في الجلسة الأولى من مؤتمر حابي: إدارة التضخم.. بداية سيناريوهات العبور الهادئ لتحديات الاقتصاد

قدمت أولى جلسات المؤتمر السنوي السادس لجريدة حابي، والذي انعقد يوم الإثنين قبل الماضي تحت عنوان (الإصلاح المرن – عبور هادئ لتحديات الاقتصاد)، قراءة مفصلة عن إدارة التضخم وسيناريوهات عبور تحديات الاقتصاد عبر وضع مقترحات وتوصيات لوتيرة الإصلاح وترتيب أولوياته وضرورة فتح آفاق جديدة لتمويل القطاعات الإنتاجية خاصة أن معدلات الفائدة الحالية تعد بمثابة الفرامل الضاغطة للاستثمار المحلي.

فيما توقع المتحدثون بدء دورة التيسير النقدي خلال الربع الأول من العام المقبل وهو ما يساهم في رفع شهية الاستثمار المحلي والذي بدوره يمنح الثقة لعودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

E-Bank

كما بحثت الجلسة كيفية تعامل الشركات مع مفاجآت التضخم المفرط ومزايا وعيوب الخفض التدريجي لسعر العملة، وزيادة الإنتاج كحل مؤثر ولكنه يبدأ من خلال تحفيز القطاع الخاص وعدالة المنافسة وكسر القيود.

وناقشت الجلسة أيضًا أدوات التمويل في زمن العوائد المرتفعة في حين أن المبادرات لا تشمل الجميع، بجانب تأثير قضية إعادة تقييم الأصول وإلى أي مدى تعد فرصة أم تحد أمام نمو الإندماجات والاستحواذات.

وشارك في الجلسة الأولى كل من أحمد عطا الرئيس التنفيذي للشركة السعودية المصرية للاستثمارات الصناعية، وأحمد علي عبد الرحمن الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة البريد للاستثمار، وكريم عوض الرئيس التنفيذي لمجموعة إي إف جي القابضة، والمهندس هاني برزي رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة إيديتا للصناعات الغذائية، وعبير لهيطة العضو المنتدب للشركة المصرية لخدمات النقل – إيجيترانس، وعاطر حنورة رئيس الوحدة المركزية للمشاركة مع القطاع الخاص بوزارة المالية، وأدارها د. خالد سري صيام رئيس شركة مصر للمقاصة والرئيس الأسبق للبورصة المصرية. وإلى تفاصيل الجلسة.

تابعنا على | Linkedin | instagram

د. خالد سري صيام رئيس شركة مصر للمقاصة والرئيس الأسبق للبورصة المصرية

د. خالد سري صيام: عنوان المؤتمر يبدو سهل القراءة ولكنه صعب الإجابة

د. خالد سري صيام: بسم الله الرحمن الرحيم أهلًا وسهلًا بحضراتكم جميعًا، أشكر الحضور الكريم وأشكر بالطبع حضور هذه الجلسة العظيمة التي أُشرف على إدارتها، والتي تضم قامات كبيرة ليس من السهل إدارة الحديث معها وتوجيه الأسئلة لها، ولكن بالتأكيد الردود التي سنتلقاها ستصب في الإجابة على عنوان المؤتمر الذي قد يبدو سهل القراءة ولكنه صعب الإجابة عليه، الإصلاح المرن والعبور الهادئ لتحديات الاقتصاد، فهي مسألة ليست بالأمر البسيط.

يُشرفني بدايةً أن أُشارك للعام الثاني على التوالي في إدارة الجلسة الأولى من جلسات مؤتمر جريدة حابي السنوي، في الحقيقة أُشيد بالزملاء في جريدة حابي جميعًا، فهم يبذلون جهدًا طيبًا ليس فقط على مستوى إعداد المؤتمر، ولكن في إعداد المحتوى الاقتصادي الذي يقدمونه، وأعتقد أن ذلك قد يكون سر قبول هذه القامات من المتحدثين التواجد معنا في هذا اليوم.

أرى أن عنوان المؤتمر هو عنوان شديد الأهمية وجاء في توقيت مناسب نظرًا لأن تحديات الإصلاح الاقتصادي والهيكلي لها تبعات بشكل كبير سواء على مستوى حياة المواطنين وقوتهم الشرائية، أو على مستوى قدرة العملية الإنتاجية على الاستمرار والاستدامة بمعدلات نمو طيبة، أو على حتى قدرة الحصول على تمويل بمختلف أنواعه سواء كان تمويل مباشر أو تمويل مصرفي أو غير مصرفي، أو على شهية الاستثمار بشكل عام.

وضع رؤى مشتركة لتحقيق الاتزان ما بين المستهدفات ومقتضيات الإصلاح

أتصور أن الحضور الموجود معنا اليوم يستطيعون أن يدلو دلوهم في تحديد أو وضع رؤى مشتركة لكيفية التعامل مع هذه الأمور حتى نستطيع تحقيق نقطة اتزان ما بين المستهدفات ومقتضيات الإصلاح، وفي النهاية ما بين تحقيق جميع الأهداف الكلية المرتبطة بالإصلاح الاقتصادي والتي تستهدف الارتقاء والاستقرار الاقتصادي بشكل كبير. بجانب التعرف على كيفية ترتيب الأولويات والتحوط من كل الصدمات التي تعاصر هذا الإصلاح وما هي أدوات التحرك بسرعة ومرونة وكيفية التعامل مع أي تقاطع أو تعارض قد يواجه أهداف الإصلاح الاقتصادي في بعض الأحيان، فكلها أسئلة مشروعة ولكن الإجابة عليها تمثل صعوبة كبيرة في هذا الإطار، ولكن سنسعى إلى الإجابة عليها.

أُشير إلى أن جميع المتحدثين في هذه الجلسة مارسوا على أرض الواقع النشاط الإنتاجي والصناعي وخدمات التمويل والمشاركة، ولذلك في الحقيقة لديهم فرصة كبيرة جدًّا للتحدث عن تجاربهم في نطاق تخصصاتهم وأعمالهم، سواء النشاط الصناعي أو الصناعات الدوائية أو الغذائية أو الخدمات اللوجستية وخدمات النقل أو خدمات مالية أو خدمات استثمار مباشر، وفي الحقيقة كل المتحدثين في الجلسة يغطون هذه الجوانب ونتمنى أن يُساعدوننا في الإجابة على هذه الأسئلة لتحقيق التوزان المنشود.

قضية البحث عن الإصلاح المرن بوابتها الرئيسية طمأنة القطاع الخاص

أود أن أشير قبل البدء في الجلسة إلى أن الكلمات الافتتاحية لهذا المؤتمر سواء من جانب وزيرة التخطيط والتعاون الدولي الدكتورة رانيا المشاط، أو وزير المالية أحمد كجوك، قد وضعت بعض الأطر التي تؤكد بدورها على أن قضية البحث عن الإصلاح المرن بوابتها الرئيسية هي طمأنة وتضمين القطاع الخاص أو زيادة حصة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد بوسائل مختلفة ومتعددة سواء كانت من خلال المبادرات أو من خلال بناء الثقة أو توفير ما يسمى بالتمويل التنموي أو تمويل الاقتصاد الأخضر وكلها تصب في الحقيقة تحت عنوان واحد وهو تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد، وهذا من الأمور التي ستجعلنا نتوجه بالأسئلة إلى متحدثينا في هذا الإطار حول تصورات هذا الإصلاح المرن أو العبور الهادئ لتحديات هذا الإصلاح والتي لن تتأتي إلا بمشاركة فاعلة من القطاع الخاص للقطاع الحكومي في تنفيذ هذه الإصلاحات والوصول بها إلى تحقيق معدلات نمو مستدامة تحقق في النهاية رفع مستوى حياة المواطن وتقلل من حجم الصدمات المرتبطة بحياته.

دعونا نبدأ حوارنا اليوم من خلال محاولة الربط ما بين القطاعات المختلفة عبر البدء بالقطاع الصناعي باعتباره هو القطاع الإنتاجي ومن ثم القطاع اللوجستي الذي يخدم القطاع الإنتاجي ثم ننتهي بخدمات التمويل باعتبارها هي المُيسرة والمُسهلة في النهاية لاستمرار هذا النشاط الاقتصادي بمختلف أنواعه.

اسمحوا ليّ أن نبدأ بقطاع مهم وهو قطاع الصناعات التحويلية غير البترولية وبشكل خاص الصناعات الدوائية، ونبدأ بالأستاذ أحمد عطا الرئيس التنفيذي للشركة السعودية المصرية للاستثمارات الصناعية.

بالطبع الشركة السعودية المصرية للاستثمارات الصناعية هي شركة تضم محفظتها استثمارات صناعية كبيرة متنوعة سواء في قطاع الدواء والمستلزمات الطبية أو قطاع الأسمدة والمنسوجات، ويتمتع الأستاذ أحمد عطا بخبرة كبيرة في مجال إدارة الأصول والاستثمار المباشر لمدة تزيد على 25 عامًا عبر من خلالها من شركات أبريس مصر لإدارة صناديق الاستثمار والتوفيق للاستثمارات المالية قبل أن يتولى رئاسة الشركة السعودية المصرية للاستثمارات الصناعية.

دعوني أُوجه سؤالي الأول إلى الأستاذ أحمد عطا، سأطرح الأسئلة على المتحدثين على جولتين وأرجو ألا تتجاوز كل إجابة 5 دقائق للسماح لكل المتحدثين بالحصول على فرصتهم في الحديث.

كيف تعامل قطاع الصناعات التحويلية غير البترولية بشكل عام وصناعات الأدوية بشكل خاص مع تحديات الإصلاح الاقتصادي خاصة في ظل أن المكون الأجنبي في الدواء سواء المكون المادي أو الابتكاري ما زال كبيرًا؟

أعتقد أن حجم إنتاج الدواء في مصر يغطي 80 إلى 90% ولكن المكون المستورد يمثل نسبة كبيرة، فكيف تعامل هذا القطاع مع تحديات الإصلاح الاقتصادي فيما يتعلق بتحرير سعر الصرف أو السعر المرن وارتفاع أسعار الفائدة.

مؤتمر جريدة حابي.. أحمد عطا: 5% انخفاضا في حجم القطاع الصناعي
أحمد عطا الرئيس التنفيذي للشركة السعودية المصرية للاستثمارات الصناعية

أحمد عطا: 5% انخفاضًا في القطاع الصناعي.. وصعوبة شديدة للعمل في اقتصاد تضخمي

أحمد عطا: سأحاول أن أكون متفائلًا نظرًا لأننا نتحدث عن قطاع مر بتحديات صعبة جدًّا خلال العامين الماضيين، وهي منعكسة على البيانات القومية حيث نجد أن القطاع الصناعي في العام الماضي انخفض نحو 5% على عكس نمو الناتج المحلي الإجمالي ولكن القطاع الصناعي باستثناء البترول والغاز، انخفض نحو 5%، مقابل انخفاض بنحو 3.5% في العام قبل الماضي.

وفي الحقيقة هذا الانخفاض يعبر عن الطريقة التي تعامل بها القطاع مع التحديات، وهي طريقة الانكماش لأن القطاع الصناعي يجد صعوبة شديدة للعمل في اقتصاد تضخمي.

دورة رأس المال العامل جعلت المبيعات لا تساوي ربع ثمن الخامات

ومن المعروف أن دورة رأس المال العامل تستغرق وقت، وإذا افترضنا توظيف جنيه في عام مع انتظار قدوم دورة الإنتاج من شراء الخامات وتحويلها وبيعها وتحصيلها ربما تستغرق عاما في بعض الصناعات، وعندما يبدأ في عمليات تحصيل الأموال ويعود لشراء الخامات مرة أخرى يجد أن المبيعات لا تساوي ربع ثمن الخامات التي كان يحتاج إلى شرائها، ولذلك ليس أمامه إلا الانكماش.

أمر آخر، القطاع الصناعي حُرم من التمويلات المصرفية نظرًا لأن الفائدة عالية جدًّا ولم يعد في إمكانيات شركات كثيرة، خصوصًا أنني لا أتحدث عن الشركات الكبيرة التي لديها ملاءة مالية تجعلها تكتسب ثقة البنوك، ولكن في القطاع الدوائي تحديدًا نجد أن هناك شركات كثيرة جدًّا تعمل في الأحجام المتوسطة التي تقل مبيعاتها عن مليار جنيه، ولذلك فإنها انكمشت وهذا الانكماش أثر على الإنتاج والوظائف.

انكماش شركات الدواء أثر على الإنتاج والوظائف

وأشير إلى أننا عندما ننظر إلى معدلات النمو نجدها نقدية وليست معدلات نمو في الوحدات المنتجة.

وبالنسبة لارتفاع معدلات الفائدة لفترات طويلة جدًّا، إذ أنها مثلت نوع من الفرامل الضاغطة لنمو القطاع الصناعي بجانب الأوضاع الاقتصادية التي سيطرت على البلد خلال العامين الماضيين، ربما الأمور حاليًا في تحسن، ولكن ما زال سعر الفائدة التي تقترض به الشركات يصل إلى 30% وهذا في الحقيقة غير مُجدٍ اقتصاديًّا.

