تاج سيتي وسراي مساحتهما تبلغ نحو 10 ملايين متر، والشق الفندقي أساسي فيهما، والأراضي المرخصة للنشاط الفندقي موجودة، ولذلك النشاط الفندقي ليس رفاهية بالنسبة لمدينة مصر، ومكون أساسي من مكونات المجتمعات المستدامة بالنسبة للشركة، ولذلك جزء كبير من خطة الشركة المستقبلية تنصب على الأنشطة غير السكنية لأنه جزء من مستقبل الشركة، خاصة أنها تنفذه إما بشراكات أو البناء ثم التأجير، وهذا على المدى البعيد يجعل المجال غير السكني يوفر للشركة أصولًا ضخمة مدرة للدخل، تجعلها تطور مشروعاتها برفاهية أكثر، بعدما أصبحت تمتلك أصولًا تدر دخلًا يغطي مصروفاتها وأكثر.
نستهدف إحداث توازن بين أرباح الأنشطة غير السكنية والسكنية بنسبة 50 إلى 50%
أحمد رضوان: كم نسبة إيرادات الشركة المتوقعة من الأنشطة غير السكنية؟
عبدالله سلام: في هذه النقطة يجب أن نقارن بين مستهدفات الأرباح وليس الإيرادات، لأن الأنشطة غير السكنية تؤجر ولا تكون ملكًا للمستثمر، وبالتالي نستهدف إحداث توازن بين أرباح الأنشطة غير السكنية والسكنية بنسبة 50% و50%.
ندعو الدولة إلى عودة مشاركة القطاع الخاص في الإسكان منخفض التكلفة
أحمد رضوان: هل تفكرون في دخول مجال الإسكان منخفض التكلفة؟
عبدالله سلام: الشركة تدعو إلى عودة الدولة لوضع يدها مع القطاع الخاص في هذا المجال، وتتمنى أن يستطيع القطاع الخاص الربح من هذه المشروعات، وليس شرطًا أن يكون هذا الربح ضخمًا، لأنه لا بد على الشركات الكبيرة في القطاع العقاري أن تساعد في هذا الملف، لأنه ضخم جدًّا، مع المساهمة فيه بمنتجات مناسبة لهذه الشريحة، وتحقيق هامش ربح مناسب.
رضوى إبراهيم: لكن في هذه النقطة يجب القول بأن الدولة لم تتراجع في هذا الملف، والقطاع الخاص هو من تراجع بعد تجربتكم وتجربة هرم سيتي؟
عبدالله سلام: قد يكون ذلك صحيحًا، ولكني لم أكن متواجدًا في هذه الفترة، وقد يكون ذلك هو السبب، ولذلك نحتاج إلى الجلوس مرة أخرى مع الدولة وإعادة النقاش حول هذا الأمر، لأنه في بعض الأحيان الدولة تمنح المطورين أرضًا مدعومة، وتقوم بالسيطرة والرقابة على المطور لكي تعلم حجم المبيعات والأسعار وغيره.
ياسمين منير: نريد أن نتوقف هنا مع فكرة الشراكات.. رأينا بعيدًا عن خطة الشركة لـ 65 عاما القادمة أن مدينة مصر عقدت شراكات متعددة، وهناك شراكات أخرى يتم تجهيزها الآن.. هل من الممكن أن تعطينا تفاصيل أكثر عن استغلال الأراضي سواء المملوكة لكم أو للغير.. وعن الشراكات التي بدأت ملامحها تتضح؟
عبدالله سلام: ما تم خلال الفترة الماضية هو إنشاء شركة إدارة أندية بالشراكة مع أحد المتخصصين، ولكن مدينة مصر لها حصة الأغلبية، وإنشاء شركة لإدارة المشروعات تابعة لمدينة مصر، معنية بإدارة المجتمعات السكنية الخاصة بالشركة، وليست بشراكة مع أحد، ولكنها لبناء فريق متخصص في هذا المجال، كما تم إنشاء ذراع بيعي مملوك بالكامل للشركة.
مدينة مصر عقدت شراكات مهمة مع ميدار ومصر الجديدة للإسكان في المستقبل سيتي ونيو هليوبوليس بمساحات تجاوزت 738 فدانًا
على مستوى الأراضي دخلت الشركة في شراكات على أراض جديدة غير مملوكة لها، ومؤخرًا أبرمت شراكة مع ميدار على أرض بمساحة 238 فدانًا بالمستقبل سيتي، وأطلقت الشركة المشروع الخاص بها الأسبوع قبل الماضي، والأسبوع الماضي بدأت تسكين الوحدات، وتزامن مع ذلك شراكة أخرى مع مصر الجديدة للإسكان والتعمير على قطعتي أرض مساحتهما تتجاوز 500 فدان في مدينة نيوهليوبوليس، وهذه المنطقة واعدة جدًّا وسيكون لها باع الفترة المقبلة.
الشركة لن تكتفي بهذه الشراكات، وتخطط لعقد شراكات جديدة، وهذا ما يشير إليه شعار الشركة بعد تغيير اسمها من مدينة نصر إلى مدينة مصر، عندما كان الشعار الجديد «مدينة نصر بقت مدينة مصر وهتعمر في كل حتة في مصر»، وهذا يعبر عن طموح الشركة ونيتها الحقيقية للتوسع في مختلف محافظات الجمهورية، والعام الماضي بدأت التوسع خارج القاهرة بإطلاق مشروعها في أسيوط، الذي تتأنى في تنفيذه وبدأت إنشاءاته قبل البيع حتى تنجح هذه التجربة وتنقلها لمحافظات أخرى.
وردًّا على سؤالك فإن رغبة الشركة في اقتناء والحصول على أراض جديدة لا حصر لها، لأن الأراضي هى المادة الخام للمطورين العقاريين.
