صالون حابي يختتم سلسلة «اللجان الاستشارية» بلقاء «الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال».. الجزء الأول

السادس والعشرون منذ انطلاقه

اختتم صالون حابي سلسلة «المجالس الاستشارية»، بلقاء خاص عن لجنة الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال، شهد حديثًا موسعًا عن الدور المرتقب لهذه اللجنة، والتحديات التي تواجه قطاع الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة في مصر، وكان في مقدمتها تحدي التمويل.

اضغط لمشاهدة اللقاء كاملا

E-Bank

كانت جريدة حابي قد بدأت فور إعلان مجلس الوزراء عن تشكيل لجان استشارية من القطاع الخاص، بعقد سلسلة من اللقاءات حول اللجان الجديدة، شملت «السياحة وتصدير العقار والتنمية العقارية»، و»الاقتصاد الكلي»، و»تنمية الصادرات»، وختامًا «الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال»، الذي حمل رقم 26 ضمن لقاءات صالون حابي منذ انطلاقه قبل عامين ونصف العام.

شارك في اللقاء الأخير كل من: د. هناء الهلالي رئيس مجلس إدارة شركة اسباير كابيتال والعضو المنتدب لشركة الخير للتمويل متناهي الصغر، والمهندس محمد عكاشة عضو اللجنة الاستشارية للاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال والرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لصندوق ديسربتيك، وحازم كامل الرئيس التنفيذي لقطاع الاستثمار المباشر بشركة إن آي كابيتال، وأداره كل من: أحمد رضوان رئيس التحرير والرئيس التنفيذي لجريدة حابي، وياسمين منير مدير التحرير والشريك المؤسس لجريدة حابي، ورضوى إبراهيم مدير التحرير والشريك المؤسس لجريدة حابي.

وإلى تفاصيل اللقاء..

تابعنا على | Linkedin | instagram

أحمد رضوان: أهلًا وسهلًا بحضراتكم في لقاءٍ جديد من صالون حابي، لقاؤنا اليوم هو اللقاء السادس والعشرون، في رحلةٍ أحمد الله سبحانه وتعالى عليها، رحلةٌ تواصلنا فيها مع عدد كبير من رموز الاقتصاد والفكر والخبرة، الذين شرّفونا بحضورهم في جريدة حابي. ونحمد الله تعالى أن نشعر، في هذه المرحلة، بشيء من الرضا تجاه ما تحقق من خلال هذه السلسلة المتصلة من صالون حابي.

لقاؤنا اليوم يمثل أيضًا الحلقة الأخيرة ضمن سلسلة الحلقات الخاصة باللجان الاستشارية، وهي السلسلة التي ارتأينا إطلاقها لتحقيق نوعٍ من التشبيك الحقيقي بين اهتمامات مجتمع رجال الأعمال، والأدوار المنوطة والمأمولة من اللجان التي أعلن عنها مجلس الوزراء، والتي تهدف في الأساس إلى تقليص المسافات بين القطاع الخاص وصانع القرار الحكومي.

موضوعنا اليوم يتناول لجنة الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال. وقد يوحي اسم اللجنة، للوهلة الأولى، بأنها لجنة ترتبط بشكل مباشر بالتكنولوجيا وأدوات التمويل الحديثة، لا سيما تلك التي تُيسر الوصول إلى الموارد التمويلية وتدعم بيئة الأعمال الناشئة.

لكننا سنسعى في هذا اللقاء إلى الاستماع لرؤية ضيوفنا الكرام حول هذه اللجنة: ماهيتها، دورها، ما يجب أن تضطلع به من مهام، وما التوصيات التي يمكن توجيهها لأعضائها كي يكونوا أكثر قدرة على تحقيق التكامل المنشود في بيئة الاقتصاد المصري.

ويُسعدنا ويشرفنا في هذا اللقاء أن نستضيف الدكتورة هناء الهلالي، الخبيرة الاقتصادية المعروفة، رئيس مجلس إدارة شركة سباير كابيتال، والعضو المنتدب لشركة الخير للتمويل متناهي الصغر.

كما يشرفنا المهندس محمد عكاشة، عضو اللجنة الاستشارية للاقتصاد الرقمي. وبطبيعة الحال، سيكون حديثنا معه اليوم انطلاقًا من خبراته الواسعة وليس بصفته الرسمية في اللجنة، وهو كذلك الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لصندوق ديسربتك .

وأيضًا يشرفنا الأستاذ حازم كامل، الرئيس التنفيذي لقطاع التسويق المباشر بشركة إن آي كابيتال.

دعوني أبدأ مع الدكتورة هناء الهلالي. نود أن نأخذ من حضرتك رؤية عامة، رؤية ذات طابع كلي واقتصادي تحليلي، حول هذه اللجنة. عندما علمتِ بوجود لجنة للاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال، كيف استقبلتِ ذلك؟ نحن نعلم أن هناك العديد من اللجان قد تم تشكيلها بالفعل: لجنة لتنمية الصادرات، لجنة لتصدير العقار، لجنة للسياحة، ولجنة للصناعات التصديرية… والآن هناك لجنة جديدة للاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال.

برأيكِ، هل يمثل الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال محورًا يستحق أن يُفرد له كيان مستقل ولجنة خاصة، أم ترين أنه عنصرٌ متداخل ومتشعب ينبغي أن يكون جزءًا من أعمال كل اللجان؟

الدكتورة هناء الهلالي الخبيرة الاقتصادية المعروفة، رئيس مجلس إدارة شركة سباير كابيتال، والعضو المنتدب لشركة الخير للتمويل متناهي الصغر

هناء الهلالي: تشكيل لجنة لتعزيز التواصل الفعّال بين القطاع الخاص والمجتمع المدني خطوة بالغة الأهمية

هناء الهلالي: أعتقد بكل تأكيد أن هذا المحور يعد من المحاور بالغة الأهمية، وأنا سعيدة جدًّا بأن ثمة لجنة قد شُكلت لهذا الغرض، بهدف تعزيز قنوات التواصل الفعّال بين القطاع الخاص والمجتمع المدني.

سعادتي تتضاعف حين أرى أن هناك بيئة تشريعية بدأ يُنظر فيها ويُناقش أمرها بجدية، بهدف تنمية هذا القطاع الحيوي.

دعم البنية التحتية الرقمية ضرورة ملحّة لتعزيز الاقتصاد الرقمي

إذا ما تحدثنا عن «الرقمنة» أو الاقتصاد الرقمي، فإننا لا نستطيع إغفال عنصر البنية التحتية؛ فنحن في حاجة ماسّة إلى دعم حقيقي للبنية الأساسية التي تُسهم في تعزيز الجانب الرقمي، وتُيسر تفعيله وتوسعه.

الحياة اليومية باتت مرتبطة بالبيئة الرقمية بشكل لا ينفصل

الواقع يشير إلى أن حياتنا اليومية باتت لا تنفصل عن هذا البُعد الرقمي؛ بدءًا من الأطفال الصغار، مرورًا بخريجي الجامعات، وانتهاءً بروّاد الأعمال. الكل يتفاعل مع البيئة الرقمية بشكل أو بآخر.

أما عن ريادة الأعمال، فهي ببساطة المستقبل، لأنها تدعم الدولة في التصدي لتحديات اقتصادية. على سبيل المثال، الدولة –ممثلة في القطاع الحكومي– لا تستطيع بمفردها استيعاب وتوظيف أكثر من 800 ألف خريج جامعي سنويًّا.

تحفيز روّاد الأعمال بتسهيلات ضريبية وتمويلية وحاضنات أعمال

من هنا تنبع أهمية تشجيع ريادة الأعمال كاتجاه تنموي. علينا أن نعمل على تحفيز هذا الاتجاه، وتيسير الإجراءات أمام روّاد الأعمال حتى يُصبحوا عناصر ناجحة في الاقتصاد.