وأضيف إلى ذلك أن القطاع الدوائي كان له بعض المشاكل الخاصة به، ونحن شاهدنا بداية عام 2022 انهيار واحدة من شركات الصيدليات الكبيرة التي تركت مليارات من الديون الرديئة التي انعكست على شركات التوزيع وبالتالي على المصانع وتكاد لا تنجو شركة تعمل في هذا المجال من الخسائرالناتجة عن انهيار هذه الشركة.

بخلاف ذلك، القطاع الدوائي في الأزمات السابقة التي مرت بها البلد كان يأخذ أولوية في توفير الدولار، ولكن في الحقيقة في الفترة من منتصف 2022 و2023 وحتى مارس 2024 لم يحصل على هذه الأولوية وتعرض لما تعرضت له بقية القطاعات من تعطل المواد الخام والمنتجات.

معدلات النمو المُتحققة نقدية وليست في الوحدات المنتجة

فالانكماش الحادث والذي يظهر كرقم، هو في الحقيقة عبارة عن أن هناك شركات توقفت عن النمو وخطوط الإنتاج كان من المفترض أن تعمل ولكنها تعطلت عن ذلك ووظائف أعمال كان من المفترض خلقها ولكن لم تخلق ومنتجات إنتاج كان من الممكن إنتاجها محليًّا بديلًا للمستوردة ولكنها لم تنتج، وآفاق للنمو جديدة تعتبر محط اهتمام العالم كله حاليًا في منتجات جديدة مثل Bio similar وBiotechnology ولكننا ما زلنا بعيدًا تمامًا عنها.

د. خالد سري صيام: في إطار هذه الآثار الانكماشية التي تحدثت عنها قد تكون وصفت التحديات التي كانت قائمة ولكن ما هو التصور التي تراها يستطيع إخراجنا من هذه الدورة الانكماشية في ظل أننا ما زلنا في منطقة سعر الفائدة المرتفع، وما زلنا في سعر مرن للدولار، فهل هناك تصور وأُفق لتقديم توصية؟

أحمد عطا: في الحقيقة أرى أن المبادرات الحكومية مهمة وضرورية ولكن أتصور ضرروة توفير مبادرات ليست حكومية مثل مبادرة من القطاع المصرفي لدعم القطاع الصناعي، فإذا القطاع المصرفي بادر من نفسه وحصّلت في الحقيقة في جائحة كوفيد، من خلال مبادرة القطاع المصرفي لدعم الصناعة عبر منح فائدة مخفضة لقطاعات بعينها، وأرى إمكانية تكرار ذلك في وقت يعيش فيه القطاع المصرفي أزهى عصوره في ظل الفائدة الحكومية العالية جدا.

وأرى إمكانية إطلاق القطاع المصرفي مبادرة لدعم القطاع الصناعي سواء من خلال تمويل الخامات أو تمويل خطوط إنتاج جديدة وليس من الضروري دعم المتعثر، لأن المستثمر المنتظم في الحقيقة منتظم في سداد تكلفة التمويل العالية خصمًا من فرص نمو أخرى وخصمًا من فرص نمو تشغيل أكثر، فربما إذا كانت هناك مبادرة من القطاع المصرفي بقيادة البنك المركزي لتقديم فوائد ميسرة للقطاع الصناعي وتكون مشروطة ومضمونة وتنطبق عليها كل المعايير المصرفية، ربما يكون هذا الحل مخرج للقطاع الصناعي من الانكماش المستمرالذي يعاني منه.

د. خالد سري صيام: ضرورة فتح آفاق تمويلية بشكل عام وبسعر منخفض

د. خالد سري صيام: إذن تتحدث عن فتح آفاق تمويل بشكل عام وبسعر منخفض ومعنا في الجلسة إثنين من المتخصصين في مجالات التمويل سواء المباشر أو غير المباشر سأترك لهم وقت الإجابة عن أسئلتهم فرصة عرض رؤاهم عن كيفية تجاوز هذه الإشكالية.

إلى جانب الدواء يأتي الغذاء ونقول أن الغذاء والدواء هما المكون الإستراتيجي الأساسي والركيزة الأساسية لاستقرار المجتمعات والاقتصاد، وقد يكونا هذين العنصرين هما الأكثر تأثيرًا على المواطن في حياته اليومية، إذ يشعر بشكل كبير بأثر التضخم فيهما.

وأعتبر أن لدينا فرصة طيبة جدًّا من خلال وجود المهندس هاني برزي رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة إيديتا للصناعات الغذائية وهو مهندس علوم الحاسب وهندسة التحكم، وصاحب الخبرة في المشروعات الغذائية لنحو 4 عقود، فحياته العملية كلها في هذا المجال بدءً من شركة تيستي فوود للأغذية الخفيفة وشركة ديجما لتوزيع المنتجات ووصولًا إلى شركة إيدتيا التي أسسها قبل 30 عامًا تقريبًا أو 28 عامًا من الآن. وتولى رئاسة وعضوية عدد من المجالس وهو لا ينظر فقط إلى القطاع الغذائي في إطار منظور مشروعه الخاص أو الشركة التي يديرها ولكن ينظر في إطار منظور الاقتصاد الكلي من خلال رئاسته وعضويته للمجلس التصديري للصناعات الغذائية وعضويته في اتحاد الصناعات والمجلس المصري للدراسات الاقتصادية وصندوق تنمية الصادرات.

قد نظل في السؤال نفسه وهو كيف تعامل مجال الصناعات الغذائية مع التحديات التي أشار إليها الأستاذ أحمد فيما يتعلق بدورة الانكماش وتأثير ارتفاع كُلفة الخامات وأسعار الفائدة وكيف ترى المستقبل في هذا الإطار لأنني أتصور أن الصناعات الغذائية تمثل محركًا هامًّا جدًّا في ضمان هذا الإصلاح المرن الذي نتحدث عنه.

هاني برزي خلال مؤتمر حابي السادس
هاني برزي خلال مؤتمر حابي السادس

هاني برزي: وضع الصناعات الغذائية لا يختلف كثيرًا عن الصناعات الدوائية

هاني برزي: شكرًا جزيلًا على السؤال والمقدمة، مثلما تحدث الأستاذ أحمد عطا عن قطاع الصناعات الدوائية فإن الوضع لا يختلف كثيرا في قطاع الصناعات الغذائية لأن كلا القطاعين حيويان ومهمان ويمسان كل المواطنين بدعم من أهمية صحة المواطن وغذاء المواطن في الوقت نفسه.

أشير إلى أن قطاع الصناعات الغذائية قد شهد تحديات كثيرة جدًّا خلال الفترة الماضية، بالرغم من التطور الكبير الذي أحرزه، فضلًا عن أن هذا القطاع تمكن خلال الـ 30 عامًا الماضية من أن يكون بديل للعديد من المنتجات التي كان يتم استيرادها في السابق، وبالتالي اليوم عند دخول أي متجر أو أي محل بقالة تجد البديل المصري الجيد ونستطيع القول أن جودته تفوق أو تعادل جودة المستورد وبأسعار مختلفة تمامًا.

جودة المنتجات المصرية تفوق أو تعادل جودة المستورد وبأسعار مختلفة تمامًا

هذا ما منح القطاع ميزة تنافسية خلال الفترة الماضية وخلال فترة التضخم الرهيبة التي نعيشها منذ سنوات عديدة بدايةً من عام 2015 بالتزامن مع أول تعويم ثم عمليات التعويم الأخرى في سعر العملة والتي أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم بأرقام كبيرة جدًّا.

ويأتي هذا إلى جانب التحدي الآخر وهو الخلل الكبير الذي حدث في سلاسل الإمداد نتيجة الأحداث العديدة التي تمر بها المنطقة، في حين أننا نشيد دائمًا بأن مصر تمتلك موقعًا إستراتيجيًّا في قلب العالم وهذه ميزة كبيرة ولكن أرى اليوم أن نها لم تعد الميزة التي نتمناها، لأن أي حدث يقع في المنطقة يؤثر على مصر مباشرة مثلما رأينا.

تكلفة الغذاء تأثرت بالتضخم وبخلل سلاسل الإمداد بشكل كبير

فبالتالي تؤثر على تكلفة الغذاء نتيجة الخلل الكبير الحاصل في سلسلة الإمداد وهو ما أدى إلى التضخم الكبير، غير أن القطاع كان في حيرة من أمره، لأنه ينظر إلى المواطن المصري من ناحية، نظرًا لأن أكثر من 40% من دخله يتم إنفاقه على احتياجاته من الغذاء وبالتالي هناك نوع من المسؤولية المجتمعية التي تقع على هذا القطاع من خلال دوره في عدم المغالاة في رفع الأسعار نظرًا لأنه سيؤدي إلى خلل في الموازنة المعيشية لأي أسرة مصرية.

التضخم أو تعويم الجنيه بمعنى أصح سلاح ذو حدين

ولكن التضخم الذي حدث خلال الفترة الماضية كان غير منضبط، وفي الوقت نفسه مثلما أقول التضخم أو تعويم الجنيه بمعنى أصح هو سلاح ذو حدين، فهناك قطاعات استفادت من التعويم نتيجة أن معظم مدخلاتها محلية، وعلى الجانب الآخر هناك قطاعات أخرى تضررت نتيجة استيرادها العديد من مدخلاتها.

أكثر من 80% من مدخلات إنتاج القطاع الغذائي تُصنع محليًّا

وأُنبّه إلى أن أكثر من 80% من مدخلات إنتاج القطاع الغذائي في مصر تُصنع محليًّا في الوقت الحالي. ولكن جزء كبير جدًّا من هذه المدخلات أو المنتجات التي يتم تصنيعها محليًّا تعتمد على مكون أجنبي بالدولار، ومن ثم عندما حدثت عملية التعويم أدت إلى التضخم وارتفاع أسعار المدخلات بطريقة غير مسبوقة.

500 % تضخم في أسعار الزيوت منذ عام 2015 و400% في التعبئة والتغليف

سأضرب أمثلة على ذلك ومنها الزيوت إذ أن أسعارها تضخمت منذ عام 2015 وحتى الآن بنسبة تتعدى 500%، أما التعبئة والتغليف ارتفعت تكلفته بأكثر من 400%، ولذلك أرى أن هذه الأسعار لا تحتمل.

وأرد على الذين ينادون بعدم المغالاة في رفع الأسعار أو عدم ضرورة رفع أسعار المنتجات النهائية، بأنه من المستحيل عدم تحريك الأسعار في ظل صعوبة العملية الإنتاجية وصعوبة مواكبة هذا التضخم الرهيب، غير الناتج عن زيادة الاستهلاك وإنما عن زيادة التكلفة بسبب فرق سعر العملة.

بعض القطاعات استفادت من التعويم بدعم من ارتفاع القيمة المضافة مثل الصادرات

أما القطاعات المستفيدة من فرق سعر العملة هي قطاعات التصدير التي عظمت استفادتها، وبصفتي كنت رئيس المجلس التصديري للصناعات الغذائية وقد سلمت مسؤولية إدارة أعمال المجلس منذ شهر إلى رئيس جديد، لأنني على قناعة بأنه يجب أن يتم تدوير مهام المسؤولية.

10 مليارات دولار الصادرات الغذائية وتستحوذ على 22% من الصادرات غير البترولية

أنظر إلى قطاع الصناعات الغذائية أو سلة الغذاء من منظور التصنيع الغذائي والحاصلات الزراعية إذ أن صادرات مصر وصلت إلى 10 مليارات دولار وستتجاوز هذا الرقم بنهاية العام الحالي، لتمثل أكثر من 22% من صادرات مصر غير البترولية.

وأُؤكد على أن القطاع الغذائي عظّم صادراته ولكن جزء كبير من هذا النمو ناتج عن مساندة ودعم الدولة.

وأُشير إلى أن وزير المالية تحدث خلال بداية مؤتمر جريدة حابي عن مساندة الصادرات وبرنامج دعم النشاط التصديري، الذي سمعنا لغطًا كبيرًا حوله خلال الأيام القليلة الماضية، وإذا كنا نتحدث اليوم عن الإصلاح المرن فالقرار لم يكن مرنًا تمامًا.

التعامل مع ملف مساندة الصادرات لم يتسم بالمرونة المطلوبة

وبصفتي عضو مجلس إدارة في صندوق دعم الصادرات كنت أرى أن هذا القرار يصاحبه نوع من الحدية وسيصاحبه تبعات سلبية وفي الحقيقة لا أود أن أتحدث عنه كثيرًا.

وأعتقد أن وزارتي المالية والاستثمار والتجارة الخارجية يعيدان النظر في هذا القرار مع البنك المركزي حتى يظل البرنامج على الأقل كما هو للمحافظة على معدلات النمو.

ومثلما قال الأستاذ أحمد عطا في موضوع الدواء بإنه شهد انكماش في الاستهلاك وأن معظم الشركات المصرية حققت إيرادات أعلى ولكن حجم المُباع قل بشكل كبير جدًّا. فإن قطاع الصناعات الغذائية والأغذية الخفيفة على وجه الخصوص عند ارتفاع معدلات التضخم لا يتأثر بشكل سريع وأرى أن تأثر هذا القطاع معناه أن هناك مشكلة كبيرة جدًّا في القوة الشرائية.