نتفاوض على أراضٍ جديدة داخل وخارج مصر خاصة الخليج والسعودية.. وتطويرها سيكون بشراكات
ياسمين منير: هل الشركة تتفاوض حاليًا للحصول على أراض جديدة في أماكن معينة؟
عبدالله سلام: نتفاوض على أراض جديدة في أكثر من مكان، ولا نستطيع الإفصاح عن أماكن وتفاصيل هذه الأراضي الآن، لكن الشركة تدرس اقتناص أراض داخل وخارج مصر خاصة الخليج والسعودية، وغالبًا سيكون تطوير هذه الأراضي الجديدة بشراكات مع آخرين بنسبة 99.9%، لأن الكل يكون رابحًا في هذه الحالة سواء المطور أو صاحب الأرض وغيرهم.
رضوى إبراهيم: نريد الانتقال إلى نقطة أخرى نعتقد أنك تحبها وتفضلها.. في ضوء اهتمامك بصفقات الاستثمار المباشر، وهذا الأمر ظهر أثناء مشاركتك المميزة في برنامج «شارك تانك».. نريد أن نعرف كيف ينعكس ذلك على خطط شركة مدينة مصر، خاصة الاستحواذات والاندماجات في ضوء تجارب الشركة السابقة.. منها تجربة عاصرتها بعدما توليت مسؤولية الشركة، وتجربة أخرى أقدم منها، والاثنتان كانتا على شركات ضخمة؟
عبدالله سلام: على المستوى الشخصي فإنني مهتم بالاستثمار بصفة عامة، وخاصة ما يخص الشركات الناشئة.
الاستحواذ أو الاندماج ليس هدفًا في حد ذاته.. ولكن ظروف السوق قد تفرض ذلك
خلفيتي من عائلة تعمل في البيزنس والاستثمار منذ عقود، ومرت بظروف شبيهة واندماجات واستحواذات وبيع شركات، ولذلك فإن المبدأ نفسه موجود ورأيت مميزاته، لكنه في حد ذاته ليس هدفًا، وفي بعض الأحيان ظروف السوق توجه الشركات للاستحواذ أو الاندماج، وأنه يحتاج إلى بعض الاندماجات لأنه أصبح هناك مطورون كثيرون في السوق مثلًا، ولذلك يحتاج إلى بعض الاندماجات لإيجاد كيانات ضخمة تستطيع تحريك السوق للأمام، وتفتح مجالًا لمطورين صغار يدخلون في السوق، وهكذا.
ورغم ذلك فإن شركة مدينة مصر هي شركة متداولة في البورصة، وإذا كانت لا تهدف للاستحواذ أو الاندماج، فإنها قد تكون مستهدفة أو محط أنظار شركات أخرى لهذا الغرض، ومن الوارد جدًّا أن نستيقظ في أي يوم على عرض استحواذ على الشركة في البورصة كما حدث من مطور إماراتي كان يريد الاستحواذ على الشركة، ولكن المفاوضات انتهت إلى رفض العرض.
إذا كانت هناك فرصة للاستحواذ على شركة تمتلك محفظة أراض أكبر فلا مانع
ولذلك فإن الاستحواذ أو الاندماج ليس هدفًا في حد ذاته، ولكن ظروف السوق قد تفرض ذلك في بعض الأوقات، أو أن هناك فرصة معينة بشركة لديها محفظة أراضٍ لا تمتلك بها مدينة مصر أراض، أو شركة متخصصة في مجال معين تريد مدينة مصر إثقال خبراتها به فتستحوذ عليه وهكذا، وهذا ما حدث مع شركتي الخاصة «مينكا وإيجي كان»، عندما استحوذت مدينة مصر عليهما وأصبحت بسبب ذلك الاستحواذ العضو المنتدب للشركة، ولذلك ليس شرطًا أن يكون الاستحواذ بين شركتين في نفس الحجم أو القوة، وإنما قد يكون استحواذًا على شركات أصغر لتحقيق هدف معين، بينما الاستحواذ على شركات كبرى قد يواجهه معوقات كثيرة.
رضوى إبراهيم: متى تصل السوق المصرية إلى درجة النضج التي تجعل الاندماجات بين كيانات كبرى ليس مستحيلًا؟.. نحن نرى ذلك في أسواق كثيرة حولنا.. لكن هذا النوع لدينا من الأخبار نستمر في متابعتها لفترة طويلة ولكنها تفشل في النهاية بسبب السبب الذي ذكرته منذ قليل.
عبدالله سلام: أشاركك هذه الرغبة ونتطلع إلى هذا الأمر، وإذا كانت هناك فرصة للاستحواذ على شركة تمتلك محفظة أراضٍ أكبر فلا مانع لدي.
لكن الرد على سؤال لماذا لا توجد في مصر هذه الثقافة.. خاصة أن العالم قد يشهد اندماجات لبعض الكيانات بحجم دول ويكون ذلك خلال 6 أشهر فقط، فهو أنه لا يزال جزء كبير من الاستثمار في مصر يتم إدارته بفكر العائلات، والعاطفة تتداخل في بعض الأحيان، ووقتها يكون الحديث عن عائلتين وليس شركتين، وتظهر تساؤلات حول من الذي سيدير الشركة الجديدة ومن سيكون له الأغلبية وهكذا.
رضوى إبراهيم: أوافقك الرأي في هذا الأمر.. والقطاع الوحيد الذي نجح فيه هذا النوع من الصفقات هو القطاع المصرفي.
أحمد رضوان: خاصة وأن جزءًا منها كان إجباريًّا.
عبدالله سلام: نتمنى أن تكون هذه الثقافة موجودة في مصر وأكثر نضجًا، لأنه سينتج عنها فائدة كبيرة للاقتصاد، وهذا ليس معناه أن الاندماجات والاستحواذات الكبيرة لا تحدث مطلقًا في مصر، لكن تحدث بعض الصفقات الشبيهة.