ويشمل ذلك تقديم كل التسهيلات الممكنة، من سياسات ضريبية محفّزة، إلى دعم مؤسسي يتمثل في حاضنات الأعمال، إلى تسهيل الوصول إلى التمويل، من هذا المنطلق، أرى أن اللجنة تُشكل عنصر دعم رئيسيًّا لريادة الأعمال وللاقتصاد الرقمي بشكل عام.

تحسين سرعة وجودة الإنترنت أساس لنجاح التفاعل الرقمي ونمو القطاع

أما إذا عدنا للحديث عن البنية التحتية، فلا بد من الإشارة بوضوح إلى أهمية تحسين سرعة الإنترنت وجودته، لأن التفاعل الرقمي بطبيعته يعتمد على سرعة الأداء. وهذه العوامل جميعها تُشكل الأساس الذي يُمكّن هذا القطاع من النمو الحقيقي.

ياسمين منير: أرحب بحضراتكم مرةً ثانية في صالون حابي. المهندس محمد، بصفتك عضوًا في اللجنة، فلن أتطرق بطبيعة الحال –كما أشار الزميل أحمد– إلى الحديث المباشر عن أعمال اللجنة أو تفاصيلها، لكن، لا شك أنه عند إبلاغك باختيارك ضمن تشكيل هذه اللجنة، قد تبادر إلى ذهنك منذ اللحظة الأولى أن هناك مهام بعينها ستوكل إلى هذه اللجنة، وأن هناك جدول أولويات من المنتظر أن يُدرج ضمن أجندتها.

فهل يمكن لحضرتك أن تُطلعنا على تصورك الشخصي لمهام هذه اللجنة، وما الذي ترى أنه ينبغي أن يتصدر أولويات عملها، من وجهة نظرك؟

المهندس محمد عكاشة عضو اللجنة الاستشارية للاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال والرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لصندوق ديسربتيك

محمد عكاشة: الاقتصاد الرقمي مستقبل العالم والسباق نحو الريادة أصبح مفتوحًا أمام مصر

محمد عكاشة: أنا هنا، كما اتفقنا، لا أتحدث بصفتي عضوًا في اللجنة، لأن للجنة متحدثًا رسميًّا هو المخوّل بالتعبير عنها وتمثيلها. لكن دعيني أتحدث بشكل عام عن الفكرة التي طُرحت من خلالها أهمية الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال في السياق الأوسع لمنظومة الاقتصاد ككل.

نحن الآن، وبكل وضوح، انتهى عصر الريادة التقليدية للدول الصناعية؛ العالم اليوم يتجه بكليّته نحو الاقتصاد الرقمي. والسؤال الجوهري الذي يجب أن نطرحه: ما هو موقعنا من هذا الاقتصاد الرقمي؟ وما الذي نطمح إليه في المرحلة المقبلة؟

منطقتنا –وأعني المنطقة الجغرافية التي ننتمي إليها– تُعد محظوظة نسبيًّا في هذا السياق؛ لأننا بدأنا السباق الرقمي في نفس توقيت بدايات الدول الأخرى، وليس هناك ما يمنعنا من الدخول إلى ساحة الاقتصاد الرقمي كما كان الحال مع الاقتصاد الصناعي الذي تطلب بنية تحتية ضخمة، وتكنولوجيا معقدة، وتجهيزات لم تكن متاحة. أما في الاقتصاد الرقمي، فالمتطلبات مختلفة، وأكثر تيسيرًا.

لذا، فإن الدولة المصرية تبنّت توجهًا واضحًا: بما أننا بدأنا هذا السباق في توقيته الصحيح ومع مختلف الدول، فلدينا فرصة حقيقية للريادة. ولكن، حتى نصل إلى هذه الريادة، لا بد أن نُفكّر: ما هي الأسس التي تقوم عليها هذه الريادة؟

نمتلك ثروة بشرية شابة تؤهلنا للريادة في الاقتصاد الرقمي العالمي

أول هذه الأسس، بلا شك، هو العقول والموهبة. والحمد لله، مصر تمتلك قاعدة بشرية قوية تؤهلها لذلك. نحن شعب أغلبيته العظمى من الشباب؛ نتحدث عن ما يقرب من 75% من السكان تحت سن الأربعين، وهذا في حد ذاته يُعد ثروة بشرية ضخمة في سياق الاقتصاد الرقمي.

البنية التحتية الرقمية المتطورة تضع مصر في موقع متميز

كما أن هناك بنية تحتية رقمية تم بناؤها خلال السنوات الماضية في مجال الاتصال الرقمي. معظم الناس في مصر لديهم الآن القدرة على الوصول إلى الإنترنت، سواء من خلال الهاتف المحمول أو من خلال الاتصال المنزلي. وهناك استثمارات نوعية أُنجزت في هذا القطاع، وضعت مصر في موقع متميز يؤهلها للمشاركة الفاعلة في الاقتصاد الرقمي.

الدولة، في هذا السياق، كانت تريد أن تطرح سؤالًا جوهريًّا: ماذا يمكننا أن ننجز بما نملكه الآن؟ كيف نستخدم ما لدينا لنضع مصر في المكان الصحيح ضمن خريطة الاقتصاد العالمي؟

تصدير الخدمات الرقمية يمثل المفتاح الأساسي لتميزنا

وأظن أن العنصر الأهم في هذا التوجه -من وجهة نظري- هو ملف التصدير. تحديدًا، تصدير الخدمات، لأنه هو الذي يمنح أي دولة القدرة على التميز في الاقتصاد الرقمي. هناك دول لديها رؤوس أموال ضخمة، ودول أخرى لديها مواهب، ونحن نتميز في العنصر البشري الموهوب. وهذه ميزة نسبية قوية جدًّا.

ريادة الأعمال عنصر محوري لجذب الاستثمارات وتعزيز قطاعات التكنولوجيا الحديثة

ومن هنا، أصبح واضحًا أن الموضوع ينقسم إلى شقين أساسيين: الاقتصاد الرقمي من جهة، وريادة الأعمال من جهة أخرى. ريادة الأعمال تُعد عنصرًا جاذبًا للاستثمارات، وهي ما سيُشجع على ضخ مزيد من الأموال داخل مصر في مجالات التكنولوجيا الجديدة والقطاعات المستحدثة، والتي ستُمكّن مصر من المضي قدمًا في هذا المسار.

تشكيل اللجنة يعكس اهتمام الدولة الجاد بإعطاء الأولوية للاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال

وعندما تم تشكيل هذه اللجنة، كان ذلك بمنزلة إقرار قوي جدًّا من الدولة بأن هذا القطاع يحظى باهتمام بالغ، وبأن له أولوية تُضاهي أولويات القطاعات التقليدية الكبرى كالسياحة والعقارات وغيرها.

وعلى الرغم من أن الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال ما زالا يُصنفان كقطاعين ناشئين، فإن الدولة منحت هذا الملف مكانته، وأدمجته ضمن آليات التواصل الرسمية بينها وبين القطاع الخاص.

ياسمين منير: إذًا، ما هي أولوياتك الشخصية التي كنت تراها ضرورية لعمل اللجنة من وجهة نظرك أنت؟ بعيدًا عما يجري أو يُناقش حاليًا ضمن الإطار الرسمي؟

تأهيل العنصر البشري أولوية قصوى

محمد عكاشة: في تقديري، فإن أهم الأولويات على الإطلاق تتمثل في تأهيل العنصر البشري.

دعينا نأخذ مثالًا من الدول التي سبقتنا في هذا القطاع -دون ذكر أسماء بعينها- سنجد أن عددًا كبيرًا من هذه الدول قد استثمر بشكل كبير في الأفراد.

نمتلك مواهب واعدة لكن الحاجة ماسة إلى مسارات تدريبية متخصصة

لقد أولت تلك الدول اهتمامًا حقيقيًّا بالطاقات البشرية، آمنت بما تملكه من مواهب، ووجهت جهودها نحو تمكين الشباب من خلال برامج تدريبية جادة.

نحن، في مصر، نمتلك بالفعل شبابًا واعدًا ومواهب حقيقية، ولكن لا بد من أن نوفر لهم المسارات التي تؤهلهم فعليًّا لسوق العمل، لا سيما في القطاعات الجديدة التي يقوم عليها الاقتصاد الرقمي.

