هاني جنينة: السوق سبقت مؤسسات التقييم في قراءة تحسن الاقتصاد المصري
تراجع تكلفة التأمين على الديون الخارجية إلى أدنى مستوياتها منذ 5 سنوات
يارا الجنايني _ قال هاني جنينة، رئيس وحدة البحوث بشركة الأهلي فاروس لتداول الأوراق المالية، إن هناك ثلاثة عوامل جوهرية دفعت مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية إلى رفع تقييمها للاقتصاد المصري، مؤكدًا أن التطورات الإيجابية التي تشهدها السوق المحلية كانت واضحة للمستثمرين قبل صدور قرارات مؤسسات التقييم، وهو ما انعكس على تراجع تكلفة التأمين على الديون الخارجية المصرية (CDS Spread) إلى أدنى مستوياتها منذ خمس سنوات، لتعود إلى نطاقها الطبيعي الذي يتراوح بين 250 و300 نقطة أساس، أي ما يقارب 3.3% حاليًا، وهو المستوى الذي يعبر عن عودة الثقة في قدرة الاقتصاد المصري على الوفاء بالتزاماته.
أوضح جنينة في تصريحات لجريدة «حابي»، أن أسواق المال العالمية سبقت مؤسسات التقييم في قراءة التحسن الحقيقي في الاقتصاد المصري، حيث أظهر سلوك المستثمرين في السندات الدولية «اليورو بوندز» أن النظرة للمخاطر السيادية المصرية آخذة في التحسن المستمر، مشيرًا إلى أن السوق قرأت المؤشرات مبكرًا، بينما جاء قرار مؤسستي ستاندرد آند بورز وفيتش كتأكيد مؤسسي لهذه النظرة الإيجابية.

توقعات برفع ستاندرد آند بورز تصنيفها لمصر مرتين خلال الفترة المقبلة
أضاف أن مصر باتت قريبة من تحقيق قفزة تصنيفية جديدة خلال العام المقبل، متوقعًا أن ترفع ستاندرد آند بورز تصنيفها لمصر مرتين خلال الفترة المقبلة، إذا استمرت وتيرة الإصلاح بنفس الزخم الحالي.
وأشار إلى أن العامل الأول وراء التحسن في النظرة الدولية هو التقدم الملموس في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، إذ تقترب مصر من الانتهاء من المراجعتين الخامسة والسادسة للبرنامج، ومن المنتظر صرف الشريحتين المتأخرتين بقيمة 2.4 مليار دولار في الفترة القريبة المقبلة.
رفع أسعار الوقود خطوة حاسمة لإغلاق دائرة التضخم وتحسين النظرة الائتمانية
ولفت إلى أن الأهم من التمويل هو التزام الحكومة بتنفيذ إصلاحات هيكلية صعبة وجريئة، في مقدمتها رفع أسعار الوقود والسولار لتقترب من التكلفة الفعلية، وهو ما يعد مؤشرًا قويًّا لمؤسسات التصنيف على جدية الدولة في ضبط العجز المالي وتقليص الفجوة التمويلية.
وبيّن أن هذه الإجراءات المالية، رغم صعوبتها الاجتماعية، أغلقت عمليًّا ما وصفه بـ»حلقة التضخم التمويلية» الناتجة عن العجز، حيث لم تعد الدولة بحاجة إلى الاعتماد على أدوات تمويل تضخمية، فعلى سبيل المثال، تلجأ بعض الدول العظمى إلى التوسع في طباعة النقود.
أما العامل الثاني، بحسب جنينة، فهو انحسار المخاطر الجيوسياسية الإقليمية التي كانت تضغط على نظرة المستثمرين تجاه المنطقة بأكملها. وأوضح أن هدوء التوترات بين إسرائيل وإيران في الربع الثاني من العام، ثم الهدوء النسبي في قطاع غزة خلال أكتوبر، أسهما في خفض كبير لمستوى المخاطر السياسية المحيطة بمصر، ما دعم تقييمها الائتماني.
فائض السياحة وتحويلات العاملين غطى عجز الميزان السلعي لأول مرة منذ عقدين
وتابع أن العامل الثالث يتمثل في الرياح الخارجية المواتية (Tailwinds) التي استفاد منها الاقتصاد المصري خلال العام الجاري، إذ نجحت البلاد للمرة الأولى منذ نحو عقدين في تحقيق فائض في ميزان الخدمات بفضل انتعاش قوي في قطاعي السياحة وتحويلات العاملين بالخارج، تمكن من تغطية العجز في الميزان السلعي دون الاعتماد على إيرادات قناة السويس التي تراجعت مؤقتًا.
وذكر أن هذه التطورات تكشف عن تنوع القاعدة الاقتصادية المصرية، مؤكدًا أن مرونة الاقتصاد المصري مكنته من تجاوز الصدمات بفضل تعدد مصادر الدخل، قائلًا إن الاقتصاد المصري يتمتع بقدرة على التعويض المتبادل بين قطاعاته المختلفة، وهو ما أثبتته التجربة الأخيرة.
مصر باتت قريبة من تحقيق قفزة تصنيفية جديدة خلال العام المقبل
وأكد جنينة أن مؤسسات التصنيف الدولية رصدت هذه الديناميكية في أداء الاقتصاد المصري، معتبرة أنها تعكس تحسنًا في القدرة التنافسية ومرونة مصادر النقد الأجنبي. وبيّن أنه في حال عودة إيرادات قناة السويس إلى مستوياتها الطبيعية، فإن الصورة المالية الخارجية لمصر ستتحسن بصورة أكبر خلال العام المقبل.
تحسن النظرة الدولية يدعم خفض تكلفة الاقتراض الخارجي بنحو 5 نقاط مئوية
ولفت إلى أن انخفاض تكلفة الاقتراض الخارجي يعكس هذا التحسن بوضوح، منوهًا إلى أنه قبل نحو 5 أشهر فقط كانت مصر تدفع فارق عائد قدره 8% فوق عائد سندات الخزانة الأمريكية، بينما تراجع هذا الفارق حاليًا إلى 3% فقط، ما يمثل توفيرًا بنحو 5 نقاط مئوية في تكلفة التمويل الخارجي، وهو مكسب كبير يعزز من استدامة النمو ويقلل أعباء خدمة الدين.
وأفاد جنينة بأن تحسن التصنيف السيادي وثقة الأسواق العالمية في الاقتصاد المصري من شأنهما جذب استثمارات أجنبية طويلة الأجل، لأن المستثمر الخارجي ينظر أولًا إلى سمعة الدولة الائتمانية قبل أن يضع أمواله في مشروعاتها، مؤكدًا أن عودة الثقة في قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تمثل الأساس الجوهري لانطلاق دورة جديدة من الاستثمار الحقيقي والإنتاج الصناعي في مصر.