أحمد رضوان: هل هناك بعض الصفقات الصغيرة التي تدرسونها في مدينة مصر حاليًا؟
عبدالله سلام: هذا ما كنت سأتحدث عنه الآن، لأن رضوى بدأت سؤالها بتجربة شارك تانك والشركات الصغيرة، الشركة أنشأت ذراعًا اسمه Madinet Masr Innovation Labs ، وهو معني بهدفين، الأول هو الابتكار بصفة عامة بحيث يخرج منه أفكار جديدة مثل منتجات طوبة وثقة وغيرها التي خرجت من رحم هذا الذراع والفريق المتخصص فيه بالشركة.
شركات التكنولوجيا العقارية الناشئة هدف لشركة مدينة مصر.. والتركيز الأكبر حاليًا على إدارة النمو والتوسع
والهدف الثاني هو الاستثمار في شركات ناشئة بالقطاع العقاري تدريجيًّا، وهي ما تسمى شركات الـ Proptech ، أي شركات ناشئة خاصة بالتكنولوجيا العقارية، سواء في إدارة الكومباوندات أو مواد البناء نفسها وغيرها، ولذلك فإن هذه الشركات هدف لشركة مدينة مصر حاليًا، ولكن لم يتم اتخاذ خطوة نهائية في أي منها، والشركة تدرس العروض التي تقدم إليها من عدد من الشباب المصري الذي يمتلك فكرة أو شركة ناشئة في هذا المجال، وننتظر الفرصة المناسبة للدخول فيه سواء بالمشاركة أو الاستحواذ على إحدى الشركات الناشئة الصغيرة في هذا المجال، وتكون من العناصر التي نبني بها مستقبل الشركة.
ياسمين منير: أعتقد أن أحمد كان يقصد الشركات العقارية الصغيرة وليست الناشئة المتخصصة في التكنولوجيا العقارية؟
عبدالله سلام: الشركات العقارية العادية صغيرة كانت أو كبيرة من الوارد أن نستحوذ على أي منها، ونتمنى ذلك، لكن الشركة حاليًا تمتلك محفظة أراض جيدة وتسعى للنمو في الفترة المقبلة، ولذلك تركيزها الأكبر حاليًا على إدارة هذا النمو، وإذا وجدنا أمامنا فرصة للاستحواذ على شركة معينة فإننا لن نتوانى في ذلك.
أحمد رضوان: نذهب الآن إلى بعض الأسئلة السريعة.. ما أهم ثلاث محطات في حياة المهندس عبد الله سلام بعيدًا عن الزواج بالتأكيد.
عبدالله سلام: لماذا بعيدًا عن الزواج، الزواج بالنسبة لي كان أهم محطة غيرت حياتي، وفي هذه النقطة دائمًا ألتقي شبابًا صغارًا وأسأل: هل أنت مرتبط ومتى ستتزوج، فتكون الإجابة لا لأنه في انتظار بناء شركة خاصة به ثم يتزوج، وهنا أقول إن ذلك ليس شرطًا، وفي بعض الأحيان الزواج يجلب معه الشركة الخاصة، لأنه عندما تشعر بأنك مسؤول عن أسرة يكون هناك دافع أكبر لإنجاح عملك واستثمارك، وقد تكون سببًا في النجاح، وفي بعض الأحيان يتم تأجيل الزواج بسبب هذا الأمر، قد يجعل الشخص لا يتزوج إلا عند سن الأربعين، خاصة إذا فشل في مشروعه أكثر من مرة.
التمرد على العائلة لتكوين شركة خاصة والانضمام لمدينة مصر من أهم محطات حياتي
من أهم المحطات في حياتي عندما تمردت على الوضع القائم في شركة العائلة الكبرى التي كنت أحد أعضائها، واتجهت إلى إنشاء شركة ناشئة خاصة من الصفر، رغم نصيحة البعض بعدم اتخاذ هذا القرار والبدء من شركة موجودة بالفعل، ولذلك هذه المحطة كانت مهمة بالفعل في حياتي بما لها وما عليها، لأنني تعلمت فيها الكثير وأخطأت في بعض الأحيان، وكانت تجربة بها دروس كثيرة.
المحطة الثانية هى عندما سافرت إلى كندا وبدأت العمل في مجال العقارات، وهذه المحطة جعلتني أفكر في دخول مجال العقارات عند العودة إلى مصر والعمل به بشكل مختلف، لأنه لم يكن لدي خبرة كبيرة في هذا المجال من قبل، خاصة أنني شاهدت هذا المجال في كندا بمنظور مختلف تمامًا عما يوجد في مصر.
المحطة الثالثة هى الانضمام لشركة مدينة مصر بعد استحواذها على شركتي الخاصة، وقد تعرضت إلى اللوم والدهشة من الكثيرين بسبب اتخاذ هذا القرار، لأن الشركة كانت تسير بشكل جيد جدًّا، ولكن رغم ذلك يعد هذا القرار من أهم المحطات في حياتي لأنها شركة عريقة، والحمد لله ربنا جبر بخاطري وبدأت في الرد على هؤلاء، واتضح أنني اتخذت القرار الصحيح، لأنني قلت لهم في ذلك الحين إن ما أريد تحقيقه في 20 سنة داخل شركتي الخاصة يمكنني القيام به في سنة أو اثنتين داخل مدينة مصر، وقد كان بالفعل، أي إن طموح 20 سنة تم اختصاره لفترة أقصر بكثير.
جدي على رأس قائمة المؤثرين في رحلتي
ياسمين منير: من أهم 3 أشخاص أثروا في رحلتك وما هذا التأثير؟
عبدالله سلام: بالنسبة لي الأشخاص المؤثرون في حياتي كثيرون، وليس واحدًا أو اثنين، لأنني تعودت أن أتعلم من أي شخص تعاملت معه في العمل، كما أنني ولدت في عائلة عملاقة في البيزنس، سواء جيل الكبار أو جدي رحمة الله عليه، وهو يأتي على رأس قائمة المؤثرين في رحلتي، لأنه مدرسة ما زلت أتعلم منها حتى الآن.