جهود وزارة الاتصالات في التدريب الرقمي مهمة لكنها تحتاج إلى دعم القطاع الخاص

وزارة الاتصالات، على سبيل المثال، قد أطلقت عدة برامج تدريبية تهدف إلى تأهيل الكوادر في هذا الاتجاه، سواء في مجالات الذكاء الاصطناعي، أو المهارات الرقمية المتقدمة، أو حتى في البرمجة .وهذه جهود مقدَّرة ومهمة للغاية، لكن -في رأيي- لا تكفي.

الدولة، بطبيعتها، لا يمكن أن تقوم بهذا الدور منفردة. هي تقوم بدور «المحفز» أو «المبادر»، لكن لا بد أن يتكامل معها القطاع الخاص.

القطاع الخاص يجب أن يتكامل في الاستثمار بالتدريب

من هنا، أرى أن أحد الأدوار الجوهرية يتمثل في تشجيع القطاع الخاص على ضخ استثمارات حقيقية في مجال التدريب وبناء القدرات.

هدفنا إعداد كوادر مؤهلة للعمل محليًّا وعالميًّا وتصدير الخدمات

فالهدف في النهاية ليس فقط إعداد كوادر للسوق المصرية، وإنما تكوين كوادر بشرية مؤهلة يمكنها أن تعمل وتُصدر خدماتها إلى أسواق خارجية أيضًا.

من هذا المنطلق، أرى أن أولوية التأهيل والاستثمار في الإنسان، وتحديدًا في مجال التدريب، هي الأولوية الكبرى التي يجب أن تحظى بالاهتمام في هذا الإطار.

رضوى إبراهيم: سأنتقل الآن بالحديث إلى الأستاذ حازم كامل، أرحب بحضرتك معنا في هذا اللقاء الذي نختتم به سلسلة الحلقات الخاصة باللجان الاستشارية.

حازم كامل الرئيس التنفيذي لقطاع التسويق المباشر بشركة إن آي كابيتال

حازم كامل: شكرًا، أنا سعيد للغاية بوجودي معكم اليوم.

رضوى إبراهيم: ونحن أكثر سعادة، أود أن أطرح على حضرتك، انطلاقًا من خبرتك الطويلة في مجال الاستثمار المباشر، سؤالًا ذا شقّين: ما هي التحديات التي تواجه الاستثمار المباشر في شركات ريادة الأعمال؟ والشق الثاني: إلى متى سيظل البحث عن التمويل هو المحرك الرئيسي، والمقياس الأوحد تقريبًا، الذي يشغل غالبية أصحاب المشروعات في هذا القطاع؟

حازم كامل: السؤال من شقّين، ويمكننا أن نتحدث فيه من الآن وحتى صباح الغد، لكن دعينا نبدأ بالشق الخاص بالتمويل.

رضوى إبراهيم: سنبدأ بالتمويل؟ لكن يجب أن نُكمل التحديات.

حازم كامل: سنكمل بعد ذلك الحديث عن التحديات. هذه التحديات على المستوى العام، ويمكننا أن نتحدث عنها بشكل أوسع، ولكن دعونا نبدأ أولًا بنقطة التمويل. حينما نذكر كلمة تمويل، يتبادر إلى أذهان الناس فورًا أن التمويل يعني التوجه إلى البنك، وكأن التمويل في هذا القطاع، وهو قطاع ريادة الأعمال، يقتصر فقط على التمويل بالديون.

لكن الحقيقة أن التمويل في هذا المجال لا يقتصر على القروض أو الديون، بل الأهم هو التمويل من خلال رأس المال المخاطر، أو ما يعرف بالـ Private Equity، أي التمويل عبر رؤوس الأموال. لذا، حينما نتحدث عن مشكلة التمويل، فإننا لا نعني مشكلة القطاع المصرفي، بل مشكلة قطاع الاستثمار الذي يجب أن يتوسع ليواكب طموحات البلاد في الفترة المقبلة.

حازم كامل: السوق العربية تمثل أقل من 1% من حجم الاستثمار العالمي في رأس المال المخاطر

فلننتقل إلى أرقام السوق العالمية لرأس المال الخاص؛ حجم السوق العالمي للـ Private Equity يصل إلى 900 مليار دولار في عام 2023، بينما كانت الصفقات في العام السابق أقل، نحو 780 مليار دولار. أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) وإفريقيا، فإن نسبتها أقل من 1% من هذه السوق. نحن بعيدون جدًّا عن هذا المعدل، حيث تمثل أمريكا الجزء الأكبر، تليها آسيا وأوروبا، ثم أمريكا اللاتينية، وأخيرًا منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإفريقيا، وكل منها أقل من 1%. هناك فجوة واضحة في التمويل؛ الدول المتقدمة لديها وفرة في رأس المال (Abundance of Finance)، بينما الدول النامية تعاني نقصًا في التمويل (Lack of Funds)

قد يقول قائل إن هذه الدول المتقدمة لديها تمويل لأنها تمتلك ثروة كبيرة، وبالتالي صناديق استثمار ضخمة تسمح بذلك، وهذا صحيح، ولكن من المؤكد أنهم لم يبدأوا بهذا الحجم، فدعنا نتحدث عن حجم ونوعية التمويل الذي يُستثمر في هذه الفئة من الصناديق، التي نمتلك فيها أقل من 1%.

التمويل في ريادة الأعمال لا يقتصر على القروض البنكية

من يمول هؤلاء؟ ومن هو أكبر المستثمرين؟ في أمريكا، أكبر المستثمرين هم صناديق التقاعد (Pension Funds)، وهي صناديق التأمينات الخاصة والعامة. هؤلاء هم أول من يستثمر في هذه الصناديق، ويعود ذلك إلى حجم الثروة التي يمتلكونها، حيث توجد صناديق تقاعد ضخمة، خاصة وعامة، تسمح لها بالاستثمار. بعد ذلك تأتي صناديق الوقف (Endowments)، ثم المؤسسات الاستثمارية الكبرى.

أما في إفريقيا ومنطقتنا، فالوضع مختلف تمامًا. من هو أكبر الممولين في إفريقيا؟ ما بين 50% إلى 70% من التمويل في إجمالي نسبة أقل من 1% من السوق تأتي من صناديق التنمية (Development Funds). على سبيل المثال، محفظة المهندس محمد تعتمد أكثر من 50% من تمويلها على هذه المؤسسات، وفي بعض الصناديق تصل النسبة إلى 70%.

نحن نعتمد على التمويل الخارجي لتطوير الصناعة هنا، وهذا وضع لا نرغب الاستمرار فيه. نطمح لأن نمتلك وفرة في الموارد المالية (Abundant Funds) تساعد على نمو القطاع.

لدينا 300 صندوق استثماري بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار لدعم الشركات الناشئة

والآن، لننظر إلى الأرقام: لدينا اليوم نحو 300 صندوق استثماري، يتراوح متوسط حجم كل صندوق بين 25 و35 مليون دولار، أي ما يعادل حجم صناديق إجمالي بين 7.5 إلى 10 مليارات دولار. هذه الصناديق التي تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار ستستثمر في الشركات، والرقم يتضاعف على الأقل بخمس مرات في الشركات التي تستثمر فيها.

في افتتاح أحد الصناديق الخاصة، صرح معالي نائب المحافظ رامي أبو النجا بأن كل جنيه يُستثمر في الصندوق يحقق خمسة جنيهات في الشركات، أي إن نسبة الاستثمار المباشر في الشركات تبلغ نحو1 على 6 أي ما يعادل 15%.

إذا ضربنا حجم الصناديق (7.5 إلى 10 مليارات دولار) في خمسة، فإن إجمالي الاستثمارات في الشركات يصل إلى نحو 50 مليار دولار.

