علي توفيق: الصناعات المغذية للسيارات تدخل مرحلة انتعاش بعد عقد من التراجع
دخول 9 شركات جديدة للتجميع المحلي ينعش الطلب على القطاع
شاهندة إبراهيم ويارا الجنايني _ أكد المهندس علي توفيق، رئيس رابطة الصناعات المغذية للسيارات، أن قطاع السيارات المصري يقف حاليًا على أعتاب مرحلة انتعاش جديدة، بعد سنوات طويلة من التراجع الحاد الذي بدأ منذ عام 2015 نتيجة لتقلبات اقتصادية متلاحقة، أبرزها تحرير سعر الصرف، وتوقف الاستيراد، وأزمات تدبير العملة الأجنبية.
أوضح أن صناعة السيارات في مصر مرت بمحطات متتابعة من الصعود والهبوط خلال العقد الماضي، إذ تأثرت بشدة بعد الثورة نتيجة الاضطرابات السياسية، ثم تلقت ضربة قوية بعد ارتفاع العملة في 2016، تلتها أزمة “خليها تصدي” في 2019 التي أحدثت شبه شلل في السوق، ثم جاءت جائحة كورونا لتوقف النشاط الصناعي بالكامل تقريبًا، وصولًا إلى أزمة الدولار في 2022.

أضاف علي توفيق في تصريحات لجريدة “حابي”، إن الوضع بدأ في التحسن التدريجي منذ عام 2023، بدعم من إصدار إستراتيجية تنمية صناعة السيارات والصناعات المغذية لها، التي تمثل –بحسب تعبيره– أفضل ما صيغ خلال الثلاثين عامًا الماضية من حيث وضوح الرؤية وتكامل الحوافز، سواء لمصنّعي السيارات أو لموردي المكونات المحلية.
وأشار توفيق إلى أن الإستراتيجية الجديدة تعتمد على آلية القيمة المضافة، بما يتيح احتساب نسب المكون المحلي بسهولة ويمنح مزايا تصاعدية مع زيادة الإنتاج، مؤكدًا أن هذا التوجه بدأ يترجم إلى حركة فعلية في السوق، مع دخول 8 إلى 9 شركات جديدة تستهدف التجميع المحلي خلال العام الحالي، وهو ما ينعكس مباشرة على نشاط الصناعات المغذية.
الصناعة تدخل مرحلة اقتصاديات الحجم وتراجع التكلفة الإنتاجية تدريجيًّا
وذكر أن السيارة الواحدة تضم نحو 11 ألف مكون، تتوزع بين مجموعات رئيسية تشمل الصاج، البلاستيك، الزجاج، الإطارات، الأنظمة الإلكترونية، ومكونات المحرك، مشيرًا إلى أن نمو الإنتاج المحلي يخلق اقتصاديات حجم تُمكّن الموردين من خفض التكلفة ورفع القدرة التنافسية، وهو ما تعززه الحوافز الجديدة في الإستراتيجية الحكومية التي تربط بين زيادة الإنتاج والحصول على مزايا إضافية.
ورغم الإيجابيات، يرى توفيق أن القطاع ما زال يعاني من تحديات هيكلية، في مقدمتها الاعتماد شبه الكامل على استيراد الخامات الأساسية مثل الصاج والبلاستيك والصلب.
ما زلنا نستورد أغلب الخامات وصناعة الصاج محليًّا خطوة فاصلة
وقال إن غياب إنتاج محلي للخامات يقلل من نسبة المكون المحلي ويرفع التكلفة النهائية للمنتج، لافتًا إلى أن وزير الصناعة الفريق كامل الوزير بدأ بالفعل التحرك نحو إنتاج الصاج المخصص لصناعة السيارات داخل مصر بالتعاون مع شركات متخصصة، وهو ما يمثل “إضافة جوهرية” على حد تعبيره لمسار تعميق الصناعة.
ودعا رئيس الرابطة إلى تبني مشروعات محددة لتعزيز مكونات بعينها مثل الإكصدامات، والفوانيس، والمرايات، والمكونات البلاستيكية الداخلية، والمكونات الإلكترونية الدقيقة، مع منحها حوافز استثنائية ضمن مظلة الاستراتيجية العامة، موضحًا أن التجربة الصينية تمثل نموذجًا ناجحًا في هذا الاتجاه، إذ تمنح الصين دعمًا يصل إلى 17% من فاتورة التصدير مقابل 8% فقط في مصر.
الصناعات الإلكترونية والمكونات البلاستيكية فرص واعدة للتصدير
أضاف أن الصناعات الإلكترونية والمكونات البلاستيكية تمثل فرصًا واعدة للتصدير، ليس فقط لأنها تدخل في كل طراز من السيارات الحديثة، ولكن أيضًا لما تمتلكه مصر من قاعدة صناعية يمكن تطويرها بسرعة في هذا المجال.
وفيما يتعلق بحجم الاستثمارات الجديدة في الصناعات المغذية خلال العام الجاري، أفاد توفيق بأن المرحلة الحالية تشهد ضخ استثمارات كبيرة في التوسعات والمعدات والتدريب، مؤكدًا أن “الصناعات المغذية هي صناعة الصناعات” بما تتطلبه من بنية إنتاجية معقدة تشمل القوالب والاسطمبات والماكينات المتخصصة.
ولفت إلى أن العمالة المصرية ما زالت تتمتع بميزة نسبية من حيث انخفاض التكلفة مقارنة بدول منافسة مثل تركيا والمغرب، لكن تحقيق التنافسية يتطلب التركيز على رفع الكفاءة والمهارة الفنية من خلال برامج تدريب متخصصة وبعثات فنية خارجية بالشراكة مع الدول الصناعية الكبرى، مثل ألمانيا واليابان وإيطاليا.
وفيما يخص التحديات الإجرائية، نوّه توفيق إلى أن الدولة بدأت بالفعل تبسيط إجراءات الحصول على التراخيص والأراضي الصناعية، غير أنه دعا إلى تطوير منظومة “النافذة الواحدة” لتصبح أكثر فاعلية، بحيث يحصل المستثمر على تراخيصه خلال 48 ساعة على الأكثر، على غرار النماذج العالمية المتقدمة.
وأكد توفيق أن صناعة السيارات في مصر مقبلة على مرحلة نمو حقيقي خلال الأعوام القليلة المقبلة، مدفوعة بالإستراتيجية الجديدة وتزايد الطلب المحلي مع ارتفاع عدد السكان بأكثر من 25 مليون نسمة خلال العقد الأخير، مشيرًا إلى أن تحقيق طفرة مستدامة يتطلب توطين صناعة الخامات والمكونات الإلكترونية، وتحسين منظومة التدريب، وتسريع إجراءات التراخيص.