وأشعر أن هناك شريحة من المستهلكين فقدت قدرتها الشرائية، وهذه الشريحة تحتاج إلى دعم الحكومة من خلال مظلات اجتماعية، فهذا هو رأيي على عُجالةٍ وأعتبر أن ما تم في قطاع الصناعات الغذائية ليس ببعيد عن ما حدث في قطاع الدواء.

د. خالد سري صيام: تأخر وصول المواد الخام أبطأ العملية الإنتاجية وزاد الأعباء على الشركات

د. خالد سري صيام: شكرًا جزيلًا المهندس هاني برزي.. في الحقيقة أتشرف بأنني عضو مجلس إدارة في أحد شركات الصناعات الغذائية وما قُلته هو النموذج المتكرر في كل أنماط الصناعات الغذائية من الانكماش في حجم الإنتاج المرتبط بزيادة الإقبال على أنواع السلع وخاصة السلع الأكثر ارتفاعًا، والتأثر بسلاسل الإمداد وتوريد المنتجات وما عاصره من زيادة التكلفة وتأخر وصول المواد الخام في المدد الزمنية الموضوعة وهو ما أبطأ العملية الإنتاجية.

وبالتالي هو ما قلل من نسب التشغيل لخطوط الإنتاج التي تكبدت أسعارًا مرتفعة، وهو ما رفع الأعباء الموجودة أيضًا على هذه الشركات، ولكن قد تظل هناك نقطة أخرى قد أشرت لها في حديثك، فإذا تحدثنا عن وسائل التمويل كحل أول، وتشجيع التصدير كحل ثاني، نظرًا لأنه كما يوجد جانب سلبي لتحرك سعر الصرف فيما يتعلق بمدخلات المكون الأجنبي، هناك تأثير إيجابي في زيادة قدرة المنتجات الغذائية سواء الخام أو المُصنعة على التصدير وأعتقد أن هذا السوق كسب مساحة طيبة في العام الأخير أو آخر عامين في هذا الإطار.

وكيف أيضًا يمكن الاستفادة من الحاصلات الغذائية التي تصدر في صورة مواد خام وتتحول إلى مصنعات ربما بقيمة مضافة أكبر مما يدعم هذا المرور الهادئ للإصلاح المرن وفقًا لعنوان مؤتمر جريدة حابي.

كفاءة وفاعلية استخدام الموارد نقطة مهمة ومنظومة النقل تدار على مستوى مشتت

هناك أمر ثالث.. سأنتقل هنا إلى الأستاذة عبير لهيطة باعتبار أن واحدة من المشاكل التي تمت إثارتها هي سلاسل أو خدمات النقل والتوزيع وجلب المواد الخام وتوزيع المواد المُصنعة، ولن نجد أفضل منكم لتحدثيننا في هذا الإطار.

الأستاذة عبير لهيطة هي العضو المنتدب للشركة المصرية لخدمات النقل (إيجيترانس) منذ عام 2015، أول سيدة تتولى ذلك المنصب في تاريخ الشركة التي يصل عمرها إلى أكثر من 50 عامًا واختارتها مجلة فوربس كواحدة من أقوى مائة سيدة أعمال في الشرق الأوسط، وهي أيضًا الرئيس المشارك للجنة النقل واللوجستيات بغرفة التجارة الأمريكية وعضو مجلس إدارة شركة الإسكندرية لتداول الحاويات وغرفة ملاحة بورسعيد، ولها جانب أكاديمي أيضًا باعتبارها رئيس المجلس الاستشاري للتعليم بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية.

كيف يمكن لخدمات النقل والتوزيع والخدمات اللوجستية أن تكون عاملًا مساعدًا في مواجهة الصدمات التضخمية لدعم النشاط الصناعي بمختلف أنواعه أو النشاط الاقتصادي بشكل عام، في حين أنها تأثرت بالتأكيد بالصدمات التضخمية في التكلفة.

عبير لهيطة خلال مؤتمر حابي السادس
عبير لهيطة خلال مؤتمر حابي السادس

عبير لهيطة: النقل يمثل 35% من تكلفة المنتج في مصر مقابل 10% في الاقتصادات المنظمة

عبير لهيطة: أشكرك على هذه المقدمة وسعيدة جدًّا بوجودي معكم.. قد يكون مثلما ذكر المهندس هاني برزي أن من ضمن العوامل التي أثرت بشكل كبير جدًّا على تكلفة المنتجات هي الجزء المتعلق بسلاسل الإمداد، وأعتقد أن هناك حاجة للنظر له من أكثر من جانب.

في مصر على غرار دول نامية أخرى يمثل الجزء المتعلق بالنقل نسبة كبيرة جدًّا من تكلفة المنتج قد تصل إلى 30 – 35%، في حين أن الاقتصادات التي فيها النقل منظم بشكل أفضل فإن هذه النسبة تتراوح من 8 إلى 10 %، فهذا الاختلاف الكبير مؤثر جدًّا في تكلفة أي منتج.

عدم الكفاءة وزيادة سعر البترول أبرز مشاكل قطاع النقل واللوجستيات

المشكلة في مجال النقل واللوجستيات، والفرصة أيضًا التي أراها واعدة للغاية في مجال النقل خلال الفترة المقبلة، تكمن في أن هناك قدر كبير من عدم الكفاءة في عملية النقل واللوجستيات، وأعتقد إذا تم التركيز على حل هذه المشكلة من قبل الدولة والصناعة، فقد يكون لها تأثير كبير جدًّا في تنافسية المنتجات المصرية وتنافسية الصادرات.

كل دولار زيادة في الشحن يؤدي إلى 4% زيادة في تكلفة المنتج النهائي

أرى أن أكبر مشكلة تواجهنا اليوم هي أن كل زيادة في تكلفة البترول، خاصة مع تقليل نسبة مساهمة الدولة في المحروقات المختلفة، وزيادة سعر السولار على وجه الخصوص، كل دولار زيادة في هذه التكلفة يؤدي إلى 4% زيادة في تكلفة المنتج النهائي.

ضرورة البحث عن أساليب لتقليل الهدر الذي يتجلى في تحرك 30% من الشاحنات بلا بضائع

وبالتالي نحتاج إلى البحث عن أساليب لتقليل الهدر، لأننا نعاني من هدر كبير جدًّا، فأكثر من 30% من السيارات التي تسير على الطرق غير محملة بالبضائع، وحتى السيارات الممتلئة قد تجد نسبة كبيرة منها لا يحمل حمولة كاملة، وهو ما يضيف أعباء في التكلفة. كل هذه العناصر تحتاج إلى منظومة شاملة، في ظل عدم قدرة أي شركة بمفردها على معالجتها.

وأرى أيضًا أننا نحتاج إلى منصة رقمية ورؤية لتحرك البضائع على الطرق، وخلق طريقة لتحسين هذه الكفاءة.

سوق النقل مُفتت والشركات الكبيرة لا تمثل 2% من السوق ككل

أما التحدي الكبير الموجود في مصر أن شركات النقل الرسمية مثل إيجيترانس ذات الحجم الكبير والتي لديها أسطول ليس بالقليل، لا تتعدى 2% من سوق النقل ككل، وأرى أنها سوق مُفتتة للغاية، وإذا لم يحدث لها نوع من أنواع التنظيم لن نستطيع رفع تنافسية السوق المصرية، مع محاولة التوزان للتضخم الحاصل أو زيادة التكلفة في المنتجات.

أود أن أنظر إلى هذا الموضوع كفرصة أكثر من أي أمر آخر، بمعنى أنه إذا كان هناك مجال لتحسين توزيع الصناعات المختلفة في البلد لخلق مجال لعودة السيارات ببضائع مع عدم اقتصارها على مناطق محدودة نظرًا لأن هناك مجالًا كبيرًا للعمل في هذا الإطار.

تحديات الفائدة وسعر الصرف أثّرا على قدرة القطاع في تحديث أسطول السيارات

من جانب آخر، صناعة النقل واللوجستيات تأثرت أيضًا بتحدي ارتفاع الفائدة وارتفاع سعر الدولار وهو ما أثر بشكل كبير على قدرة تحديث أسطول السيارات وزيادة حجم الناقلات الموجودة التي تعاني من عجز كبير.

د. خالد سري صيام: شكرًا جزيلًا الأستاذة عبير لهيطة.. قد وضعتِ يدك على نقطة مهمة جدًّا وهي كفاءة وفاعلية استخدام الموارد وبالطبع أشرتِ لها في مجال النقل بشكل واضح، وفكرة أن استمرار إدارة منظومة النقل في مصر على مستوى مشتت، وكل شركة تقدم خدماتها بشكل معين مع عدم وجود الأفكار التي تستطيع الربط ما بين المنتجين والمستهلكين، وما بين تجار الجملة والموزعين، على نحو يعزز من الاستخدامات سويًّا لأداة وسيلة النقل التي من الممكن أن تحقق كفاءة أكبر في استخدام وسائل النقل وبالتالي تتجاوز كُلفة أو زيادة أو تضخم الكُلفة المُحملة عليها.

هذا إلى جانب، مراكز التخزين لأنه ربما ما زالت أيضًا كل شركة من الشركات وكل مصنع من المصانع له مراكز التخزين الخاصة به أو نقاط التخزين الخاصة به، وما زالت هناك فكرة مراكز التخزين المشتركة أو المراكز اللوجستية الموجودة في كل منطقة التي تستطيع الناس من خلالها أن تضع بها منتجاتها من بعد مرحلة الإنتاج إلى مرحلة الاستهلاك.

بالطبع صناعة اللوجستيات بشكل عام على المستوى الداخلي مصر تستطيع أن تستفيد من موقعها في تنمية التجارة اللوجستية أو صناعة اللوجستيات، ولكنها ربما لم تستفد منها بشكل جيد في الداخل، وهو ما يثري النقاش حول نقطة أخرى.

وأُكرر أن النقطة الأولى كانت متعلقة بكل إشكاليات التمويل وقضية تحسين مناخ التصدير وتسهيله ورفع الكفاءة بشكل أساسي وبشكل خاص في مجال النقل.

نعود مرة ثانية إلى التمويل لأنكِ ختمتي بالتمويل لأنه من الواضح أنه القاسم المشترك الذي يمثل التحدي الأكبر سواء للنشاط الصناعي أو نشاط النقل واللوجستيات.

ومعنا اثنان من المتخصصين في هذا الإطار.. نبدأ بالأستاذ أحمد علي عبد الرحمن وهو الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة البريد للاستثمار، وهو المصرفي الذي له أكثر من 28 عامًا في أسواق رأس المال والخدمات المالية المصرفية وغير المصرفية في مصر وفي دول مجلس التعاون الخليجي، والذي كان يشغل سابقًا قبل شركة البريد للاستثمار منصب نائب الرئيس التنفيذي للاستثمارات في بلتون القابضة، ودشن خلال فترة عمله منصتها للخدمات المالية غير المصرفية والتحول الرقمي للشركة إلى فكرة البنك الرقمي، كما ساهم في تأسيس شركة صميم وكان له أيضًا عدة مناصب قيادية في الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات، سواء في شركة بلتون وبرايم القابضة أو في شركة ساب القابضة السعودية، وبالطبع كان موجودًا قبل ذلك في سيتي جروب وكريدي أجريكول مصر في بداية حياته الوظيفية.

د. خالد سري صيام: الاستثمار الأجنبي لن يأتي إلا بعد التعاون مع الاستثمار المحلي

في الحقيقة الأستاذ أحمد قد يكون مجال عملك أكثر في مجال الاستثمار المباشر وفي توفير الخدمات المالية المصرفية وغير المصرفية أيضًا وبالتالي هي الراوفد الأساسية التي قد تمثل حلول تمويلية قد تساعد في مواجهة هذه التحديات خاصةً في زمن الفوائد أو العوائد المالية المرتفعة، فكيف ترى الاستثمار المباشر كوسيلة للتعامل مع هذه الإشكالية؟

مؤتمر جريدة حابي .. أحمد علي عبد الرحمن: التأثير المتوقع لتطبيق معيار التضخم المفرط محدود على الاستثمارات الأجنبية
أحمد علي عبد الرحمن الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة البريد للاستثمار

أحمد علي عبدالرحمن: الفائدة البنكية المرتفعة غير مُشجعة على الاستثمار

أحمد علي عبد الرحمن: بدايةً أشكرك على فرصة التواجد معك ومع بقية الحضور.. أعتقد أن الموضوع هام ومُقلق وفي الوقت نفسه يتم تناوله من أطراف مختلفة ، دعنا نضع القاعدة الأساسية أن بيئة الفائدة البنكية المرتفعة غير مُشجعة على الاستثمار بصفة عامة فهذه هي القاعدة الأساسية.

مصر شهدت استثمارات مباشرة تكاد تكون الأعلى تاريخيًا عندما كان سعر الفائدة 9%

قد تكون تاريخيًّا الفترات التي شهدت مصر فيها استثمارات مباشرة تكاد تكون هي الأعلى في تاريخها، كان سعر فائدة مكون من رقم واحد في الفترة من 2004 وحتى 2008 و2009 تقريبًا. وحتى بعد ثورة 2011 أعتقد أيضًا أنه على الرغم من انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة لكن وقتها كانت معدلات سعر الفائدة تتراوح بين 9 إلى 11% تقريبًا.