والدي مدرسة في الإدارة بالقلب.. وأعمامي قدموا لي دروسًا ثمينة
جيل والدي وأعمامي، كل واحد منهم يُعد مدرسة حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ. وحتى جيلي، وأنا من الأصغر في جيلي، تعلمت من كل فرد في العائلة، كل واحد منهم كان له أثر كبير على تكويني الشخصي والمهني. إذا طُلب مني اختيار ثلاثة منهم، فبلا شك سيكون على رأس القائمة جدي -رحمة الله عليه- ووالدي، فهو مدرسة متفردة وعلمني الكثير. والدي دائمًا ما كان يدمج النصائح العملية في الأعمال بمبادئ إنسانية عميقة. لذلك، عندما يُقال إنني أتبنى أسلوب الإدارة بالقلب والرحمة، أرجع الفضل لوالدي في هذا الجانب.
أعمامي أيضًا كانوا مدارس حقيقية، كل منهم قدم لي شيئًا قيّمًا. عمي الكبير على سبيل المثال، هو مدرسة كبيرة تعلمت منها الكثير.
ياسمين منير: حضرتك ذكرت ذلك في حديثك السابق.
عبد الله سلام: نعم، أعمامي جميعًا، كل واحد منهم كان مدرسة بحد ذاته. كل منهم أضاف لي شيئًا أعتز به. أحيانًا الناس يضحكون عندما أقول هذا، ولكن هناك شخصية أثرت في حياتي العملية، قد تكون غير متوقعة.
«كونج فو باندا» و»ستيف جوبز».. دروس في القيادة من شخصيات غير تقليدية
رضوى إبراهيم : حسنًا، سنسمح لك بذكر خمسة أشخاص!
عبد الله سلام: هل تعرفون فيلم الكارتون ‹كونج فو باندا›؟ الشخصية الرئيسية ‹بو›، الباندا، كانت من الشخصيات المؤثرة في حياتي العملية. أدعو الجميع لمشاهدة هذا الفيلم.
رضوى إبراهيم: كنت أفكر في مشاهدته بالفعل.
عبد الله سلام : عندما يشاهد الناس الفيلم بعمق، سيفهمون لماذا كانت شخصية ‹بو› مؤثرة بالنسبة لي. وأضيف إلى ذلك ستيف جوبز، بما أنكِ سمحتِ لي بذكر خمسة أشخاص.
رضوى إبراهيم: أرغب في مناقشة مسألة التعليم. كيف ترى دوره في حياة أي رجل أعمال؟ وكيف أثّر التعليم في رحلتك الشخصية؟ أم أنك من أنصار الرأي القائل بأن ما ندرسه في الجامعات شيء، والحياة العملية شيء آخر تمامًا؟
عبد الله سلام: إجابتي على هذا السؤال تحمل نوعًا من التناقض الظاهري، فأنا أحيانًا أجد نفسي أهاجم المنظومة التعليمية الحالية بشدة، وفي الوقت نفسه أُقر بأن التعليم كان له أثر بالغ في حياتي.
فمشكلة النظام التعليمي بالنسبة لي هي أنه ظل ساكنًا وثابتًا لفترة طويلة جدًّا، رغم أن العالم من حولنا يتغير بسرعة فائقة. نحن نشهد تطورات هائلة في مجالات التكنولوجيا، الاتصالات، والذكاء الاصطناعي، ومع ذلك يبقى التعليم في صورته التقليدية. عدد السنوات التي يقضيها الطالب في التعليم لا يتغير، عدد الطلاب في الفصل الدراسي لا يتغير، وحتى مفهوم الفصل نفسه، والذي لا يزال مجرد أربعة جدران تضم 20 أو 30 طالبًا، لم يتغير. يتم التعامل مع جميع الطلاب بأسلوب موحد، ويتم تقييمهم وفقًا لاختبارات معيارية، وإذا لم يحقق الطالب مستوى معينًا، يُعتبر غير كفء، رغم أن هذا الطالب قد يكون موهوبًا في مجالات أخرى غير التي يتم اختبارها.
التعليم الراهن يقيد الإبداع.. وحان الوقت لنموذج أكثر مرونة
أرى أن النظام التعليمي الحالي لم يتجدد بشكل يناسب متطلبات العصر. نحن نؤجل مواجهة هذه الأزمة، ولكنني على يقين من أن الجيل القادم عندما يصبح في موقع اتخاذ القرار، سيشهد انهيار هذا النظام وسيخلق نموذجًا جديدًا.
رضوى إبراهيم : لكن ليس هذا الحال في جميع الكليات، هناك كليات أرى أنها تُفيد بالفعل في الحياة العملية.
عبد الله سلام :أنا أتحدث عن التعليم بمفهومه الشامل، بدءًا من المرحلة الابتدائية مرورًا بالإعدادية والثانوية. كنت قد قرأت مؤخرًا كتابًا يتناول فكرة: لماذا لم نُعلم أنفسنا كيف نتعلم؟ لقد أنهينا جميعًا تعليمنا، لكن أين هي منهجية التعليم؟ كيف نتعلم شيئًا جديدًا؟ لماذا لم تُدرس لنا هذه المهارات في المدارس؟ فحل المشكلات، على سبيل المثال، هو علم مستقل بذاته، وكذلك الابتكار والتفكير التصميمي (Design Thinking)، وهذا الأخير علم حديث. وبالمناسبة، أنا من عشاق التعليم، وللتو أنهيت دورة تدريبية حول الابتكار وطريقة التفكير بمنهجية التصميم.
