د. محمود محيي الدين: مشاركة القطاع الخاص ضرورية لتحفيز التحول المناخي في الاقتصادات النامية والناشئة

أكد الدكتور محمود محيي الدين، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة والمكلف من أمين عام الأمم المتحدة برئاسة فريق الخبراء لتقديم حلول لأزمة الدين العالمية، أن مشاركة القطاع الخاص أصبحت ضرورية لسد فجوة التمويل المناخي، خاصةً في الاقتصادات النامية والناشئة.

جاء ذلك خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري لدائرة وزراء مالية مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) على هامش الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

E-Bank

وأوضح محيي الدين أهمية تعزيز مشاركة القطاع الخاص في تحفيز التحول المناخي في الاقتصادات النامية والناشئة، قائلًا إن النجاح في تحقيق ذلك خلال العام المقبل يستلزم العمل على ثلاث أولويات حاسمة، أولها زيادة عدد المشروعات حيث شدد على الحاجة إلى زيادة الموارد المخصصة للإعداد لمشروعات المناخ وبناء القدرات، مع التركيز على تمكين المشروعات من جذب التمويل الخاص.

وقال محيي الدين إن الأولوية الثانية تتعلق بتفعيل دور بنوك التنمية، حيث دعا إلى قيام بنوك التنمية متعددة الأطراف بمضاعفة جهودها باستخدام أدوات تقليل المخاطر مثل الضمانات وحقوق الملكية التابعة، والتحول من نموذج الإقراض المباشر إلى نماذج التوزيع لتحرير رؤوس أموالها وخلق فرص استثمارية جديدة للقطاع الخاص، أما الأولوية الثالثة فتتعلق بإصلاح الأطر التنظيمية، حيث حث محيي الدين وزراء المالية على لعب دور محوري في ضمان أن تعكس القواعد التنظيمية الاحترازية للمؤسسات المالية المخاطر الحقيقية للاستثمار في الاقتصادات النامية والناشئة، وعدم عرقلة تدفق رأس المال الخاص نحو المشروعات المجدية.

وخلال مشاركته في فعالية بعنوان “تنسيق المقترضين: ما بعد مؤتمر تمويل التنمية الرابع (FfD4) – إلى أين نتجه من هنا؟”، أكد محيي الدين الحاجة إلى منصة عالمية لضمان المساءلة وبناء مناهج للمعاملات القابلة للتطوير، بحيث يفتح تخفيف عبء الديون مساحة تتحول فيها الديون إلى استثمارات جاهزة.

تابعنا على | Linkedin | instagram

وقال محيي الدين إن البلدان النامية تحتاج إلى تطوير خطوط قوية من المشروعات الخضراء المرتبطة بالتنمية الوطنية واستراتيجيات المناخ، وهنا يأتي دور بنوك التنمية متعددة الأطراف والشركاء التقنيين لدعم المشروع وتحفيز عملية التنفيذ.

وأوضح أن مقترح “منصة المقترضين” يأتي في منعطف حاسم للاقتصادات النامية، لا سيما في أفريقيا، حيث وصل مشهد الديون إلى مستويات ضغط غير مسبوقة، بينما تتزايد فجوة تمويل أهداف التنمية، وفي الوقت نفسه، تظل الأطر القائمة مثل الإطار المشترك لمجموعة العشرين محدودة النطاق وبطيئة في التنفيذ، ويواصل المقترضون التعامل مع مجموعات الدائنين المجزأة في ظل ظروف غير متكافئة، مع محدودية شفافية البيانات.

وقال محيي الدين إن “منصة المقترضين” نهدف إلى إعادة التوازن للهيكل العالمي للديون من خلال توفير منصة منظمة وشاملة ومدعومة سياسيًا للبلدان النامية، وخاصةً من أفريقيا، لتنسيق المناهج، وتبادل البيانات، والدعوة إلى إصلاحات توائم استدامة الديون مع النمو والإنصاف والقدرة على التكيف مع المناخ، وبالتالي فإن “منصة المقترضين” تمثل خطوة ملموسة نحو تغيير المعادلة.

وأفاد محيي الدين بأن هناك تفاهمًا مشتركًا على أن تركز منصة المقترضين في البداية على بعض الأولويات، مثل إنشاء منصة للمعرفة لتسهيل التعلم من الأقران بين بلدان الجنوب بشأن الديون السيادية، وتعزيز مبادئ وممارسات الاقتراض والإقراض المسؤولين، وتوفير مركز للمساعدة الفنية لتعزيز الوصول إلى الأدوات المالية المبتكرة، بما في ذلك الخدمات الاستشارية القانونية والمالية والاستراتيجية، وتعزيز ممارسات إدارة الديون السليمة من خلال الشراكات مع برامج بناء القدرات القائمة، وضمان صوت أقوى للمقترضين في تشكيل إصلاحات الهياكل المالية والدين الدولي، وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال إشراك الدائنين بشكل جماعي لتمويل المشاريع الإقليمية عالية الأثر، بما في ذلك الاستثمارات المقاومة للمناخ، فضلًا عن تعزيز سلامة البيانات وشفافيتها للبلدان المقترضة.

