محمد البهي: تمكين القطاع الخاص لا يعني انسحاب الدولة
من حق الحكومة رفض بيع الأصول بأقل من قيمتها السوقية
فاطمة أبوزيد _ قال الدكتور محمد البهي، عضو المكتب التنفيذي وعضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية، ومستشار غرفة صناعة الأدوية ورئيس شركة «لانا» لمستحضرات التجميل، إن قرار الحكومة الخاص بوضع قيود على تأسيس شركات جديدة تابعة للدولة يأتي في إطار التوجهات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، موضحًا أن الدولة تسعى من خلال هذا القرار إلى ضبط حجم مشاركتها في الاقتصاد وتحقيق التوازن بين دورها ودور القطاع الخاص.
أضاف البهي، في تصريحات خاصة لحابي، أن القرار يعكس التزام الحكومة بتعهداتها تجاه الصندوق، خاصة بعد أن واجهت صعوبات خلال الفترات الماضية في بيع عدد من الأصول الحكومية بسبب ضعف العروض المقدمة، مؤكدًا أن «من حق الدولة ألا تبيع أصولها بأقل من قيمتها السوقية أو بسعر لا يعكس حجم الاستثمار الفعلي فيها».

وأوضح البهي أن القرار في جوهره ليس موجهًا ضد الاستثمار الحكومي، بل هو محاولة لإعادة تنظيم دور الدولة الاقتصادي بما يحقق الكفاءة ويمنع التوسع غير المبرر في تأسيس كيانات جديدة دون دراسة جدوى حقيقية أو حاجة إستراتيجية.
تابع: «لا أرى أن القرار يحمل أهمية استثنائية على المدى القصير، لأنه أقرب إلى كونه تحديدًا لإطار عام وليس تغييرًا جوهريًّا في شكل السوق، لكنه مع ذلك خطوة طبيعية في مسار الإصلاح الاقتصادي وتوافق السياسات مع توجهات المؤسسات الدولية”.
مطالب باشتراطات صارمة لضمان استثمار حقيقي في الاستثمارات العامة
وأشار البهي إلى أن أهم ما تحتاجه المرحلة الحالية ليس فقط تقييد التأسيس، بل وضع اشتراطات واضحة لأي استحواذ أو مشاركة في المشروعات القائمة، بحيث يلتزم المستثمر المحلي أو الأجنبي بتوسيع الطاقة الإنتاجية، والحفاظ على العمالة، وزيادة معدلات التشغيل والنمو الصناعي، مضيفًا: «لا بد أن تكون هناك معايير واضحة تضمن أن من يحصل على مشروع أو أصل حكومي يضيف للاقتصاد لا أن يكتفي بإعادة تقسيم الأراضي أو تغيير نشاط الشركة لتحقيق مكاسب سريعة».
وأكد أن الدولة يجب أن تتوسع أفقيًّا بزيادة الرقعة الصناعية، وتوفير أراضٍ مجهزة للمستثمرين الجادين، مع وضع ضوابط تمنع المضاربة على الأصول أو استغلالها بشكل غير إنتاجي.
وفيما يتعلق بالصناعات التي ينبغي أن تظل تحت إشراف الدولة، أوضح البهي أن هناك قطاعات لا يمكن للقطاع الخاص أن يتحمل مسؤوليتها مثل مشروعات البنية التحتية، نظرًا لأنها لا تدر عائدًا مباشرًا على المستثمرين، وأضاف: «من غير المنطقي أن نتوقع أن يدخل مستثمر خاص في مشروع لبناء كوبري أو طريق سريع، فهذه المشروعات بطبيعتها خدمية ومكلفة، والدولة هي الجهة الوحيدة القادرة على تمويلها وإدارتها».
البنية التحتية والكهرباء قطاعات يجب أن تظل تحت إشراف الدولة
أوضح محمد البهي أن بعض القطاعات الأخرى، مثل الكهرباء والطاقة والمياه، تحتاج كذلك إلى استمرار وجود الدولة لضمان استقرار الخدمات وحماية الأمن القومي، نظرًا لأن تكلفة إنشاء محطات الكهرباء أو المرافق الحيوية ضخمة جدًّا والعائد منها يأتي على مدى طويل، بينما يبحث المستثمر الخاص عن الأرباح السريعة والعائد المرتفع على رأس المال.
وتابع البهي: «المستثمر في النهاية يتحرك وفق دراسات مالية دقيقة، ويختار المجالات التي تحقق له عائدًا مضمونًا، لذلك لا يمكن إجباره على الدخول في صناعات بعينها، لكن في المقابل يجب على الدولة أن تحافظ على دورها في القطاعات الإستراتيجية التي لا يقبل عليها القطاع الخاص”.
وأشار إلى أن فكرة تمكين القطاع الخاص ليست جديدة، فقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ بداية ولايته على ضرورة التوسع في إقامة مدن صناعية جديدة في الظهير الصحراوي، لتشغيل الشباب وخلق فرص عمل وتحقيق التنمية المتوازنة بين المحافظات.
واختتم البهي تصريحاته بالتأكيد على أن أهم ما تحتاجه المرحلة القادمة هو وضوح الرؤية الاستثمارية، وتحديد القطاعات ذات الأولوية، وضمان الشفافية والمنافسة العادلة بين كل الأطراف، قائلًا: «تمكين القطاع الخاص لا يعني انسحاب الدولة، بل إدارة رشيدة للدور الاقتصادي تضمن الكفاءة وتخدم أهداف التنمية المستدامة».