رضوى إبراهيم: في مسيرتك التعليمية، مررت بعدة مجالات، مثل الإعلام والتسويق.
عبد الله سلام :هذه حقيقة، وكما ذكرتُ سابقًا، أنا شغوف بالتعلم رغم تحفظاتي على بعض الأسس التي تقوم عليها المنظومة التعليمية الحالية. هناك خلل جوهري في هذا النظام، وهو في حاجة إلى تغيير جذري، وهذا التغيير قادم لا محالة، سواء كنا مستعدين له أم لا. التكنولوجيا المتقدمة التي اجتاحت العالم، وتمرد الأجيال الصاعدة على هذا النظام التقليدي، ستفرض التحول، وسيحدث هذا التحول بشكل مفاجئ، لا يعلم أحد كم سيستغرق من الوقت.
ما أود قوله إنني مغرم بالتعليم المتخصص والدقيق. حين أحتاج إلى اكتساب معرفة في مجال معين، ألجأ إلى الخبراء في هذا المجال، وأتلقى دورة تدريبية مكثفة. بعد بضعة أيام، أعود وقد اكتسبت معرفة واسعة في هذا الموضوع، وهو أمر مدهش.
رضوى إبراهيم: كان من الواضح لنا مدى تأثير الابتكار في أفكارك، وأيضًا في التسويق لمشروع «طوبة» وغيرها من المشاريع المميزة. ولكن ما هي الفائدة التي جنيتها من دراستك للإعلام تحديدًا؟
عبد الله سلام :في تلك الفترة، كنت منخرطًا في شركة للإنتاج الإعلامي، وكانت هذه الصناعة واحدة من أكثر المجالات التي عملت واستمتعت بها. لقد كانت مرحلة مميزة للغاية، حيث إن صناعة الإعلام مليئة بالابتكار والإبداع إلى حد يفوق التصور، وهذان العنصران هما ما يشدانني بشدة. كل مشروع كنا نعمل عليه كان يعطيني شعورًا بأنني أخوض تجربة جديدة في عالم مختلف؛ إذا كان البرنامج رياضيًّا، كنت أشعر وكأنني دخلت عالم الرياضة بكل تفاصيله. وإذا كان البرنامج يتعلق بالطهي، كنت أجد نفسي منغمسًا في عالم الأطعمة والمشروبات. كانت تلك الصناعة غنية للغاية من حيث الابتكار والإبداع، وأحببت العمل فيها بشدة.
تجربة الإنتاج الإعلامي صنعت لي جسرًا نحو الإبداع في مختلف الصناعات
ولكي أفهم هذا المجال بشكل أعمق، التحقت بدورة تدريبية في كلية الأعمال بجامعة هارفارد، حيث استفدت بشكل كبير من دراسة التسويق وكيفية بناء علامة تجارية من الصفر. الإعلام، بطبيعته، يتيح لك تقديم فكرة جديدة تمامًا للجمهور، سواء كان ذلك عن طريق إبراز شخصية إعلامية أو تقديم برنامج جديد. وقد كانت هذه التجربة ثرية جدًّا وملهمة بالنسبة لي.
أنا مغرم بالعلم والمعرفة، أكثر بكثير من منظومة التعليم التقليدية. الفضول نحو التعلم المستمر هو ما يدفعني دائمًا لاكتساب مهارات ومعارف جديدة.
أحمد رضوان : وصلنا إلى الجولة الأخيرة من الحوار، أود أن تطلق رسالة مختصرة إلى أصدقائك، ثم لفريق عملك، وأخيرًا لعائلتك. لنبدأ بأصدقائك.
عبد الله سلام :عندما يُذكر أصدقائي، أجد نفسي أغتنم الفرصة للاعتذار لهم عن تقصيري. فإني أعترف بأنني مقصر جدًّا في حقهم، حيث لم أستطع رؤيتهم بالقدر الذي يستحقونه. إن الأصدقاء نعمة لا تُعوض، وهذه الكلمة تحمل في طياتها معنى عميقًا وكبيرًا في حياة أي إنسان، خاصةً أصدقاء الطفولة الذين نعرفهم منذ نعومة أظافرنا.
أحمد رضوان: ما هي رسالتك لفريق العمل؟
عبد الله سلام: بالنسبة لفريق العمل، فنحن نأتي إلى العمل وكأننا في خضم معركة، حيث نتنازع ونتشاجر في بعض الأحيان، لكننا نعرف أننا هنا لحل المشكلات والنجاح معًا. إن وجود فريق يعمل بشغف وتفانٍ يشبه وجود أصدقاء حقيقيين يشعرون بالمسؤولية تجاهك ويريدون لك النجاح، وكأنهم ينظرون إليك كأخ صغير لهم وليس فقط كزميل أو رئيس عمل.
فريق العمل أسرتي الثانية ونحتنا في الصخر لتحقيق النجاح
إن الكلمات تعجز عن التعبير عن شكري لفريق العمل. لقد اجتمعنا كعائلة واحدة، وما زلنا نعمل معًا نحو تحقيق طموحاتنا الكبيرة.
أحمد رضوان: وماذا عن الأسرة؟
عبد الله سلام: أسرتي، حفظهم الله لي، هم العمود الفقري في حياتي. قد أعود إلى المنزل بعد يوم طويل مليء بالتحديات والضغوط، ورغم إرهاق العمل، أحاول دائمًا أن أبدو مبتسمًا وأخفف عنهم مشاعري. لكنهم، بطبيعة الحال، يلاحظون ما يعتمل في داخلي. سواء كانت زوجتي أو أولادي، أو حتى والدي ووالدتي وإخوتي، فهم دائمًا يشعرون بي.