تجربة الإصلاح الأولى في عام 2016 كانت تمثل نقطة فارقة

وبالحديث عن تجربة الإصلاح الأولى في عام 2016 كانت تمثل نقطة فارقة وأعتقد أنها كانت مهمة ومن ثم بدأنا نرى ارتفاع سعر الفائدة مع التعويم الذي حدث في عام 2016 وكان ذلك بداية أول رحلة إصلاح وأعتقد أن كل الأمور وقتها سارت في الاتجاه السليم. أما الأمر الوحيد الذي تم افتقاده حينها أو قد كان من الممكن أن يأتي في مرحلة متأخرة لولا ظهور جائحة كورونا والأوضاع الاقتصادية العالمية لكان تم اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة،

وبالتالي قد يكون ذلك هو سبب التأثير المصاحب لكورونا من بدء انسحاب الأموال الساخنة من مصر وبالتالي عدنا مرة أخرى في نفس المعضلة خاصة أن الاستثمار الأجنبي المباشر تاريخيًّا يكاد يكون هو المحفز الأساسي للاستثمار سواءً من القطاع الخاص المصري وهو ما شهدناه في الفترة التي كان فيها الاستثمار الأجنبي المباشر سابق للاستثمار المحلي، ومع تراجعه بدء الاستثمار المحلي أن يلعب دور أكبر. وعلى الرغم من تضاءل نسبته في الاقتصاد لكن ما زال هو الذي يقود عجلة الاقتصاد في الوقت الحالي.

أما الاستثمارات الحكومية في الفترة من 2016 وحتى آخر عامين أو آخر 3 أعوام كانت هي الأساس في دعم الناتج المحلي الإجمالي بصفة عامة، ولكن حدث إعادة نظر فيها بحيث تكون مشاركة القطاع الخاص تكاد تكون هي الهدف المنشود حاليًا.

التمويل المصرفي أصبح يواجه تحديات مع تضاؤل القدرات الشرائية والتضخم

هناك نقطة محورية أخرى وهي مسألة التمويل، إذ إن أنواعه معروفة من التمويل المصرفي وغير المصرفي وتمويل Equity والذي يأتي من خلال شركات الملكية الخاصة أو من خلال سوق رأس المال.

أما التمويل المصرفي الذي كان دائمًا متاح على كل المستويات أصبح يواجه تحديات مع تضاؤل القدرات الشرائية والتضخم.

وضع القطاع المصرفي من حيث الربحية جيد ولكن نسب التوظيف إلى الودائع قليلة

وأرى أن القطاع المصرفي اليوم يكاد يكون في وضع جيد من حيث الربحية ولكن من حيث التوظيف ما زالت نسبها إلى الوادئع في الحدود الدنيا، وذلك على الرغم من أن مصر لم تشهد تاريخيًّا نسب توظيف فوق مستويات الـ 50 و60% وأُشير هنا إلى نسبة القروض إلى الودائع مقارنةً مع أسواق أُخرى. وبالتالي القطاع المصرفي دائمًا يتمتع بنسبة سيولة عالية، وتوظيف أعلى في أدوات الدخل الثابت، وهو ما ينعكس على الربحية.

ومن ناحية أخرى، القدرات الائتمانية أمام القطاع المصرفي تتضاءل نتيجة تغير الظروف الاقتصادية، وبالتالي الجميع يرى أن هناك تراجع إلى حد كبير في شهية قبول المخاطر بسبب الأوضاع الموجودة في القطاعات الاقتصادية المختلفة.

التمويل غير المصرفي ساهم إلى حد كبير في سد الفجوة

أما التمويل غير المصرفي، أرى أنه ساهم إلى حد كبير مثلما أوضح الدكتور إسلام عزام نائب رئيس هيئة الرقابة المالي خلال الجلسة الافتتاحية المؤتمر، في سد فجوة، ولكن للشركات الأقل حجمًا وخاصةً في قطاعات التأجير التمويلي والتمويل متناهي الصغر وقطاع الأفراد.

الملكية الخاصة أو الاستثمار المباشر إلى حد كبير لم نرَه على الحجم الذي كان موجودًا قبل 2008 لأسباب تتعلق بعدم وجود مرونة في سعر الصرف والمعاملات الضريبية وسياسات إجرائية معينة على المستويين الكلي والجزئي.

تراجع شهية الاستثمار بسبب الأوضاع الموجودة في القطاعات الاقتصادية المختلفة

وبالتالي المستثمر الأساسي أو المستثمر الإستراتيجي قد تكون أمامه فرص استثمارية معينة إلى حد كبير، ولكن في الوقت نفسه هناك حالة من التردد في دخول السوق نتيجة احتمالات تغير سعر الصرف، مثلما رأينا في عدد كبير من العمليات خلال 3 – 4 سنوات الماضية.

أما مستثمري صناديق Private equity أو الملكية الخاصة، فظهروا على استحياء عبر عمليات محدودة لم يقابلها نفس الزخم والتنوع والحجم والفرص الموجودة في الاقتصاد اليوم، لأسباب تتعلق أيضًا بالمرونة والضرائب.

وفي الحقيقة أرى بالتأكيد أن هناك مجهودات تبذل وخاصة أن الحكومة بدأت مؤخرًا تضع النقاط الأساسية المتعلقة بالتحديات التي تواجه المستثمرين، كما بدأ نشاط مستمر للترويج للفرص الاستثمارية الموجودة في مصر.

وأعتقد أن أحد المتطلبات الأساسية للمستثمرين هي البنية التحتية والتي تتمتع بها مصر بشكل جيد، على مستوى Hard infrastructure أو حتى على مستوى Soft off infrastructure فيما يتعلق بالبنية التكنولوجية، وكذلك الإمكانيات الموجودة في الاقتصاد المصري وحجم السوق والفرص نفسها، إذ إن بيئة الاستثمار في السوق المصرية أصبحت واضحة تمامًا لكل المستثمرين الأجانب والمحليين.

المستثمر المحلي سيمنح الثقة للمستثمر الأجنبي على عكس الوضع في السابق

وأُشير إلى أن المستثمر المحلي الذي لديه أعمال قائمة بالفعل في السوق ويرى التحديات، هو الذي سيقود وسيمنح الثقة للمستثمر الأجنبي، على عكس الوضع في السابق لعودة الاستثمار في مصر خلال الفترة المقبلة.

أعتقد ان كل المشاهدات والقراءات وتحديدًا مع التغيير الحكومي الأخير تشير إلى معرفة المشاكل التي تعاني منها مصر وبداية معالجتها، وظهر ذلك من خلال حديث وزير المالية في بداية أعمال مؤتمر جريدة حابي، عن الحزمة الأولى من التسهيلات الضريبية بجانب الإعداد لحزمة ثانية من التيسيرات، فضلًا عن موضوع دعم التصدير وأن هناك معوقات وتأخيرًا في سداد المستحقات مع عدم وضوح الرؤية للمصدرين اليوم. ولكن في الوقت نفسه من الواضح أنه يجري العمل على برنامج أوضح وأشمل ليُلافي العيوب الموجودة في البرنامج الحالي.

التوجه العام سيكون مُشجع ومُحفز لعودة رؤية الاستثمارات الأجنبية بقوة

ولذلك أعتقد أن النظرة المستقبلية خلال الفترة المقبلة بالتزامن مع الإجراءات التي يتم إعدادها حاليًا، هي نظرة مُشجعة ومُحفزة لعودة رؤية تدفق الاستثمارات الأجنبية.

د. خالد سري صيام: شكرًا جزيلًا الأستاذ أحمد.. قد أشرت إلى 3 أو 4 نقاط سأنتقل من خلالهما إلى الأستاذ كريم عوض.

قد أشرت إلى المرونة ومعرفة الرؤية المستقرة والحقوق والالتزمات التي أشار إليها وزير المالية وأنها هدف أساسي لإعادة الثقة للعاملين في مجالات الاستثمار بشكل عام بمختلف أنواعها، بحيث يكون لديهم وضوح للرؤية بشكل كامل فيما يتوقعون أن يحدث وخاصة في الأمور السلبية أو حتى الإيجابية، نظرًا لأن العلم بالحوافز المستقبلية أو بتوجه الدولة في دعم أنشطة معينة يُحفز بطبيعة الحال المستثمر الأجنبي والمستثمر المحلي.

د. خالد سري صيام: اتجاه الاستثمار المحلي إلى الخارج بات واضحًا وليس فقط تراجع الاستثمار الأجنبي

كما أشرت أيضًا إلى الاستثمارالمحلي وكنت أتساءل دائمًا لماذا يتم التركيز طوال الوقت على الاستثمار الأجنبي المباشر فقط مع قلة الحديث عن الاستثمار المحلي المباشر.

وفي الحقيقة أرى أن الاستثمار الأجنبي لن يأتي إلا بعد التعاون مع الاستثمار المحلي، وأعتقد أن هذه النقطة مهمة يجب البناء عليها لتعزيز الاستثمار المباشر، لأنني أتصور أنه حل جيد في مواجهة ارتفاع أسعار الفائدة مرة أُخرى، وفي مواجهة نسب توظيف القروض إلى الودائع التي تحدثت عنها في القطاع المصرفي، وفي مواجهة أن الدولة هي المنافس الأكبر في الحصول على التمويل وبأسعار فائدة مرتفعة.

إتاحات الخدمات المالية غير المصرفية ما زالت محدودة بالنسبة إلى حجم القطاع

وهنا أذكر كلمة الدكتور إسلام عزام عندما تحدث عن إتاحة الخدمات المالية غير المصرفية مصادر تمويل بقيمة 650 مليار جنيه، رقم هذه التمويلات ما زال محدودًا بالنسبة إلى حجم ما يجب أن يمثله هذا القطاع.

وأنتقل هنا إلى الأستاذ كريم عوض باعتباره الرئيس التنفيذي لمجموعة EFG القابضة، وفي الحقيقة الأستاذ كريم غني عن التعريف وأيضًا شركة EFG القابضة، حيث يمتلك 25 عامًا من الخبرة في هذه الشركة محققًا فيها نجاحات وصفقات مبهرة أعاد من خلالها هيكلة وتحويل الشركة واستخدم أدوات في هذه العملية التحويلية قد يصلح استخدامها لتحقيق الإصلاح المرن عبر تنمية البحث عن المواهب واكتسابها واكتشاف الأسواق وطرح منتجات جديدة وتعزيز الربحية، وأتصور أن تطبيق كل هذه الأمور في كل مجال من المجالات ستحقق جدوى اقتصادية كبيرة.

ومن ناحية التوسع في الأسواق، أرى أن الأستاذ كريم نجح في أن يخرج الشركة من النطاق المحلي إلى النطاق العالمي وهو ما عزز من تحول منصة EFG إلى منصة عالمية وهو ما عزز أيضًا من اختياره ضمن أفضل 100 رئيس تنفيذي في الشرق الأوسط في مجلة فوربس وذلك لعدد من السنوات المتتالية، وتم تتويجه أخيرًا باختياره في المجلس الاقتصادي الرئاسي.

أستاذ كريم عوض، كيف ترى دور التمويل سواء من خلال الاستثمار المباشر أو من خلال خدمات التمويل غير المصرفي كحل لمواجهة كل التحديات التي تم تناولها في الجلسة.

مؤتمر جريدة حابي.. كريم عوض: نشاط وتوسع القطاع الخاص ضمانة الرهان على الاستثمار الأجنبي المباشر
كريم عوض الرئيس التنفيذي لمجموعة إي إف چي القابضة

كريم عوض: بالطبع سعر الفائدة الحالي أحد مشاكل الاستثمار.. لكنه في النهاية نتيجة لارتفاع التضخم

كريم عوض: شكرًا جزيلًا الدكتور خالد على هذه المقدمة اللطيفة وسعيد بتوجداي هنا، بالطبع سعر الفائدة ما زال أحد المشاكل التي تواجه الاستثمار المباشر أو حتى غير المباشر في مصر مثلما أشار جميع الزملاء في الجلسة.

في الحقيقة أتبنى وجهة نظر مختلفة نظرًا لأن سعر الفائدة اليوم في مصر هو في النهاية نتيجة ارتفاع التضخم منذ سنوات وبالتالي لم يكن أمام البنك المركزي حلول أخرى بخلاف الحفاظ على الفائدة بسعر مرتفع لفترة ما لمحاربة الضغوط التضخمية.

محفظة التمويل غير المصرفية تنمو بشكل كبير جدًّا لضرورة توظيف محفظتها التي تحصل عليها من البنوك

وبالطبع مع وجود هذا العائق نجد أن محفظة التمويل غير المصرفية تنمو بشكل كبير جدًّا في مصر لأنها على عكس البنوك كما أشار بعض الزملاء، نظرًا لاعتمادها على التمويل المصرفي في المقام الأول مما يدفعها إلى توظيف محفظتها في إقراض الشركات للمساعدة في نموها، ويأتي ذلك على الرغم من أن معظم الشركات التي تمولها لا تصنف ضمن الشركات ذات الصفقات الكبيرة أو الصفقات الضخمة.