وإذا افترضنا أن متوسط حجم الشركة الصغيرة أو المتوسطة هو 20 مليون دولار، فإننا نتحدث عن نحو 2000 إلى 2500 شركة، وبهذا الحجم من التمويل، الذي بدأنا به (7.5 إلى 10 مليارات دولار)، فإن قيمة الشركات قد تصل إلى ما بين 35 إلى 40 مليار دولار.

طرح 10% من الشركات الناشئة في البورصة سيغير وجه السوق المالية المصرية

لو افترضنا أن 10% من هذه الشركات طرحت في البورصة، فإن السوق المالية ستشهد تغييرًا جذريًّا.

رضوى إبراهيم: متى يُعدّ التمويل معيارًا حقيقيًّا للنجاح؟

حازم كامل: دعيني أستكمل الفكرة… حسنًا، فلنرَ كيف سنصل إلى 7.5 مليار دولار.

رضوى إبراهيم: لقد رأينا مشروعات حصلت على تمويل، ثم أهدرته دون تحقيق ربحية، وتكررت المحاولة دون مراجعة للنموذج، مما أضرّ بسمعة هذا النمط من المشروعات.

حازم كامل: حديثك صائب وسنعود إليه، لكن دعيني أُتمّ الفكرة أولًا.

رضوى إبراهيم: تفضل.

حازم كامل: نحن نتحدث عن ما يقارب 7 إلى 10 مليارات دولار، أي نحو نصف تريليون جنيه مصري. هل من المنطقي أن أضخ نصف تريليون جنيه في هذا القطاع دفعة واحدة لإعادة هيكلته؟ قطعًا لا. المسألة لا تتعلق بأن تقوم الدولة بضخ هذا المبلغ بشكل مباشر، بل أن تتبنى دورًا تحفيزيًّا، أي أن تضع خطة على مدى خمس سنوات تُعلن فيها التزامها بدعم القطاع وتنميته تدريجيًّا.

تجربة جهاز تنمية المشروعات الصغيرة نجحت في جذب 7 أضعاف التمويل الحكومي

دعونا نستعرض تجربة جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة (MESMEDA)، وهي تجربة عملية مؤسسة على منطق استثماري منضبط. قام بإنشاء صندوق يقوم بتمويل صناديق أخرى (Fund of Funds). ووفر خمسين مليون دولار كتمويل أولي. ثم طرحت هذا التمويل وفق آلية مشروطة: كل صندوق استثمار يرغب في الحصول على جزء من هذا التمويل، عليه أولًا أن يستقطب تمويلًا من مصادر أخرى. النتيجة؟ التمويل المبدئي البالغ خمسين مليون دولار الذي حصل عليه جهاز تنمية المشروعات، قام بتوزيعه على 13 صندوقًا استثماريًّا، جذب تمويلًا إضافيًّا تجاوز 350 مليون دولار. أي إن كل دولار من (MESMEDA) قابله ستة دولارات من السوق. هذا يعني أنني لأحصل على 7 إلى 10 مليارات دولار، لست مضطرًّا لتوفيرها بالكامل، بل يكفيني أن أوفر نحو سدسها أو سبعها. أي إننا نتحدث عن مليار دولار فقط كتمويل تحفيزي على مدى خمس سنوات.

هل هذا الرقم مستحيل؟ أبدًا. تخيل أن هذا الجهد يُسفر خلال خمس سنوات عن تأسيس ما بين 200 إلى 300 شركة إدارة صناديق، وهذه بدورها تطلق ما بين 2000 إلى 2500 شركة ناشئة قابلة للنمو والتوسع.

الاستثمار عبر صناديق رأس المال المخاطر يزيد فرص نجاح الشركات الناشئة

أما فيما يخص سؤالك عن فاعلية الاستثمار عبر صناديق الاستثمار المباشر أو رأس المال المخاطر، فإن المؤشرات تؤكد أن احتمالية نجاح الشركات ضمن هذه الأطر أعلى بكثير من نظيراتها التي تعمل بشكل فردي. لماذا؟ لأنها لا تحصل فقط على التمويل، بل تحظى بالتوجيه الإداري، والمتابعة الإستراتيجية، والدعم المؤسسي.

نسب خسائر الصناديق الاستثمارية في مصر أقل من المتوسط الإقليمي

وهل توجد نسب خسارة؟ بالتأكيد. نسب الفقد أو ما يُعرف بـ loss ratio موجودة في جميع أنحاء العالم. عالميًّا، يبلغ متوسط نسب الفقد في الصناديق نحو 17%. أما في الأسواق الناشئة، مثل إفريقيا، فتصل إلى نحو 22%. وهذه نسب طبيعية ضمن دورة الاستثمار.

دعم القطاع الخاص ضروري لتأسيس مئات شركات إدارة الصناديق والشركات الناشئة

أما في مصر، فبرغم غياب قواعد بيانات واضحة وشاملة حول نسب الفقد، فإن التقديرات المستندة إلى تجارب رواد السوق تشير إلى أن النسبة لدينا أقل من المعدلات الإقليمية. وعلى سبيل المثال، المهندس محمد، وهو من أبرز رواد هذا القطاع، ضخ وحده ما يزيد على 150 مليون دولار عبر البنك في شركات مثل فوري وديستربتيك، والصناديق التي يتولى إدارتها، مما يعكس حجم الكفاءة الاستثمارية التي يمكن تحقيقها في هذا السياق.

محمد عكاشة: أود أن أستخلص نقطة مهمة مما قاله حازم. من بين الصناديق التي أديرها، يوجد صندوق حصل على تمويل من جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وسأعطيكم أرقامًا لتوضيح أهمية وجود ما يُعرف بـ»المال المحلي» أو التمويل الممول محليًّا. هذا الصندوق تلقى استثمارًا بقيمة 4 ملايين دولار، وحجم الصندوق الكلي يصل إلى 36 مليون دولار، وقد استثمر في نحو 22 شركة.

محمد عكاشة: تمويل جهاز تنمية المشروعات الصغيرة جذب 100 ضعف الاستثمار للشركات الناشئة

الـ 22 شركة تلك استطاعت أن تجمع تمويلًا إضافيًّا بنحو 400 مليون دولار. أي إن الـ 4 ملايين دولار التي ضختها جهة مثل جهاز تنمية المشروعات، جمعت للشركات ما يعادل 100 ضعف هذا المبلغ. ولذلك، أنا لا أتحدث فقط عن مضاعف 1 إلى 6 كما ذكر حازم، بل عن مضاعف 1 إلى 100.

أما عن ما قاله حازم بشأن مؤسسات التمويل التنموي (DFIs)، فهي تتحمل مسؤولية تجاه إفريقيا باعتبارها طرفًا تنمويًّا، وبالتالي تستثمر في القارة بناءً على هذا الدور. لكن من المهم أن يكون هناك جانب من التمويل المحلي. في الواقع، قد تصل مساهمة التمويل الأجنبي إلى 70%، لكن يجب أن يكون هناك تمويل محلي حقيقي. فإذا لم تضع الدولة أموالها في هذا القطاع، فهل يمكن للمستثمر الأجنبي أن يأتي وحده؟

أهمية المال المحلي في دعم ريادة الأعمال ولا يمكن الاعتماد فقط على التمويل الأجنبي

وهنا يأتي دور «المال المحلي» الذي ينبع من مصدرين رئيسيين. ربما أشار حازم إلى صناديق التقاعد، لكن هناك مصادر أخرى أكثر سهولة مثل جهاز تنمية المشروعات، أو قيام الدولة بإنشاء صندوق صناديق (Fund of Funds) كما هو الحال في بعض الدول الأخرى. لا يمكن مقارنة الحالة في مصر مع دول الخليج التي تمتلك بيئات مختلفة، لكن على سبيل المثال، في المغرب، أنشأت الحكومة صندوق صناديق، للاستثمار في صناديق أخرى.