أشعر أن الدعم المعنوي الذي ألقاه من عائلتي لا يقدر بثمن، فهم ليسوا مجرد أفراد في حياتي، بل هم سندي الحقيقي. دعواتهم لي وتقديمهم للمقترحات والمساعدة عندما أحتاج إليهم، تعني لي الكثير. قد يكون من الصعب التعبير عن مدى امتناني لهم، لكنني أؤكد أنهم هم الركيزة الأساسية التي أعتمد عليها في جميع محطاتي.
في نهاية المطاف، أقول لهم: ربنا يبارك فيكم، لأن وجودكم في حياتي هو الذي يمنحني القوة للاستمرار ومواجهة التحديات.
ياسمين منير: لنستكمل حديثنا في الإطار ذاته حول القطاع الخاص والشركات العقارية، ما الرسائل أو النصائح التي تود توجيهها إليهم؟
عبد الله سلام: إنني أعتز بأنني من أبناء القطاع الخاص، فهو بحق يُمثل العمود الفقري للاقتصاد في أي دولة. لذا، أود أن أوجه رسالة جوهرية للقائمين على القطاع الخاص في مصر، تتمثل في ضرورة عدم فقدان الثقة في هذا الاقتصاد المصري العظيم، الذي يمتلك تاريخًا طويلًا وحافلًا بالنجاحات والإمكانات.
تعزيز الثقة في الاقتصاد المصري ضرورة حتمية للقطاع الخاص
لا يخفى على أحد أن القطاع الخاص قد يتعرض في بعض الأحيان لموجات من الإحباط، نتيجة للتحديات الاقتصادية المتنوعة. ومع ذلك، أؤكد دائمًا على أهمية أن نثق في هذا الاقتصاد، الذي يحتوي على ثروات وموارد هائلة. إن هذه الثقة ليست مجرد واجب، بل هي شعور وطني يسكن قلوب 99% من العاملين في القطاع الخاص في مختلف مجالاته.
هناك شيء فريد حقًّا في مصر يجعل كل من يعمل فيها، أو حتى من شرب من مائها، يشعر بارتباط قوي وعميق بهذا الوطن. لذا، أقول لكم: فلنتمسك بالأمل في مستقبل هذا الاقتصاد، لأن كل واحد منا، وكل من ينجح في القطاع الخاص، هو نتاج جهود هذا البلد العظيم.
قطاع الأعمال الخاص يدعو الشباب المصريين للعودة بعد التعليم في الخارج
ليس لدي أي اعتراض على الهجرة، بل أرى أن العديد من الذين يعملون في الخارج يمكنهم أن يعودوا بفوائد أكبر لبلدهم مقارنة بالذين يبقون هنا. فمصر تصدر ثروات لا تقدر بثمن من الكوادر البشرية والعقول المبدعة، وهذا يعد من أهم مواردها.
لذا، لا تخرج من مصر بدافع الملل، بل ابحث عن الفرص التي قد تجعل منك شخصًا أفضل. اجعل في قلبك دائمًا الرغبة في خدمة وطنك، سواء كنت ستعود بعد ذلك أو ستبقى في الخارج. هذه الرسالة تمزج بين رؤى القطاع الخاص وأحلام الشباب، وأقول لهم: إن هناك خيرات كثيرة في هذا الوطن، فلا تترددوا في الانطلاق نحو تحقيق أحلامكم، تمسكوا بها واغتنموها بأيديكم.
ياسمين منير: وما هي رسالتك للشركات العقارية؟
عبد الله سلام: إن الحديث عن الشركات العقارية يُشبه إلى حد بعيد ما ذكرته سابقًا عن أصدقائي وفريق العمل والأسرة. لقد عايشت شيئًا فريدًا في هذه الصناعة، على الرغم من أنني ما زلت في بدايات انخراطي فيها. إنني دائمًا ما أصف نفسي بأنني متطفل على هذا المجال، إذ أن روح التعاون والمحبة التي تميز أفراده تستحق الإشادة. لقد تنقلت بين عدة صناعات في مسيرتي المهنية، وغالبًا ما تخلق المنافسة أجواءً معقدة، لكنني لم أشهد تلك الألفة والود في أي قطاع كما رأيتها هنا. فعلى الرغم من تنافسنا، حيث أكون في خضم الإطلاقات الجديدة بينما ينطلق الآخرون، إلا أنني أجد نفسي في أجواء مفعمة بالتفاهم والمساندة.
أعبر عن امتناني العميق لهم على أنهم احتضنوني كجزء من عائلتهم المهنية، وأتطلع إلى الاستمرار في التعاون والحفاظ على هذه الروح الجميلة التي تجمعنا كمطوري عقارات. بلا شك، نحن، سواء شئنا أم أبينا، نعتبر القطاع الأهم في هذا الاقتصاد، حيث نعتمد عليه بشكل كبير في خلق فرص العمل في جميع فروعه الإنشائية والخدمية، فضلًا عن دورنا الحيوي في مجال التطوير العقاري.
رضوى إبراهيم : وصلنا الآن إلى سؤالنا الأخير في هذه الحلقة. سأتابع في نفس الإطار الذي بدأه زملائي فيما يتعلق بالرسائل والتوصيات، ولكننا سنوجه أنظارنا هذه المرة نحو الحكومة بشكل عام، ووزارة الإسكان على وجه الخصوص.
عبد الله سلام: عندما يُطرح سؤال عن الحكومة، فإن أول ما يخطر على بالي هو الدعاء لهم بالتوفيق والسداد. هذه الدعوة تأتي من إدراكي العميق للتحديات الجسيمة التي تواجههم. أعبّر عن رأيي بحرية تامة في هذا الشأن، إذ إنني من خلال تجربتي الشخصية أتعامل مع عدد من أجهزة الدولة، وليس فقط وزارة الإسكان. أجدهم دائمًا مستمعين جيدين، فهم يدركون تمامًا واقعنا ويُدركون التحديات والأزمات التي نعاني منها.
