التجارة العالمية: تداعيات مرتقبة للتعريفات الجمركية على جميع الدول

فرضها يرفع أسعار السلع الوسيطة ويقوض القدرة التنافسية للشركات المصدرة

خلص تحليل نشرته منظمة التجارة العالمية إلى أن التعريفات الجمركية التي تفرضها البلدان ليست مجرد أداة لزيادة الإيرادات أو حماية الصناعات المحلية للاقتصادات، بل هي أداة سياسية ذات عواقب واسعة النطاق، وغالبًا ما تكون غير مقصودة. أشار إلى أن جاذبية التعريفات على المدى القصير قد تحجب التكاليف طويلة الأجل للتضخم والقدرة التنافسية والتعاون الدولي.

أضاف التحليل الذي كتبه الباحث الاقتصادي رالف أوسا، أن التوترات المتعلقة بالسياسات التجارية تتصاعد بسرعة. وأشار إلى أن إعلان العديد من الاقتصادات الكبرى عن تعريفات جمركية جديدة شاملة، أو تطبيقها خلال الأشهر الأخيرة، أعاد إحياء أداة سياسية كان الكثيرون يعتقدون أنها أصبحت من الماضي.

E-Bank

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن في وقت سابق من شهر أبريل الجاري فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على جميع بلدان العالم، مع فرض معدلات أعلى على من وصفهم بأسوأ المخالفين، غير أنه أعلن في وقت لاحق وقفًا مؤقتًا لها، لمدة 90 يومًا على عشرات الدول، فيما رفعها على الصين إلى 125%.

وردت الصين على الخطوات الأمريكية بفرض رسوم جمركية، بنسبة 84% على الواردات الأمريكية.

تناول التحليل تأثير التعريفات الجمركية على جميع الجوانب الاقتصادية للبلدان بما في ذلك معدل التضخم، وسعر صرف العملات، والصادرات، والواردات، وحجم الادخار، والاستثمار، مشيرًا إلى أن هذه الرسوم في جوهرها بسيطة وترفع الأسعار المحلية للسلع المستوردة، لكن آثارها تمتد عبر الاقتصاد مع تغيير الأسعار والأجور وأسعار الصرف وأنماط التجارة.

تابعنا على | Linkedin | instagram

وأوضح أن التعريفة الجمركية تُعتبر ضريبة تُفرض على المنتجات المستوردة، وتُحدث فرقًا بين السعر العالمي والسعر المحلي، فعلى سبيل المثال، إذا فُرضت تعريفة جمركية بنسبة 10% على منتج سعره العالمي 100 دولار، يصبح السعر المحلي 110 دولارات، ويُحصّل الفرق البالغ 10 دولارات كإيرادات تعريفة جمركية، تستخدمها الحكومة لتمويل نفقاتها.

يرى التحليل أن التعريفات الجمركية يمكن أن تؤثر أيضًا على السعر العالمي للمنتجات، خاصةً عندما تُفرض من قِبل اقتصاد كبير، مشيرًا إلى أن المنطق وراء ذلك هو أن ارتفاع الأسعار المحلية يُقلل الطلب المحلي، مما يُؤدي بدوره إلى انخفاض الطلب العالمي، وبالتالي الأسعار العالمية.

ويدلل على ذلك بأنه قد ينخفض السعر العالمي للسلعة السابق الحديث عنها إلى 95 دولارًا أمريكيًّا بعد فرض التعريفة عليها، مما يُؤدي إلى سعر محلي قدره 104.50 دولارًا أمريكيًّا، وبالتالي في هذه الحالة، يتحمل المنتجون الأجانب جزءًا من التعريفة فعليًّا.

هذه الخطوة -حسبما يرى تحليل باحث منظمة التجارة العالمية- تُحفّز التحوّل في الاقتصادات الكبرى إلى فرض رسوم جمركية من جانب واحد، لكنها تتجاهل إمكانية الرد الانتقامي؛ فإذا فرضت الدولة (أ) رسومًا جمركية على الدولة (ب)، فسيكون لدى الدولة (ب) حافز للرد بالمثل، والنتيجة النهائية هي حرب تجارية تُلحق الضرر بالطرفين.

وتابع إن هذا المنطق يُشكّل أساس النظرية الرائدة في مفاوضات التجارة؛ فإذا سعت جميع الاقتصادات إلى الاستفادة على حساب بعضها البعض، فإن الجميع سيتضررون، وهذا يُحفّز على وضع سياسات تجارية تعاونية.