التمويل المحلي الضمان الحقيقي لجذب استثمارات أجنبية مستدامة

في مصر، لدينا بنوك محلية قامت بإنشاء صناديق صناديق تستثمر أيضًا في صناديق أخرى، وأنا شخصيًّا حصلت على تمويل من أحد هذه الصناديق. هذه الجهات المحلية يجب أن تتواجد بجانب الجهات الأخرى. إذا أردت جذب الاستثمار الأجنبي، يجب أن تبدأ بالالتزام المحلي، فلا يمكنك فقط الاعتماد على التمويل الخارجي وانتظار قدومه. الالتزام المحلي يُرسخ الثقة ويُسهل جذب الاستثمارات الأجنبية، لأن وجود الدولة أو القطاعات التي تمتلك السيولة وتلتزم بتطوير القطاع هو الضمان الحقيقي للمستثمرين.

الدكتورة هناء الهلالي الخبيرة الاقتصادية المعروفة، رئيس مجلس إدارة شركة سباير كابيتال، والعضو المنتدب لشركة الخير للتمويل متناهي الصغر

هناء الهلالي: كيف ترى مؤسسات التمويل التنموي (DFIs) هذا الموضوع؟ هل هذه هي الفكرة الأساسية؟

محمد عكاشة:هذه نقطة في غاية الأهمية، وأود أن أُكمل ما قاله حازم لأنني أتفق معه 100%. الخسائر موجودة في أي قطاع استثماري، خاصة عندما يتعلق الأمر برأس المال المخاطر. من الطبيعي أن تحدث خسائر، وهذا جزء لا يتجزأ من طبيعة الاستثمار. المشكلة أننا إعلاميًّا نركز بشكل مبالغ فيه على حالات الفشل. أي سقوط أو خسارة تُصبح خبرًا متداولًا على نطاق واسع.

هل هناك قصص نجاح بالمثل؟ بالطبع، هناك العديد من قصص النجاح التي تعادل أو تتجاوز قصص الفشل. والكثير من المستثمرين حققوا عوائد كبيرة سواء من الداخل أو الخارج، لكن المشكلة أن هؤلاء الأشخاص هم من لا يروون قصص نجاحهم.

هناء الهلالي : يجب أن تظهر هذه القصص للجميع.

محمد عكاشة: ليس خطأ الإعلام، بل إن أصحاب النجاحات أنفسهم لا يشاركونها.

هناء الهلالي: ربما يخشون أن يبوحوا بها.

رضوى إبراهيم: المشكلة أن الأخبار الأكثر انتشارًا هي حصول جهة ما على تمويل بمبالغ ضخمة تتراوح بين سبعة خانات وثمانية خانات، أكثر من أن تُبرز نتائج أعمالها، أي حجم نشاطها الفعلي، أو نوعية الشراكات التي عقدتها مع كيانات كبرى والتي تبرهن أن التمويل الذي حصلت عليه استُثمر بشكل فعّال ونمّى أعمالها.

محمد عكاشة: بصراحة، قدرتك كشركة أو مجموعة شركات على جذب استثمار أجنبي يجب أن يُحتفل به، فهو إنجاز بحد ذاته. ولكن، الأهم من ذلك هو هل يحقق هذا الاستثمار أرباحًا أو نجاحًا حقيقيًّا. لنأخذ على سبيل المثال شركتي فوري وE-Finance، فهما قصتا نجاح حقيقي، ظهرتا في البورصة، وجذبتا استثمارات أجنبية وحققتا نجاحًا ملموسًا.

هناء الهلالي: وهناك حالات فشل في المقابل.

محمد عكاشة: بالطبع، يجب أن نُقر بالنجاح والفشل معًا. لكنني أؤكد لك أن كثيرًا من الذين ينجحون يختفون عن الأنظار، ولا يرغبون في التحدث عن نجاحاتهم، والأسباب كثيرة لا داعي للخوض فيها الآن. الفكرة الأساسية هي أنه من الضروري أن يُعطى النجاح حقه من التقدير والتوازن، لأن الناس تخشى في كثير من الأحيان أن تسمع عن أموال دخلت وذهبت سدى. بينما الحقيقة أن هناك نجاحات وأخرى فشلت، وهذا هو جوهر الاستثمار.

هناء الهلالي: بالطبع، عامل المخاطرة حاضر دومًا.

أحمد رضوان: مهندس محمد، بعيدًا عن مسألة التمويل، ما هي التحديات الأخرى التي تراها في الاستثمار في هذا القطاع؟

وجود صناديق محلية مثل جهاز تنمية المشروعات يعزز ثقة المستثمرين

محمد عكاشة: التمويل هو جزء أساسي، والتمويل المحلي له أهمية بالغة جدًّا. وأعتقد أن الدولة الآن أصبحت واعية بهذا الأمر، كما أشار حازم إلى أن جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة يقوم بدور مهم في هذا المجال. وكذلك البنوك المصرية بدأت تلعب أدوارًا فعالة أيضًا في هذا القطاع. لذلك هناك حركة ملحوظة ونشاط متزايد.

هل هذا كافٍ؟ بالطبع لا، نحن بحاجة إلى المزيد، وأكثر بكثير. نحتاج إلى خطة طويلة الأمد، تتضمن مبالغ كبيرة تُصرف على فترات زمنية منتظمة، تضمن وجود تمويل مستمر وثابت.

على سبيل المثال، السعودية تقدم حوافز كثيرة، ولكن صدقني، الشركات لا تهمها الحوافز بقدر ما تهمها التمويلات المباشرة. فلتعطِ الشركة التمويل المطلوب، ولا تلتفت كثيرًا إلى الحوافز، حتى لو فرضت عليها ضرائب أو رسومًا. التمويل هو الجوهر.

ياسمين منير: أود أن أطرح سؤالًا، لقد رأينا هيئة الرقابة المالية على سبيل المثال تحدد حدًّا أدنى لاستثمارات صناديق التأمين الخاصة في الأسهم عبر مديري الأصول أيضًا. هل ترون أن نشاط الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال يحتاج إلى أن يكون هناك حد أدنى من الجهات التي تمتلك تمويلات معينة تستثمر في هذا القطاع؟

تجربة المغرب في إنشاء الصناديق نموذج يُحتذى به

محمد عكاشة: صحيح جدًّا، لكن يجب أن يكون الدافع محركًا من قِبل الدولة نفسها. بمعنى أننا بحاجة إلى إنشاء صندوق صناديق (Fund of Funds) مصري، كما فعلت المغرب مثلًا. كما يجب أن تقوم البنوك بخلق تخصصات داخلها تخصص جزءًا من أصولها للاستثمار في صناديق استثمار من أنواع مختلفة.

هناء الهلالي: مثلًا، في محفظة استثمارات صناديق المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

ياسمين منير: نعم، ما أعنيه هو ألا تظل هذه مجرد مبادرات، بل أن يكون هناك تشريع أو ضوابط واضحة تكفل الاستمرارية والاستدامة.

محمد عكاشة: صحيح تمامًا، قد يتحقق ذلك من خلال قانون أو تنظيم (Regulation) محدد. فالتمويل، كما ذكرتِ، هو جزء أساسي من المنظومة. النقطة الأخرى المهمة هي السرعة. طبيعة قطاع التكنولوجيا تفرض الإيقاع السريع، فاليوم الواحد قد يُحدث فارقًا كبيرًا. كما رأينا في السباق بين الولايات المتحدة والصين، المسألة تُقاس بالأيام، وإن تفوقت بيوم واحد فقد قطعت شوطًا كبيرًا.

التمويل المحلي ركيزة أساسية لنجاح ريادة الأعمال ودور الدولة أصبح واضحًا

فإذا سألتني ما الذي تُعاني منه الشركات الناشئة؟ سأقول لك: البطء في الإجراءات. على سبيل المثال، عندما تتقدم شركة ناشئة للحصول على موافقة أو خدمة من جهة حكومية، قد تنتظر لفترات طويلة. المطلوب هو إنشاء مسارات سريعة (Fast Track)، كما هو الحال الآن في بعض الخدمات مثل إصدار البطاقات الشخصية.

هناء الهلالي: مثلما هو الحال في الاستثمار عند تطبيق الرخصة الذهبية.