القطاع الخاص يجب أن يكون شريكًا حقيقيًّا للحكومة في مواجهة الأزمات
قد نثير تساؤلات أو نوجه انتقادات لبعض القرارات المتخذة، لكن في النهاية يجب أن نتذكر أنني أدير شركة معقدة جدًا، ومَن يده في الماء ليس كمن تكون يده في النار. لذا، على الرغم من أنني أطرح بعض التعليقات، يبقى واجبنا هو تقديم النصيحة والمساهمة بأفكارنا، والحمد لله أن الجميع يعملون في هذا الاتجاه.
ومع ذلك، لا أستطيع أن أُقيم أو ألوم الحكومة في قرار معين، لأنني لا أملك الفهم العميق للأبعاد الحقيقية لتلك القرارات أو الظروف المحيطة بها. لهذا السبب، عندما يتحدث الناس عن الحكومة، أقول دائمًا: «ربنا يعينهم»، ولا أتمنى أبدًا أن أكون في موضعهم، حيث أن المسؤولية تقع على عاتقهم في زمن يتسم بالتحديات العصيبة.
رضوى إبراهيم: هل لديك رسائل أو توصيات تود توجيهها إليهم؟
عبد الله سلام: بالتأكيد، يجدر بنا أن نُسلط الضوء على هذه المسألة بكل وضوح، فقد أصبحت هذه الرسالة تتردد كثيرًا، وأتمنى أن نتبناها جميعًا ونعمل على تحقيقها، وهي ضرورة تعزيز التعاون بين القطاع الخاص والحكومة. إن هذه دعوة حقيقية تحمل في طياتها أهمية كبرى، وقد أكدت عليها مرارًا، إذ إنني ألاحظ وجود آذان صاغية في الحكومة حيال ذلك.
في الآونة الأخيرة، كنا في اجتماع مع مساعد وزير الإسكان الجديد، الذي أسأل الله أن يُعِينَه في مهمته. إن لديه سمعة طيبة، ويُشاع أنه يهدف إلى إحداث تغيير إيجابي وملموس في هذا المجال. خلال هذا الاجتماع، كان أحد مساعديه حاضرًا، وهو شخصية معروفة بيننا كأحد أبرز الذين يواجهون التحديات ويسعون لحل المشكلات بفاعلية.
تناولنا في حديثنا أهمية التعاون المثمر، وبالأخص فيما يتعلق بالإسكان الاجتماعي، حيث شددنا على ضرورة أن نضع أيدينا في أيديهم. وقد كانت ردودهم مشجعة، إذ أبدوا إرادة حقيقية ورغبة أكيدة في أن يؤدي كل طرف دوره بالشكل المطلوب. إنني أؤمن بأن العمل المشترك وبناء هذه الشراكة الاستراتيجية سيمكننا من تحقيق نتائج ملموسة تعود بالنفع على القطاع وتلبي احتياجات المواطنين بشكل أفضل.
رضوى إبراهيم: ما هي الظروف التي قد تعيد «مدينة مصر» إلى تجربة جديدة في الإسكان الاجتماعي؟
عبد الله سلام: نعتبر أنفسنا، كشركة، جزءًا من القطاع الخاص، رغم أن الدولة لا تزال تمتلك نسبة بسيطة من أسهم الشركة. لكننا ندير أعمالنا ككيان خاص مدرج في البورصة، ونتعاون مع مؤسسات مالية محلية وأجنبية. لذلك، يجب أن نكون واضحين بأن هدفنا النهائي هو تحقيق الربح. ومع ذلك، نحن على دراية تامة بمسؤوليتنا المجتمعية، ونسعى جاهدين للمساهمة في تحسين الظروف المعيشية للكثيرين.
نحن نبذل قصارى جهدنا للتخفيف من المآسي التي يعاني منها بعض المواطنين، ونساعد الأفراد على بناء منازلهم. هناك العديد من المؤسسات الخيرية في مصر، ونسعى دائمًا إلى التعاون مع ذوي الخبرة في هذا المجال.
ومع ذلك، أود أن أعبّر عن حلمي الشخصي، وهو إنشاء مئات الآلاف من الوحدات السكنية وتقديمها مجانًا لأولئك الذين لا يستطيعون تحمل التكاليف. إن تحقيق هذا الحلم الكبير يتطلب دعمًا حقيقيًا من الدولة وتعاونًا من القطاع الخاص.
رضوى إبراهيم: لكننا لا نتحدث هنا عن الأعمال الخيرية، بل نريد التركيز على الجوانب التجارية.
عبد الله سلام: بالطبع، إذا استطعنا الوصول إلى معادلة تجارية مربحة، فلن نكون طماعين في هذا القطاع. نحن لا نسعى إلى تحقيق هوامش ربح ضخمة. كما هو الحال في أي صناعة، يعتمد العاملون في المشاريع ذات الأسعار المحدودة على الكمية بدلًا من الهوامش الكبيرة. وفي الواقع، تتيح لنا الكمية الكبيرة من الوحدات السكنية تحقيق أرباح جيدة. طالما أننا نستطيع التوصل إلى معادلة تضمن لنا الربح، سنكون قادرين على تغطية تكاليفنا والدخول في المشروع التالي، لأن الاستدامة في هذا المجال تعد مطلبًا ملحًّا.
رضوى إبراهيم: ما هو الأمر الوحيد الذي إذا تحقق، سيحدث نقلة نوعية في المشروع؟ أعلم أنك ترغب في الحفاظ على الربح.
عبد الله سلام: إنَّ الحديث هنا يدور حول الأرض المدعومة. دعيني أبدأ من النقطة الأساسية؛ فوجود أرض مدعومة يُعدّ ركيزة أساسية في أي مشروع. وقد أكون طماعًا بعض الشيء إذا قلت «أرض مجانية»، ولكن حتى إذا كانت الأرض مجانية، فإن الدولة ستظل تستفيد بصورة مباشرة.