من الصعب رواج الاستثمار المباشر في الملكية الخاصة في ظل سعر الفائدة المرتفع

أما بالنسبة إلى الاستثمار في الملكية الخاصة Private equity ما زال يواجه إحدى المشاكل مثلما أشار الأستاذ أحمد، وهي أن عند دخول أي مستثمر مصر ينظر إلى العائد على أنه مُحمل بالفائدة، بمعنى أن سعر الفائدة هو عبارة عن الحد الأدنى المطلوب بالإضافة إلى العائد المتوقع وبالتالي من الصعب جذب الاستثمار غير المباشر بشكل كبير في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة مع وجود متطلبات لخلق عوائد استثمارية ضخمة.

سعر الصرف المرن أحد العوامل الإيجابية ويبشر بنتائج جيدة

ولكن إذا نظرنا إلى النقاط الإيجابية.. أرى أن سعر الدولار المرن الذي تم تطبيقه خلال الفترة الماضية هو أحد الإيجابيات الكبيرة المُتحققة، نظرًا لأنه بصراحة شديدة وجود نفس النظام الذي كان يتم سريانه خلال السنوات الماضية وهو تثبيت سعر الصرف لمدة طويلة جدًّا ومن ثم يتبعها تعويم بشكل كبير وهو ما يصاحبه تضخم كبير، لا يمكن أن يكون مفيدًا في الفترة المقبلة.

وبالتالي سعر الصرف المرن هو أحد العوامل الإيجابية نظرًا لأننا نرى أن المستثمرين وخاصة الأجانب ينظرون إلى سعر الصرف المرن بشكل إيجابي للغاية خلال الفترة الماضية، بدعم من تحرك سعر الصرف بشكل مستمر على حسب العرض والطلب، وأُؤكد حتى إذا كانت هذه العملية ستأخذ وقت لاعتيادها ولكنها سيتبعها انعكاسات إيجابية خلال الفترة المقبلة.

دون وجود استثمار محلي قوي من الصعب للغاية جذب الاستثمار الأجنبي

أُشير في النهاية إلى النقطة التي أشرت إليها وهي الاستثمار المحلي، أرى أنه دون وجود استثمار محلي قوي من الصعب للغاية جذب الاستثمار الأجنبي، ستظل بعض الاستثمارات الأجنبية تتدفق من الدول الخليجية على غرار الفترة الماضية بجانب بعض الاستثمارات القليلة القادمة من دول أجنبية أخرى، ولكن في ظل عدم وجود نشاط كبير للقطاع الخاص المصري من الصعب للغاية استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر.

ضرورة التعامل مع قراءات مؤشر مديري المشتريات

أمر آخر، مؤشر مديري المشتريات الذي يصدر تقريبًا كل شهر فهو أحد أهم العوامل التي ينظر إليها الاقتصاديين للحصول على رؤية حول هل القطاع الخاص المصري ينكمش أم يتوسع، ومثلما كان واضح سواء في صناعة الأدوية أو صناعة الأغذية فإن هذا المؤشر يدل على انكماش القطاع الخاص في معظم الفترات الماضية.

نتوقع نزول سعر الفائدة خلال الربع الأول من 2025

وأُؤكد على ضرورة التعامل مع قراءات هذا المؤشر خلال الفترة المقبلة، وقد يكون مع نزول سعر الفائدة إذ إن الشركة تتوقع حدوثها خلال الربع الأول من 2025 بالتزامن مع هبوط معدلات التضخم سنرى نشاط أكبر للقطاع الخاص المصري بدعم من الإقتراض بأسعار مناسبة تساعده على التوسع وهو ما يمكنه من زيادة استثماراته وحينها نستطيع اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مصر بشكل أفضل خلال الفترة المقبلة.

د. خالد سري صيام: شكرًا جزيلًا الأستاذ كريم.. مرة أُخرى نركز على فكرة الاستثمار المحلي وكيفية دعمه وكيفية توجيه مدخرات المصريين بدلًا من الاتجاه السائد في الشهادات والودائع البنكية والحصول على الفائدة السهلة، إلى خلق فرص عمل وخلق فرص استثمارية. هذا بالإضافة إلى أن اتجاه الاستثمار المحلي إلى الخارج بات واضحًا، وليس فقط تراجع الاستثمار الاجنبي بل أن الاستثمار المحلي أيضًا أصبح يتجه إلى الخارج سعيا وراء تنوع استثمارات محفظته.

نقطة مهمة أخرى، وهي تشجيع القطاع الخاص والاستثمار المحلي، أتصور أن جزءًا من أدواته التي أشار إليها سواء وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية ووزير المالية في مؤتمر جريدة حابي الخاص بتضمين القطاع الخاص المرتبط بتسقيف الاستثمارات العامة والمتعلق وتحقيق انضباط مالي ومبادرات اجتماعية لتحقيق الحماية الاجتماعية فكلها أمور مهمة وأتصور أن الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص ربما تلعب دورًا مؤثرًا.

وأعتقد أن الشراكة بين القطاع العام والخاص ما زالت لم تأخذ الشكل المطلوب في مصر كما ينبغي في تحقيق المستهدفات الموضوعة أثناء التقنين والتشريع لها، ولكن أتصور أن في السنوات الأخيرة عادت وتيرة تحقيق إنجاز في هذا الأمر وهو ما يمثل أهمية، وأعتقد أن دعم مشاركة القطاع الخاص للقطاع العام عبر وجود مشروعات مشتركة بينهما ربما تكون وسيلة لتحقيق كل الأهداف المنشودة، من تقليل الاستثمارات العامة وتشجيع القطاع الخاص وإكفال تقديم خدمة بمستوى أعلى وبسعر تنافسي أفضل.

وفي الحقيقة لا يوجد أفضل من الصديق العزيز الدكتور عاطر حنورة ليحدثنا في هذا الموضوع، فهو المهندس الذي غار من القانونيين فحصل على ليسانس الحقوق وله خبرة كبيرة في مجال التعاقدات العامة وعلى الأخص في استخدام أدوات الشراكة، وبدأ على نحو مختلف إذ بدأ من القطاع الخاص ثم البنك الدولي واستقر في القطاع الحكومي كرئيس لوحدة الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص في وزارة المالية، وكان له دور كبير منذ اليوم الأول في فكرة الشراكة بدءًا من وضع القانون ولائحته التنفيذية وعقوده النموذجية وتأسيس الوحدة.

وأتصور أنه في الوضع الحالي بدأ يكون هناك زخم في هذا الإطار من خلال وجود 10 مشروعات للشراكة طُرحت بالفعل وعدد من المشروعات أيضًا في إطار الطرح.

د. عاطر حنورة، كيف ترى إمكانية أن تساهم مشاركة القطاع العام مع القطاع الخاص مرة أُخرى في تحقيق الإصلاح المرن عنوان هذا المؤتمر، وفي مواجهة التضخم عنوان هذه الجلسة.

مؤتمر جريدة حابي.. حنورة: توزيع المخاطر في عقود المشاركة يجذب المستثمرين لمشروعات البنية الأساسية
عاطر حنورة رئيس الوحدة المركزية للمشاركة مع القطاع الخاص بوزارة المالية

عاطر حنورة: القطاع الخاص يمتلك المرونة اللازمة أكثر من القطاع الحكومي

د.عاطر حنورة: أشكرك دكتور خالد.. أولًا المشاركة ما بين الحكومة والقطاع الخاص هو الشق الآخر لدخول القطاع الخاص أو زيادة حجم القطاع الخاص في الاقتصاد المصري، لدينا مشروعات اقتصادية وتجارية يقوم بها القطاع الخاص بالفعل وقد تدخل الدولة في هذه المشروعات كمساهم أو مشارك، ولكن الشق الآخر هو أن مشروعات البنية الأساسية والمرافق العامة والخدمات العامة المنوط بالدولة القيام بها وتقديم الخدمة لسد احتياجات المواطنين.

هذه المشروعات تشمل الموانئ والطرق والمستشفيات والمدارس ومحطات الصرف الصحي ومحطات تحلية المياه وما إلى ذلك من كل القطاعات العامة.

نظام المشاركة مع القطاع الخاص يتيح للقطاع الخاص القيام بهذه المشروعات وبالتالي يصبح التمويل عبئًا على مقدم الخدمة أو المستثمر، ودائمًا نقول عنه مقدم الخدمة لأنه في النهاية الدولة تشتري منه الخدمة أو يُرخص له بتقديم الخدمة مباشرةً إلى المستفيد.

وأُشير إلى أن مشروعات المشاركة مع القطاع الخاص هي تصب في الأساس في عنوان هذه الجلسة وعنوان هذا المؤتمر وهي المرونة والعبور الهادئ، وبلا شك القطاع الخاص يمتلك المرونة اللازمة أكثر بكثير من القطاع الحكومي، بدعم من أن القطاع الخاص يمتلك الأدوات والنظم الإدارية غير الموجودة في القطاع الحكومي، المكبل بقواعد ولوائح وقوانين وآليات يجب أن يتعامل من خلالها لإدارة المال العام، أما القطاع الخاص هو الأكثر مرونة في ذلك، وبالتالي عند إسناد هذه المشروعات إلى القطاع الخاص يتم الحصول على خدمة أفضل وإدارة أفضل للمشروع، فالخدمة المقدمة إذا كانت للدولة أو المستفيد المباشر هي خدمة أفضل.

وبالتالي التوسع في هذا الأمر سيكون من ضمن نتائجه عبور هذه المرحلة بشكل أكثر مرونة وأكثر إيجابية.

التعاقد لمدة 20 أو 30 عامًا يثير قلق القطاع الخاص ويعتبر التحدي الأكبر

التحدي الأكبر هو كيفية المشاركة بين القطاع الخاص والقطاع الحكومي في تعاقد لمدة 20 أو 30 عامًا وهو أمر يثير قلق القطاع الخاص لارتباطه بعقد طويل الأجل مع الحكومة مما يشكل بعض المخاطر من وجهة نظر القطاع الخاص.

إعادة توزيع المخاطر بين القطاعين العام والخاص تُخفف من وطأة المخاوف

وأرى أن الأداء الاحترافي في هذا الأمر يكمن في كيفية توزيع المخاطر، حيث إن عملية دراسة المشروع ودراسة المخاطر المحتملة وإعادة توزيعها ما بين القطاع الخاص والعام بحيث أن تقل تكلفة المشروع الإجمالية لأن هناك بعض المخاطر المسيطرة، أرى أن القطاع الخاص هو الأقدر على التعامل مع هذه المخاطر بمرونة أعلى من الحكومة، وبالتالي هو ما سيقلل تكلفتها.

والعكس صحيح بمعنى أن هناك بعض المخاطر التي يجب أن تتحملها الحكومة لأن القطاع الخاص لا يستطيع تحملها، ومنها تغيير سعر الصرف والفائدة العالية والتضخم فكل هذه الأمور عبارة عن آليات ومشاكل بل دعني أقول إنها مخاطر شديدة التأثير.

دعم مشروعات الشراكة مع القطاع الخاص تأصل في وثيقة سياسة ملكية الدولة

وأرى أنه يجب أن تتحمل الدولة هذه المخاطر في مشروعات الشراكة مع القطاع الخاص، وأن تضع لها الآليات الفعالة.

ولكن تكمن المشكلة الكبرى في هذه المشروعات هي العقد، وفي الحقيقة العقد ينتج عن هيكلة المشروع من خلال تحديد الحد الفاصل ما بين دور القطاع الحكومي أو دور الجهة الإدارية، ودور القطاع الخاص.

وبالتالي جميع الحقوق والالتزامات للطرفين تتسم بالوضوح في العقد، وبالطبع العقود طويلة الأجل بهذا الشكل من الصعب التوقع حيال ما يحدث خلال فترة الـ 20 أو 30 عامًا للتحوط المطلوب ووضعه في العقود وهذا بالتأكيد أمر صعب، ولكن العقد يضع الآليات الواضحة لمواجهة هذه المشكلة.

طرحنا آلية لاقت قبولًا كبيرًا من القطاع الخاص تتحمل التغيير المفاجئ لسعر الصرف

بدأنا في عام 2006 في نظام المشاركة مع القطاع الخاص، وبدأنا فعليًّا في مشروعات في عام 2008، وهناك بعض المشروعات الناجحة للغاية مع قرب الانتهاء من تسليمها للدولة بنهاية العقد في 2028 و2029، فهذه العقود مرت بمخاطر ومشاكل عديدة للغاية ومنها التعويم وبرامج الإصلاح الاقتصادي بجانب مشاكل عديدة للغاية، ولكن ثبت بالفعل أن الآليات الموجودة في العقد والتي يتم تطويرها طوال الوقت أدت إلى أن هذه العقود عبرت بسلام هذه المرحلة وتخطت هذه المخاطر.

العقود المتوازنة الجيدة ومن خلال توزيع المخاطر بشكل جيد ما بين الحكومة والقطاع الخاص، أدى إلى الاستفادة واستغلال مرونة القطاع الخاص وتحمل الدولة أو الجهة الإدارية بعض هذه المخاطر.