ويضيف أن الدراسات الاقتصادية المتعلقة بالسياسات التجارية أظهرت أن المبادئ الأساسية لمنظمة التجارة العالمية، المتمثلة في المعاملة بالمثل وعدم التمييز، تُعدّ أدوات فعّالة للتهرّب من منطق التعريفات الجمركية الضارة بالطرفين.

ويرى أن مدى تأثير الرسوم الجمركية على أسعار المستهلك هو في نهاية المطاف مسألة تجريبية؛ فحسبما تشير الأدلة المستمدة من الموجة الأولى من الرسوم الجمركية الأمريكية على الصين في 2019 إلى انتقالها بالكامل إلى المستهلكين الأمريكيين.

وفيما يتعلق بتأثير التعريفات الجمركية على معدل التضخم، قال إنها تُسبب زيادةً لمرة واحدة في مستوى الأسعار المحلية، لكن هذا لا يُترجم بالضرورة إلى تضخم مستدام.

غير أن إحدى القنوات التي قد تؤدي من خلالها التعريفة الجمركية إلى تضخم مستمر هي دوامة الأجور والأسعار.

انتقل التحليل لتناول تأثير التعريفات الجمركية على الواردات والصادرات، مشيرًا إلى أن فرض هذه الرسوم يؤثر على القطاعين، كما يرفع أسعار السلع الوسيطة، مما يُقوّض القدرة التنافسية للشركات المُصدّرة.

أضاف أن الرسوم تسمح للقطاعات المُنافسة للواردات بالتوسع، مما يستنزف الموارد – كالعمالة ورأس المال والأراضي، وتابع أنه مع توسع القطاعات المنافسة للواردات، فإنها تتطلب المزيد من العمال، مما يرفع الأجور في مختلف قطاعات الاقتصاد، ويزيد تكاليف الإنتاج على الشركات المصدرة، ويجعلها أقل قدرة على المنافسة في الأسواق الدولية، بجانب ارتفاع سعر الصرف الحقيقي، ويجعل الصادرات أكثر تكلفة نسبيًّا في الخارج.

تقليل الطلب على العملات الأجنبية وارتفاع قيمة المحلية.. وتشديد السياسات النقدية لمواجهة التضخم

كما قد تُقلل الرسوم الجمركية الطلب على الواردات، وبالتالي الطلب على العملات الأجنبية، مما يؤدي إلى ارتفاع قيمة العملة المحلية، كما قد تدفع الرسوم الأسواق إلى توقع تشديد السياسة النقدية لمواجهة التضخم، مما قد يؤدي أيضًا إلى ارتفاع قيمة العملة المحلية.

ويضيف أنه إذا ارتفع سعر الصرف ارتفاعًا كبيرًا، ترتفع الأسعار المحلية ارتفاعًا طفيفًا، لكن التنافسية تتأثر بشكل كبير، أما إذا ارتفع سعر الصرف ارتفاعًا طفيفًا، فترتفع الأسعار المحلية ارتفاعًا أكبر، لكن التنافسية تتأثر بشكل أقل. وفي كلتا الحالتين، تفرض التعريفات الجمركية تكاليف اقتصادية.

وبين التحليل أنه لتحسين الميزان التجاري الإجمالي للبلدان، قد تؤدي التعريفات الجمركية إلى زيادة الادخار الوطني أو خفض الاستثمار، وهو احتمال وارد، لأنه على سبيل المثال، قد تؤجل الأسر الاستهلاك إذا توقعت أن تكون التعريفات مؤقتة، مما يزيد الادخار.

خفض الاستثمار من خلال زيادة تكلفة السلع الرأسمالية.. وغياب اليقين السياسي يدفع الشركات لتأجيل الإنفاق

كما قد تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض الاستثمار من خلال زيادة تكلفة السلع الرأسمالية، أو من خلال خلق حالة من عدم اليقين السياسي، مما يدفع الشركات إلى تأجيل الإنفاق.

كما يمكن للرسوم الجمركية أن تؤثر على الموازين التجارية الثنائية بتغيير الأسعار النسبية، فضلًا عن تأثيرها أيضًا على الموازين التجارية القطاعية؛ فعلى سبيل المثال، عادةً ما يُحسّن رفع التعريفات الجمركية على واردات السلع ميزان تجارة السلع من خلال تثبيط الواردات من خلال ارتفاع الأسعار المحلية، بينما يُفاقم ميزان تجارة الخدمات من خلال خفض صادرات الخدمات من خلال ارتفاع سعر الصرف الحقيقي.

الرابط المختصر