وفي اجتماع رفيع المستوى لمحافظي البنوك المركزية تحت عنوان “مستقبل النقود في اقتصاد عالمي جديد: الابتكارات في السياسات النقدية”، دعا الدكتور محمود محيي الدين إلى إعادة تقييم جذرية لأطر السياسة النقدية العالمية في ظل تحولات كبرى يقودها التحول الرقمي وتصاعد المخاطر المناخية.

وأشار محيي الدين إلى أن الرقمنة تسرع من انتقال الصدمات المالية، بينما أصبحت الصدمات المناخية تؤثر بشكل ملموس على الاستقرار المالي والتضخم، وأوضح أن أكثر من 130 دولة تبحث حاليًا إصدار عملات رقمية لبنوكها المركزية، مؤكدًا على أن هذا التحول يحتاج إلى تنسيق دولي عاجل لمنع تفتت النظام النقدي العالمي.

وسلط محيي الدين الضوء على اتجاه البنوك المركزية، وعلى رأسها البنك المركزي الأوروبي، لدمج اعتبارات المناخ في صميم عملها، من خلال “أطر الضمانات الخضراء” و”اختبارات الإجهاد المناخي”، كخطوة ضرورية لحماية الاستقرار المالي على المدى الطويل.

وأكد محيي الدين أن مستقبل النقود يجب أن يوفق بين الابتكار والثقة، وبين الكفاءة والإنصاف، كما شدد على أن التعاون الدولي عبر منصات مثل بنك التسويات الدولية وصندوق النقد الدولي هو السبيل الوحيد لتشكيل نظام نقدي مستقبلي يكون مرنًا وشاملًا ومرتكزًا على خدمة الشعوب وتحقيق أهداف التنمية.

وخلال مشاركته في الدائرة المستديرة لمنتدى المقترضين، التي نظمها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، قال محيي الدين إن “التزامات إشبيلية” ونتائج مؤتمر الرابع لتمويل التنمية قدمت طلبًا تاريخيًا بهيكل للديون يركز على التنمية وصوت جماعي أقوى للدول المقترضة.

وأضاف محيي الدين أن “منصة المقترضين” تستجيب مباشرةً لهذه الدعوة، حيث تخلق مساحة يمكن للدول فيها تبادل الدروس، ومواءمة الاستراتيجيات، وتعزيز المواقف المشتركة التي تربط استدامة الديون بالنمو، والقدرة على الصمود المناخي، والتقدم الاجتماعي.

وسلّط محيي الدين الضوء على ثلاث أولويات فورية لتحقيق هذه الأهداف، أولها الاتفاق على نموذج الحوكمة للمنتدى، بما في ذلك مجلس وزاري وأمانة عامة، وثانيها هو تطوير خارطة طريق واضحة وميثاق للمبادئ لتوجيه التنسيق، وتبادل المعرفة، والمساعدة التقنية، أما الأولوية الثالثة فتتعلق بضمان أن تغذي المنصة الإصلاحات الأوسع للهيكل المالي العالمي، بما في ذلك إصلاح تحليلات استدامة الديون، وتعزيز كفاية رأس المال لبنوك التنمية متعددة الأطراف، وتوسيع نطاق أدوات مبادلة الديون مقابل المناخ.

وأكد الدكتور محمود محيي الدين أن تعبئة رأس المال الخاص للاقتصادات النامية والناشئة تتطلب تحولًا جوهريًا في دور بنوك التنمية متعددة الأطراف، من كونها مُقرضة إلى أن تصبح محفزة في المقام الأول.

وأوضح محيي الدين، خلال مشاركته في حلقة نقاشية رفيعة المستوى حول حشد استثمارات القطاع المؤسسي في الاقتصادات النامية والناشئة، أن القطاع الخاص يواجه تحديات في الوفاء بالتزاماته الائتمانية ومتطلبات الجهات المنظمة في ظل ارتفاع المخاطر التجارية والسياسية وضآلة حجم المشاريع الجاهزة للتمويل.

ولمواجهة هذا التحدي، دعا محيي الدين إلى تعاون أوثق بين القطاع الخاص والتمويل العام، مشيرًا إلى مبادرات مثل “مختبر البنك الدولي لاستثمار القطاع الخاص” والشراكة بين تحالف جلاسجو المالي لصافي الانبعاثات الصفري – أفريقيا (جيفانز أفريقيا) والبنك الأفريقي للتنمية كمثال على النهج العملي اللازم.

وحدد محيي الدين ثلاث أولويات عملية لتحقيق النقلة النوعية المطلوبة، أولها توسيع نطاق أدوات التوريق، مثل برنامج مؤسسة التمويل الدولية لتوريق الأسواق الناشئة، وثانيها هو توجيه حقوق الملكية إلى المراكز التابعة والاستثمارات الأكثر تأثيرًا في الأسواق الناشئة، أما ثالث الأولويات فيتعلق بتعزيز الشفافية وبناء القدرات، من خلال مبادرات مثل مستودع رأس المال التحفيزي وتعزيز منصات الاستثمار الوطنية بالشراكة مع الصندوق الأخضر للمناخ.

واختتم محيي الدين بالقول إنه يجب على بنوك التنمية ومؤسسات التمويل العام العمل معًا لإزالة أوجه القصور وخلق بيئة تمكن القطاع الخاص من الاستثمار بفعالية في مستقبل عادل منخفض الانبعاثات الكربونية.

الرابط المختصر