هاني قسيس: بناء صناعة وطنية دون امتلاك فائض بترولي.. مغامرة
الصناعات التحويلية والخفيفة أنسب من البترولية الثقيلة
فاطمة أبو زيد ومحمد أحمد_ يرى المهندس هاني قسيس ، العضو المنتدب لشركة مصر للصناعة والتجارة «مينترا»، أن أي صناعة لا يمكن أن تنمو أو تحقق أهدافها في التصدير أو تقليل الاستيراد، ما لم تتوافر لها إستراتيجية تمويلية متكاملة تضعها الدولة، وتوفر من خلالها مصادر تمويل مستدامة.
أضاف قسيس ، في تصريحات لجريدة حابي، أن غياب هذه الإستراتيجية يعوق أي توجه حقيقي نحو توطين الصناعة أو بناء قاعدة صناعية قوية.

وأشار إلى أن الحديث عن توطين الصناعات الكيماوية في مصر يجب أن يسبقه إدراك واقعي لحجم التحديات، خاصة في ظل محدودية الموارد الطبيعية الأساسية التي تُبنى عليها تلك الصناعات، وفي مقدمتها البترول والغاز.
تابع قائلًا: «لا يمكن بناء صناعة بتروكيماوية وطنية في بلد لا يمتلك فائضًا من البترول»، معتبرًا ذلك «مغامرة غير محسوبة».
وأكد أن مصر ليست مؤهلة حاليًا للصناعات الثقيلة القائمة على البترول، كما هو الحال في السعودية أو الجزائر أو قطر، موضحًا أن الأفضل هو التركيز على الصناعات التحويلية والخفيفة التي تضيف قيمة مضافة عالية دون الاعتماد على مواد خام مكلفة أو نادرة.
ولفت قسيس إلى أن هناك صناعات تعتمد على المنتجات البترولية، لكنها لا تتطلب وجود البترول الخام نفسه، مثل الصناعات البلاستيكية، أو الكهربائية، أو المنتجات المنزلية والهندسية، وهي مجالات يمكن لمصر أن تتفوق فيها إذا ما تم الاستثمار فيها بالشكل المناسب.
ويرى أنه من الأفضل استيراد الحبيبات البلاستيكية الجاهزة وتصنيع منتجات نهائية منها، مثل الثلاجات، أو لعب الأطفال، أو الشنط، أو الأقمشة الصناعية، بدلًا من الدخول في مغامرة تصنيع الخامة نفسها، والتي تتطلب استثمارات عملاقة لا تتناسب مع وضعنا الاقتصادي.
وعن قدرة القطاع الخاص على قيادة هذه النهضة الصناعية، قال قسيس إن القطاع الخاص لديه الرغبة، لكن إمكانياته محدودة، خاصة في ظل ضعف البورصة وغياب أدوات التمويل المرنة.
وأشار إلى أن شركات القطاع الخاص تتحرك على قدر طاقتها، ولا يمكنها التوسع دون وجود رؤية واضحة من الدولة وتمويل مستقر.
وشدد على أن الدور الأساسي في هذه المرحلة يجب أن يكون للدولة، سواء من خلال التمويل أو السياسات أو حتى الشراكة في بعض المشروعات الكبرى، موضحًا أن الصناعات الكبرى لا يستطيع القطاع الخاص قيادتها بمفرده، سواء في الدول الكبرى اقتصاديًّا مثل الصين، أو غيرها من الدول.
وأكد أن الدولة هي من تضع الرؤية وتدير عجلة التمويل، بينما يتحرك القطاع الخاص في إطار هذه المنظومة.
وفيما يتعلق بالشراكة مع المستثمر الأجنبي، أوضح قسيس أنه ليس ضد الاستثمار الأجنبي من حيث المبدأ، لكنه يفضل دائمًا أن تكون الصناعة وطنية بالأساس، وتُبنى على استثمارات مصرية.
أضاف أنه لا يمانع دخول شريك أجنبي، لكنه لا يعتبره أولوية في هذه المرحلة، مؤكدًا أن الأفضل هو بناء الصناعة بإمكاناتنا الذاتية، مع إمكانية اللجوء إلى الشراكة الأجنبية لاحقًا، خاصة في حال الحاجة إلى تكنولوجيا متقدمة.
وفيما يخص خطط التوسع داخل شركة «مينترا»، أشار قسيس إلى أن أي توسعات مستقبلية ستكون مرهونة بقدرة الشركة على التمويل الذاتي أو على إيجاد تمويل خارجي مناسب.
وقال: «نحن لا ننتظر دعمًا مباشرًا من الدولة، لكننا بحاجة إلى بيئة اقتصادية تساعدنا على النمو. هذه البيئة تشمل استقرار السياسات، وتوفير التمويل، وضمان وجود طلب محلي وتصديري».
وشدد على أن الشركات المصرية تعمل وفق إمكانياتها، وتتحرك بناءً على احتياجات السوق، وليس وفق رغباتها الخاصة.
وتابع قائلًا: «لا يمكننا الإنتاج بما يفوق طلب السوق، كما أن التوسع لن يكون خيارًا مطروحًا ما لم تكن هناك مؤشرات واضحة تؤكد جدوى الاستثمار» .
وحذّر قسيس من «الحماس غير المحسوب» نحو بعض الصناعات لمجرد أن دولًا أخرى تنجح فيها، مشيرًا إلى أن مصر ليست مؤهلة للدخول في بعض الصناعات الثقيلة أو التي تعتمد على موارد غير متاحة محليًّا.
ونوّه إلى أن مصر لا تمتلك القدرة على منافسة دول مثل السعودية في مجال صناعة البتروكيماويات، حيث تتمتع الأخيرة بمزايا قوية مثل وفرة النفط، والقدرات التمويلية، وضخامة الإنتاج، في حين تواجه مصر تحديات تتعلق بنقص الغاز وصعوبة تمويل المشروعات.
ودعا قسيس إلى التركيز على الصناعات التي تمتلك فيها مصر ميزة تنافسية، مثل إعادة تدوير الورق والكرتون، والصناعات البلاستيكية، والتعبئة والتغليف، والصناعات الغذائية والتحويل الزراعي.
وقال إن مصر تمتلك نموذجًا ناجحًا في صناعة الورق والكرتون، يتمثل في وجود نحو ألف مصنع معني بإعادة تدوير الكرتون المستهلك، وهو ما يُعد نموذجًا فعّالًا للاقتصاد الدائري، ويسهم في توفير آلاف فرص العمل.
أضاف أن مصر قادرة على خلق قيمة مضافة كبيرة من خلال بعض الصناعات الغذائية والتحويلية، مثل صناعة الطماطم المجففة، أو عصائر الفواكه، أو الخضروات المجمدة، التي يمكن حفظها وتصديرها بسهولة، وتحقق عائدًا اقتصاديًّا أعلى بكثير من تصدير المواد الخام.