تداعيات جيوسياسية واقتصادية للتوترات بين إسرائيل وإيران
اضطراب حركة المنشآت النفطية يهدد سلاسل الإمداد ويرفع الأسعار
سمر السيد _ شهدت منطقة الشرق الأوسط تصعيدًا خطيرًا في التوترات بين إسرائيل وإيران. نفذت إسرائيل ضربات منسقة استهدفت منشآت إيران النووية والصاروخية الباليستية، بالإضافة إلى كبار قادة الحرس الثوري الإيراني وعلماء نوويين. ردت إيران على هذه الهجمات بإطلاق طائرات مسيرة وصواريخ نحو الأراضي الإسرائيلية.
رصد تقرير نشره موقع “ING” الإيطالي للتحليلات المالية والاقتصادية، التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية المحتملة لهذه التوترات، فضلاً عن تأثير التصعيد في أسواق الطاقة والائتمان وأسعار الفائدة العالمية.

التأثيرات الجيوسياسية والاقتصادية

اتهمت إيران الولايات المتحدة بـالتواطؤ في الهجمات الإسرائيلية، ما أثار مخاوف من احتمالية استهداف الأصول الأمريكية في المنطقة، وما يزيد من تعقيد الموقف هو الغموض الذي يكتنف مصير المفاوضات بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي التي تستضيفها عمان.
في المقابل، تصاعدت حدة المخاطر الأمنية في الملاحة البحرية عند مضيق هرمز والخليج العربي، وهما ممران حيويان للتجارة العالمية في النفط والغاز.
ورغم أن البنية التحتية للطاقة في إيران لم تُستهدف بشكل مباشر بعد، لكن يؤكد الخبراء أن أي تعطيل في المنشآت النفطية قد يؤدي إلى اضطراب كبير في سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار النفط والغاز على المدى الطويل.
تأثير التصعيد على أسواق الطاقة
تفرض حالة عدم اليقين المرتفعة المرتبطة بالأوضاع الجيوسياسية في أسواق الطاقة علاوة مخاطر كبيرة، لاسيما في ضوء احتمالات تعطل سلاسل الإمداد، حسبما أفاد التقرير، منوهًا إلى أن أي تصعيد بين الجانبين الإسرائيلي والإيراني قد يؤدي إلى انقطاع تدفقات النفط الإيراني ما سيدعم الأسعار بشكل أكبر.
تشير أحدث الإحصاءات إلى أن إيران تنتج نحو 3.3 مليون برميل يوميًّا من النفط الخام، وتصدر ما يقارب 1.7 مليون برميل يوميًّا.
ومن المرتقب أن يؤدي فقدان هذا المعروض إلى القضاء على الفائض المتوقع في الربع الأخير من العام الجاري، ودفع أسعار النفط إلى أن تبلغ نحو 80 دولارًا للبرميل، لكن مع ذلك يرى التقرير أن الأسعار ستستقر في النهاية عند نطاق يتراوح بين 75-80 دولارًا أمريكيًّا للبرميل.
وتمتلك منظمة أوبك طاقة إنتاجية فائضة تبلغ 5 ملايين برميل يوميًّا، وبالتالي فإن أي انقطاع في الإمدادات قد يدفع منظمة الدول المصدرة للنفط إلى إعادة هذا العرض إلى السوق أسرع من المتوقع.
حركة الشحن عبر مضيق هرمز
يشير كاتبو التقرير إلى أن السيناريو الأكثر خطورة هو أن يؤدي التصعيد إلى تعطل حركة الشحن عبر مضيق هرمز. هذا المضيق يمر عبره نحو ثلث تجارة النفط العالمية المنقولة بحرًا، وبالتالي أي اضطراب كبير في هذا السياق يمكن أن يدفع أسعار النفط إلى 120 دولارًا للبرميل.
اضطراب حركة المرور بمضيق هرمز قد يقفز بأسعار النفط إلى 120 دولارًا للبرميل
في هذه الحالة، لن تتمكن الطاقة الإنتاجية الفائضة لأوبك من دعم السوق لأن معظمها يقع في منطقة الخليج العربي، وسيصبح على الحكومات اللجوء إلى الاحتياطيات النفطية الاستراتيجية، ولكن هذا حل مؤقت يتطلب ارتفاع الأسعار بشكل كبير لكبح جماح الطلب.
لا يقتصر تأثير هذا التصعيد في النفط فحسب، بل يمتد ليشمل سوق الغاز الأوروبية، ولكي ترتفع أسعار الغاز بشكل ملحوظ، يجب أن نشهد الاضطراب ذاته في مضيق هرمز.
تُعد قطر ثالث أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث تشكل نحو 20% من التجارة العالمية، وكل هذه الإمدادات تمر عبر المضيق.
وتعتبر سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي متوازنة في الوقت الحالي، وأي اضطرابات ستحولها إلى عجز، مما يزيد من المنافسة بين المشترين الآسيويين والأوروبيين.
تأثير أسعار النفط في التضخم وقرارات البنوك المركزية
يُهدد ارتفاع أسعار النفط بقلب التوقعات السابقة بشأن معدل التضخم في الولايات المتحدة، والذي كان أكثر اعتدالًا مما كان متوقعًا في ظل الرسوم الجمركية المفروضة على البلدان، و بينما ظل معدل تضخم السلع مستقرًا، بدأت ضغوط الأسعار في قطاع الخدمات في التراجع.
ارتفاع أسعار السلع الأساسية والتضخم
واستبعد التقرير استمرار هذه الأوضاع، في ضوء احتمالية أن تسمح احتياطيات المخزونات للشركات بتأجيل قرارات رفع الأسعار، لكن هذا لن يستمر طويلًا، ومن المتوقع أن تشهد معدلات التضخم ارتفاعات شهرية حادة خلال الصيف، وسيزيد ارتفاع أسعار النفط هذا الوضع سوءًا.
