طارق الغمراوي: تنظيم جهات التقييم يعزز المصداقية ويقنن السوق
يارا الجنايني_ رحّب الدكتور طارق الغمراوي، استشاري التطوير العقاري وإدارة المشروعات، بقرار تنظيم التعامل مع جهات التقييم العقاري، مؤكدًا أنه قرار إيجابي طال انتظاره، ويعكس توجّه الدولة لتقنين النشاط العقاري وضبط المنظومة التمويلية بشكل احترافي، بما يضمن حماية السوق والمستهلك في آنٍ واحد.
قال الغمراوي في تصريحات لجريدة “حابي”، إن غياب التنظيم الرقابي على جهات التقييم لفترة طويلة أتاح الفرصة أمام العديد من الجهات غير المقيدة أو الخاضعة لرقابة الهيئة العامة للرقابة المالية، ما أضر بالشركات الجادة الحاصلة على رخص رسمية.

أضاف: “في أحد المشروعات التي كنت أعمل فيها سابقًا، حصلنا على رخصة التمويل العقاري من الهيئة بعد عام ونصف من الإجراءات والتكلفة المرتفعة، ثم فوجئنا بأن بعض البنوك والشركات تتعامل مع وسطاء وسماسرة غير مقيدين، فقط لأنهم يطلبون عمولات أقل، ما كبّدنا خسائر”.
وأوضح أن إخضاع جميع الأنشطة العقارية لجهات رقابية سيؤدي إلى رفع كفاءة الأداء المهني وحماية السوق من الممارسات غير الرسمية.
وحول ما إذا كان القرار سيؤثر على حجم التمويلات العقارية أو مدة الإنجاز، أشار الغمراوي إلى أن تكلفة التقييم العقاري ضئيلة ولا تُشكل عبئًا على العملية التمويلية. وقال: “في حالة تمويل وحدة بـ30 مليون جنيه مثلًا، فإن أتعاب المُقيم غير الرسمي لا تتجاوز 5 آلاف جنيه، وهو مبلغ لا يُذكر في معادلة التمويل العقاري”.
أضاف أن معظم شركات التمويل العقاري الكبرى تتعامل بالفعل مع جهات تقييم مسجلة ومعتمدة، وبالتالي فإن الأثر الفعلي للقرار سيكون في تقنين السوق ورفع مستوى المصداقية، لا في إبطاء أو تقليص حجم التمويل الممنوح.
وشدد الغمراوي على أن القرار من شأنه تعزيز مصداقية السوق العقارية المصرية أمام المستثمرين المحليين والأجانب، موضحًا أنه لا يوجد في مصر آلية واضحة وموحدة للتقييم العقاري. وأضاف أن التقييم العقاري السليم يبدأ من وضع آلية دقيقة لاحتساب المساحات وفق معايير هندسية متفق عليها، على غرار النظم الدولية المعتمدة. وأشار إلى أن غياب هذه المنهجية يفتح الباب أمام التضليل العقاري، حيث تُعرض الوحدات بمساحات غير مطابقة للواقع، ما يخلق فجوة في الثقة ويُعيق فكرة تصدير العقار للخارج.
واعتبر الغمراوي أن معايير التقييم الصادرة عام 2015 باتت غير كافية لمواكبة التحولات الكبرى في السوق العقارية المصرية، خاصة في ظل غياب قاعدة بيانات دقيقة. وقال: “نحن نعيش في سوق بلا أرقام موثقة، لا نعرف حجم المعروض الحقيقي، ولا أسعار المناطق، ولا نسب الإشغال أو التأجير. الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء يقدم بياناته كل عشر سنوات، في حين أن الأسواق المتقدمة تعتمد على قواعد بيانات محدثة يوميًّا لتوجيه الاستثمارات”.
وأشار إلى أن مصر تمتلك ثروة عقارية ضخمة تُقدّر بنحو 50 مليون وحدة، لكن لا توجد جهة تستطيع حتى الآن تحديد عدد الوحدات المشغولة أو المغلقة أو المعروضة للإيجار أو البيع، وهي فجوة معلوماتية تؤثر على دقة التقييم العقاري، وتُضعف من قدرة الدولة على رسم سياسات عمرانية وتمويلية فعالة.
وأشار الغمراوي إلى أن التمويل العقاري في مصر لا يزال يعاني من عراقيل هيكلية، تتمثل في ارتفاع أسعار الفائدة –حتى بعد الخفض الأخير– إلى مستويات غير ملائمة للنشاط العقاري، معتبرًا أن الفائدة المثالية لنمو هذا القطاع يجب ألا تتجاوز 12%، في حين أنها تقف حاليًا عند حدود الـ25%.
وأشار كذلك إلى أن الإجراءات المعقدة، ومتطلبات إثبات الدخل، وارتفاع مستوى البيروقراطية، كلها عوامل تُفرغ السوق من العملاء المؤهلين للحصول على تمويل، وتُبقي النشاط محصورًا في فئات محدودة، دون أن يتحول إلى أداة فعالة لدعم الطبقة المتوسطة أو تنشيط الاقتصاد الكلي.