الصين تبدأ إجراءات مضادة قبل تولي ترامب.. تحسبا للحرب التجارية

العربية نت _ مع تصاعد تهديدات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية جديدة ضد الصين، تتحرك بكين لاتخاذ إجراءات مضادة قبل أن يتمكن ترامب من تنفيذ تهديداته، بهدف الضغط على واشنطن للجلوس على طاولة المفاوضات قبل اندلاع حرب تجارية شاملة، وفقًا لما يراه محللون.

استفادت الصين من دروس الحرب التجارية السابقة خلال ولاية ترامب الأولى، وتسعى إلى جمع أوراق ضغط لبدء محادثات مع الإدارة الأمريكية الجديدة حول قضايا خلافية تشمل التجارة والاستثمار، وكذلك العلوم والتكنولوجيا، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”.

E-Bank

كما تخشى بكين من الآثار السلبية لفرض تعريفات إضافية على اقتصادها الهش بالفعل.

وأعلنت الصين يوم الخميس الماضي، إضافة عشرات الشركات الأمريكية إلى قائمتها للرقابة على الصادرات، وذلك بهدف “حماية الأمن والمصالح الوطنية”، وفقا لبيان وزارة التجارة الصينية.

وذكرت صحيفة “جلوبال تايمز”، ووكالة أنباء شينخوا الرسمية، أن الصين ستفرض تدابير على 28 كيانا أمريكيا، وستحظر تصدير العناصر ذات الاستخدام المزدوج -مدني وعسكري- لهذه الشركات اعتبارا من يوم الخميس.

تابعنا على | Linkedin | instagram

كما فرضت الصين عقوبات على 10 شركات دفاع أمريكية يوم الخميس بسبب مبيعات عسكرية لتايوان، الجزيرة ذاتية الحكم التي تدعي الصين ملكيتها، وأضافتها إلى “قائمة الكيانات غير الموثوقة”، وفقًا لوزارة التجارة الصينية وتصريحات وكالة الأنباء الفرنسية.

وقال أستاذ الاقتصاد الكلي المشارك في كلية كولومبيا للأعمال، جيسي شريجر، لـ “CBS MoneyWatch”: “يبدو الأمر وكأنه تحذير واضح بأن التصعيد في السياسات الأمريكية ضد الصين، لا سيما تحت قيادة ترامب، سيقابل برد أكثر عدوانية”.

التهديد بعدم بيع السلع ذات الاستخدام المزدوج للشركات المدرجة قد يكون له تأثير كبير، نظرا لدور الصين كقوة تصنيع عالمية، وفقًا لشريجر.

لكنه أشار إلى أن كيفية تنفيذ الصين لهذه الإجراءات وما إذا كانت ستعتبر منتجات معينة، مثل الإطارات، ذات استخدام مزدوج، لا يزال غير واضحا.

وأعلنت الصين الشهر الماضي أنها تحقق مع شركة “إنفيديا” الأميركية لصناعة الرقائق، بسبب انتهاكات محتملة لقوانين مكافحة الاحتكار في الصين، بعد حظرها تصدير معادن نادرة إلى الولايات المتحدة.

“علينا أن نعتبر هذا بمثابة خطوة افتتاحية قد تتحول في النهاية إلى مفاوضات مع الولايات المتحدة بدلاً من فرض تعريفات وانتهاء الأمر عند هذا الحد”، بحسب ما قاله كبير الاقتصاديين في آسيا لدى HSBC، فريد نيومان، ونقلته “رويترز”.

“الصين الآن أكثر استعدادًا للتعامل مع أي تعريفات جمركية، باستثناء إعلان كارثي بفرض تعريفات بنسبة 60% على جميع البضائع الصينية”، وفقا لجورج ماجنوس، الباحث في مركز الصين بجامعة أكسفورد.