محمد عكاشة: بالضبط، فالسرعة -في رأيي- هي الأساس. ليس الهدف هو تبسيط الإجراءات فقط، ولا خفض رأس المال المطلوب، ولا تقديم الحوافز، بل توفير ما تحتاجه الشركة الناشئة فعلًا. فالمعادلة في هذا القطاع ببساطة هي: من يسبق أولًا، يكسب.

نحتاج إلى خطة طويلة الأمد لضمان تمويل مستمر وثابت لريادة الأعمال

رضوى إبراهيم: معنى ذلك أنه إذا اكتفت الحكومة بتيسير الإجراءات، تكون بذلك قد قدمت خدمة كبيرة لهذا القطاع.

التمويل المباشر أهم من الحوافز.. الشركات تريد أموالًا وليس مجرد تسهيلات

محمد عكاشة: صحيح، ولكن تجدر الإشارة إلى أن الحكومة تقوم بعدد من المبادرات بالفعل. ما أقصده هو أن هناك مجالات محددة تحتاج إلى تركيز خاص، لأن هذا القطاع يتطلب معالجة استثنائية أو ما يمكن وصفه بـ»معاملة خاصة». على سبيل المثال، جهاز تنمية المشروعات، كما أشار حازم، بادر بفصل ريادة الأعمال عن باقي المكونات.

هناء الهلالي: عن الخدمات غير المالية.

محمد عكاشة: بالضبط، لأن ريادة الأعمال تختلف عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة. لكلٍّ منها احتياجات مختلفة، وهذا كان تطورًا مهمًّا في الهيكل التنظيمي. كما أن هيئة سوق المال أيضًا بدأت بوضع تعريفات واضحة، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح.

حازم كامل: وأود أن أضيف نقطة مهمة، رغم أننا لا نرغب في الإطالة في موضوع التمويل. فكرة التمويل لا يجب أن تقتصر على رأس المال المخاطر (Venture Capital)، رغم أنه عنصر بالغ الأهمية. لكننا بحاجة إلى منظومة متكاملة -منظومة شاملة- تعالج التمويل من منظور متسلسل ومترابط.

حازم كامل: منظومة تمويل متكاملة ضرورية لدعم ريادة الأعمال والقطاع الخاص

فمثلًا، صندوق رأس المال المخاطر يستهدف التخارج من استثماراته لاحقًا، لكن التخارج هذا لمن؟ غالبًا سيكون لصناديق الاستثمار المباشر (Private Equity Funds)، إذًا وجود هذه الصناديق ضروري لضمان تدفق واستدامة الدورة الاستثمارية.

هل كل ما يدخل تحت مظلة رأس المال المخاطر يُعد ريادة أعمال؟ قطعًا لا. فهناك مشروعات صغيرة ومتوسطة في قطاعات مثل الصناعة لا تُصنَّف كرائدة أعمال ولكنها تحتاج إلى تمويل ونماذج دعم مختلفة.

هناء الهلالي: ولا يجب أن نغفل عنصرًا آخر أيضًا، وهو دور المستثمرين الأفراد (Angel Investors)، الذين يدخلون غالبًا كشركاء أساسيين في المراحل المبكرة، عبر الاستثمار في شكل حصص ملكية.

حازم كامل الرئيس التنفيذي لقطاع التسويق المباشر بشركة إن آي كابيتال

ياسمين منير: نعم، بالطبع، فكلها مراحل مختلفة ضمن نوع واحد من المستثمرين. لكن السؤال الحقيقي هو: لماذا حين نذكر ريادة الأعمال، يتبادر إلى الذهن مباشرة «الفينتك»، والتطبيقات، وكل ما يتصل بالتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي؟

هناء الهلالي: لكن هذا ليس كل شيء، فريادة الأعمال لا تقتصر على هذه المجالات فقط.

ياسمين منير: بالضبط، فما موقع ريادة الأعمال في القطاعات الأخرى إذن؟

رأس المال المخاطر مهم لكنه جزء من منظومة تمويل أوسع ومتسلسلة

حازم كامل: سؤال مهم جدًّا. الناس غالبًا ما تربط بين رأس المال المخاطر (Venture Capital) وريادة الأعمال، وتكرار مصطلح «رأس المال المخاطر» يجعل البعض يتحفظ تلقائيًّا. بصراحة، ناقشنا هذا الأمر كثيرًا، وأجد أن المصطلح المستخدم في الخليج أكثر إيجابية؛ فهم يسمونه «رأس المال الجريء». كلمة «المخاطرة» تُوحي بالخوف، وتدفع العقلية إلى التحفظ والتردد، بينما «الجريء» توحي بالمبادرة والقدرة على اقتحام الفرص.

رضوى إبراهيم: صحيح، فالمجتمع أصلًا يتحفظ من سوق البورصة، فكيف سيكون موقفه حين يسمع كلمة «مخاطرات»؟!

حازم كامل: رأس المال الجريء هو ذاته ما يُعرف برأس المال المخاطر. فكرة الاستثمار في هذا النوع من التمويل بالغة الأهمية، لأنه مرتبط بالصناعات الجديدة، ويتماشى مع العصر الرقمي الذي ندخل إليه بكل قوته.

أحمد رضوان: لماذا إذًا حين نتحدث عن ريادة الأعمال، يبدو وكأننا نتحدث فقط عن التكنولوجيا؟ كأن ريادة الأعمال حكر على هذا القطاع.

حازم كامل: ليس بالضرورة. ربما ارتبط مفهوم ريادة الأعمال أكثر برأس المال الجريء (Venture Capital) نتيجة للبدايات التي ظهرت في وادي السيليكون (Silicon Valley) وربما يمكن للمهندس محمد أن يوضح هذه النقطة بدقة أكبر مني. لكن مبدئيًّا، انطلقت الفكرة في أمريكا وكانت مرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة، ولذلك بُني المفهوم من الأساس على نموذج رأس المال الجريء.

ففي هذا النموذج، هناك احتمال أن تستثمر أموالًا في شركة تكنولوجية قد تختفي لاحقًا، كما أن هناك احتمالًا كبيرًا بأن تنجح الفكرة وتحقق قفزة نوعية. ولكن في الوقت نفسه، هناك صناعات تقليدية أيضًا تحتاج إلى ريادة أعمال، وإن لم تكن تنمو بنفس السرعة التي تميز الشركات التكنولوجية.

«رأس المال الجريء» بديل إيجابي لمصطلح «رأس المال المخاطر»

أنا شخصيًّا أفضل مصطلح «رأس المال الجريء» لأنه يعكس الشجاعة والمبادرة، بدلًا من مصطلح «المخاطر» الذي قد يحمل دلالة سلبية. خذ مثلًا الصناعات التقليدية، يمكن أن تُولد فيها أفكار مبتكرة تقود إلى النجاح.

لدينا مثال واضح: المشروب المصري الذي يُعرف بـ”V”، مبني على فكرة مشروبات الفيتامينات. الفريق المؤسس يعمل في هذه الصناعة، ولاحظ وجود فجوة في السوق، فابتكر هذه الفكرة. أليست هذه قمة ريادة الأعمال؟ رغم أنها ليست تكنولوجيا، لكنها قائمة على فكرة صناعية ناجحة ، إنها «مشروع صناعي مبتكر»، وتحتاج بدورها إلى دعم وتمويل.

الاستثمار في «رأس المال الجريء» مفتاح النجاح في الصناعات الرقمية الحديثة

وعندما نتحدث عن التمويل، لا ينبغي أن نقصر الحديث على إنشاء 300 صندوق لرأس المال الجريء فقط. نحن بحاجة إلى منظومة متكاملة (ecosystem) تتضمن صناديق لرأس المال الجريء، وصناديق للمستثمرين الملائكيين (Angel Investors)، وغيرها من المكونات الداعمة لريادة الأعمال بمفهومها الأوسع.

هناء الهلالي: ثم هناك عوامل متقاطعة (Cross-Cutting Factors)، إن جاز لي أن أضيف. فعندما نتحدث عن ريادة الأعمال، لا ينبغي أن تُختزل في القطاع الرقمي أو التكنولوجي فقط. لدينا مجالات واسعة ومتعددة لريادة الأعمال، تبدأ من الصناعة، وتمر بالتجارة، وتشمل الخدمات وغيرها.