فعندما أتلقى الأرض دون تكلفة، يتعين على الدولة أن تشارك في العائدات المحتملة للمشروع. بمعنى آخر، إذا كانت الأرض مجانية، سأتمكن من البناء بتكاليف محددة، مما يسمح لي بتحديد أسعار البيع. في هذه الحالة، إذا رغبت الدولة في وضع حدود لأسعار البيع، كلما كانت تكلفة الأرض أقل، سواء كانت مدعومة أو مجانية، فإن الفائدة ستكون أكبر. لذا، فإن دعم الدولة في توفير الأراضي يُعتبر أمرًا بالغ الأهمية للمطورين العقاريين، سواء في المشاريع الاستثمارية التقليدية أو في مشاريع الإسكان الاجتماعي.
رضوى إبراهيم: هل من الممكن أن تدخلوا نموذج شراكة في الإيرادات، بحيث تحصل الشركة على نسبة وتكون هناك نسبة للحكومة أيضًا؟
عبد الله سلام: إنَّ الدولة، متمثلة في هيئة المجتمعات العمرانية، أصبحت تدرك أهمية هذه الشراكة. وقد عبّرت عن ذلك مؤخرًا لمساعد وزير الإسكان، الدكتور عبد الخالق، وهو شخصية محترمة جدًا. لقد أوضحت له أن ما يعجبني في هيئة المجتمعات العمرانية هو أنهم يفهمون طبيعة العمل التجاري بشكل جيد.
عندما تجلس مع أي مسؤول من الهيئة، تجد أن لديه فهمًا عميقًا لأسس العمل التجاري، مما يسهل علينا التعاون في مجالات التطوير والبيع والشراء. نحن نعلم أن كل الطرق تؤدي إلى غاية واحدة، وهي الوصول إلى حل يحقق الرضا لجميع الأطراف المعنية.
دعم الدولة للأراضي يساهم في تخفيض أسعار الوحدات السكنية
فيما يتعلق بالإسكان الاجتماعي، من المهم أن تكون الأهداف واضحة بين الأطراف المختلفة. يجب على الدولة أن تحدد أنها لا تسعى لتحقيق أرباح ضخمة، بل تهدف إلى زيادة عدد الوحدات السكنية المتاحة. وعندما تعمل الحكومة كجهة تمويلية للعملاء، ويكون من المهم ألا يتجاوز السعر حدًّا معينًا.
أما بالنسبة لي، فإن هدفي سيكون واضحًا أيضًا: يجب أن أخرج من هذا المشروع بمردود مناسب. لذا، سأعمل على توفير منتج بتصميم معين، وإدارة المشروع على نحو يضمن استدامته بعد ذلك.
رضوى إبراهيم: ما هو هامش الربح الذي تراه مناسبًا لمشروع الإسكان الاجتماعي؟
عبد الله سلام: لم أتمكن من تحديد نسبة دقيقة على الفور لأقدم لكِ رقمًا محددًا، ولكن في هذه الصناعة هناك هوامش ربح متعارف عليها. الأمر يتوقف على ما إذا كنا نتحدث عن إجمالي الربح أم صافي الربح.
رضوى إبراهيم: دعنا نركز على صافي الربح.
عبد الله سلام: في القطاع العقاري، الأمر ليس بسيطًا كما يبدو. هناك العديد من العوامل التي تندمج معًا قبل أن نصل إلى صافي الربح. فالهامش الذي نذكره أحيانًا هو ما يُسمى بـ”الهامش الممزوج” (blended margin)، حيث تتداخل عناصر تجارية مع سكنية أو فندقية، وهذا الخليط يحدد النتيجة النهائية.
10 % هامش ربح مناسب لمشاريع الإسكان الاجتماعي بعد تغطية التكاليف
لكن إذا كنا نتحدث عن مشروع قائم بذاته، مثل الإسكان الاجتماعي أو المتوسط، أعتقد أن تحقيق صافي ربح بنسبة 10% سيكون ملائمًا جدًّا. هذه النسبة تأخذ في الاعتبار جميع المصاريف والمخاطر والعوامل المتغيرة. بعد تغطية جميع التكاليف والاعتبارات، فإن هذا الهامش يعتبر عائدًا جيدًا في مشاريع الإسكان التي تستهدف الفئات محدودة ومتوسطة الدخل.
رضوى إبراهيم: هل هناك منطقة بعينها تراها الأنسب لتنفيذ المشروع، أم أنكم ستسيرون وفقًا لخطة الدولة؟
عبد الله سلام: بطبيعة الحال، سنسير وفقًا لخطة الدولة، فهي الجهة التي تمتلك الرؤية الأعمق والدراسات الأكثر دقة في هذا الشأن. الدولة تضع يدها على المناطق التي تعاني من نقص في الوحدات السكنية، وبالتالي تساهم في توجيهنا بالشكل الصحيح. عندما تحدد لنا أن هذه المنطقة بحاجة إلى 100 ألف وحدة أو 50 ألف وحدة، فإن ذلك لا يساعد فقط في تحديد الموقع بل يسهل علينا أيضًا جزءًا كبيرًا من العملية التسويقية. ولهذا السبب، أؤكد دائمًا على أهمية التعاون بين القطاع الخاص والدولة.رضوى إبراهيم: أشكر حضرتك جزيل الشكر على هذا الحوار الشيق والمعلومات القيمة.
عبد الله سلام: شكرًا جزيلًا لكِ رضوى، وشكرًا أيضًا لياسمين وأحمد على هذه الفرصة.
أحمد رضوان: نود أن نشكرك جميعًا على وقتك الثمين، وإلى لقاء جديد في برنامج «حابي بودكاست». خالص الشكر للمهندس عبد الله سلام، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة «مدينة مصر».