مصر توقع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية
عمرو طلعت: الاتفاقية تمثل خطوة فارقة نحو ترسيخ نظام عالمي أكثر أمناً وعدالة في الفضاء الرقمي
وقعت مصر على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية خلال فعاليات المؤتمر الذى استضافته العاصمة الفيتنامية هانوي؛ حيث قام بالتوقيع الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، رئيس وفد مصر رفيع المستوى المشارك في مراسم التوقيع التي شهدها لوونج كونج رئيس جمهورية فيتنام الاشتراكية، أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، الدكتورة غادة والي المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والسفير هاني مصطفى سفير جمهورية مصر العربية بجمهورية فيتنام، ورؤساء وفود الدول المشاركة في المؤتمر.
وتُعد هذه الاتفاقية هي أول إطار قانوني دولي شامل لمواجهة التهديدات الإلكترونية والجريمة العابرة للحدود في الفضاء الرقمي تم اعتمداها من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 ديسمبر 2024 بموجب القرار رقم 79/243.

وقع على الاتفاقية أكثر من 60 دولة. وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز التدابير الرامية لمنع ومكافحة الجريمة السيبرانية بكفاءة وفعالية أكبر وبخاصة بشأن تبادل الأدلة الإلكترونية، فضلًا عن تشجيع التعاون الدولي في هذا المجال، وتيسير المساعدة التقنية وبناء القدرات، ولا سيما لصالح الدول النامية.
وتتكون الاتفاقية من ديباجة وتسعة فصول تشمل: الأحكام العامة، والتجريم، والاختصاص القضائي، والتدابير الإجرائية، والتعاون الدولي، والتدابير الوقائية، والمساعدة التقنية، وتبادل المعلومات، وآلية التنفيذ، والأحكام الختامية. ومن المقرر أن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ بعد مرور 90 يوماً من تصديق 40 دولة عليها.
تأتي مشاركة مصر في مراسم التوقيع تتويجاً لدورها الفاعل والمحوري الذي قامت به خلال مرحلة التفاوض على نص الاتفاقية منذ عام 2021، بمشاركة وزارتي الخارجية والعدل وعدد من الجهات الوطنية، من بينها هيئة الرقابة الإدارية، والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. ويؤكد توقيع مصر على هذه الاتفاقية التزامها بدعم الجهود الدولية لمكافحة الجريمة السيبرانية وحماية البنية التحتية المعلوماتية الوطنية.
ضم الوفد المصري المشارك ممثلين عن عدد من الوزارات والجهات المعنية، تشمل: وزارات العدل، والداخلية، والخارجية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إلى جانب ممثلين للنيابة العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
وخلال مراسم التوقيع، ألقى الدكتور عمرو طلعت كلمة مصر، استهلها بنقل أسمى آيات تقدير الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتثمينه لاستضافة جمهورية فيتنام الاشتراكية هذا المحفل المهم، مشيداً بعلاقات التعاون الممتدة بين البلدين.
وأكد الدكتور عمرو طلعت أن جمهورية مصر العربية تعتز بعلاقاتها الدبلوماسية الممتدة منذ عقود طويلة مع جمهورية فيتنام الاشتراكية، والتي تُوجت هذا العام بالارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الشاملة، معرباً عن تقديره لحسن الاستقبال وكرم الضيافة.
وأضاف الوزير أن هذا المحفل التاريخي يمثل خطوة فارقة نحو ترسيخ نظام عالمي أكثر أمناً وعدالة في الفضاء الرقمي، بما يعكس التزام المجتمع الدولي بالمضي قدماً في تعزيز التعاون متعدد الأطراف إلى آفاق جديدة رحبة؛ مشيرا إلى أنه في هذا العام الذي نحتفي فيه بالذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة، نستحضر مسيرة العمل الأممي المشترك، ونستلهم منها القيم التي تقودنا في العصر الرقمي الذي أصبحت فيه تكنولوجيا المعلومات هي قوامه، وخوارزميات الذكاء الاصطناعي محركه.