فريادة الأعمال موجودة في كل قطاع، وتقطع عبر مختلف الأنشطة الاقتصادية، ولذلك من الضروري أن نُشجع رائد الأعمال أيًّا كان مجاله .

المهندس محمد عكاشة عضو اللجنة الاستشارية للاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال والرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لصندوق ديسربتيك

أحمد رضوان: المهندس محمد، حدّثنا من واقع تجربتك أو من خلال المشروعات التي استثمرت فيها.

محمد عكاشة: الشركة الناشئة تعني النمو السريع وليس مجرد استخدام التكنولوجيا

محمد عكاشة: من وجهة نظري، هناك كلمتان محوريتان يجب التوقف عندهما: ما تعريف «الشركة الناشئة»؟ ما المقصود فعلًا بهذا المفهوم؟ التعريف الأكثر تداولًا بين المستثمرين هو أن الشركة الناشئة هي تلك التي تنمو بنمط غير تقليدي، أي إنها تحقق معدلات نمو سريعة جدًّا، سواء اعتمدت على التكنولوجيا أو لم تعتمد، لدينا أمثلة، مثل مطاعم أو محلات طعام نمت بوتيرة سريعة للغاية، وهذه تُعد قصة ريادة أعمال، وهي في جوهرها شركة ناشئة.

ريادة الأعمال ليست بالضرورة اختراعًا جديدًا.. يمكن أن تكون تطويرًا لنموذج تقليدي

لماذا إذًا تبدو التكنولوجيا مسيطرة على مشهد ريادة الأعمال؟ لأننا ببساطة نعيش في عصر الاقتصاد الرقمي، وأي نشاط ضمن هذا الإطار يكتسب زخمًا تلقائيًّا أكثر من غيره، لكن التعريف الجوهري للشركة الناشئة، هو أن تكون قادرة على تحقيق نمو شهري متصاعد، لا سنوي فقط. وهذا ما يجعلها هدفًا لرأس المال الجريء، لأنه يرى في ذلك فرصة لتحقيق عائد مرتفع ناتج عن سرعة النمو.

ومن هنا تأتي أهمية التمييز: فليست كل شركة تستخدم التكنولوجيا تُعد شركة ناشئة، إذا لم تكن تنمو بالنمط المتسارع نفسه.

أما بالنسبة لريادة الأعمال، فهي بدورها تنقسم إلى شقّين. فريادة الأعمال لا تعني بالضرورة وجود اختراع، بل يمكن أن تقوم على إعادة تشكيل نموذج أعمال تقليدي بطريقة جديدة أو أكثر كفاءة، وهذا بحد ذاته يُعد ابتكارًا.

هناء الهلالي: حتى التطبيقات قد تُصنَّف كغير تقليدية، رغم بساطتها، إذا قدمت نموذجًا جديدًا أو حلت فجوة بطريقة مختلفة.

محمد عكاشة: يعني إذا تمكنت، بصفتي رائد أعمال، من تأسيس شركة وابتكار نموذج عمل غير تقليدي لم يكن موجودًا من قبل، فهذا في حد ذاته يُعد ريادة أعمال، لأنه ابتكار حتى لو لم يكن اختراعًا تقنيًّا بالمعنى التقليدي. كثيرون يظنون أن التكنولوجيا هي الهدف، ولكن في الحقيقة، التكنولوجيا ما هي إلا أداة تُسرّع الوصول إلى الهدف.

الاقتصاد الرقمي يعزز زخم الشركات الناشئة التكنولوجية لكنه ليس المعيار الوحيد

أما إذا أصبحت التكنولوجيا هدفًا بحد ذاتها، فنكون قد فقدنا البوصلة. فمثلًا، البنوك منذ سنوات طويلة تمتلك أنظمة تكنولوجية متطورة، وكذلك شركات الاتصالات، ومع ذلك لا نقول إن هذه الكيانات تمثل نماذج لريادة الأعمال، لأنها توظف التكنولوجيا في إطار تشغيلي تقليدي.

التكنولوجيا أداة لتسريع النجاح.. وليست الهدف بحد ذاتها في ريادة الأعمال

الابتكار الحقيقي يظهر في تطوير نموذج العمل (Business Model) خذ مثال «أوبر»، فكرته بسيطة للغاية، ولا يستخدم تكنولوجيا معقدة. الابتكار الحقيقي كان في نموذج العمل: كيف يمكن للمستخدم أن يطلب وسيلة نقل عبر هاتفه المحمول، لتصل إليه في الموقع الذي يحدده وتوصله حيث يشاء، هذه البساطة في تقديم الخدمة، عبر نموذج عمل غير مسبوق، هي جوهر ريادة الأعمال.

هناء الهلالي: في النهاية هو تطبيق، صحيح، لكنه مدعوم بتكنولوجيا.

محمد عكاشة: نعم، ولكن أقصد أن التكنولوجيا هنا لم تكن معقدة ـ كانت أداة، وليست هي جوهر الابتكار.

أحمد رضوان: هل هناك أي مؤشر رقمي يمكن أن يوضح لنا، على سبيل المثال، إذا قمنا بتمويل 10 مشروعات ريادية، كم منها غالبًا سيكون مرتبطًا بالفينتك أو بالتكنولوجيا عمومًا؟ وكم مشروع منها سيكون خارج هذا الإطار تمامًا، ولا علاقة له بالتكنولوجيا؟

محمد عكاشة: في الوقت الحالي، أعتقد أن أكثر من 80 إلى 90% من المشروعات الريادية تحتوي بالضرورة على عنصر تكنولوجي. ليس لأن باقي القطاعات غير موجودة، ولكن لأن طبيعة تطور الاقتصاد نفسه تفرض هذا الاتجاه.

فالتكنولوجيا أصبحت مكونًا أساسيًّا في أي نموذج عمل حديث. لكن إذا عدنا بالزمن عشر سنوات إلى الوراء، سنجد أن عددًا كبيرًا من الشركات الريادية الناجحة آنذاك كان في قطاعات صناعية، بل وإن عدنا أكثر، سنجد نماذج من ريادة الأعمال في القطاع الزراعي أيضًا.

رضوى إبراهيم: لكن لا يمكن إنكار أن التطور التكنولوجي كان له دور محوري في نجاح الفكرة. فأوبر، على سبيل المثال، تميّز عن غيره لأنه استخدم التكنولوجيا لتبسيط الخدمة بشكل فعلي للجمهور. فقبل أوبر، كانت هناك مشروعات مثل «إيزي تاكسي» و»تاكسي العاصمة»، استهدفت أن يصل التاكسي إلى باب المنزل، ولكن الفارق أن أوبر جعل الخدمة أكثر سهولة وسلاسة للمستخدم. وهنا أعتقد أن الاستثمار في التكنولوجيا كان سابقًا على النجاح نفسه.

محمد عكاشة: بالتأكيد، أتفق معك. ولكن دعيني أضيف أن هذه الأفكار كلها لا تنجح إلا عندما تتزامن مع الظرف الزمني المناسب. خذي مثلًا قصة أوبر، لم يكن ممكنًا أن تحقق هذا النجاح في عصر الهواتف التقليدية. كان لا بد من انتشار الهواتف الذكية أولًا. فنجاح هذه الفكرة ارتبط بتوفر «السمارت فون» في أيدي المستخدمين، وهذه نقطة حاسمة.

هناء الهلالي: والأدوات نفسها أصبحت جزءًا أساسيًّا ومؤثرًا للغاية.

«أوبر» مثال على الابتكار في نموذج العمل وليس التعقيد التكنولوجي

محمد عكاشة: الأدوات نفسها التي أستخدمها لإعادة صياغة فكرة ما هي عنصر جوهري. التوقيت كان حاسمًا، فرائد الأعمال الذي أسس «أوبر» اكتشف الفرصة عندما أصبحت أداة معينة -وهي الهاتف الذكي- متاحة في أيدي الجمهور. عندها قرر أن يبتكر هذا النموذج. لو لم تكن هذه الأداة متوفرة، لما تمكن من تنفيذ فكرته.