وأضاف أن الاقتصاد الثاني عالميا يسيطر الآن على قطاعات مثل السيارات الكهربائية والطاقة الخضراء، ولم يعد بحاجة إلى الطائرات النفاثة من “بوينغ” أو السيارات الكبيرة التي تعمل بالبنزين التي كانت تشتريها في عام 2017، حيث وجدت بدائل مثل طائرات “إيرباص” وطراز “كومك C919” المحلي، لكن الصين لا تزال بعيدة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي.

ولا تزال الصين بحاجة إلى استيراد مواد استراتيجية من الولايات المتحدة، مثل الرقائق المتقدمة والمعدات التكنولوجية، كما تعتمد على المستهلكين الأمريكيين لشراء بضائعها وسط نظرة تشاؤمية متزايدة للتجارة العالمية وضعف الطلب المحلي.

قد ترغب بكين في التفاوض مع ترامب قبل أن يفرض قيودا إضافية على الصادرات الأمريكية عالية التقنية، وتأمين تجديد اتفاقية العلوم والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والصين، وفقا لما ذكرته أليسيا غارسيا-هيريرو، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في “ناتيكسيس”.

الاتفاقية، التي تسهل التعاون العلمي بين البلدين، انتهت مدتها في أغسطس، ومن غير المرجح أن تكتمل مفاوضات تجديدها قبل تنصيب ترامب في 20 يناير.

وأضافت غارسيا-هيريرو أن شركة “هواوي” الصينية استثمرت بشكل كبير في قدراتها المتقدمة لتصنيع الرقائق، لكن جدواها التجارية لا تزال غير واضحة، مما يحفز المفاوضين الصينيين للجلوس مع نظرائهم الأميركيين لضمان إمدادات مستدامة من الرقائق الأمريكية الصنع.

استغرقت بكين عامين قبل أن توافق على شراء سلع وخدمات أميركية إضافية بقيمة 200 مليار دولار، بموجب شروط اتفاقية “المرحلة الأولى” التي أنهت الحرب التجارية الأولى.

وهذه المرة، تمتلك الصين حوافز جديدة لتقديمها، مثل زيادة مشترياتها من النفط والغاز الطبيعي المسال، حيث تنتج الولايات المتحدة حاليا كميات تفوق احتياجاتها الاستهلاكية.

ومع تباهي ترامب خلال حملته الانتخابية بشعار “احفر، احفر، احفر”، لذا سيحتاج إلى دعم الطلب”، بحسب ما قاله بو تشنغيوان، شريك في شركة استشارات مقرها شنغهاي تُدعى “بلينوم”.

وأضاف أن القيود المتزايدة على تصدير الرقائق تجعل السلع الزراعية والمواد الخام والطاقة من بين الأشياء التي يمكن للولايات المتحدة بيعها للصين.

فيما صرحت زارة التجارة الصينية بأنها منفتحة على التواصل والتعاون مع الفرق الاقتصادية والتجارية لإدارة ترامب، عند سؤالها عن تعليق. لكن بكين لديها أيضًا وسائل ضغط يمكن استخدامها ضد واشنطن، فالشركات الأمريكية تشعر بالفعل بالضغط، وفقًا لما ذكره مايكل هارت، رئيس غرفة التجارة الأمريكية في الصين.

“الشركات الأمريكية والأجنبية الأخرى تشعر بقلق حقيقي حول ما إذا كانت ستتمكن من دخول هذا السوق”، بحسب هارت الذي تساءل: “هل يمكننا البيع في الصين بعد الآن؟ هل هناك حظر صريح ضدنا؟”.

وفقًا لاستطلاع أجري في سبتمبر من قبل فرع شنغهاي لغرفة التجارة الأمريكية، فإن معنويات الأعمال بين الشركات الأمريكية في الصين هي الأدنى منذ عام 1999.

هناك أيضا عوامل غير اقتصادية تلعب دورا، فترامب تعهد بفرض تعريفات إضافية بنسبة 10% على السلع الصينية لدفع بكين إلى بذل المزيد من الجهد لوقف تدفق الفنتانيل -وهي مادة مُخدرة لها عدة استخدامات بينها غير الشرعي والصين أكبر مورديها- إلى الولايات المتحدة.