الموضوع الهام جدًّا في هذه المنظومة، أن مشروعات البنية الأساسية والمرافق العامة والخدمات العامة من خلال آلية المشاركة مع القطاع الخاص، تعمل تغيير دور الدولة من مقدم خدمة، إلى منظم ومرافق الخدمة، وهذا هو الدور الأساسي للدولة.

هذا الأمر يتطلب حسن إدارة العقود نظرًا لأنها طويلة الأجل لإدارة المرافق العامة والخدمات العامة، ويجب أن تعمل بانتظام، مع عدم وجود أي مجال لتأثر هذه الخدمة بأي شكل من الأشكال، وبالتالي يجب صياغة هذه العقود بشكل جيد.

بنود عقود الشراكة توفر الحماية للقطاع الخاص من معدلات التضخم

هناك نقطة مهمة أخرى، وهي أن القائمين على هذه العقود من قبل القطاع الخاص والقطاع العام وهو ما يطلق عليه إدارة العقود وهو مختلف تمامًا عن إدارة المشروعات. إدارة العقود تتطلب العقود طويلة الأجل وهو عبارة عن فريق من الفنيين والقانويين والماليين لإدارة هذا العقد من المناحي كافة، وأُشير إلى أن هذا الأمر بدأ يتأصل في الدولة خلال الفترة الماضية.

وبلا شك أن صدور القانون الخاص بالمشاركة بين القطاعين العام والخاص في عام 2010 فيما صدرت لائحته التنفيذية في 24 يناير 2011 أي قبل الثورة بيوم واحد، تأثرنا بلا شك خلال فترة عدم الاستقرار الاقتصادي وعدم الاستقرارالسياسي. إلى أن بدأنا مرة أُخرى في 2016 بالتزامن مع مشروعات الكهرباء والطاقة الجديدة والمتجددة.

الدعم السياسي لمشروعات المشاركة مع القطاع الخاص، في الفترة الأخيرة، بدأ يكون أكثر وضوحًا، وهو ما تأصل في وثيقة سياسة ملكية الدولة التي صدرت خلال العام الماضي مع توجه واضح من الوزرات والهيئات لمشروعات المشاركة.

التمكن من إغلاق 10 مشروعات خلال العام الماضي

وأُشير إلى التمكن من إغلاق 10 مشروعات خلال العام الماضي، فيما اجتمعت اللجنة العليا لمشروعات المشاركة مع القطاع الخاص الشهر الماضي وقدمت 12 مشروعًا جديدًا في مجالات مختلفة، ومنها 6 مشروعات تم الموافقة على طرحها وطرحت بالفعل الأسبوع الماضي، وبصدد طرح مشروعات جديدة في مجالات مختلفة تضم المياه والكهرباء وتدوير المخلفات وما إلى ذلك.

تقديم 12 مشروعًا جديدًا ومنها 6 مشروعات تم الموافقة على طرحهم

وأُشدد على أن هناك حالة من الوضوح التام لتوجه الدولة إلى مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والمرافق والخدمات العامة، أما طريقة معالجة المخاطر سأتناولها لاحقًا.

د. خالد سري صيام: أشكرك على هذا الإيضاح وأتصور أنه يؤكد على أن هذا النمط من أنماط العقود ربما يكون وسيلة من وسائل عبور تحديات مرحلة الإصلاح، سنناقش هذا الطرح في الجولة الثانية من الأسئلة واسمحوا لي أن أبدأها بالعكس سأبدأ من الدكتور عاطر مرة أُخرى لينهي حديثه، في الحقيقة حضرتك تحدثت عن إدارة العقود ومرونة صياغتها وإعادة توزيع المخاطر بين الأطراف على مدار فترة زمنية طويلة وهي مسألة في غاية الصعوبة،

د. خالد سري صيام: إدارة العقود ومرونة صياغتها وإعادة توزيع المخاطر بين الأطراف على مدار فترة زمنية طويلة مسألة في غاية الصعوبة

وقد تكون واحدة من أهم الصعوبات التي تجعل المستثمر أو الممول لأن المستثمر في النهاية هناك من يموله ويرغب في ضمان عودة أمواله من خلال عوائد هذه المشروعات فيما يسمى بتمويل المشروعات، قضية كيف تدير عقود الشراكة في ظل التغيرات المتعلقة بسعر الصرف أو سعر الفائدة، باعتبار أنها عندما تكون بهذا الشكل المفرط، يكون لها جانب كبير من التأثير، وربما تدفع المستثمر ومن ورائه الممول، إلى التردد في الدخول في عقود طويلة الأجل، بتمويلات طويلة الأجل خاصةً أن ما زالت مدد عقود التمويل الموجودة في مصر قصيرة الأجل وليست بهذا الحجم.

أعلم أنه سؤال فني وأود أن أتعرف على إجابتك ولكن بشكل مختصر وسريع للسماح بأخذ جولة أُخرى من الأسئلة لبقية المتحدثين.

د. عاطر حنورة: في البداية مشروعات المشاركة مع القطاع الخاص بشكل عام كما تفضلت لها 3 محاور أساسية، وغياب أي محور منهما المشروع ينهار، المحور الأول هو هدف الحكومة من طرح المشروع، والمحور الثاني هو إقبال القطاع الخاص وقابليته على الدخول في هذا المشروع، أما المحور الثالث أو الشريك الثالث هو البنوك وجهات التمويل، وبالتالي إن لم يكن هيكل المشروع وهيكل العقد جاذب للقطاع المصرفي أو الجهات التمويلية لتمويل هذه المشروعات يصبح المشروع أعرج أو بمعنى آخر لا ينجح.

وبالتالي عند هيكلة المشروع نستقي آخر التطورات في السوق من خلال معرفة الشروط التي تضعها البنوك، وما هي المخاطر التي تتحملها البنوك، والمخاطر الأخرى التي تراها Deal breaker بمعنى أنها مخاطر لا تستطيع تحملها، وبالتالي يتم هيكلة المشروع بالشكل الذي يحقق أهداف الدولة ويكون جاذب للقطاع الخاص وقابل للتمويل من وجهة نظر القطاع المصرفي للإقبال عليه أو الترحيب بتمويله.

من المعروف أن التحديات الأساسية التي تمت مواجهتها خلال الفترة الماضية هي سعر الصرف والتضخم وما إلى ذلك، فيما ظهرت نقطة أُخرى مهمة للغاية وهي أن كل مشروع يدرس على حدة وفي وقته، بمعنى أن إذا تم عمل مشروع وليكن محطة كهرباء أو محطة صرف صحي أو محطة تحلية للمياه خلال العام الماضي، فإذا تم عمل نفس المشروع في نفس المنطقة قد يختلف، وهيكلته أيضًا قد تختلف نظرًا لاختلاف البيئة التشريعية والاقتصادية فضلًا عن مواجهة البنوك والجهات التمويلية بعض المخاطر ويتعين اتخاذها في الحسبان، ولذلك هيكلة المشروع تختلف تمامًا.

أمر آخر، في السابق كانت بعض الدول الأُخرى تجعل القطاع الخاص يلجأ إلى تضمين أعباء التضخم في التسعير، وهذا النهج لا يمكن تطبيقه حاليًا حتى في الدول التي كانت تتبعه، مع توجهها إلى Unit repayment إلا أنها تراجعت عنها خلال الفترة الأخيرة بالتزامن مع ارتفاع معدلات التضخم.

في المقابل، عقود الشراكة مع القطاع الخاص في مصر تجعله يقدم تسعيره للخدمة بسعر اليوم على أساس أن التضخم صفر، كما نقدم في العقود مؤشرًا محددًا متفقًا عليه، على أن يحدد مصدر إصدار هذا المؤشر كل عام قيمة التضخم الفعلية الحاصلة ومن ثم يتم إضافتها إلى تكلفة الخدمة المقدمة للحكومة أو المشتري.

وبالتالي بنود عقود الشراكة توفر الحماية للقطاع الخاص من معدلات التضخم التي لا يمكن أن يتوقعها، ومن ثم إذا جعلت نسبة التضخم أو مخاطر التضخم على القطاع الخاص سيضع نسبة عالية للغاية للتحوط منها، وهو ما يؤدي إلى زيادة التكلفة الإجمالية للمشروع.

ولذلك من المنطلق الصحيح أن تضع هذه المخاطر على الجانب الحكومي وفي هذه الحالة ستقل تكلفة المشروع مع دفع الحكومة التضخم الفعلي.

أما النقطة الأُخرى، بما أن مدد عقود التمويل قصيرة الأجل وسعر الفائدة متغير بجانب أنه مرتفع حاليًا، ففي المشروعات الأخيرة التي طُرحت خلال آخر 4 – 6 شهور الماضية، نمنح القطاع الخاص إمكانية تقديم تسعيره على أساس مذكرة الأحكام والشروط التي حصل عليها من البنك حاليًا، ثم نعيد النظر سنويًّا في سعر الفائدة، بحيث في حالة زيادة سعر الفائدة أو انخفاضها نقوم بحسابها بناء على Outstanding debt ومن خلالها نعدل سعر الخدمة المُقدمة للدولة، ويتم وضع مخاطر تغيير السعر على الدولة، وهنا تتغير مدد عقود التمويل سنويًّا وهو ما يجعل البنوك أكثر ارتياحًا، ففي السابق كانت مدتها كل 5 سنوات ثم أصبحت كل 3 سنوات أما الآن باتت كل عام.

وأعتبر أن تغير مدتها يُعد الأفضل للقطاع الخاص والحكومة لأن سعر الفائدة المرتفع حاليا مثلما قال الزملاء من المتوقع نزوله خلال الشهور القليلة المقبلة، وهو ما يمنح فرصة أكبر للدولة.

أما الأمر الأخير، والذي يمثل تغييرًا كبيرًا للغاية في طريقة طرح المشروعات، وهو سعر الصرف، في البداية كنا نجعل القطاع الخاص يقدم سعره بالجنيه المصري مع تقديم مقابل الخدمة بالجنيه المصري أيضًا، بينما حاليًا مع التغيير الكبير في سعر الصرف أصبح هناك مخاوف ومخاطر لا علاقة للقطاع الخاص بها، ولذلك بدأنا في طرح آلية لاقت قبول كبير من القطاع الخاص، وهي أن سعر الخدمة وليكن 10 جنيهات مجازًا لتحلية متر مكعب مياه، تُشكل نسبة المكون الأجنبي من القيمة الاستثمارية 40% مجازًا، وفي هذه الحالة نُطالب القطاع الخاص بتقديم جزء من سعره بالجنيه والجزء الآخر بالدولار، مع دفع القيمة المقومة بالدولار بالجنيه المصري في تاريخ السداد، وفقًا لسعر الصرف الموجود، وبسعر البيع، وبالتالي يتم تخفيف وطأة المخاطر على القطاع الخاص، من تحمل التغيير المفاجئ لسعر الصرف، وهذه آليات تم اتخاذها بسبب المخاطر التي طرأت خلال الفترة الأخيرة نتيجة لبعض الإصلاحات الاقتصادية أو تداعيات الاقتصاد العالمي الذي يؤثر على مصر كأي دولة من دول العالم.

د. خالد سري صيام: شكرًا جزيلًا د. عاطر على هذه الإجابة، وهي في النهاية حسبما تقول إن التسعير في عقود الشراكة أصبح مرنًا مما يسمح بإعادة النظر في هذا التسعير سواء بناءً على تغير سعر الصرف أو معدل العائد أو التضخم، وأرى أن ذلك قد يكون أمرًا إيجابيًّا في تاريخ تجارب المشروعات، ولكن أيضًا على الجانب الآخر يجعل التزامات الدولة طويلة الأجل متغيرة وربما تحتاج منها إلى مزيد من الحرص في إبرام هذه العقود طويلة الأجل في فترات التضخم المفرط أو أسعار الفائدة المرتفعة.

سأعود إلى الأستاذ كريم عوض مرة أُخرى وسأسأل سؤالين سريعين بشكل مباشر وأرجو من الزملاء الإيجاز لضيق وقت الجلسة. ما هو موقف الاندماجات والاستحواذات من تحقيق أو المساعدة في تحقيق الإصلاح المرن؟ وهل تأثرت بالموجات التضخمية وبالتالي قَلت وتيرتها؟ وهل من الممكن استخدامها كوسيلة تحوطية للمساعدة في نمو الاستثمارات من خلال الإندماجات على وجه الخصوص؟ أما الأمر الأخير يتعلق بفرص إعادة تقييم الأصول.. هل أفادت الشركات في قدرتها على الاندماجات والاستحواذات أم لا؟

كريم هوض: أرى إمكانية تسارع وتيرة الاندماجات والاستحواذات خلال الفترة المقبلة

كريم عوض: سأُعلق سريعًا جدًّا بالنسبة للاندماجات والاستحواذات فهي من الأدوات المهمة للغاية، وأرى أنه كلما كبرت الكيانات تزداد قدرتها على المنافسة، ورأينا خلال الفترة الماضية حتى في ظل بعض المعوقات الراهنة، عمليات اندماج واستحواذ وكان آخرها على سبيل المثال إحدى الشركات الدنماركية التي تسعى للاستحواذ على أحد شركات منتجات الألبان في مصر، وهي قد تكون أحد أوائل الاندماجات أو الاستحواذات التي تتم من طرف خارج دول الخليج، ولذلك أرى إمكانية إسراع وتيرة الاندماجات والاستحواذات خلال الفترة المقبلة.

