إبراهيم النمر يكتب.. الفجوة المالية بين الطبقات الاجتماعية

لماذا يزداد الأغنياء ثراءً بينما تتآكل الطبقة المتوسطة؟

بقلم إبراهيم النمر رئيس قسم التحليل الفني بشركة نعيم القابضة للاستثمارات _ في زمنٍ تتسارع فيه المتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية على نحو غير مسبوق، تتسع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية بوتيرة متزايدة.

مشهد نراه في كل مكان: الأغنياء يزدادون ثراءً، بينما تُصارع الطبقة المتوسطة للحفاظ على استقرارها المالي.

E-Bank

هذه الظاهرة المعقّدة لا يمكن اختزالها في سببٍ واحد، فالعوامل المؤدية إليها كثيرة ومتداخلة، من الفوارق التعليمية، إلى التحولات التكنولوجية، إلى اختلال فرص التوظيف، والتضخم، والضرائب، وأنماط الاستهلاك الحديثة.

لكن من بين هذه العوامل المتشابكة، هناك سبب يستحق أن نلقي عليه الضوء:

إنه اختلاف العقلية المالية بين الطبقات.

تابعنا على | Linkedin | instagram

الطبقة المتوسطة: حين يتحول الأمان إلى قيدٍ خفي

ينشأ معظم أفراد الطبقة المتوسطة على قناعةٍ مفادها أن النجاح المالي يعني الحصول على وظيفةٍ مستقرة، وراتبٍ مضمون، ومنزلٍ مريح.

هذه الفكرة، رغم ما تحمله من منطق وأمان، تُصبح في كثيرٍ من الأحيان سقفًا منخفضًا للنمو المالي.

فالراتب الشهري يُعطي إحساسًا بالاستقرار، لكنه في الوقت نفسه قد يحرم صاحبه من القدرة على تحقيق تراكمٍ حقيقي في الثروة.

ومع ارتفاع تكاليف المعيشة، يذهب معظم الدخل في الأقساط والفواتير والالتزامات اليومية، مما لا يدع مجالًا للادخار أو الاستثمار.

وهكذا يجد كثير من أصحاب الرواتب أنفسهم في دوامة متكرّرة من الجهد دون تقدّم، يعملون بجدّ، لكنهم يدورون في نفس الدائرة عامًا بعد عام.

هذه ليست مشكلة فردية، بل نتاج نمطٍ اجتماعي موروث تشكّل عبر عقودٍ من التربية والثقافة السائدة، حيث ينشأ الفرد على البحث عن الأمان لا عن النمو “إن فاتك الميري، اتمرغ في ترابه”، وأيضًا على تجنّب المخاطر لا على إدارتها.

الأثرياء: حين تعمل الأصول بدلًا منك

أما الأثرياء، فينطلقون من رؤية مختلفة تمامًا.

هم لا يسعون فقط إلى كسب المال، بل إلى بناء منظومة مالية تجعل المال يعمل من أجلهم.

يحرصون على بناء محافظ من الأصول المتنوعة والمنتجة: عقارات تدر دخلًا ثابتًا، وأسهم تنمو بمرور الوقت، ومشروعات تخلق تدفقات مالية مستقرة.

إنهم يدركون أن كل جنيه يُستثمر في المكان الصحيح يمكن أن يتحول إلى عاملٍ صغير يعمل لديهم بكدٍ ليل ونهار.

من ثم لا يرتبط دخلهم بعدد ساعات العمل، بل بمدى قدرة أموالهم على توليد عوائد مستمرة.

وحين يُسأل أحدهم: “كم تعمل في اليوم؟”

قد يجيب مبتسمًا: “أموالي -المستثمرة- لا تعرف الإجازة.”

الديون: عبء في يدٍ… وسلاح في يدٍ أخرى

الديون تشكل فارقًا كبيرًا بين الطبقة المتوسطة والأثرياء.

فالطبقة المتوسطة غالبًا ما تستخدم الديون لتمويل الاستهلاك، شراء منزلٍ للسكن، أو سيارةٍ جديدة، أو سلعةٍ فاخرة.

في المقابل، يستخدم الأثرياء الديون كأداةٍ لبناء أصول جديدة: يقترضون لشراء مشروعٍ أو عقارٍ استثماري يدرّ دخلًا يغطي القرض ويحقق ربحًا إضافيًّا.

بهذا تتحول الديون من عبءٍ ثقيل إلى رافعة مالية.

لكن هذا الاستخدام يتطلّب وعيًا وخبرةً وانضباطًا؛ فالدين -كما يقول الاقتصاديون- سلاحٌ ذو حدّين: يمكن أن يبني الثروة، أو يهدمها.

قوة النمو المركّب: المعجزة الصامتة

من بين جميع الأدوات المالية، تبقى قوة النمو المركّب هي السرّ الأهم في رحلة الثراء.

إنها ببساطة إعادة استثمار الأرباح مرارًا، بحيث تتراكم العوائد فوق العوائد بمرور الزمن.

الأثرياء يفهمون هذه القاعدة جيدًا، فيتركون أموالهم تنمو بهدوء عبر السنوات.

أما الطبقة المتوسطة، فغالبًا ما تُحرم من هذه القوة/ الميزة بسبب محدودية الادخار وكثرة الالتزامات الشهرية. ومع مرور الوقت، تتسع الفجوة بين الطبقة المتوسطة والأغنياء.

الحقيقة التي لا نحب سماعها

اتساع الفجوة بين الأغنياء والطبقة المتوسطة ليس نتيجة عاملٍ واحد، بل هو حصيلة منظومة كاملة من الاختلافات الاقتصادية والتعليمية والسلوكية.

لكن من بين كل هذه العوامل، يظلّ العقل المالي هو العنصر الذي يمكن تغييره بإرادةٍ فردية.

فالمال ليس مجرد أرقام في حسابٍ مصرفي، بل انعكاس لطريقة التفكير.

من يرى المال وسيلةً للاستهلاك سيظل يدور في دائرة الحاجة،

ومن يراه وسيلةً لبناء الأصول سيبدأ -عاجلًا أم آجلًا- رحلة التحرر المالي.

الخلاصة: التحوّل يبدأ من الداخل

المال في جوهره ليس الغاية، بل مجرد أداة تمنحك حرية الاختيار.

وحين تتغيّر علاقتك به -من الخوف إلى الفهم، ومن الاستهلاك إلى البناء – ستكتشف أنك لم تكن تطارد الثروة فحسب، بل كنت تسعى إلى ما هو أعمق:

الكرامة، والحرية، وراحة البال.

“الثروة الحقيقية ليست فيما تملك، بل في العقل الذي يعرف كيف يصنعها ويحتفظ بها.”

الرابط المختصر