العربية نت _ شهدت الأسواق الأمريكية اضطراباً ملحوظاً خلال تعاملات اليوم، مع تراجع السندات الحكومية والأسهم، وسط تصاعد المخاوف من تداعيات مشروع قانون الضرائب الجديد الذي يدفع به الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي يُتوقع أن يضيف تريليونات الدولارات إلى الدين العام الأمريكي.
وفي خطوة أثارت قلق المستثمرين، ارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 30 عاماً بمقدار 11 نقطة أساس ليصل إلى 5.096%، وهو أعلى مستوى له منذ أواخر عام 2023، قبل أن يتجاوز 5.12% عقب تمرير مشروع القانون في مجلس النواب بفارق صوت واحد فقط.

كما هبط مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 1.6%، في وقت أظهرت فيه الأسواق عزوفاً واضحاً عن الأصول طويلة الأجل، بعد مزاد خزانة أمريكي بقيمة 16 مليار دولار لسندات الـ20 عاماً، والذي جاء دون التوقعات رغم تقديم عائد مغرٍ بنسبة 5%، الأعلى منذ إعادة طرح هذا الأجل في 2020.
مشروع القانون، الذي وصفه ترامب بـ”القانون الكبير والجميل”، يهدف إلى تمديد التخفيضات الضريبية التي أُقرت في ولايته الأولى عام 2017. إلا أن محللين مستقلين حذروا من أن هذه الخطوة قد تضيف ما لا يقل عن 3 تريليونات دولار إلى الدين الأمريكي خلال العقد المقبل، بحسب ما ذكرته صحيفة “فاينانشال تايمز”، واطلعت عليه “العربية Business”.
وفي كواليس السياسة، خاض رئيس مجلس النواب مايك جونسون مفاوضات شاقة مع أجنحة الحزب الجمهوري المختلفة لضمان تمرير المشروع، فيما استدعت الإدارة الأمريكية أعضاء “تكتل الحرية” اليميني المتشدد إلى البيت الأبيض للاستماع إلى مخاوفهم، بحضور مدير المجلس الاقتصادي الوطني كيفن هاسيت.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، إن “الاجتماع كان مثمراً وساهم في دفع الأمور بالاتجاه الصحيح”.
تحذيرات وكالات التصنيف
تأتي هذه التطورات بعد أيام فقط من قيام وكالة “موديز” بخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، محذّرة من تنامي العجز المالي والدين العام.
وفي أوروبا، لم تكن الصورة أكثر إشراقاً، إذ ارتفعت عوائد السندات طويلة الأجل، حيث صعد العائد على السندات الألمانية لأجل 30 عاماً إلى 3.18%، بينما بلغ العائد على السندات البريطانية من نفس الأجل 5.56%.
كما تراجعت مؤشرات الأسهم الأوروبية، حيث انخفض مؤشر “ستوكس يوروب 600” بنسبة 0.9%، وتراجع مؤشر “داكس” الألماني بنسبة 0.8%.
يوم الأربعاء، باعت الولايات المتحدة سندات خزانة أمريكية لأجل 20 عاماً بقيمة 16 مليار دولار أميركي في مزادها بفائدة 5%، وهو أعلى سعر فائدة لسندات العشرين عاماً في المزاد منذ إعادة العمل بفترة الاستحقاق في عام 2020.
اشترى المتعاملون الرئيسيون – وهم البنوك المُلزمة بشراء أي سندات لم يستحوذ عليها مستثمرون آخرون – 16.9% من العرض، مقارنةً بمتوسط 15.1%، وفقاً لسوق بي إم أو كابيتال ماركتس.
وقال رئيس استراتيجية أسعار الفائدة العالمية في “جي بي مورجان”، جاي باري، إن “سوق الأسهم بدأت أخيراً تدرك حجم الأزمة المالية التي تواجه سوق السندات الأمريكية”.
وكانت قطاعات المال والعقارات والرعاية الصحية من بين الأسوأ أداءً في مؤشر “ستاندرد آند بورز”، حيث سجل أكثر من 95% من أسهمه تراجعاً.
وزاد من حدة التراجع إعلان شركة “أوبن إيه آي”، المطورة لـ”تشات جي بي تي”، عن استحواذها على شركة الأجهزة الناشئة “آي أو” التي أسسها كبير المصممين السابق في “أبل”، جوني آيف، في صفقة بلغت 6.4 مليار دولار، ما أثار قلق المستثمرين بشأن مستقبل الهواتف الذكية.
وتراجعت أسهم “أبل” بنسبة 2.3%، فيما هبطت أسهم “أمازون”، و”إنفيديا”، و”مايكروسوفت” بأكثر من 1%، ليدفع ذلك مؤشر “ناسداك” التكنولوجي إلى التراجع بنسبة 1.4%.
صوّت مجلس النواب، الذي يُسيطر عليه الجمهوريّون، قبيل الساعة السابعة صباحاً في واشنطن بأغلبية 215 صوتاً مقابل 214 صوتاً، للموافقة على التشريع الذي يتكوّن من أكثر من ألف صفحة، والذي سيُخفّض الضرائب، ويُخفّض الإنفاق الاجتماعي، ويُزيد الدين الفيدراليّ.
سيحال الآن إلى مجلس الشيوخ، حيث يتمتع الجمهوريّون بأغلبية ضئيلة.
كان هذا التشريع المُترامي الأطراف، الذي وصفه ترامب بـ”مشروع القانون الكبير والجميل”، محور معركة شرسة بين المشرعين الجمهوريين في الأيام الأخيرة.
وقال رئيس مجلس النواب الأمريكي، قبل دقائق من إقرار التشريع: “هذا القانون الضخم والجميل هو أهم تشريع أقره أي حزب على الإطلاق، لا سيما في ظل أغلبية ضئيلة كهذه”، مشيداً به باعتباره “نقطة تحول في التاريخ الأمريكي”.
لكن حكيم جيفريز، زعيم الأقلية في مجلس النواب، قال إن مشروع القانون سيحرم ما لا يقل عن 13.7 مليون شخص من تأمينهم الصحي، “مما سيحرم الأطفال والأمريكيين ذوي الإعاقة والمحاربين القدامى وكبار السن من لقمة العيش” بسبب تخفيضات قسائم الطعام.
وقال: “إنه مشروع قانون ضخم وقبيح. إنه هجوم على الاقتصاد… لسن أكبر إعفاءات ضريبية للمليارديرات في تاريخ أمريكا”. يُمثل إقرار مجلس النواب لمشروع القانون انتصاراً سياسياً كبيراً لترامب، الذي تراجعت شعبيته بعد أسابيع من اضطرابات السوق الناجمة عن حربه التجارية.