أما بالنسبة للاستحواذات عن طريق Private equity funds أرى أنها نوعًا ما أصعب، وبالتالي نجد في حالات كثيرة أنه يتم الاستحواذ حصص أقلية في الشركات، أما الشركات الإستراتيجية لا تتأثر بشكل كبير بالتحديات الموجودة نظرًا لاتخاذ مدى استثماري طويل للغاية.

وعلى صعيد إعادة تقييم الأصول، لا أرى أنها تعوق أو تُساعد الاندماجات والاستحواذات، نظرًا لأن كثيرًا من أساليب التقييم لا تتم على الأصول ولكن تتم عن طريق التدفقات النقدية أو مضاعفات الربحية.

د. خالد سري صيام: شكرًا جزيلًا على اختصار الرد إلى حد كبير، سأنتقل إلى الأستاذ أحمد علي عبد الرحمن.. ربما صدر أخيرًا من دولة رئيس الوزراء معيار محاسبي خاص بكيفية التعامل مع التضخم المفرط، ويعتبر تطبيقه مرتبطًا بصدور قرار آخر من دولة رئيس الوزراء بميعاده ومدته، ونأمل مع توقعات العام المقبل بانخفاض أسعار الفائدة، أن نكون في مأمن من تطبيق هذا.

دعني أسألك تحوطًا، في حالة أو في تصور تطبيق المعيار المحاسبي الخاص بالتضخم المفرط، فما هو تأثيره على الاستثمارات المباشرة الأجنبية بشكل أساسي قبل المحلية من وجهة نظرك؟

أحمد علي عبدالرحمن: أستبعد حدوث اندماجات لأنها تحتاج إلى معالجات ضريبية ومحاسبية كثيرة

أحمد علي عبد الرحمن: أتفق مع الأستاذ كريم على أن التأثير في الأساس سيكون دفتريًّا أكثر منه تأثيرًا على التدفقات النقدية، وبالتالي في عمليات الاستحواذات على وجه الخصوص، ينظر المستثمر الإستراتيجي إلى قدرة الشركات على توليد تدفقات نقدية إيجابية خلال الفترة المقبلة.

أعتقد أن التأثير محدود، وقد يكون هناك تأثير في المعالجات المحاسبية والقانونية، وقد تحتاج إلى وقت في الفترة المقبلة لحين وضوح الرؤية فيما يتعلق بكيفية التعامل مع المعيار على الأخص 51 والقوائم المالية.

فيما يتعلق بالاستثمارات المباشرة، أعتقد أنها لا علاقة لها بالمعيار وإنما لها علاقة بدورة التيسير المتوقعة خلال الربع الأول من العام المقبل وتوقعات انخفاض سعر الفائدة. وفي الحقيقة هناك اهتمام من جانب المستثمرين الأجانب على وجه الخصوص، ومثلما قال الأستاذ كريم إن المستثمرين الإستراتيجيين دائمًا يقودون في المرحلة الأولى لأنهم يمتلكون تصور ومدى استثماري طويل، ومن ثم يليهم صناديق الملكية الخاصة أو المستثمرين لأن المدى الاستثماري الخاص بهم أقل إلى حد كبير.

ولذلك أتوقع إتمام مجموعة استحواذات خلال الفترة المقبلة، وخاصةً في القطاعات التي بطبيعتها قطاعات دفاعية، ومنها كل القطاعات التي تحدثنا عنها.

في المقابل، أستبعد حدوث اندماجات لأن ثقافة الاندماج والتطبيق والتنفيذ تأخذ وقتًا وتحتاج إلى معالجات ضريبية ومحاسبية كثيرة، ولذلك أتوقع حدوث صفقات استحواذ إستراتيجية.

طرح المصرف المتحد في البورصة سيتبعه عمليات طرح أخرى

وأعتقد أن طرح بنك المصرف المتحد في البورصة مثلما رأينا، ستتبعه عمليات طرح أخرى في سوق رأس المال، وبالتالي إذا اجتذبنا استثمارات مباشرة إستراتيجية مع نشاط سوق رأس المال من الممكن أن نكون في بداية الطريق الصحيح.

د. خالد سري صيام: شكرًا على النظرة المتفائلة، ونأمل في أن تكون الشهية أكثر انفتاحًا خلال الفترة المقبلة، بانخفاض قريب في سعر الفائدة، وتحسن مستويات التضخم على الأقل، باعتبار أن سنة الأساس سيكون نسبها عالية، وبالتالي ستكون الشهية الاستثمارية أكبر.

سأنتقل إلى الأستاذة عبير لهيطة مرة أُخرى.. الصناعات اللوجستية أو الخدمات اللوجستية تتأثر بالتأكيد بكل ما يحدث في المنطقة من أحداث جيوسياسية بشكل مباشر، سأخرج عن نطاق المستوى المحلي إلى المستوى الإقليمي، ما هو تأثير كل التطورات التي نُعاصرها اليوم في الأجل القريب أو المستقبل القريب مع صعوبة التنبؤ بالأحداث ولو على الأجل المتوسط؟

عبير لهيطة: من الصعب التكهن بمدة انتهاء توترات البحر الأحمر

عبير لهيطة: عندما بدأت هذه الأزمة تخيلت أنها قد تستمر لنحو شهر أو شهرين على أقصى تقدير ومن ثم ستزول، أما اليوم مثلما قُلت أصبح من الصعب التكهن حول مدة انتهاء توترات البحر الأحمر، ومما لا شك فيه أن له تأثيرات كبيرة على حركة البضائع عالميًّا، هذا بالإضافة إلى تبعاته على المستوى المحلي وهو ما أثر على مصر بشكل كبير وأثر على المستوى الاقتصادي من انخفاض إيرادات قناة السويس، كما أثر أيضًا على ارتفاع تكلفة الشحن بشكل كبير للغاية.

في الحقيقة سوق الشحن شهدت تقلبات كبيرة على مدار عدة سنوات بدايةً من كورونا ثم بعد ذلك بدأت الأوضاع تستقر ومعها أسعار الشحن أيضًا، ولكنها عاودت الارتفاع بشكل كبير، بجانب تأثيرها على أن هناك خطوطًا ملاحية كثيرة كان مسارها الطبيعي العبور من قناة السويس وبالتالي تخدم الموانئ المصرية والبضائع والصادرات المصرية المتوجهة من مصر إلى الخارج، وعندما غيرت مسارها أصبح هناك ضرورة لإيجاد بدائل أُخرى ملاحية وقد تكون تكلفة هذه البدائل أعلى بكثير.

ولكن دائمًا حركة اللوجستيات توجد حلول لنقل البضائع من مكان إلى مكان آخر، ومن ضمن هذه الحلول مثلًا أننا بدأنا في الشركة في تقديم خدمة الترانزيت للسماح بعبور البضائع بشكل أسرع من أوروبا إلى آسيا عبر الأراضي المصرية.

لا يوجد بديل حقيقي لقناة السويس بدعم من أنها أفضل مسار ملاحي

وأرى أنه من الضروري التركيز على المدى البعيد بشكل أكبر، لأن هذه الأزمة مهما طالت من المؤكد أنها ستنتهي، كما أرى أنه ما زال عالميًّا لا يوجد بديل حقيقي لقناة السويس، فهي أفضل مسار ملاحي، وتقدم فرق في تكلفة السُّفن بشكل كبير للغاية.

وأرى أن الدولة المصرية اتخذت خطوات مهمة للغاية لتصبح مصر مركز إقليمي للوجستيات مثلما قُلت، بدعم من ضخ استثمارات كبيرة في الطرق، بجانب ضخ استثمارات كبيرة للغاية في الموانئ، وهو ما يدل على أن كل الشركات العالمية في مجال الملاحة ترى أن مصر تمتلك فرص واعدة وتعتبر قوة ارتكاز للتجارة في حركة النقل ما بين القارات المختلفة في المنطقة.

فكل الشركات الملاحية وشركات إدارة المحطات المختلفة، أصبح لها استثمارات كبيرة في مصر، وهو ما يؤهلنا للمرحلة المقبلة لتكون مصر مركزًا لسوق النقل في العالم، وهو ما يوفر مصدر كبير للعملة الصعبة في المستقبل بجانب زيادة الناتج المحلي.

أما الأمر الذي ينقصنا هو تسريع وتيرة الرقمنة، وتسهيل النظم التي تسمح بعبور البضائع، بما فيها الجمارك وكل الجهات الرقابية التي تمثل عائق وتستهلك وقتًا كبيرًا.

د. خالد سري صيام: شكرًا جزيلًا.. قد أشرتِ إلى نقطة أُخرى مهمة وهي استغلال ما تم إنجازه بالفعل من البنية التحتية وتطويرها، وأعتقد أنه واحدة من ضمن وسائل تجاوز هذه التحديات الاقتصادية والتضخمية مع التركيز بشكل أكبر على استخدام ما تحقق من تطوير في البنية التحتية والرقمنة واستخدام التطور التكنولوجي الابتكاري، بما يزيد من كفاءة وفعالية استخدام موارد الإنتاج التي أتصور أن مصر ما زالت تمتلك الكثير منها، ومثلما قُلتي بنظرة متفائلة، كما ستظل مثلما قال المهندس هاني في البداية هي قلب العالم من المنظور الجيد، وهي أيضًا قلب العالم الذي يتأثر بكل الأعراض المرضية.

نعود إلى المهندس هاني برزي مرة أُخرى.. باعتبار أننا أجرينا جلسة نقاشية مختلفة في إشكاليات التمويل وإشكاليات كفاءة استخدام الموارد وإشكاليات النقل اللوجستي، وبما أن شركة إيديتا لها وضع خاص باعتبار أنها من الطروحات أو من القيد الذي تم في البورصة وكان يمثل نجاح طيب، فكيف ساهم سوق المال مثلما ذكر الدكتور إسلام عزام صباحًا، في نصف التمويل غير المصرفي تقريبًا فإذا كان 650 مليار جنيه فإن مساهمات سوق المال بأكثر من 300 مليار جنيه.

بدأت إيديتا من وجودها في سوق المال في الحصول على التمويل أو في تجاوز عقبات التمويل .. فهل تحققت هذه الاستفادة أم لا؟

هاني برزي: قطاعات التصدير عظمت استفادتها من فرق سعر العملة

هاني برزي: بالطبع لا.. لأن الهدف الأساسي من طرح شركة إيديتا في البورصة المصرية لم يكن لتسهيل عميلة التمويل بل بالعكس، كانت وجهة نظري أن الشركات العائلية في مرحلة معينة وعندما تصل إلى مستوى معين يجب أن يتم طرحها في البورصة المصرية، لأنه يجب أن يكون هناك استمرارية واستدامة، لأن معظم الشركات العائلية تعتمد على الجيل الأول، ثم الجيل الثاني في بعض الأحيان، ثم الجيل الثالث الذي دائمًا يكون على المحك مثلما يقال كما نعلم جميعًا.

أما الهدف الأساسي هو استمرارية زيادة الحوكمة وليس اللجوء إلى التمويل، فالشركة لم تُجرِ زيادة في ضخ الاستثمارات أو زيادة لرأس المال، بل بالعكس الشركة كان لديها بعض المساهمين من صناديق الملكية الخاصة إلا أنهم تخارجوا وكانت وسيلة بالنسبة لهم للتخارج، وكان أيضًا هدف وليس فقط خروجهم من البورصة.

اليوم أرى أن التمويل أصبح عبئًا على كل الشركات الصناعية الموجودة في مصر، في ظل ارتفاع سعر الفائدة، وبالتالي كما يُقال دائمًا إن التمويل جزء أساسي من أي مشروع للتوسعات والاستثمارات.

ولكن للأسف الشديد اليوم مرة أخرى في ظل الارتفاع الرهيب في سعر الفائدة أصبح من الصعب الاستثمار، بالإضافة إلى أن الاستثمار أصبح مُكلف للغاية، فهل لك أن تتخيل أن التوسع في خط من خطوط الإنتاج في شركة مثل إيديتا، فإن متوسط تكلفة خط الإنتاج فقط تتراوح بين 8 إلى 10 ملايين يورو، وإذا تم تحويل هذه القيمة إلى الجنيه المصري، تصبح التكلفة من 500 إلى 600 مليون جنيه، لإضافة الخط فقط، بدون المكونات الأُخرى، والمباني والبنية التحتية، فالعملية أصبحت بالغة الصعوبة.

وفي حالة إقتراض نصف هذه القيمة بسعر فائدة 30%، حينها لا تجد عائدًا على الاستثمار في ظل خدمة الدين المرتفعة.