“استخدام مبررات سياسية لفرض قيود تجارية يجعل التوترات أكثر تعقيدًا”، بحسب ما قال نيومان من HSBC، خاصة أن تلك الأداة كانت سلاح الصين دائما في وجه معارضيها.

وقال تيري سو هو رئيس شركة Lulu Derivation Data Ltd، وهي دار نشر إلكترونية ومركز أبحاث مقرهما هونج كونج، إن ترامب يوُصف بأنه خبير في إبرام الصفقات، لكنه يفتقر إلى فهم التعقيدات التي تنطوي عليها “حرب التعريفات”.

أوضح في تدوينة نشرها موقع “SCMP” أن الصين ستسعد بكل السبل لمثل هذه الحرب، ولن تكون لقمة سائغة مثل كندا، أو تكرر سيناريو اليابان في الثمانينات، حيث إن وضعها كقوة صناعية يعزز موقفها.

وقال إن التعامل مع روسيا سيكون مهمة صعبة بالنسبة لترامب، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوضح أن بلاده لديها خطط طموحة لأوكرانيا أكثر مما يمكن لترامب استيعابه، رغم أنه أشار إلى أنه مستعد للتحدث مع الرئيس الأميركي الجديد “في أي وقت”.

في الوقت نفسه، قال بوتين خلال خطاب في منتدى بموسكو في 5 ديسمبر، إن روسيا ستواصل بثبات تعزيز علاقتها مع الصين، وإنهاستظل دائمًا شريكًا اقتصاديًا وتجاريًا طويل الأمد ومهمًا لبلاده، وبعد أيام قليلة من الخطاب، تم إرسال المبعوث الروسي والرئيس السابق ديمتري ميدفيديف إلى بكين لتعزيز هذا الإعلان.

ويرى صن تشنغهاو زميل في مركز الأمن الدولي والاستراتيجية بجامعة تسينغهوا؛ في تدوينة على موقع “US&China Focus” أنه لا توجد لدى الوكالات الحكومية الأمريكية فهم موحد حول كيفية “إدارة” العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، كما كان الحال في إدارة بايدن.

فعلى سبيل المثال، لدى أعضاء فريق ترامب الاقتصادي آراء مختلفة، فالبعض قد يروج لمعاقبة الصين من خلال الحروب التجارية والرسوم الجمركية، بينما قد يفضل البعض الآخر التفاوض وإبرام الصفقات.

ترامب اختار ماركو روبيو، الذي كان قد شن حملات ضد النفوذ الصيني ودافع عن فرض إجراءات صارمة ضد شركات التكنولوجيا مثل هواوي، في منصب وزير الخارجية، وكذلك مايكل والتز، مستشار الأمن القومي المقبل، الذي يعتبر الصين “تهديدًا وجوديًا”، لكن أحد أبرز مستشاري الرئيس المنتخب لديه علاقة أكثر تعقيدًا مع الصين، إيلون ماسك.

ويرى الكثيرون أن إيلون ماسك رجل الأعمال المُقرب من الرئيس الأميركي، سيلعب دور همزة الوصل، بحسب تقرير مطول لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، اطلعت عليه “العربية Business”.

ورجل الأعمال الملياردير المولود في جنوب أفريقيا، الذي يعتبر نفسه “الصديق الأول” لترامب، أصبح لاعبًا محتملاً في غاية الأهمية، لكنه غير قابل للتنبؤ في علاقات القوى العظمى في العالم.

وتتواجد إمبراطورية ماسك التجارية في وسط مجموعة من القضايا التي قد تخلق صراعات تتعلق بالأمن القومي، والمنافسة التكنولوجية، وسلاسل الإمداد، وحرية التعبير، فضلاً عن مستقبل تايوان.

فأغنى رجل في العالم لديه علاقات عميقة مع قادة الحزب الشيوعي الصيني، وهو في منتصف عملية ضغط على بكين بشأن قرارات هامة تتعلق بشركة تسلا التي تبلغ قيمتها تريليون دولار في مجال السيارات الكهربائية.