وأوضح طلعت أن مصر تؤمن بضرورة أن تمتد يد العدالة في العصر الرقمي إلى الفضاء السيبراني، تأصيلاً لمبدأ سيادة القانون في كل زمان ومكان، سواء في العالم الواقعي أو الافتراضي؛ مضيفا أن خبرات مصر كان لها أثر بنّاء في إثراء النقاشات الأممية، وتقديم نموذج متكامل تسترشد به الدول في بناء منظوماتها الوطنية، موضحاً أن الاتفاقية ترسي إطاراً محكماً للتعاون القضائي، وتفتح مسارات لتبادل الأدلة الإلكترونية والمساعدة القانونية عبر الحدود، بما يعزز سيادة القانون في العالمين التقليدي والرقمي على حد سواء.
وتابع طلعت أن مصر، على مدار العقدين الماضيين، عكفت على بناء منظومة متكاملة لحماية فضائها الرقمى، تتكامل فيها الأطر التشريعية مع المؤسسات القضائية وأجهزة إنفاذ القانون، وفرق العمل المتخصصة فى المركز الوطنى للاستعداد لطوارئ الحاسبات والشبكات، متحدة فى إطار رسالة واحدة: حماية المواطن والمؤسسات، وصون ثقة المجتمع فى الفضاء الرقمى، فى إطار رؤية بناء “مصر الرقمية”؛ مجتمع آمن، وشامل، ومستدام، ومنفتح على التجارب الدولية؛ مؤكدا أن مصر أسهمت بخبراتها القانونية والتقنية فى بلورة نص متوازن يجمع بين مقتضيات العدالة واحترام سيادة القانون.
وأشار الدكتور عمرو طلعت إلى أن مصر لم تكتف بالمشاركة فى صياغة الاتفاقية، بل تجسد التزامها المستمر بتعزيز التعاون الإقليمى والدولى من خلال تبادل الخبرات وبناء القدرات بالشراكة مع الأشقاء فى العالم العربى والقارة الأفريقية، إيماناً منها بأن الأمن الرقمى لا يُصان إلا بتضافر الأمم وتكامل الجهود.
وفي هذا الإطار، أوضح أن جمهورية مصر العربية تمضى قدماً فى إنشاء المركز المصرى–الأفريقى لمنع ومكافحة الجريمة السيبرانية بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة، ليكون نموذجاً متفرداً فى مجال المساعدة التقنية وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا، ويجسد حرص مصر على التكاتف الإقليمى وترسيخ مبادئ العدالة العابرة للحدود فى العصر الرقمى؛ مضيفا أن هذا المركز سيكون بمثابة منصة إقليمية لبناء القدرات وتبادل الخبرات وتنسيق الجهود على المستويين الأفريقى والإقليمى، وتحويل الإرادة السياسية إلى أدوات عملية تبنى على التعاون القائم فى مجالى العدالة والأمن السيبرانى.
كما دعا الدكتور عمرو طلعت الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية والدولية للمشاركة فى المؤتمر الدولى الذى تستضيفه القاهرة خلال الأشهر المقبلة، ليكون من أوائل المنصات المعنية بمناقشة تنفيذ الاتفاقية وتحويل نصوصها إلى سياسات وآليات تعاون وشراكات تمتد من الفكرة إلى التطبيق.
وأكد الدكتور عمرو طلعت أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية تمثل جسراً إلى مرحلة جديدة من العمل المشترك، وتجسد الإرادة الجماعية للدول لصون الأمن الرقمي العالمي من خلال أداة قانونية دولية هى الأولى من نوعها فى إطار متعدد الأطراف.
وأشار الدكتور عمرو طلعت إلى أن توقيع جمهورية مصر العربية إلى جانب الدول الشقيقة والصديقة يؤكد أن الأمن الرقمى لأى دولة هو مسؤولية مشتركة وأمن للإنسانية جمعاء؛ مشددا على أن مصر ماضية مع شركائها لتحويل هذا الإطار القانونى إلى فضاء رحب للتعاون والابتكار والتنمية والتواصل الإنسانى فى عصر تتسارع فيه التطورات التكنولوجية.
واختتم الدكتور عمرو طلعت كلمته بالتأكيد على إيمان مصر الراسخ بأن العدالة وسيادة القانون هما السبيل لضمان أن تظل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قوةً للبناء والسلام، لا أداةً للاضطراب والانقسام، لتجتمع الإرادة الدولية حول الهدف الأسمى فى العصر الرقمى، وهو منح الشعوب مستقبلاً رقمياً شاملاً، مستداماً، وآمناً.