وأرى أن هذا المناخ، إذا لم يشجع القطاع الخاص على العمل في ظل الفائدة العالية فلن يساعد على قدوم الاستثمار الأجنبي، قد نرى صفقات استحواذ بدعم من أن التقييم السعري للشركات منخفض لأي مستثمر أجنبي، وحتى تقييم الشركات المقيدة في البورصة المصرية منخفض. الشركة التي أشار إليها الأستاذ كريم والتي تلقت عرض استحواذ فالسعر المعروض ضعف السعر الموجود في البورصة.

أتمنى أن البورصة المصرية كأداة للاستثمار للأفراد أن تعود من جديد مثلما كانت في سابق عهدها حتى نرى عائد من دخول الشركات في البورصة المصرية.

التمويل أصبح عبئًا لعدم وجود عائد على الاستثمار في ظل ارتفاع خدمة الدين

أتمنى تحسن المناخ العام ووجود رؤية واضحة من الحكومة وأعلم أن هناك مبادرات جادة لتشجيع القطاع الخاص، وسأعود مرة أُخرى إلى الحديث عن التصدير، وأتمنى من خلال هذا المؤتمر وهذه المنصة أن تُصدر الحكومة والمسؤولين عن مساندة ورد الأعباء التصديرية، البرنامج في الوقت المُحدد، نظرًا لأنه لا يجوز مطلقًا الإعلان عن البرنامج دون تحديد المحددات، ثم تأتي بعد أن وضعت الشركات حساباتها على أساس استرداد نسبة من المساندة التصديرية، تعلن تخفيض بنسبة 70% في تحصيل المستحقات فهذه المشكلة مستمرة منذ 15 عامًا، وفي الحقيقة لا أعلم ما هي الصعوبة في ذلك.

ومن المفترض عند منح حافز يتعين الإعلان عنه قبل بدء البرنامج وليس بعد البدء، نظرًا لأنه يُشجع على التصدير وهو ما يخلق فرص عمل ويرفع الاستثمارات، بدعم من أنه لا بديل عن التوجه إلى التصدير في ظل وجود الموجة التضخمية الرهيبة.

د. خالد سري صيام: شكرًا جزيلًا المهندس هاني برزي.. مرة أُخرى بالتأكيد التصدير هو أحد الحلول السحرية، ودعم الدولة للتصدير بمختلف أشكاله سواء من خلال تسهيل عملية دخول البضائع وخروجها، والمناطق الاقتصادية الخاصة أو المناطق الحرة، كلها وسائل قد تُساعد أيضًا في تسهيل مهمة المُصدر في النهاية ليصل إلى غايته بوضوح.

وحضرتك أشرت إلى مشكلة أكبر وهي أنه لا يحب أن أبدأ العملية الإنتاجية أو العملية الاستثمارية على مفترضات معينة ثم أُفاجئ في أثناء العمل بأن هناك تغييرات كبيرة، وبالتأكيد هذه واحدة من أهم التوصيات التي دائمًا نرددها في المناخ الاقتصادي.

هاني بزري: صحيح.. أُشير هنا إلى تحدث الأستاذة عبير عن التخليص الجمركي، ومنذ وقت بعيد تحدثت الحكومة عن خطة لإعداد قائمة بيضاء للإفراج عن البضائع خلال يومين، فيما تستمر عملية الإفراج إلى 3 أسابيع مع تحمل تكلفة أرضيات بالعملة الصعبة وهو ما ينتج عنه هالك مرعب ولا أعلم ما هي الصعوبة في هذا الموضوع.

سوف لا أتحدث عن الدول الكُبرى ولكن سأتحدث عن الدول التي تنافسنا اليوم ومنها المغرب وبعض الدول المجاورة، مسألة التخليص الجمركي لديهم تمتاز بسهولة عالية.

وأُشير إلى أن تأخر التخليص الجمركي في مصر يؤثر على التضخم، وأُنبّه إلى أن هناك نزيفًا رهيبًا من القوى الشرائية المصرية، بدأ من مندوب البيع إلى العامل الفني في المصنع إلى الإدارة إلى الدكاترة إلى المُدرسين.

وأعتقد أن هناك نقطة محورية يتعين أن ننتبه لها وهي أن النزيف الرهيب في القوى الشرائية المصرية، سيدفع الكوادر إلى الهجرة إلى السعودية والخليج، وأُنبّه إلى أنه عند عودة الاستثمار سيكون هناك عجز في الكوادر.

د. خالد سري صيام: النقطة التي تُشير إليها في غاية الأهمية وكان وزير المالية أشار إلى التسهيلات مع التركيز على التسهيلات الضريبية بشكل أكبر، وأُؤكد على أن تسهيل الإجراءات الجمركية حتى بدون الدخول في التعريفة الجمركية وإنما الزمن المُستغرق في التخليص الجمركي سواء في عملية الاستيراد أو عملية التصدير، يترتب علية كُلفة لا شك أنها كبيرة وتُزيد أيضًا الموجة التضخمية، وربما أحد الحلول لعبور هذه الموجات التضخمية في هذه الفترات الحرجة مع ضرورة وجود قدر أكبر من المرونة أو توصية بقدر أكبر من التسهيل في الإجراءات الجمركية.

أنتقل إلى متحدثنا الأول ثم الأخير في السؤال الثاني الأستاذ أحمد عطا.. ما زلت أُركز على صناعة الدواء بالرغم من علمي أن نشاط الشركة التي تُديرها أكثر اتساعًا من الدواء، ولكن أتصور تعظيم المكون المحلي في صناعة الدواء أمرًا يمثل أهمية كبيرة، ويدعم مواجهة الارتفاع المتتالي في أسعار الدواء، الذي يؤثر في النهاية على موازنة المواطن المصري البسيط.

أحمد عطا: تعظيم المكون المحلي في صناعة الدواء أمر ليس سهلًا ويحتاج إلى حلول من القطاع الخاص وليس الحكومة

أحمد عطا: في الحقيقة تعظيم المكون المحلي في صناعة الدواء هو أمر ليس سهلًا على الإطلاق، ولا أتصور أننا نسير في الطريق الصحيح المؤدي له، نظرًا لأن صناعة الدواء تعتمد بالطبع بشكل كبير للغاية على البحث والتطوير، في حين أن مصر لا تلعب دور في هذا الإطار عالميًّا.

ولا أتصور أن محاولات إنتاج خامات دوائية ستلقى نصيبها من النجاح، نظرًا لأن سوق الخامات الدوائية أُوسع وتكاد تكون قد تركزت خلال الـ 30 عامًا الماضية في الهند والصين بمعنى أن المنافسة فيها صعبة للغاية.

في الحقيقة أتصور أنها قد تحتاج إلى نقاش واسع جدًّا بين كل المتخصصين في الصناعة، بجانب كيفية الدخول في الموجة الجديدة لصناعة الأدوية التي أشرت لها Bio similar و Biotechnology لأنها ربما تغير كل ديناميكية صناعة الدواء خلال 10 إلى 15 عامًا، وربما تكون منتجات نصنعها حاليًا، تُصبح غير موجودة أو محظورة خلال سنوات قريبة.

وأعتقد أن موضوع تعميق صناعة الدواء يتعين عدم أخذه بطريقة أن الأزمة الحالية من استيراد المكونات تدفعنا إلى الرغبة في توفيرها، لأنها لا تؤدي بنا إلى الطريق الصحيح. وأرى أننا بحاجة للنظر إلى تصوراتنا لصناعة الدواء في مصر بعد مرور 10 سنوات، وأُشير إلى أن كل منتجات الشركات المحلية تقريبًا هي منتجات مُقلدة وليست منتجات أصلية، والسوق يتراجع، والمستهلك المحلي يُنفق مُعظم علاجه بدون تأمين ويتحمل تكلفته كاملة، وهو ما أثر في الانكماش.

وبالنسبة لمشكلة التسعيرالجبري للدواء، أتبنى رأيًا مخالفًا في هذا القضية مقابل الكثير من زملائي، حيث أنظر لها من منظور متكامل وأرى أن التسعير الجبري ضرورة في عالم الدواء وإلا من الممكن أن تموت الناس.

بل وبالعكس أرى ضرورة تطبيق التسعير الجبري في المستشفيات والمستلزمات الطبية، نظرًا لأنه من الممكن أن تخرج علبة الدواء من المصنع بسعر محدد ولكن في المستشفى تُباع دون سعر مدون عليها.

وفي الحقيقة أتصور أن صناعة الدواء ربما تحتاج بالفعل إلى مناقشات موسعة بين الخبراء وليس بقرار حكومي، مثل إقامة مدينة دواء، ولذلك لا أرى مستقبل في ذلك.

وأود أن أُشير في عُجالة إلى نقطتين قد تحدثت فيهم مع السادة المتحدثين، النقطة الأولى هي كيفية اكتساب ثقة المستثمرين في الخارج وفي الداخل في فاعلية الإصلاح الاقتصادي، نظرًا لأن التقارير التي تصدر خارج مصر تشير إلى أن مصر تعرضت إلى هذه الأزمة على الأقل نحو 8 مرات منذ عام 52، وفي كل مرة من المرات الثمانية كانت تُحل سياسيًّا وليس اقتصاديًّا وبما فيها المرة الأخيرة.

بمعنى أن المرة الأخيرة لم تُحل الأزمة من خلال مؤسسات اقتصادية وقطاع خاص رأت فرص نمو في مصر، وإنما من خلال إتفاقيات حكومية تقديرًا لدور مصر الإستراتيجي وموقعها المهم.

ولذلك فالمستثمر الخارجي الذي يستثمر في مصر منذ 10 سنوات، ورأى تدهور استثماراته في صورة تدهور سعر العملة، يحتاج إلى طمأنته بأن بعد 5 إلى 10 سنوات لن نعود إلى نقطة الصفر.

وأتصور أن الإجراءات قصيرة الأجل لا تؤدي إلى طمأنة المستثمر، بما فيها مرونة سعر الصرف، لأنها غالبًا يتم فهمها على اتجاه واحد وهي تخفيض قيمة الجنيه، ولكن في الحقيقة نحتاج إلى معرفة مرونة سعر الصرف وهي المرونة التي تُعالج الميزان التجاري.

وأعتقد أن من ضمن العوامل التي تطمئن العالم الخارجي على الإصلاح هي وضع سقف للإنفاق الحكومي، لأن الجميع يعرف أن سبب مشكلة التضخم ليس انتعاش اقتصادي كبير أدى إلى رواج وزيادة الطلب، وإنما إنفاق حكومي كثيف في قطاع معين.

وأشير إلى أن مشكلة الإنفاق الحكومي أن آثاره لا تعم على الاقتصاد كله بل بالعكس من الممكن أن تسحب من قطاعات أُخرى مثلما أشرنا في بداية حديثنا.

النقطة الثانية والأخيرة التي أود التنوية لها هي معيار التضخم في القوائم المالية، وفي الحقيقة نظرًا لأن معظم عملي على الشركات المتوسطة، فأعلم حجم المشاكل التي من الممكن أن يُمثلها، كلنا نعلم أنه بعيدًا عن EGX30 الشركات الثلاثين الكبيرة، غالبًا يصعب أن تجد قوائم مالية موثوق فيها، فإذا طبقنا معيار التضخم سيؤدي إلى إرباك كبير للغاية في الشركات، ويتعذر معه إعداد قوائم مالية سليمة أو يوثق فيها.

د. خالد سري صيام: شكرًا جزيلًا الأستاذ أحمد عطا وشكرًا لكل المتحدثين، قد تكون العناوين الرئيسية التي أثرناها جميعًا عنوانها الأول هو التمويل بكل صوره سواء من خلال التمويل المباشر أو التمويل غير المصرفي، ودعوة البنوك إلى النظر في زيادة نسب التوظيف بشكل أكثر عمقًا ومحاولة النزول بأسعار الإقراض إلى أدنى رقم ممكن خاصة بالنسبة إلى الكيانات المستقرة التي تتمتع بمعامل مخاطر أقل.

تحدثنا أيضًا عن بناء الثقة أو تدعيم الثقة ما بين الدولة والقطاع الخاص، عبر التأكد من وضع سقف للإنفاق العام، وأن ترى التيسيرات الضريبية والجمركية التي نتحدث عنها على مدار سنوات طويلة أرض الواقع، وأُؤكد على أن تطبيق تيسير واحد أو تيسيرين سيمنح الثقة في أن الوعود تُنفذ، بجانب تعزيز فرص كفاءة التشغيل بشكل عام سواءً في القطاع الصناعي أو في القطاع اللوجستي أو القطاع الاقتصادي بشكل عام، وتعزيز مختلف صور الشراكة مع مرونة تعامل الحكومة مع القطاع الخاص.

أتصور أنها كلها عناوين تُغلف هذه الجلسة، أشكركم جميعًا وأشكر الجميع على الالتزام بالتوقيتات المُحددة، وأشكر مرة أُخرى إدارة جريدة حابي على دعوتنا إلى هذه الجلسة، وبشكل شخصي تشرفت بوجودي مع المتحدثين، وسعدت بهذا الحوار وأعتقد أن كل الحضور تلقوا جرعة طيبة للغاية من إدراك الحقائق والتحديات وسقوف التوقعات، التي يمكن أن تحدث على الأجل القصير والمتوسط، شكرًا جزيلًا لحضراتكم جميعًا.

الرابط المختصر