صندوق النقد: انخفاض ديون ثلثي العالم بحلول 2029.. لكنها تظل مرتفعة مقارنة بفترة كورونا
من المتوقع بلوغ نسبة الدين العام 100% من الناتج العالمي نهاية العقد الجاري
سمر السيد .. تشهد معدلات الدين العام العالمي ارتفاعا مستمرا، الأمر الذي يتطلب من البلدان إجراء خطوات ضبط مالي عاجلة لتحقيق الاستدامة والمرونة الاقتصادية في ضوء حالة عدم اليقين، وضغوط الإنفاق، حسبما أشار صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي.
وأضاف الصندوق في التقرير الذي حصلت “حابي” على نسخة منه، أنه على الرغم من أن حوالي ثلثي البلدان تتوقع استقرار أو انخفاض ديونها بحلول عام 2029، لكن ستظل مستويات الديون مرتفعة مقارنة بمعدلاتها ما قبل تفشي جائحة كورونا.

الحاجة لتحول استراتيجي في السياسات المالية للبلدان وإصلاح برامج المعاشات ودعم الطاقة
وأفاد التقرير أن السياسات المالية التوسعية التي تتبناها الحكومات تسهم في زيادة أقساط الفائدة على السندات الحكومية، و ترفع تكاليف الاقتراض،كما تضعف النشاط الاقتصادي.
وبحسب الصندوق، إذا لم يتم معالجة هذه الضغوط، فقد تؤدي إلى مشكلات في الملاءة المالية للعديد من البلدان الضعيفة اقتصاديًا، لافتًا إلى أن 53 % من البلدان النامية تعد منخفضة الدخل، و23 % من اقتصادات الأسواق الناشئة معرضة لخطر كبير فيما يتعلق بأزمة ديونها أو تعاني بالفعل منها.
23 % من الأسواق الناشئة معرضة لخطر كبير في إدارة ديونها
كشف التقرير أن حجم الدين العام العالمي سجل أكثر من 100 تريليون دولار في العام الماضي 2024، ومن المتوقع أن تقترب نسبته من 100% من الناتج الإجمالي العالمي بحلول نهاية العقد الجاري.
ومن الممكن أن يكون الرقم النهائي أعلى من ذلك بكثير بسبب ضغوط الإنفاق الكبيرة والتقليل المستمر لدى الحكومات من تقديرات الدين.
ولفت التقرير إلى تدهور الوضع المالي العالمي في العام الماضي، رغم الاختلافات الكبيرة بين البلدان في أوضاعها المالية الداخلية.
أوضح تقرير الصندوق أن متوسط العجز المالي العالمي سجل نحو 5.1% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما ارتفع الدين العام بنقطة مئوية واحدة ليصل إلى 92.3% من الناتج الإجمالي، بما يعكس استمرار تداعيات الإنفاق المرتفع الناجم عن جائحة كورونا، وارتفاع صافي مصروفات الفائدة.
وأضاف التقرير أن تكاليف خدمة الديون تضغط حالياً على الحيز المالي المتاح لتمويل الاستثمارات الضرورية أو الإنفاق الحيوي اللازم لتمويل المشروعات التنموية، كما يشكل النقص في المساعدات الخارجية خطراً إضافياً على البلدان منخفضة الدخل.
علاوة على ذلك، تؤثر حالة عدم اليقين الكبيرة في التوقعات المالية وكذلك على معدلات نمو الاقتصاد العالمي، لاسيما أن التحليلات الحديثة تشير إلى أن زيادة عدم اليقين الجيواقتصادي عالميًا مرتبطة بارتفاع معدلات الدين العام بنحو 4.5 % من الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط، ويرجع هذا الأمر إلى حد كبير إلى اتساع العجز المالي، مع ارتفاع الإنفاق وانخفاض الإيرادات.
توصيات عدة
أكد التقرير الحاجة الماسة إلى تحول استراتيجي في السياسة المالية لبلدان العالم، يركز على التعديلات المالية الموجهة نحو النمو، والالتزام بقواعد إنفاق أكثر صرامة، وإصلاح برامج الإنفاق الرئيسة مثل المعاشات التقاعدية ودعم الطاقة، التي تشكل جزءاً كبيراً من الميزانيات الوطنية.
بحسب الصندوق، يتعين على البلدان التي تعاني من ديون عامة غير مستدامة أن تسعى جاهدة لاستعادة الاستدامة، بما في ذلك اتخاذ القرار الصعب وهو إعادة هيكلة الديون.
كما يجب على معظم البلدان تبني سياسة الضبط التدريجي لأوضاع المالية العامة لمعالجة ارتفاع الدين العام العالمي، والتخفيف من المخاطر المرتبطة به.
يشير الصندوق إلى أنه من شأن اتباع هذه الخطوات أن يحقق فوائد إضافية تتمثل في توفير الاحتياطيات المالية اللازمة لمواجهة حالة عدم اليقين السائدة على الصعيد العالمي.
كما يجب على البلدان التي لديها مجال محدود للمناورة المالية إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام لديها.
أما البلدان التي لديها مجال أكبر للمناورة المالية، فيمكنها أن تختار السياسات المالية التوسعية بما يتماشى مع أهدافها المتوسطة الأجل.
وأوصى الصندوق الاقتصادات المتقدمة التي تعاني من ارتفاع معدلات الشيخوخة بين السكان أن تشجع عدة إصلاحات اقتصادية، وتوسيع القواعد الضريبية، في حين يرى أن الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية يمكنها تعبئة الإيرادات عن طريق إصلاح الأنظمة الضريبية، والإلغاء التدريجي لدعم الطاقة، وترشيد الإنفاق العام.
وأكد الصندوق أنه من الضروري أيضًا اتخاذ إجراءات مالية سريعة ولكنها تدريجية، مشيرًا إلى أن التأخير في هذه الإجراءات يعني اتخاذ خطوات أكثر ضرراً في المستقبل.
ويرى الصندوق أن الجهود الاستباقية والمنسقة في الفترة الراهنة تعد مفتاح تحقيق الاستدامة المالية وضمان المرونة على المدى الطويل.