ويشير التقرير إلى أنه قبل عشر سنوات، كانت البنوك المركزية، بما فيها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، تنظر إلى ارتفاع أسعار النفط كعاملٍ مُيسَّر لأسعار الفائدة.
وعادةً ما كان ضعف معدل النمو يفوق المخاوف بشأن ارتفاعٍ قصير الأمد في التضخم. لكن هذا التفكير تغير بشكل كبير منذ جائحة كوفيد.
استمرار التوترات يدفع منطقة اليورو نحو الركود التضخمي
في أوروبا، أدى الارتفاع الحاد في أسعار الغاز الطبيعي والنفط خلال عام 2022 إلى زيادة مستمرة في معدل التضخم في قطاع الخدمات.
وقد حذّر مسؤولون في كلٍّ من الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا من حلقةٍ مُتكررةٍ مماثلةٍ اليوم، وقد تكون هذه المخاوف مبالغًا فيها، خاصةً أنه خلال جائحة كورونا وصدمة أسعار الطاقة في عام 2022، كانت البيئة الاقتصادية الأوسع مهيأة لارتفاع التضخم.
وفي كلتا الحالتين، قدمت الحكومات دعمًا ماليًّا كبيرًا لتعويض الأثر، وهي مهمة أصبحت أكثر صعوبة اليوم بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وتقلبات الأسواق المالية.
ومع نهاية العام، توقع التقرير بدء تلاشي تأثير الرسوم الجمركية على التضخم، وخاصة قطاع الخدمات.
التداعيات على أسعار الفائدة
يتوقع الخبراء أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي أول تخفيض لأسعار الفائدة في الربع الأخير من هذا العام، وقد يبدأ بخفض قدره 50 نقطة أساس في ديسمبر، ومن المتوقع أن تؤدي هذه التخفيضات إلى وصول أسعار الفائدة إلى 3.25% بحلول منتصف عام 2026.
مخاوف من تداعيات ارتفاع التكاليف على التصنيع والنمو
هذه التطورات تزيد من صعوبة موقف البنك المركزي الأوروبي؛ فمع تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، يُخشى أن يؤدي ارتفاع التكاليف إلى تفاقم المخاوف في قطاع التصنيع، ما يزيد المشاعر السلبية لدى المستثمرين ويؤثر سلبًا في معدلات النمو الاقتصادي.
وإذا استمرت هذه الأوضاع لفترة طويلة، فإن منطقة اليورو قد تتجه نحو الركود التضخمي.
ويشير سيناريو البنك المركزي الأوروبي إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة بنسبة 20% يمكن أن يخفض النمو الاقتصادي بنسبة 0.1 نقطة مئوية في عامي 2026 و2027. وفي المقابل، سيرتفع التضخم بمقدار 0.6 و0.4 نقطة مئوية على التوالي مقارنة بالتوقعات الأساسية.
التأثير في العملات الأجنبية
شهد الدولار الأمريكي انتعاشًا طفيفًا على خلفية التطورات الأخيرة في التوترات الإسرائيلية الإيرانية، لكنه لم يعوض بعد خسائره التي مني بها في وقت سابق من الأسبوع.
ويُعتقد أن تراجع العقود الآجلة للأسهم الأمريكية قد حدّ من مكاسب الدولار. وإذا تفاقمت التوترات وتحولت إلى صراع أوسع نطاقًا، وشهدت أسعار النفط مزيدا من الارتفاعات، فقد يشهد الدولار ارتفاعًا أكبر، خاصةً أنه يعتبر حاليًا في حالة «بيع مفرط» ومُقوَّم بأقل من قيمته على المدى القريب.
التأثير على أسعار السوق
من المرجح أن يظل رد فعل سوق أسعار الفائدة خافتًا. فقد أدت سياسات التعريفات الجمركية، والمخاوف المالية في الولايات المتحدة، وآفاق الإنفاق في الاتحاد الأوروبي إلى خلق بيئة غير مستقرة بالفعل، ويزيد التصعيد في إيران من حدة التوتر.
من المتوقع أن يظل رد فعل سوق أسعار الفائدة محدودًا؛ فالبيئة الاقتصادية العالمية الحالية تتسم بعدم الاستقرار بالفعل بسبب سياسات التعريفات الجمركية، والمخاوف المالية في الولايات المتحدة، وآفاق الإنفاق في الاتحاد الأوروبي، ويزيد التصعيد في إيران هذا التوتر، لكنه قد لا يحدث تحولًا كبيرًا في مسار أسعار الفائدة.
أسواق الائتمان
أظهرت أسواق الائتمان مرونة ملحوظة في الآونة الأخيرة، حيث استوعبت العوامل الخارجية المثيرة للقلق، وأدت وفرة السيولة إلى انخفاض كبير في العرض، فيما تقلصت فروق الأسعار بشكل ملحوظ في الوقت نفسه، ووصلت في كثير من الأحيان إلى أدنى مستوياتها لهذا العام.
يؤثر على هوامش ربح الشركات ويشكل عاملًا سلبيًّا على الائتمان
لذلك، يُتوقع أن يكون تأثير التوترات الأخيرة في فروق الأسعار الائتمانية ضعيفًا في الوقت الحالي، مع استمرار العوامل الفنية القوية في دفع فروق الأسعار، متجاهلةً العوامل الخارجية.
ومع ذلك، لا يزال عدم اليقين على المدى الطويل يخيم على الميزانيات العمومية للشركات. ويؤثر ارتفاع أسعار السلع الأساسية والتضخم على هوامش الربح، مما يشكل عاملًا سلبيًّا آخر على الائتمان.