ومن هنا، فإن ذكاء رائد الأعمال يكمن في قدرته على قراءة السوق، وتحديد اللحظة المناسبة، والتفكير في كيفية تحويل المعطيات إلى نموذج عمل مبتكر.

«فوري» مثال على ابتكار نموذج عمل بسيط معتمد على تكنولوجيا متاحة للجميع

وأكرر هنا: الابتكار الحقيقي لا يكمن في التكنولوجيا نفسها، بل في نموذج العمل Business Model . التكنولوجيا قد تكون بسيطة للغاية مثلًا، «فوري» هي منصة تكنولوجية، لكن التكنولوجيا المستخدمة فيها ليست معقدة؛ مجرد تطبيق على الهاتف يمكن لأي جهة أن تنفذه تقنيًا. لكن الابتكار كان في كيفية تقديم الخدمة وتوزيعها واستخدامها، أي في نموذج العمل نفسه.

هناء الهلالي: وتجربة «إنستا باي» خير مثال، الجميع يستخدمه اليوم، وقد سهلت الكثير من الأمور اليومية وهذا في حد ذاته تبسيط ذكي باستخدام أداة متاحة.

رضوى إبراهيم: بالطبع، لا خلاف في ذلك. دكتور هناء، أود أن أسألك إلى أي مدى تختلف التحديات التي تواجهها الشركات الناشئة أو المشروعات الصغيرة والمتوسطة عن تلك التي تواجهها المشاريع الكبرى؟ وإلى أي حد يوجد اختلاف في مستوى الاهتمام والحوافز المقدمة لكل فئة؟

هناء الهلالي: تبسيط التراخيص ضرورة أساسية لدعم رواد الأعمال وتسريع انطلاق المشروعات الصغيرة والمتوسطة

هناء الهلالي: لنقسم التحديات التي تواجه رواد الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى محاور رئيسية. أولًا، معضلة التراخيص والبيروقراطية الإدارية التي تعترض تأسيس المشاريع، حيث يُواجه رائد الأعمال العديد من العقبات التي تعيق سرعة الانطلاق.

نظام الضريبة المقطوعة يساهم في دمج الاقتصاد غير الرسمي

ثانيًا، ملف الضرائب، حيث تم تطبيق نظام ضريبة مقطوعة على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو تطور إيجابي يُسهم في تشجيع التحول من العمل في الاقتصاد غير الرسمي الذي ظل لسنوات مختبئًا تحت مظلة «بير السلم» لتفادي الضرائب. وهنا تأتي أهمية المبادرات التي تُعفي أصحاب هذه المشاريع من المحاسبة على الفترات السابقة، بهدف دفعهم للاندماج في الاقتصاد الرسمي، خاصة في إطار تطبيق قواعد «GTB».

إن تحويل هذا القطاع الحيوي، الذي يشكل جزءًا ضخمًا من الاقتصاد الوطني لكنه يعمل بشكل غير رسمي، يتطلب حوافز وتشريعات تسهل الإجراءات وتبسط التراخيص، مع التمييز بين الفئات المختلفة مثل المشاريع الصغيرة جدًّا (Micro)، والمتوسطة (Medium)، والصغيرة (Small).

التدريب والتأهيل مفتاح نجاح رواد الأعمال في الاقتصاد الرقمي الحديث

ثالثًا، لا يمكن إغفال أهمية التدريب والتأهيل، حيث كثير من رواد الأعمال يفتقرون إلى المهارات اللازمة لفهم آليات العمل في الأسواق، خاصة في ظل تعقيدات الاقتصاد الرقمي الذي يختلف تمامًا عن القطاعات التقليدية. ومن هنا تأتي أهمية الحاضنات ومسارعات الأعمال، التي تقدم برامج تدريبية متخصصة مثل «Nightpreneur» بجامعة النيل الدولية، والتي تعد مبادرة من البنك المركزي المصري، حيث تُعلم رواد الأعمال كيفية إعداد خطة عمل، إستراتيجيات التسويق، الجوانب المالية والقانونية، وغيرها من المهارات الضرورية لإنجاح المشروع.

بالإضافة إلى ذلك، توجد جهات دولية متخصصة مثل مؤسسات التمويل التنموي (DFIs) تعمل في مصر، وتلعب دورًا فاعلًا في دعم هذه المحاور المختلفة، كما تلعب منظمة العمل الدولية (ILO) دورًا محوريًّا من خلال برامج مثل Start Your Business and Know Your Business، والتي تستهدف تمكين رواد الأعمال من المعرفة والمهارات اللازمة، بالتعاون مع شركاء محليين مثل «MSMEDA».

هناء الهلالي: التمويل الأصغر ركيزة حيوية لتعزيز الشمول المالي في المناطق الريفية والنائية

وأخيرًا، أود التأكيد على أهمية الخدمات غير المالية المصاحبة لتمكين الوصول إلى التمويل، حيث ليست كل الفئات مؤهلة أو قادرة على الحصول على تمويل من البنوك أو المؤسسات الرسمية، خاصة في المناطق الريفية والنائية، حيث يبرز دور التمويل الأصغر Micro Finance كأداة حيوية لتعزيز الشمول المالي وتحفيز النمو الاقتصادي.

رضوى إبراهيم: ليس الأمر مقتصرًا على الشرائح فحسب، بل هل هناك أيضًا مجالات معينة تواجه تحديات أشد وأعقد؟

هناء الهلالي: بالفعل، ليست كل المجالات متساوية في درجة الصعوبة والتحديات التي تواجهها، والشرائح تمثل جانبًا مهمًّا لكن التباين في القطاعات واضح.

رضوى إبراهيم: وما هي بالتحديد المجالات التي تعاني من صعوبات أكبر؟ لأن من الواضح أن التحديات في الشرائح تزداد كلما ابتعدنا عن النطاق الحضري.

هناء الهلالي: لا شك أن القطاع الزراعي يحتل مكانة متميزة من حيث التعقيد، فهو يمثل مشاريع ذات أفق زمني طويل الأمد، وهو مجال يستلزم إدارة مخاطر دقيقة ومتخصصة. إذ إن التمويل في هذا القطاع يرتبط بدرجة عالية من المخاطرة، ما يستدعي تدابير شاملة للحد من هذه المخاطر، بما يشمل التقييم الدقيق للمخاطر، وتوفير الضمانات والتأمينات اللازمة، رغم وجود احتمالات متزايدة لحدوث إخفاقات.

دعم مشروعات البيئة والحرف التراثية ضرورة لحماية الموروث الثقافي والصناعي

كما أننا نولي اهتمامًا بالغًا لمشروعات البيئة وإعادة تدوير المخلفات، وكذلك الحرف التراثية، إذ نؤمن بأهمية الحفاظ على الموروث الثقافي والصناعي من الاندثار، مما يستدعي دعمًا متخصصًا لهذه القطاعات.

في المقابل، يشكل قطاع الخدمات نسبة كبيرة من التمويلات الموجهة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث تشمل الأنشطة البسيطة مثل افتتاح المقاهي والمشروعات ذات الطبيعة الخدمية المتنوعة.

التجمعات الصناعية تقود جهود إحلال الواردات وتعزيز الصناعة المحلية

وأود أن أؤكد على الإمكانات الهائلة التي تمتلكها المشروعات الصغيرة عندما تُنظم في تجمعات أو مجموعات صناعية (Clusters)، إذ تلعب هذه الكيانات دورًا محوريًّا في دعم الصناعات الأكبر، من خلال خلق تكامل بين الإنتاج المحلي وإحلال الواردات. فبدلًا من الاعتماد على استيراد المكونات الصناعية بالعملة الأجنبية، يمكننا تعزيز التصنيع المحلي عبر هذه الكلاسترز التي تخدم الصناعات الكبرى وتحقق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.

أحمد رضوان: لنحصل على استراحة قصيرة ثم نعود لاستكمال هذا اللقاء المهم.

الرابط المختصر