وتلقت تسلا مليارات الدولارات من القروض المدعومة، والإعانات، والإعفاءات الضريبية من الحكومة الصينية، وتعتمد الشركة بشكل كبير على مصنعها في شنغهاي، الذي يعد الأكبر في شبكتها العالمية، ليس فقط لبيع السيارات إلى الصين التي تضم 1.4 مليار شخص، ولكن أيضًا لتصدير سياراتها المصنعة في الصين إلى مناطق أخرى من العالم.

كما أن موردي ماسك في الصين، وخاصة في مجال البطاريات، يعدون عنصرا أساسيا في العمليات التصنيعية العالمية للشركة، بما في ذلك في الولايات المتحدة.

لكن الإدارة التي سينضم إليها ماسك تبدو جاهزة للوفاء بتهديد ترامب خلال حملته الانتخابية بزيادة الرسوم الجمركية على جميع الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة، وهو قرار قد يؤثر بشكل كبير على أعمال تسلا.

ويقول فيليب هوشوا، محلل في بنك الاستثمار الأمريكي جيفري، إن ماسك قد يوفر “جسرًا حاسمًا” بين الصين وإدارة ترامب.

وتظهر بالفعل بعض المؤشرات على أن تأثير ماسك قد يمتد إلى العلاقات الخارجية للولايات المتحدة، مثل وجوده في مكالمة هاتفية بعد الانتخابات بين ترامب وزعيم أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي.

ونظرًا للرهانات الكبيرة على تسلا، قد يُتوقع من ماسك أن يعمل كـ “عامل موازن” لخطط ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية، ويضيف هوشوا: “ولكن من غير الواضح إلى أي مدى أو لفترة طويلة ستتجاهل الأسواق تضارب المصالح المحتمل من المسؤوليات السياسية إلى الحوكمة والتعويضات”.

هناك أدلة واضحة على الضغوط السياسية التي يواجهها ماسك بسبب تضارب مصالحه المحتمل، فقد طلب اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين تحقيقًا اتحاديًا في تواصله المزعوم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما أثار القلق بشأن تصاريح الأمن العالية التي يمتلكها ماسك والمليارات من الدولارات التي حصل عليها من تمويل الحكومة الأميركية.

بينما كان هناك تاريخ طويل من رجال الأعمال الذين يعملون كوسطاء بين بكين وواشنطن، إلا أن القليل منهم، إن لم يكن أي منهم، كانت لديهم مصلحة أكبر من ماسك.

وتتداخل أجزاء أخرى من إمبراطوريته التجارية مباشرة مع نقاط التوتر بين الولايات المتحدة والصين، فقد تعرضت شركة سبيس إكس، التي يديرها ماسك والمتخصصة في الصواريخ التجارية والأقمار الصناعية، لانتقادات شديدة من المحللين العسكريين الصينيين الذين يرون أن الشركة وشبكة أقمارها الصناعية ستارلينك هي جزء من التوسع العسكري الأميركي في الفضاء، كما أن منصة “إكس”، التي هي منصة التواصل الاجتماعي، محظورة في الصين.

تحذر ياكيو وانج، مديرة الأبحاث بشأن الصين في “فريدم هاوس”، وهي منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان مقرها الولايات المتحدة، من أن بكين أصبحت “ماهرة للغاية” في التلاعب بقادة الأعمال الأجانب، بما في ذلك استغلال وصول شركاتهم إلى البلاد، لإجبارهم على اتباع خط الحزب الشيوعي.

وتقول: “ماسك ليس فقط عرضة لضغوط بكين نظرًا لمصالحه التجارية الواسعة في الصين، بل يبدو أيضًا أنه يستمتع بعلاقات وثيقة مع قادة الصين الاستبداديين”. وتضيف: “هذه الديناميكية تخلق فرصًا واسعة للحزب الشيوعي الصيني للتأثير على سياسة ترامب تجاه الصين”.

الرابط المختصر